أكدت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها أن قانون المصالحة الإدارية الذي مرَّ في الجلسة العامة “قد شابته عديد الخروقات الدستورية والقانونية”، وفصّل البيان الصادر عن المكتب التنفيذي للجمعية بتاريخ 19 سبتمبر 2017 اعتراضاته، استنادا إلى عدة حجج دستورية وقانونية.
القضاة في الصفوف الأولى للمشككين
النقطة الأولى التي أشارت إليها جمعية القضاة، هي أن قانون المصالحة مخالف للفصل 114 من الدستور وذلك لعدم انتظار رأي المجلس الأعلى للقضاء. إذ يشير الفصل المذكور إلى ضرورة تمرير مشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء وجوبا إلى المجلس الأعلى لاستشارته وذلك أمر “وجوبي“، وهو ما لم يحدث في حالة قانون المصالحة.
النقطة الثانية التي جاءت في بيان جمعية القضاة تتمثل في “مخالفة أحكام الفصل 110 من الدستور الذي يمنع إحداث محاكم أو سن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبادئ المحاكمة العادلة من خلال إحداث هيئة تُرفع لديها الدعاوى المنصوص عليها بذات المشروع في فصله الخامس”.
ولم يتوقف الأمر عند هذين الفصلين فقط، فقد أكدت الجمعية أن قانون المصالحة يخالف أحد أهم الفصول في الدستور التونسي وهو الفصل 148 الذي ورد في باب الأحكام الانتقالية، والذي يقضي في الفقرة التاسعة منه بـ“التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن”.
من جهته أشار أمين ثابت، أستاذ القانون العام بجامعة قرطاج، إلى “أن قانون المصالحة في المجال الإداري يعتبر لا دستوريا في مستويين: الأول من حيث الشكل، فقد خالف القانون عدد 49 لسنة 2015 الفصل 114 من الدستور. وثانيا من حيث المضمون، لأن فيه مساس بمضمون الفصل 110 الذي ينص على منع “سن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبدأ المحاكمة العادلة”، ومضمون الفصل 108 الذي ينص على أن المتقاضين متساوون أمام القضاء”.
أكثر من 30 نائبا يوقعون عريضة الطعن
صرح النائب عن كتلة التيار الديمقراطي غازي الشواشي لـ”موقع نواة” أنه “تم إيداع ملف الطعن في قانون المصالحة لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين يوم 19 سبتمبر 2017 وقد وقع على عريضة الطعن 38 نائبا من 4 كتل مختلفة وهي الجبهة الشعبية، التيار الديمقراطي، الاتحاد الوطني الحر وكتلة غير المنتمين”. ويُذكر أن ثلاثة نواب عن الاتحاد الوطني الحر أعلنوا تراجعهم عن توقيع عريضة الطعن وهم كل من محمود القاهري والأمين كحلول وألفة الجويني عن الإتحاد الوطني. وقد جاء هذا الانسحاب بعد لقاء أجراه يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي مع الرئيس الباجي قايد السبسي.
وأكد الشواشي أن القانون الذي تمت المصادقة عليه يتضمن خروقات عديدة للدستور في العديد من المواضع من ناحية الشكل والمضمون، مضيفا “لقد تم خرق الفصلين 108 و109 للدستور وذلك بتدخل السلطة التشريعية في السلطة القضائية وسحب صلاحيات القضاء في النظر في الجرائم، كما تم تمرير القانون بصفته قانونا أساسيا بينما تعد قوانين العفو من القوانين العادية حسب الفصل 65 من الدستور“.
وفي ذات السياق، صرّح أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان لـ”موقع نواة” قائلا “إن طعننا ليس تسجيلا لنقاط سياسية أو إحراج للأطراف التي تدعم القانون، بل إنه حق دستوري، وممارسة لآلية جُعِلت أساسا لتحصين عمل المشرّع من خرق الدستور أو المساس به، واحتراما منا للدستور قمنا بالطعن المتكون من 10 نقاط ويتعلق بـ12 فصلا تم خرقها بشكل فاضح وواضح وذلك فيما يتعلق بصلاحيات القضاء التونسي وكذلك بتصفية تركة الماضي”. وأضاف الصّديق “نحن شبه متأكدون دون جزم أن مطاعننا ستحظى بقبول الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ونحن نحترم ما ستقرره”.
مخالفة لمجموعة من المعاهدة الدولية
كما يخالف قانون المصالحة حسب أمين ثابت الفصل 20 من الدستور الذي ينص على علوية المعاهدات الدولية على القوانين الأخرى، ونظرا لتوقيع تونس على الاتفاقيات الأممية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المؤرخة في 14 ديسمبر 2000 والمصادق عليها بمقتضى القانون عدد 63 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002، فإن المصادقة على القانون المذكور يخل بالتزاماتها الدولية.
في ذات السياق أشار محدثنا إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31 أكتوبر 2003 المصادق عليها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008 المؤرخ في 25 فيفري 2008، والتي تحتوي في الفصول 1 و5 و8، تنصيصا على تعزيز النزاهة ودور الدولة في مكافحة الفساد والترويج للفكرة واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الفساد ومحاربته بشكل دائم.
وأوضح أستاذ القانون العام أن قانون المصالحة الإدارية خالف الفقرة الثالثة من الفصل العاشر من الدستور التي تنص على أن ” الدولة تحرص على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد وكل ما من شأنه المساس بالسيادة الوطنية”. مضيفا أن “القانون المذكور يخالف الفقرة الثانية من ديباجة الدستور، والتي توضح مبادئ الثورة التونسية وبالتالي تعكس روح الدستور.”
هذا وقد أصدرت منظمات محلية ودولية، أمس الخميس، بيانا مشتركا أشارت إلى أن قانون المصالحة الإدارية تضمن إخلالات دستورية في الأصل ومن حيث الإجراءات، داعية الدولة التونسية إلى تحمل مسؤولياتها إزاء القانون والدستور، وضمان إرساء منظومة العدالة الانتقالية في مختلف المجالات من أجل بلوغ مصالحة وطنية شاملة وفعلية. ويذكر أن المنظمات الموقعة على البيان هي كل من المركز الدولي للعدالة الانتقالية وجمعية الدفاع عن الحقوق الفردية ومركز دعم والمخبر الديمقراطي وجمعية البوصلة والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومحامون بلاحدود وجمعية الكرامة والشبكة التونسية للعدالة الانتقالية.
المركز الدولي للعدالة الانتقالية:القانون خيانة للتونسيين
أصدر المركز الدولي للعدالة الانتقالية بلاغا إعلاميا بَيَّن فيه موقفه من المصادقة البرلمانية على قانون المصالحة الأسبوع الماضي. وأدان المركز الدولي تمرير القانون “المشوب بعيوب ومآخذ كثيرة والذي يمنح العفو للموظفين العموميين الضالعين في الفساد خلال حقبة الدكتاتورية”. كما نَقل البلاغ تصريح “دافيد تولبرت” رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية المتعلق بقانون المصالحة، والذي ورد فيه “هذا القانون يشجع الفاسدين أصحاب النفوذ والمقربين، وفي نفس الوقت يقوض القوانين والمؤسسات التي وضعت منذ سقوط بن علي من أجل محاربة الفساد المستشري”.
وقد أضاف قائلا “لنكن واضحين، لا علاقة لهذا القانون بالمصالحة مثلما يشير لذلك اسمه. على العكس من ذلك، فإنه يشجع على الإفلات من العقاب. لذلك فإن هذا القانون يعد خيانة لكل التونسيين الذين استبسلوا خلال الثورة ووقفوا صفا واحدا من أجل الكرامة والديمقراطية”.
وفي ذات السياق، قالت سلوى القنطري رئيسة مكتب تونس للمركز الدولي للعدالة الانتقالية “تونس كانت من بين البلدان القليلة للربيع العربي التي تمكنت من انتقال سلمي إلى ديمقراطية دستورية… لكن بهذا القانون فقد حصّنوا الموظفين العموميين الذين سهلوا الفساد. وهو ما يمنع محاكمتهم ومثولهم أمام القضاء” وأضافت القنطري “يخرق هذا القانون مبدأ المساواة أمام القانون، والعدالة الاقتصادية للضحايا الذين انتظروا محاسبة هؤلاء الموظفين الفاسدين بدل العفو عنهم”.
دون الإحالة على روح الدستور التونسي الجديد ودون استحضار لقيم الثورة، فقد تم خرق التوطئة و11 فصلا من الدستور، حسب المنظمات المحلية والدولية وحسب عريضة الطعن التي تقدمت بها المعارضة. والفصول المذكورة هي: التوطئة والفصل 10 والفصل 15 والفصل 20 والفصل 28 والفصل 65 والفصل 102 والفصل 108 والفصل 109 والفصل 110 والفصل 114 والفصل 148. ويعتبر بذلك قانون المصالحة في المجال الإداري أحد أكثر القوانين خرقا للدستور على مرّ التاريخ السياسي والبرلماني التونسي منذ إقرار دستور 1959.
iThere are no comments
Add yours