ينسحب هذا الواقع على منطقة سيدي حسين أيضا، مع خصوصيات تحتفظ بها نظرا لكثافتها السكانية وارتفاع نسبة الشباب فيها. إذ تمثل نسبة الشباب من 20 إلى 39 عاما 34,64 %من المجموع العام للسكان في سيدي حسين. ما يعني أن هذه الفئة تمثل مجالا واسعا للأطراف المعنية باستمالتها للعمل السياسي، سواء أحزاب أو جمعيات. إلاّ أن لشباب سيدي حسين رأي آخر.

“نحن نعيش في هذا المكان فقط كي لا ندخل السجن. لكن أن نعيش من أجل أن نحلم ونبني وننتخب، فهذا أمر قد لا نفكر فيه أصلا”. كانت هذه إجابة صبري، 24 سنة، أحد الشباب الذين جلست إليهم “نواة” ضمن لقاء جماعي مع عشرة شباب من سيدي حسين لهم ميولات وانتماءات ومستويات مختلفة. ويضيف صبري وهو خريج كلية العلوم بالمنار اختصاص رياضيات “أنا الآن أعمل مع أبي في مجال الرخام والسيراميك، لا أملك فكرة واضحة عن الحياة السياسية في تونس ولي شعور قوي أنني لست معنيا بالانتخابات، صوتي لن يغير شيئا. هناك اهتمامات أخرى في ذهني غير السياسة”.

أحزاب لا تظهر سوى في الانتخابات

يأتي تصريح صبري في سياق الحديث عن قدرة الأحزاب السياسية على النفاذ وتأطير الشباب في المنطقة وإدماجهم في العمل السياسي ولم لا ترشيحهم للانتخابات وإعطائهم فرصة الصعود في المشهد البلدي أو النيابي. إلا أن إجابة أغلب الشباب كانت تتحدث عن “مكر” يميز الأحزاب التي لها فروع في سيدي حسين. فنشاط الأحزاب يتكاثف أكثر في المناسبات الانتخابية ثم يضمحل بعد تسجيل النتيجة المرجوة. يقول بلال، 24 سنة، وهو عامل في الدهن “انتخبت النهضة في الانتخابات البلدية بعد أن زارني كل مسؤوليها في سيدي حسين تقريبا، وكلهم عرضوا علي المساعدة في إيجاد عمل قار وانتخبتهم على هذا الأساس، لكن إلى الآن عندما يعترضوني في الشارع لا ينظرون إلي أصلا وكأنني غريب عنهم”.

تعبير بلال كان واضحا في ما أسماه كل الشباب “كذب السياسيين وبحثهم المحموم عن السلطة والمواقع والمنافع الشخصية”. فقد أصبحت هذه القناعة في تزايد مستمر في صفوف الشباب حتى أصبحت شبه حقيقة حتمية يؤمن بها الجميع في ظل عدم تحسن أوضاعهم وعدم انتفاعهم بأي شكل من الأشكال من السياسة والأحزاب والسياسيين والانتخابات. وربما يفسر كلام بلال نسبة التسجيل الضعيفة نسبيا في الانتخابات البلدية الأخيرة حيث سجل 38.119 ناخبا فقط من مجمل عدد السكان البالغ 109.672 حسب ما أكدته حنان العيدودي المكلفة بالنفاذ إلى المعلومة في بلدية سيدي حسين.

الشباب يميل إلى النشطاء والحقوقيين

بالعودة إلى الأطراف السياسية التي رشحت نفسها للانتخابات البلدية الماضية، وهي آخر مناسبة انتخابية يمكن العودة إليها لتقييم الممارسة السياسية في سيدي حسين، نجد أن 4 قائمات مستقلة قد ترشحت في مقابل 3 قائمات حزبية لتكوين مجلس بلدي بـ36 عضوا، أكدت حنان العيدودي أن 11 من هؤلاء الأعضاء قد رُشّحوا عن قوائم مستقلة على رغم اكتساح النهضة للمجلس بـ16 عضو، وهي القوائم “فك بلاصتك” و”الطموح والتنمية” و”سيدي حسين الغد” و”سيدي حسين أولا” في مقابل الأحزاب الثلاثة وهي حركة النهضة ونداء تونس ومشروع تونس.

وجود مجتمع مدني ناشط في سيدي حسين جعل الشباب يميل أكثر إلى النشطاء والحقوقيين مقارنة بالأحزاب السياسية. إذ تؤمن الجمعيات ونشطاؤها خدمات مستمرة وغير مرتبطة بالمناسبات الانتخابية وديمومة انفتاحها وتجددها. يقول ياسين الفطحلي، وهو رئيس المبادرة المواطنية للإئتلاف الشبابي بسيدي حسين “لقد اشتغلنا مطولا على موضوع التطرف العنيف والتهميش مثلا، وكان عملا شاقا وطويلا اختبرنا فيه قوة الشباب على البحث والتوثيق والتوعية والنشاط الجاد من أجل إنقاذ المجتمع من آفة التطرف وقد حققنا جزء من أهدافنا، لكن الأحزاب السياسية لا تنشط بهذا القدر ومردودها ضعيف وهي لا تظهر إلا في الانتخابات”.

مجتمع مدني يقاوم ظاهرة العزوف

لكن تقييم ياسين الفطحلي يحيل إلى فكرة ضرورة تجاوز هذه الظاهرة في أسرع وقت ممكن، فالقطيعة بين السياسي والمدني في سيدي حسين قد تزيد الأمور تعقيدا، ويقول “نحن نعمل على تشبيك واسع بين المجتمع المدني والسياسي كي ندفع الناس إلى الانخراط في الحياة العامة والسياسية وكي يكون لهم رأي وموقف وخاصة صوت انتخابي، إذ لن تطرح البرامج ولن تحدث المنافسة ولن نبني مستقبلا دون أن تكون ديناميكية العمل السياسي في سيدي حسين منظمة وقوية”.

يشير ياسين الفطحلي إلى إشكالية أخرى تعترضه كلما تعلق الأمر بنشاط ميداني وهو خلط الناس في سيدي حسين بين ثلاث مكونات مختلفة تماما وهي “الدولة وأدوارها، الأحزاب وأنشطتها، السلطة وسلوكها وبرامجها”، ويقول ياسين “الشباب هنا لم يفهم بعد أن الدولة لها واجبات وأنه لا يمكن طلب حق من المفروض أن تقدمه أجهزة الدولة من حزب. علينا توعية الشباب كذلك بأن النشاط الحزبي ليس بالضرورة تعبير عن نشاط للسلطة. فنشاط حزب ما لا يعني أن الحكومة هي التي تقف وراءه أو تموله”.

محصلة البحث في مسألة الشباب والحياة السياسية في سيدي حسين هي أن الظاهرة مركبة جدا، فيها ما لم يتمكن شباب المنطقة من فهمه وربما هذا يعود إلى المجتمع المدني في مزيد توضيح المنظومة السياسية في البلاد، وفيها ما يتعلق بالأحزاب وكيفية نشاطها وخطابها، وفيها أيضا ما يتعلق بالجمعيات التي تحتاج دعما أكثر في تحقيق أحد أهم الأهداف في مستوى سيدي حسين وهو إعادة المواطنين إلى الاهتمام بالشأن العام والدفاع المدني عن حقوقهم ومراقبة المؤسسات المنتخبة وخاصة الذهاب إلى مكتب الاقتراع رغم هذا الكم الكبير من التشكيك في الجدوى من السياسة في تونس اليوم.


تم دعم هذه الفيديو من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ من خلال الدعم المقدم لها من وزارة التعاون الاقتصادي و التنمية الألمانية.
إن محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية موقع نواة ولا يعبر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.