صادق المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل في 26 أوت 2020 على الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي (في 26 و27 أكتوبر2020 ) غير انتخابي بنسبة 96 بالمائة، أي بموافقة 505 من أصل 560 مقترعا من أعضاء المجلس الوطني. هذا القرار بعقد مؤتمر استثنائي سيتيح للمنظمة تنقيح فصول في القانون الأساسي وخاصة الفصل 20 المثير للجدل دائما. إذ يسمح بمقتضى هذا الفصل لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل بالترشح لعهدتين نيابيتين فقط. إلا أنه يوجد توجه داخل الاتحاد بتنقيح هذا الفصل حتى يُسمح بتولي أكثر من ولايتين في المكتب التنفيذي. هذا التوجه ساهم في خلق “معارضة نقابية” لما اعتُبر “مساعي التمديد” للمكتب الحالي وعلى رأسهم الأمين العام نور الدين الطبوبي.
استقطاب ثنائي بين المكتب التنفيذي والمعارضة النقابية
قال المتحدث باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري لموقع نواة إن
المجلس الوطني لم يناقش تنقيح الفصل 20 بقدر ما تطرق إلى الشأن الداخلي للاتحاد وتقييم أدائه وتطوير هيكلته ورسم السياسات العامة للمنظمة فيما تبقى من العهدة الحالية إلى حين انعقاد المؤتمر القادم مطلع سنة 2022.
ورفض الطاهري وصف النقابيين الذين صوتوا لفائدة انعقاد مؤتمر استثنائي بالانقلابين باعتبار أن “الاتحاد يحسن إدارة الخلافات والاختلافات ويقبل الرأي الآخر وقرار الأغلبية هو النهائي من خلال الاحتكام إلى آلية الديمقراطية والتصويت”، على حد تعبيره.
هذا الموقف “الرسمي” يواجهه موقف مناهض لتوجه المكتب التنفيذي الحالي، ويقود هذا التوجه نقابيون بارزون على غرار كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي ومساعده أحمد المهوك فيما يُعرف بتنسيقية “القوى النقابية الديمقراطية”، ونظمت هذه التنسيقية وقفات احتجاجية في ساحة محمد علي وأمام النزل الذي احتضن أشغال المجلس الوطني الشهر الماضي للتعبير عن موقف أنصار هذه التنسيقية الرافض لمساعي تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل.
وقال المتحدث باسم تنسيقية القوى النقابية الديمقراطية أحمد المهوك لموقع نواة إن
الوقفات الاحتجاجية التي نظمها النقابيون تهدف إلى التعبير عن رفض واسع من قبل قواعد نقابية من مختلف القطاعات لمشروع الفصل 20 من القانون الأساسي الذي سيخول للقيادة الحالية تجاوز دورتين متتاليتين.
داعيا إلى ضرورة احترام أسس الديمقراطية داخل هياكل المنظمة والتداول على السلطة والتمسك بصورة الاتحاد كمنظمة مستقلة وديمقراطية حسب قوله.
المهوك يعتبر أن القضية هي “الدفاع عن المسالة الديمقراطية (داخل الاتحاد) وهي مسالة مركزية مهمة وليست ثانوية ناضل من أجلها أجيال منذ تأسيس هذه المنظمة مرورا بمقاومة الاستعمار وبناء الدولة الحديثة والنضال ضد الدكتاتورية”، موضحا أن “المعارضة النقابية” خرجت للتظاهر خارج أطر الاتحاد لأن أصحاب مبادرة تنقيح الفصل 20 هم من طرحوا القضية خارج الأطر الرسمية بشكل انقلابي لأن المؤتمر العام هو وحده المخول له تغيير القانون الأساسي وليس ما يُسمى بالمؤتمر غير الانتخابي، حسب تعبيره.
هي إذن معركة تُطرح في كل مرة دون أن تُعالج بطريقة جذرية، وغالبا ما يتم تجاوزها من أجل حماية المنظمة وعدم تهديد وحدتها، لكن رغم هذا الخلاف الحاد يتفق الجميع على ضرورة إيجاد حل يجمع بين ضمان حد أدنى من الاستمرارية وعدم خسارة الكوادر النقابية التي كونتها المنظمة في مختلف هياكلها من جهة، وبين ضمان التداول على المسؤوليات في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وخاصة على مستوى مكتبه التنفيذي من جهة أخرى.
النقابيون والفصل عشرين: مسيرة طويلة ومفخخة
صحيح أنها لن تكون المرة الأولى التي يُطرح فيها تنقيح الفصل 20 داخل أروقة اتحاد الشغل، لكن هذه المرة احتد النقاش وأصبح الإعلام والمظاهرات ساحة للنقاش بين أبناء المنظمة بعد أن كانت غالبية المسائل الخلافية تُحسم في المؤتمرات والهيئات الإدارية.
طرح النقابيون مسألة “التسقيف” في مؤتمر جربة 2002 وتم الإقرار بدورتين كحد أقصى لأعضاء المكتب التنفيذي، جاء ذلك بعد طي صفحة الأمين العام الأسبق إسماعيل السحباني الذي تفرد بالرأي وتميزت فترته بغياب الديمقراطية وانعدام الشفافية داخل المنظمة، بالإضافة إلى ارتكابه جملة من الخروقات والتجاوزات وتورطه في ملفات فساد أدخلته السجن لاحقا. في ذلك السياق، كان النقابيون في حالة إصرار كبرى على “تصحيح المسار النقابي” في فترة ما بعد السحباني وتمكنوا من فرض سقف لعدد الولايات في المكتب التنفيذي الوطني واضطر عبد السلام جراد وعلي رمضان (الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي آنذاك) إلى مسايرة تلك “الموجة التصحيحية” وقبلوا بلعبة الديمقراطية والتداول. لكن منذ مؤتمر جربة إلى حد اليوم وقضية “الفصل العاشر” (أصبح فيما بعد الفصل 20) مطروحة على طاولة المكتب التنفيذي وتجمعات النقابيين والهيئات الإدارية المختلفة.
في مؤتمر المنستير سنة 2006، حاولت المركزية النقابية تعديل الفصل العاشر للسماح لأعضاء المكتب التنفيذي بالترشح لأكثر من ولايتين، وكان المؤتمر ساخنا جدا وتحت حصار بوليسي حيث حاولت السلطة منع عدد من النقابيين من دخول قاعة المؤتمر. احتد النقاش آنذاك بين المؤتمرين بين رافض لتعديل الفصل العاشر بحجة الحفاظ على التداول والديمقراطية، فيما دافع نقابيون موالون لعبد السلام جراد وعلي رمضان على مشروع تعديل الفصل بحجة أنه جاء في ظروف استثنائية وسيضر بالمنظمة لأن عدم تعديله يعني خسارة المنظمة لأغلب قياداتها وخبراتها دفعة واحدة. أمام الانقسام الحاد بين النقابيين ومع خطورة انفجار المؤتمر، تدخل عبد السلام جراد لاحتواء النقاش وتأجيل الحسم في الموضوع وإبقاء الفصل العاشر على ما هو عليه، آنذاك رفع النقابيون شعار الانتصار عاليا مع ترديد شعار الاتحاد مستقل والقواعد هي الكل.
عادت معضلة الفصل العاشر مرة أخرى في أوت 2010 حين صرح عضو المكتب التنفيذي علي رمضان بأن مؤتمر المنستير قد فوض للمجلس الوطني للاتحاد أمر النظر في هيكلة الاتحاد، ومنها النظر في الفصل العاشر. واحتد النقاش مجددا بين النقابيين من أنصار “البيروقراطية النقابية” من جهة ومجموعة “اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل” أو ما يُعرف آنذاك بالمعارضة النقابية. وجاءت ثورة 17 ديسمبر لتجهض طموحات عبد السلام الجراد وأنصاره بتعديل الفصل العاشر وغادرت القيادة المتنفذة لفائدة مجموعة جديدة كان حسين العباسي وسامي الطاهري وبوعلي المباركي وحفيظ حفيظ من أبرز وجوهها، ليدخل الاتحاد في مسار جديد للعمل النقابي بعد الثورة التي مكنته من العودة إلى قيادة المشهد العام في البلاد والمساهمة في الخيارات الوطنية الكبرى سياسيا واقتصاديا.
في مؤتمر 2017، أُدخلت تعديلات على القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل دون المساس بالفصل العاشر الذي تحول إلى الفصل عشرين بعد إضافة فصول جديدة عليه. وغادر حسين العباسي المنظمة لكن نقاش الفصل عشرين تواصل إلى حدود اليوم، وتحاول المركزية النقابية تمرير تنقيح الفصل 20 المثير للجدل من خلال المجلس الوطني الذي انعقد بالحمامات في أوت 2020، والذي دعا إلى عقد مؤتمر استثنائي لتنقيح القانون الأساسي في 26 أكتوبر 2020، تاريخ سيكون حاسما في تاريخ المنظمة الشغيلة ومهددا لوحدتها في الآن ذاته.
iThere are no comments
Add yours