التحول في الموقف السياسي الحكومي أوضحه الطاهر الطاهري، رئيس جمعية حماية واحات جمنة، خلال كلمته الافتتاحية، متوجها إلى التجار الحاضرين قائلا “إن البتة تنعقد في ظروف قانونية، ولا داعي للقلق من التتبعات العدلية” ملوّحا بكلتا يديه بوثيقتين، هما مراسلتان من رئيس ديوان وزير الفلاحة إلى والي قبلي والمندوب الجهوي للفلاحة من أجل السماح المؤقت للجمعية بالاشراف على الضيعة إلى حدود إنشاء وحدة تعاضدية للإنتاج الفلاحي. وقد اختار الطاهري، الذي كان أحد الوجوه البارزة في الدفاع عن تجربة جمنة، أن يدفع برسالة للأهالي حملت الكثير من الدلالات نحو المستقبل، مشيرا إلى “أن الاشكالية مع الدولة سيكون مآلها الماضي، أما بالنسبة للجمعية فستواصل وضع أسس منوال اقتصاد اجتماعي تضامني  ولن يكون هناك توزيع للمرابيح على العمال مثلما يروج البعض، سنستمر في تغيير البنية التحتية للمنطقة”.

البتة الجديدة شارك فيها 10 تجار على خلاف بتة 2016 التي شارك فيها 3 تجار فقط، وبعد تداول الأسعار بين التجار المشاركين استقر السعر النهائي على 1,541 مليون دينار. ويبدو هذا السعر أقل من سعر بتة 2016 الذي بلغ1,700 مليون دينار. هذا التراجع برره رئيس جمعية حماية واحات جمنة بتأخر بيع المحصول هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة بسبب تعطل المفاوضات مع الطرف الحكومي، وهو ما جعل في رأيه كبار التجار يوجهون استثماراتهم نحو واحات أخرى في الجهة.

التعطل الذي أشار إليه الطاهري يعود إلى مفاوضات أكتوبر الفارط التي أجرَتها جمعية حماية واحات جمنة مع كل من وزارة الفلاحة وكتابة أملاك الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية بمقر رئاسة الحكومة، وقد كشفت هذه المفاوضات عن انقسام في الموقف الحكومي. وفي الوقت الذي أبدى فيه وزير الفلاحة سمير الطيب استعدادا لتسهيل إجراء البتة وتقنين التجربة، سعى كاتب الدولة لأملاك الدولة مبروك كورشيد، إلى محاولة فرض حجر جديد على محصول 2017. في هذا السياق أوضح عبد المجيد الحاج حمد، عضو جمعية حماية واحات جمنة لموقع نواة أن “كتابة أملاك الدولة لم تبد أي استعداد لرفع قرار التجميد المالي لحسابات الجمعية، الذي انجرت عنه صعوبات كبيرة في استصلاح صابة سنة 2017،  مما أثّر على الأوضاع الاجتماعية لعشرات العمال”.

استمرار التجميد المالي جَعل الاتفاق بين الجمعية ووزارة الفلاحة –التي آل إليها الملف رسميا- يذهب في اتجاه فتح حساب مالي جديد، ومن المنتظر أن يشرع الطرفان في مفاوضات حول تشكيل وحدة تعاضدية للإنتاج الفلاحي، كشكل مؤقت لتقنين التجربة. وبخصوص هذا المقترح أشار عبد المجيد الحاج حمد أن “هذا الشكل من الاستغلال يطرح إشكالا بخصوص السماح فقط للعمال المتعاضدين في التصرف في عائدات الضيعة، وهو ما جعل الجمعية تبحث عن ضمانات مع وزارة الفلاحة من أجل تأمين صرف العائدات في الصالح العام للجهة مع المحافظة على حقوق العمال وتحسين أوضاعهم المهنية”. وأضاف محدثنا بأن هناك مقترحات قانونية قيد الدرس من بينها مشروع قانون الاقتصاد التضامني الذي طرحه الاتحاد العام التونسي للشغل السنة الفارطة، إضافة إلى مشروع قانون جديد ستتقدم به وزارة الفلاحة المدة القادمة ويهدف إلى تنقيح قانون الوحدات التعاضدية الفلاحية من أجل توسيع تركيبة المساهمين في الوحدة التعاضدية.

إزاء الفراغ التشريعي القائم وانعدام قوانين متلائمة مع الصبغة الاجتماعية والتضامنية للتجربة تسعى جمعية حماية واحات جمنة إلى إيجاد مخارج قانونية بالاتفاق مع الأطراف الحكومية. ويطرح هذا الفراغ وضبابية الاتفاقات السياسية جدلا مواطنيا في الجهة حول الأشكال المستقبلية لاستغلال هنشير “الستيل”، خصوصا وأن استمرار الحصار المالي بإمكانه خنق التجربة، علاوة على الخشية من الإرساء على حلول مستعجلة وظرفية قد تعصف بالمنوال التضامني الذي دشنته التجربة. وفي الأثناء تبرز أيضا بعض التجارب المجاورة التي اتخذت مسارات أخرى على غرار بعض الواحات بتوز وضيعة زعفران، كمحفز لأهالي جمنة من أجل التمسك بمنوالهم الذي يبدو إلى حد الآن استثناء غير مكتمل الملامح وفي حاجة إلى الكثير من الفهم داخل سياقاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، محليا ووطنيا.