احتفلت مسرحية ”في العاصفة“ عند عرضها لأوّل مرّة في 12 فيفري 2018 بحدثين مهمّين وهما مرور 25 سنة على تأسيس المركز الوطني لفنّ العرائس والذكرى الـ400 لوفاة شكسبير. تعدّ هذه المسرحية والتي تمّ عرضها أيضا ضمن فعاليات أسبوع اليوم العالمي للمسرح بقاعة الفن الرابع في 27 مارس المنقضي، أولى الأعمال المسرحية العرائسيّة الموجهة للكهول في تاريخ المركز الوطني لفنّ العرائس والذي كان منذ تأسيسه يتصارع بين رؤيتين متباينتين لمنصف بالحاج يحيى الذي كان متوجّها نحو المسرح الكلاسيكيّ ورشاد المناعي التائق إلى التجديد والتطوير. حاول حسن المؤذن في مسرحيته أن يكسر كلّ الأحكام المسبقة والأفكار السائدة حول مسرح العرائس الذي ظلّ في تونس محصورا في عالم الأطفال، وذلك ببثّ الروح في عرائسه الشكسبيرية.

لا يعتبر حسن المؤذن غريبا عن مسرح العرائس فقد سبق له أن اشتغل على مسرح القناع في مسرحيته ”العندليب والوردة“ سنة 2003، كما اشتغل على الممثل العروسة  في مسرحيته ”ومن العشق ما قتل“ سنة 2007. ولأوّل مرّة يشتغل حسن المؤذن على عروسة الطاولة في مسرحيته ”في العاصفة“ التي أرادها أن تكون عملا ضخما موجّها للكهول بديكور تكفّلت ورشة المركز الوطني لفنّ العرائس بصنعه والاهتمام بتفاصيله وجماليّاته وفق رؤية إخراجية متكاملة لنص شكسبير ”الملك لير“ والذي يعدّ من أصعب النصوص في تناولها الدرامي. تعتبر المسرحية تحدّيا بالنسبة إلى حسن المؤذن أوّلا لأنّه اشتغل على نصّ لشكسبير محمّل بشاعريّة مكثّفة وثانيا لأنّه اشتغل على شخصيات عرائسيّة لا تحتمل كلّ هذه الشاعريّة ولا تحتمل معها تعقيدات أحداث وشخوص تراجيديا ”الملك لير“، لكنّنا في هذا العرض لاحظنا تماهيا عجائبيّا بين الدمية ومُحرّكها.

غلب على العرض الطابع التراجيدي نظرا لالتزام المخرج بالنص الأصلي لشكسبير رغم تطويعه والقيام بالعديد من التعديلات عليه حتى يتماشى مع السياق التونسي، لكنّ العديد من المشاهد الكوميدية تخلّلته وهو ما يميّز المسرح الانجليزي المراوح بين أجناس مسرحية مختلفة على عكس المسرح الفرنسي الوفيّ للجنس المسرحي الواحد. ربّما السؤال الذي يمكن طرحه قبل مشاهدة العرض وحتى بعده ”لماذا شكسبير اليوم؟“ بمعنى لماذا الرجوع في كلّ مرّة إلى المدوّنة المسرحية الكلاسيكيّة وإسقاطها على الواقع التونسي؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تتطلّب الغوص عميقا في تاريخ المسرح التونسي. وبالعودة إلى مسار المسرح التونسي كان شكسبير من بين روّاد المسرح العالمي الحاضرين بقوّة في تكوين شخصيّة المسرحيّ التونسيّ، فعلي بن عيّاد، على سبيل الذكر، كان متأثّرا بشكسبير وهو ما دفعه إلى الاشتغال على نصّيه ”عطيل“ و”هملت“، وإلى اليوم مازال شكسبير حاضرا سواء بالاستلهام من نصوصه وهو ما لاحظناه في مسرحية ”خوف“ للفاضل الجعايبي التي استعار فيها رمزيّة العاصفة من ”عاصفة“ شكسبير أو مثلما فعل حسن المؤذن باقتباس نصّ من نصوصه والاشتغال عليه بنفس جديد. ما الذي يجعل نصوص شكسبير صالحة لكل زمان ومكان؟ قد يجيب محبّوه بأنّ مسرحيّاته تعالج الدوافع الأساسية للنفس البشريّة مثل الحقد والحسد والغيرة والرغبة في السيطرة والحب وهي غرائز ثابتة يمكن بناء أي عمل درامي انطلاقا منها، لكن كتابات شكسبير ظلّت محصورة في الصراع بين الخير والشرّ الذي يستمدّ جذوره من المسرح الأخلاقي الذي يستمدّ جذوره بدوره من المسرح الديني.

ما الذي يجعل الشاب التونسي بهواجسه وشواغله وهمومه اليوم يشاهد عرضا مقتبسا عن نص من نصوص شكسبير المكتوبة منذ مئات السنين؟ حاول حسن المؤذن الإجابة عن هذه الأسئلة في مسرحيته ”في العاصفة“ حيث ركّز على الصراع المحموم من أجل السلطة، وهو صراع أزلي دائم، وذلك من خلال حبكة درامية قوامها حرمان الملك ”ديوب“ ابنته ”ساماتا“ من نصيبها من المملكة لأنّها رفضت تملّقه ومحاباته على عكس أختيها ”نياماتا” و”تيمورا“ اللتين جرّدتا والدهما من السلطة لتأتي العاصفة وتأخذ الجميع. تتشكل رمزية العاصفة ضمن السياق التاريخي للثورة ولكن ما يلفت الانتباه في هذا العرض هو أنّ البعد الجمالي ساهم بشكل كبير في إثراء المضمون وفي جعل شكسبير حيّا قيوما.