نشرت وزارة الثقافة في أوت 2016 نسخة أوّلية لمشروع قانون يتعلق بالفنّان والمهن الفنية تضمّنت 21 فصلا فيها تعريف للفنان ومختلف أصناف المهن ذات العلاقة بالمجال الفنّي وشروط ممارستها الّتي حدّدها مشروع القانون بالحصول على بطاقة مهنيّة، وهو ما رفضه عدد من الفنّانين والمنتجين. لكنّ النسخة الّتي تمّ إيداعها في البرلمان تضمّنت 41 فصلا أتت على جوانب عدّة للمهن الفنّية من ذلك مثلا تحديد الوضعيات المهنيّة للفنان، حيث يميّز مشروع القانون بين الفنان المحترف والفنان غير المحترف والفنان الذي يشتغل مقابل دخل إضافي، بالإضافة إلى التنصيص على أحكام لتشجيع الإنتاج الوطني من خلال التنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري حول تخصيص مدّة بثّ الأعمال الوطنية في الوسائل السمعية البصرية الخاصّة بنسبة 50% من جملة برمجتها و60% بالنسبة إلى المؤسسات السمعية البصرية العموميّة. ولكنّ مشروع القانون نصّ على عقوبات ماليّة وأخرى سجنيّة كانت محلّ رفض عديد الفنّانين المحترفين والهواة.
وقد بقي مشروع هذا القانون في رفوف لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي منذ جانفي 2018 حيث تمّ تنظيم جلستَين فقط في شأنه خُصّصت إحداهما للاستماع إلى وزير الثقافة، فيما ذكر بعض النوّاب بشكل غير رسمي أنّ تلك النسخة المعروضة قد سُحبت من قبل جهة المبادرة في انتظار إحالة نسخة جديدة.
بين ضرورة التنظيم وإكراهات الزّجر
يعود مشروع قانون الفنان والمهن الفنية إلى سنة 2015 حيث رصد الاتحاد الأوروبي مبلغ 300,000 أورو لإنجاز مشاريع لفائدة وزارة الثقافة من بينها إعداد إطار تشريعي لقطاع الفنّ والمهن الفنيّة ينظّم قطاع الفنّ ويضبط الوضعية القانونية للفنان من خلال تحديد حقوقه وواجباته وتمتيعه بالتغطية الاجتماعية. وقد تمّت إحالته على البرلمان بتاريخ 27 ديسمبر 2017 وانطلقت لجنة الشباب والشؤون الثقافية في مناقشته يوم 25 جانفي 2018 من خلال الاستماع إلى وزير الثقافة محمّد زين العابدين. وبالتوازي مع عرضه أمام البرلمان استنكر عدد من الفنانين ما جاء في نصّ مشروع القانون من فصول اعتبروها عودة إلى الوراء من خلال فرض البطاقة المهنية على كلّ من يمارس نشاطا فنيّا. حيث ينصّ الفصل 13 من مشروع القانون على ضرورة الحصول على بطاقة مهنية لكل مهني محترف سواء كان فنّانا أو تقنيّا أو إداريّا تسندها لجان مختصّة ”تضمّ ممثّلين عن الإدارة وعن الهياكل المهنيّة الأكثر تمثيلا ومختصّين في المجال الفنّي“ حسب ما جاء في الفصل 14 من مشروع القانون. ولا يمكن إحداث هذه اللّجان وأصناف البطاقات المهنيّة إلا بقرار من وزير الثقافة، وهو ما اعتبره عدد من الفنانين إجراء زجريّا بيروقرطيّا لا علاقة له بالفنّ. كما ينصّ الفصل 37 من مشروع هذا القانون، وهو الفصل الأكثر إثارة للجدل، على معاقبة من ”يمارس نشاطا فنّيا بصفة محترفة دون الحصول على البطاقة المهنيّة المستوجبة قانونا“ بخطيّة تتراوح بين 1000 و3000 دينار، وهو أمر لا يراعي خصوصية العمل الفنّي المتطوّر.
ولدى اتّصالنا برئيس لجنة الشباب بالبرلمان بلقاسم حسن أوضح أنّ اللجنة ستستكمل النّظر في مختلف مشاريع القوانين المودعة لديها إثر رفع الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا. وقال إنّ مكتب اللجنة سيجتمع يوم الخميس 14 ماي لمزيد التشاور حول مشاريع القوانين ذات الأولوية.
من جهته لاحظ المنتج الحبيب بالهادي في اتصال له مع نواة أنّ مهنة التمثيل ”غير واضحة“. كما أشار إلى أنّ مُمتهنِي الفنّ أنفسهم منقسمون بين مؤيّد لإطار قانوني ينظّم القطاع ورافض لذلك. وسبب رفض مشروع هذا القانون يعود بالأساس إلى مسألة بطاقة الاحتراف التي من شأنها تقييد حريّة الإبداع وارتهان الفنّ إلى شكليّات إجرائية لا تعكس ضرورة القيمة الإبداعية للعمل الفنّي. وهنا تدخل الحبيب بالهادي ليوضّح مسألة إسناد بطاقة الاحتراف وفق تصوّره الفنّي الّذي كان قدّمه سابقا لوزارة الثقافة، إذ يتمّ إسناد بطاقة فنّان لأيّ فنّان سواء كان هاويا أو محترفا وبطاقة فنّان متفرّغ يتمتّع صاحبها بالتغطية الاجتماعية وبالتأمين على الحياة وبخدمات اجتماعيّة أخرى، فيما لا يتمتّع صاحب ”بطاقة الفنان“ بهذه الامتيازات. ففكرة إحداث بطاقتَين منفصلَتَيْن هدفها تشجيع الفنّانين على التفرّغ لممارسة الفنّ والتمتّع بدعم الدّولة بنسبة 100% على الأعمال الّتي يقدّمونها، فيما يتمتّع الفنانون المحترفون والهواة الّذين لم يجعلوا من فنّهم مورد رزقهم الوحيد بدعم بين 60% و80%.
إطار قانوني مشتّت وحلول وقتيّة
ينصّ الدستور في فصله 42 على الحق في الثقافة وحرية الإبداع وتشجيع الدولة للإبداع الثقافي. كما نصّت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في توصيتها سنة 1980 على تحديد تشريعات في مجال الفن والثقافة للدول الأعضاء في المنظّمة، ومن بينها تونس. فعلى الصعيد الأممي هناك إجماع على ضرورة تقنين المجال الفنّي وتحرير الإبداع. وعلى المستوى الوطني مازالت بعض النصوص تعود إلى ستينات القرن الماضي بما لا يواكب تطوّر النشاط الفني ولا يراعي الوضعية المادية للعمل الفني الذي يطغى عليه الطابع الموسمي والعرَضي، من ذلك مثلا القانون عدد 32 لسنة 1969 المتعلّق بإحداث بطاقة مهنيّة للاحتراف الفنّي الّذي يختصّ بمجالَي الرّقص والموسيقى. وينصّ هذا القانون في فصله الثاني على ما يلي ”لا يمكن تعاطي مهنة الغناء أو العزف أو الرقص إلا بعد الحصول على بطاقة الاحتراف الفنّي“. وتُسند هذه البطاقة بعد امتحان يُضبط من قِبل كاتب الدّولة للشؤون الثقافية. وهو أمر تجاوزته الأحداث وطالما كان محلّ رفض عديد الفنانين في مناسبات متكرّرة.
كما يُنظّم قطاع الصناعة السينمائيّة بمقتضى القانون عدد 19 لسنة 1960 وقطاع الفنون الدراميّة بالقانون عدد 15 لسنة 1986 الّذي ينصّ في فصله الأخير على أن ”يتمتّع الفنانون والفنيّون الدراميون المحترفون وجوبا بالتأمين على حوادث الشّغل وبالتّقاعد والضمانات الاجتماعية طبقا للقوانين المعمول بها“. وتمّ في هذا الإطار إقرار نظام ضمان اجتماعي للفنانين والمبدعين والمثقفين بمقتضى القانون عدد 104 لسنة 2002 تحدّدت بمقتضاه التأمينات الاجتماعيّة وجرايات الشيخوخة وخدمات العمل الصحي لكلّ من ثبت انتماؤهم إلى القطاع الثقافي وممارستهم لنشاط فنّي وعدم خضوعهم إلى أيّ نظام قانوني خاصّ بالضمان الاجتماعي أو انتفاعهم بأيّ منحة قارّة من الدّولة أو من غيرها.
ولكنّ هذه المنظومة أثبتت فشلها لسببين: أوّلا لضعف عدد المنخرطين في هذا النظام وثانيا عدم ملاءمة أحكامه مع طبيعة النشاط الفنّي وخصوصية العمل الإبداعي، حيث يجد عديد الفنانين أنفسهم غير معنيّين بأحكام هذا القانون.
وإزاء هذا التشتت التشريعي وبالتزامن مع إلغاء العروض الثقافية توقّيا من انتشار فيروس كورونا تعقّدت وضعيّة الفنان والمهنيّين من تقنيين ومصوّرين وإداريين، خاصّة من الّذين اتّخذوا من الفنّ مورد رزقهم القارّ والوحيد. وتبعا لذلك أقرّت وزارة الثقافة منذ غرة أفريل 2020 حساب دعم الحياة الثقافية الّذي يساهم في مرحلة أولى في مرافقة مهنيي قطاع الثقافة والعرضيّين ودعم الاستقرار المادّي لمختلف الفاعلين الثقافيين وفي مرحلة ثانية دفع النشاط الاقتصادي ابتداء من جويلية 2020، مع مراعاة نسق تطوّر انتشار الفيروس.
كما تمّ إحداث ”تعاونية الفنانين والمبدعين والتقنيين في المجال الثقافي“ بمقتضى قرار من وزير الشؤون الاجتماعية بتاريخ 8 أوت 2017. وتهدف هذه التعاونيّة إلى ”الحدّ من الوضعية الهشّة للفنانين وضمان حقوق المبدع“ من خلال إسداء خدمات الإحاطة الصحية وبعث مشاريع اجتماعية وترفيهية بالإضافة إلى إسناد منح الولادة والوفاة وتقديم مساعدات اجتماعية وإعانات استثنائيّة. ولكنّ كلّ هذه الحلول وقتيّة في انتظار إحداث قانون يضمن الحقوق الماديّة والمعنوية للفنّان.
iThere are no comments
Add yours