عاد الجدل بقوة حول موضوع استهلاك القنب في تونس على اثر الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الابتدائية بالكاف بمعاقبة شابين استهلكا مادة القنب الهندي (الزطلة) بالسجن ثلاثين عاما. هذا الحكم القاسي والغريب أثار غضبا لدى الرأي العام الذي استنكر هذا الحكم الجائر وطالب بالإفراج عن الشابين، وقد تكونت مجموعات مساندة لهما وتطوع محامون للدفاع عنهما. في نفس الوقت، استغلت بعض المبادرات الشبابية هذه التطورات لتعيد النقاش حول استهلاك مادة القنب إلى الواجهة مرة أخرى.

مبادرات لتحرير استهلاك وزراعة القنب

في الفترة الماضية، تشكل ائتلاف شبابي يسمي نفسه “جبهة تحرير الكيف” يهدف إلى التحرير الكامل لاستهلاك مادة القنب الهندي وإلغاء كل العقوبات السجنية والمالية في حق المستهلكين. وقال أحد المتحدثين باسم هذه الجبهة، أيمن الرزقي، إن المقاربة العلمية الحديثة في العالم تؤكد أن مادة القنب لا تصنف ضمن المخدرات الخطيرة والسُمية، ولا تسبب أضرارا صحية أو انحرافات في السلوك لدى الراشدين”، معتبرا أن استهلاك الكحول ومواد أخرى مثل السكر تشكل خطرا على جسم الإنسان أكثر من مادة القنب، حسب قوله.

جبهة تحرير الكيف تحمل تصورا كاملا حول تقنين استهلاك القنب الهندي وزراعته واستغلاله لأغراض طبية وزراعية وصناعية. حسب أيمن الرزقي، فإن القانون عدد 52 المتعلق بمكافحة استهلاك وترويج المخدرات “سقط شعبيا” باعتبار أنه يواجه رفضا من قبل مختلف فئات الشعب المتضررة من هذا القانون. ويضيف الرزقي

لا يمكن اعتبار مدخني القنب مرضى أو مجرمين، هم يدخنون الكيف كما كان يسمى لدى أجدادنا ولم يكن ممنوعا بل كان استهلاكه دارجا في المجتمع منذ عقود وهو مختلف جدا عن المخدرات التي تحتوي مواد سمية.

وينص القانون عدد 52 لسنة 1992 على عقوبة إلزامية بالسجن مدتها سنة لكل من يدان بحيازة مواد مخدرة وخمس سنوات لمن يعاود ذات الجريمة، وتصل الأحكام إلى حد 10 أعوام سجن لكل من يستغل أي مكان لتعاطي المخدرات أو ترويجها. وجاء تجريم استهلاك القنب في تونس في سياق سياسي تورط فيه شقيق الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في قضية دولية لترويج المخدرات (أو ما يُعرف بقضية couscous connexion) واتهمت آنذاك فرنسا نظام بن علي بتبييض تجارة المخدرات، وتُعتبر هذه الخطوة محاولة من نظام بن علي لتلميع صورته وتجنب الفضيحة الدولية وإبعاد التهم التي لاحقته بتبييض تجارة المواد المخدرة.

من جهته قال رئيس حزب الورقة، وهو حزب ناشط في مجال تشريع بيع واستهلاك القنب، قيس بن حليمة إن القانون 52 هو “قانون زجري تم وضعه في سياق معين منذ 30 عاما، ورغم طابعه الزجري إلا أنه لم يساهم في الحد من عدد مستهلكي المخدرات في تونس بل إن عدد المستهلكين قد زاد بكثرة، وساهم في تدمير حياة أكثر من 120 ألف تونسي تعرضوا للسجن وسوء المعاملة فقط بسبب استهلاك سيجارة حشيش”.

وطالب قيس بن حليمة الدولة التونسية باستغلال الأموال الطائلة التي يستفيد منها رواد السوق السوداء وكبار تجار المخدرات وتقنين بيع القنب مثلما فعلت عديد الدول حول العالم، معتبرا أن مداخيل بيع القنب الهندي وزراعته لأغراض طبية وصناعية سيوفر مداخيلا بالمليارات لخزينة الدولة، حسب قوله.

نحو تغيير أو تعديل القانون 52

لم تتخلف بعض الكتل النيابية عن مواكبة هذا الجدل، حيث قدمت كتلة الإصلاح الوطني مشروع مبادرة لتنقيح القانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات تتضمن منح سلطة تقديرية أوسع للقضاء والتخفيف مع التدرج في العقوبات المتعلقة بجرائم استهلاك ومسك المواد المخدرة. وتتلخص المبادرة في إقرار التدرج في العقوبات بالنسبة لاستهلاك ومسك المواد المخدرة عبر إلغاء العقوبة السجنية بالنسبة للاستهلاك أول مرة وتمكين المحاكم من استبدال العقوبة السجنية بعقوبات أخرى على غرار العمل لفائدة المصلحة العامة، في المقابل تضمنت المبادرة تشديدا للعقوبات السجنية والمالية على المروجين خاصة إذا كان مكان الترويج مؤسسة تربوية أو محيطها أو فضاءات عامة أخرى.

من جهته اجتمع رئيس الحكومة هشام المشيشي، 13 فيفري الجاري، مع عدد من النشطاء في مجال تحرير استهلاك القنب الهندي من بينهم رئيس حزب الورقة قيس بن حليمة وكاتب الدولة السابق عبد القدوس السعداوي وكاتبة الدولة السابقة فاتن قلال للتداول حول هذا الموضوع. بلاغ رئاسة الحكومة حول هذا اللقاء لم يتضمن أي إشارة بخصوص توجه الحكومة بخصوص تعاطيها مع قضية القانون 52 لكن المكلف بمهمة في ديوان رئيس الحكومة حسام بن محمود قال لـ “نواة” إن رئاسة الحكومة منفتحة على كل المقترحات المتعلقة بهذا الشأن، وبأنها مقتنعة بضرورة تغيير قانون 52 أو على الأقل تعديله وإلغاء بعض العقوبات السجنية فيه والتي ذهب ضحيتها شبان تونسيون وعائلاتهم وخلقت مأساة اجتماعية في البلاد طيلة العقود الثلاثة الماضية.