سفيان طوبال، رئيس الكتلة البرلمانية لنداء تونس، انبسطت أسارير وجهه ليلة البارحة إثر المصادقة على قانون المصالحة الإدارية. كان الأمر بالنسبة إليه ظَفرًا في اختبار ولاء جديد، وضَعه فيه الباجي قائد السبسي ونجله. حَرِص طيلة تصريحاته السابقة على حبك ترابط وثيق بين كسب المعركة البرلمانية وبين إعلاء الصورة الرمزية للرئيس صاحب المبادرة التشريعية، حتى أنه اتهم معارضي القانون بأنهم ”يرفضونه لا لشيء إلا لأن رئيس الجمهورية هو الذي تقدم به“.
لئن كان الامتثال الحزبي خصلة يُقر له بها الجميع –أصدقاؤه وأعداؤه- فإن تمرير قانون المصالحة الإدارية مَثَل على الصعيد الشخصي إنعاشا رمزيا لرئيس كتلة نداء تونس، الذي طاردته طيلة الصائفة الفارطة عناوين التورط في الفساد. ولكن انقشاع سُحب الصيف التي جرفت معها أوهام ”الحرب على الفساد“ أيقظت من جديد الرغبة في امتطاء مصعد التسلق، الذي قلب حياة أستاذ الفيزياء رأسا على عقب وحَمله إلى مراكز القرار الحزبي والتشريعي، وألقى به في قلب مسالك الاشتباك مع أصحاب النفوذ وبارونات الفساد.
شبهات الفساد واستغلال النفوذ
رغم ما يحظى به من حصانة برلمانية وحزبية فإن الكثير من الوقائع والملفات جعلت من سفيان طوبال، اسما مقرونا بشبهات الفساد واستغلال النفوذ. تحرّكت أولى القضايا ضده في سبتمبر 2016 عندما تقدم ضابط متقاعد وأحد المنتمين لهياكل نداء تونس بسيدي بوزيد بقضية لدى المحكمة الابتدائية، اتهم فيها رئيس الكتلة البرلمانية لحزبه أنه تسلّم منه مبلغ قدره 10 آلاف دينار مقابل وعده بالتدخل لإنجاح ابنته في مناظرة الملحقين القضائيين. هذه الادعاءات أكدها المحامي خالد عواينية، مشيرا إلى أن الشاكي ”بحوزته تسجيلات ورسائل هاتفية تدين سفيان طوبال“. ولكن هذا الأخير سارع إلى إنكار الحادثة برمتها، متحصنا بكتلته البرلمانية وحزبه.
تحقيق آخر نشره موقع نواة، في شهر ماي 2017، حول انتدابات في ديوان البحرية التجارية والموانئ تخللتها تعيينات لأقارب وأشقاء نواب من نداء تونس. بَرز خلال التحقيق اسم سفيان طوبال مُجددا عبر شقيقته رانية طوبال التي تحصّلت على عقد عمل بديوان الموانئ في 08 جوان 2016، وقد حظيت بموافقة سريعة لم تتجاوز الـ3 أسابيع لأنها أودعت مطلبا في الغرض في 16 ماي 2016. هذا الانتداب البرقي الذي لا يتيسر إلا لأصحاب النفوذ اعتبره سفيان طوبال قانونيا، ناصحا المهتمين بالملف بالتظلم لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
من جهة أخرى كشف الاستعراض الإعلامي لأزمة حركة نداء تونس عن الارتباطات بين القيادات الحزبية ولوبيات المال والأعمال. ليقترن اسم سفيان طوبال بأحد أبرز بارونات الفساد، شفيق الجراية. هذه الصداقة المُعلنة لم تخل من الارتباط المالي، إذ أكد شفيق الجراية في أحد تصريحاته أنه باع منزلا لسفيان طوبال قيمته 300 ألف دينار مقابل التزام هذا الأخير بتسديده على أقساط. هذه العلاقة لم تكن لتُكشف لولا الخصومة الطارئة بين طوبال والقيادي السابق في نداء تونس لزهر العكرمي، وقد حافظت على حميميتها بعد اعتقال شفيق الجراية في 23 ماي 2017، رغم ما جرّته عليه من مثول أمام قاضي التحقيق العسكري أواخر شهر جوان الفارط. لم يتملص طوبال من صداقته مع شفيق الجراية، ملمّحا إلى أن ”الحملة على الفساد“ مُوجّهة في جزء منها ضد قيادات من نداء تونس.
نداء تونس: مصعد التسلق إلى الحكم
الطريق إلى دوائر النفوذ المركزي كانت سالكة أمام الناشط بجهة قفصة في حزب حديث النشأة -مثل نداء تونس- ومفتوح على جميع الاحتمالات والمسارات، لتشعب تركيبته البشرية والفكرية والاجتماعية. كان التودد إلى القادة والمؤسسين جسرا لكسب مقعد في الانتخابات التشريعية سنة 2014، ثم تزامنت مرحلة القدوم إلى العاصمة مع الأزمة التي ألمّت بحزب نداء تونس. إزاء الكيانات المُتحاربة اختار النائب الجديد التخندق في معسكر نجل الرئيس، ليكسب ثقته الكبيرة بعد المعارك التي خاضها من أجله داخل الكتلة البرلمانية للحزب والتي انتهت بانقسامها إثر استقالة الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق في ديسمبر 2015، وداخل الهياكل الجهوية حيث اتهمته قيادة الحزب في أفريل 2015 بهندسة الاعتداء على النائب منذر بالحاج علي أثناء زيارته لمدينة قفصة في تلك الفترة.
ثم شكّل مؤتمر سوسة الذي انعقد في 09 جانفي 2016 فرصة للصعود إلى التركيبة القيادية للحزب، ليتم تنصيب سفيان طوبال أمينا وطنيا مُكلّفا بالهياكل، إلى جانب تعيين حافظ قايد السبسي أمينا وطنيا مُكلّفا بالإدارة التنفيذية. قدرة طوبال على استمالة قايد السبسي الابن أثناء مؤتمر سوسة أهّلَته إلى ترؤس الكتلة البرلمانية للحزب في 07 ماي 2016، خلفا لمحمد الفاضل بن عمران. ورغم استمرار الأنواء في العصف بالبيت الداخلي لنداء تونس، فقد أفلح الرئيس الجديد في الحفاظ على تماسك نسبي للكتلة وحشد ولاء النواب لحافظ قايد السبسي، متوسلا في ذلك القدرة على هندسة المصالح الشخصية وترتيبها وفقا لأجندات القيادة الحزبية.
أما على مستوى الحكم فقد لعب دورا كبير ا في الضغط على حكومة الحبيب الصيد وتجريد رئيسها من الدعم البرلماني في الكثير من المحطات، وخلال هذه المرحلة كان طوبال الصوت الآخر لقايد السبسي الابن. ولم تسلم حكومة الشاهد من لدغاته خصوصا بعد ”الحملة الحكومية على الفساد“، إذ تصدر –في الفترة الأخيرة- المطالبين بتحوير حكومي شامل يحظى فيه نداء تونس بنصيب الأسد. وكلما انفتح المشهد السياسي على معارك ورهانات جديدة إلا وتوحدت مصالح طوبال مع توجهات نجل الرئيس، حتى أنه صرح في الآونة الأخيرة بأن ”حافظ قايد السبسي هو الأجدر بمقعد ألمانيا في البرلمان“.
C’est un article d’opinion ,très superficiel. On aime bien voir un article d’investigation