essebsi-King-Salman

في الوقت الذي لم تكد فيه أحداث السفارة السعودية، التي جدّت بطهران يوم الأحد 3 جانفي 2016، تفصح عن كامل حيثياتها وتفاصيلها السياسية والإقليمية، أصدرت وزارة الخارجية التونسية صبيحة الاثنين الموالي بيانا ندّدت فيه بالاعتداءات التي تعرّضت لها سفارة المملكة العربية السعودية بطهران وقنصليتها العامة بمدينة مشهد.

ولئن غُلٍّفت الإدانة التونسية برداء القانون الدولي، فيبدو أن عقارب الساعة السياسية للجمهورية التونسية عَدّلت نفسها على الزمن الهجري للمملكة العربية السعودية، حيث يظهر التطابق الضمني للمواقف السعودية- التونسية بكل وضوح في البيانات والتصريحات. وقد جاء بلاغ الخارجية التونسية مؤيدا لمزاعم عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، الذي أشار في ندوة صحفية عُقِدت الاثنين الفارط في الرياض، إلى أن بلاده أجرت اتصالات مكثفة مع أصدقائها لحثهم على إدانة “العدوان الإيراني” ويبدو أن تونس تصدّرت قائمة هؤلاء الأصدقاء. علاوة على هذا يمثّل التجاهل الدبلوماسي التونسي لحادثة إعدام رجل الدين الشيعي المعارض للنظام السعودي نمر النمر، دلالة على التأييد السياسي الضمني لهذا الإعدام الذي شكل محركّا رئيسيا لاحتدام الصراع السعودي-الإيراني في الآونة الأخيرة.

يشير أيضا الموقف الرسمي السعودي إلى أن هناك تمطيط لمساحة التحالف العسكري الإسلامي المناهض لتنظيم الدولة «داعش» ليشمل المعسكر الشيعي الذي تتزعمه إيران، وهو ما أوضحه صراحة وزير الخارجية السعودي في الندوة الصحفية المذكورة يقول «بإذن الله هنالك إدراك لدى العالم الإسلامي بأهمية مواجهة الإرهاب والتطرف وهناك إدراك في العالم العربي حيال خطورة تدخلات إيران في شؤون المنطقة وهناك تحركات للتصدي لذلك».

التنصيص على الخطورة المذهبية والقومية للمشروع الإيراني على العالم العربي يشكّل الأرضية السياسية التي يستدرج إليها النظام السعودي حليفه التونسي، وهو ما يلقي بضلاله على مستقبل العلاقات الإيرانية- التونسية، هذا إضافة إلى أن الإستراتيجية السعودية تتقاطع في مضامينها الطائفية مع بعض الحملات المحلية التي تدعو إلى محاربة ما يسمى بـ«المد الشيعي» في تونس، ويطرح ذلك العديد من التساؤلات حول جدية مخاطر «الزحف الأسود» التي يتم الترويج لها عبر بعض المنابر الإعلامية، وهل أن هذه الحملات تندرج في سياق الحشد الطائفي السني الذي ترعاه العربية السعودية وتموّله ماليا ودعائيا؟ وإلى أي مدى ترتبط بالصراع الجيو-سياسي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط؟

أنصار الشريعة يكافحون «الزحف الأسود»

بعيد صعود حركة النهضة الإسلامية إلى سدة الحكم إثر انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، نشطت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات مناهضة لما يطلق عليه البعض «الزحف الأسود الإيراني في تونس»، وقد انعكست هذه الحملات الافتراضية على مستوى الممارسة حيث شن عدد من المنتسبين للتيار السلفي الجهادي المعروف بأنصار الشريعة هجوما أواخر شهر جانفي من سنة 2012 على المكتبة الشاملة وسط العاصمة بعد اتهام أصحابها ببيع مؤلفات تروج للفكر الشيعي، رافعين العديد من الشعارات من بينها “يا شيعي يا جبان والصحابي لا يهان” و”طرد المجوس واجب”. ويبدو أن التيار السلفي الجهادي في تونس كان يعزف آنذاك على وقع الحرب الطائفية المسعورة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وكان يشق طريقه نحو التماهي مع الخطاب الطائفي الذي تروجه الفصائل الجهادية المقاتلة في سوريا والعراق.

وفي نفس الاتجاه أطلقت جماعة أنصار الشريعة التونسية صيف 2012 حملة مناهضة لقدوم سمير القنطار، عميد الأسرى اللبنانيين المحررين، إلى تونس للمشاركة في الدورة الثانية لمهرجان التضامن مع الأقصى الذي التأم بمدينة بنزرت، وقد انتهت هذه الحملة باعتداء بعض المنتسبين لهذا التيار على منظمي المهرجان. وفي نفس الفترة تقريبا تعرضت مسيرة اليوم العالمي للقدس التي انتظمت أواخر شهر أوت 2012 إلى الاعتداء بالهراوات من قبل منتسبين لتنظيم أنصار الشريعة بتعلّة وقوف الشيعة وراء تنظيمها.

عودة الخطاب المناهض للشيعة في تونس

تزامنا مع إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر، برز من جديد الخطاب المناهض للمد الشيعي في تونس منذرا بخطورة التعاطف السياسي والحقوقي مع أحد المرجعيات الكبرى لهذا المذهب، ويؤسّس هذا الخطاب مبرراته على جملة من الأسس العقائدية والسياسية ويعبّر عنه مشايخ دين وإعلاميين ورجال قانون.

تحتشد داخل هذا الخطاب جملة من المصطلحات العقائدية المقتطعة من المدّونة المذهبية الكلاسيكية، وفي هذا السياق يصف الداعية التونسي البشير بن حسن المنتسبين للمذهب الشيعي بـ «الروافض»، ويضعهم تحت طائلة التكفير أوالإستتابة.

من جهته تحدث المحامي أحمد بن حسّانة، رئيس الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس، عن وجود مخطط إيراني لزرع خلايا شيعية في تونس من أجل ضرب الاستقرار الداخلي للبلاد، وفي هذا السياق أفادنا قائلا «تونس دولة موحدة طائفيا وإثنيا منذ قرون خلت والمد الشيعي الزاحف في مطلع القرن العشرين سيفكك هذه الوحدة، وداخل هذا الزحف المخطّط له من طرف إيران يتحول المواطنون التونسيون إلى مواطنين إيرانيين ويصبح ولاءهم الأساسي للطائفة وليس للوطن».

وأشار بن حسّانة إلى أن المخطط الإيراني قيد التنفيذ ويتخذ من الجمعيات وبعض الأحزاب السياسية غرفاً خلفية لنشر المذهب الشيعي وذلك عبر استمالة ضعاف الحال والفقراء، ومن خلال الاختفاء وراء شعارات المقاومة ونشر الثقافة البديلة.

وتعد الرابطة التونسية للتسامح من ضمن الجمعيات التي اعتبرها المحامي أحمد بن حسانة أدوات لتنفيذ هذا المخطط ، وفي هذا السياق اتصل موقع نواة بصلاح الدين المصري، رئيس الجمعية المذكورة، الذي اعتبر الحديث عن وجود مخططات لنشر التشيع في تونس امتدادا لسياسة إذكاء النّزعات الطائفية في المنطقة.

وأضاف صلاح الدين المصري قائلا «إن الولاء للوطن مقوّم أساسي لهويتنا، ونحن نشارك في الدفاع عن مصالح بلادنا من موقع متقدم ومن خلال أنشطتنا المناهضة للإرهاب التكفيري الذي تشهده البلاد، وترتبط الحملة التي تقودها ضدنا بعض الأطراف بمشاركتنا الفعالة في المشروع المقاوم للاستعمار الجديد والصهيونية، الذي يعمل على تفكيك الأوطان العربية وتخريبها مثلما حصل في سوريا والعراق».

الخطر الطائفي حقيقة أم افتعال؟

إن الخطاب المناهض للشيعة في تونس يتموضع داخل جملة من السياقات الداخلية والخارجية، فعلى المستوى الداخلي يدافع عن أحقيته في الانتشار في ظل وضع مَعنُون بالملفات الاجتماعية والسياسية الحارقة، وعلى المستوى الخارجي يتحرك هذا الخطاب في ظل وضع إقليمي يخيم عليه صراع المحاور العالمية والإقليمية، ويحكمه في معظم الأحيان منطق الأضداد والثنائيات على غرار الثنائية الشيعية -السنية.

وفي هذا السياق يصف المفكر والباحث التونسي عبد المجيد الشرفي قضية الخطر الطائفي في تونس بـ«تحريض الشياطين» الذي لا مبررات ملموسة له في الواقع الاجتماعي، وقد أفادنا قائلا:

إن البعض يسعى إلى إثارة القضايا الزائفة من قبيل الصراع بين البربر والعرب في تونس أو قضية الميز العنصري أو الصراع بين المسلمين والإنجيليين، وتندرج قضية الخطر الطائفي ضمن هذا السياق.

و أضاف عبد المجيد الشرفي بأن القضايا العميقة للتونسيين ليست متعلقة بالتشيع أو التسنّن، وإنما قضايا ذات طابع اجتماعي واقتصادي بالأساس، وعلى ضوءها يتحدد مصير البلاد ومستقبلها.

وحول التواجد الأقلّوي للطائفة الشيعية في بعض المناطق التونسية وربطها بقضية التدخل الإيراني، يوضح عبد المجيد الشرفي قائلا :

حتى وإن كانت هذه الأقلية موجودة فلها الحق في التعايش الديني مع الأغلبية السنية شريطة أن نرفض أي تدخل أجنبي من أي دولة كانت سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو السعودية أو إيران، ولا خوف من التناحر الطائفي طالما أن الدستور التونسي يكفل حرية الضمير وحق المعتقد.

العامل الطائفي والصراع الجيو-استراتيجي

حول ارتباط الخطاب المحلي المناهض للشيعة في تونس بالحريق الطائفي الذي تعد له بعض العواصم في منطقة الشرق الأوسط، أكد صلاح الداودي، الأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الإستراتيجية، أن هناك تقاطعات وتموقعات محلية ظاهرة مع المشروع السعودي الوهابي التكفيري المسنود من أمريكا وحلفاءها الغربيين وهناك محاولة لابتذال وشيطنة فكرة المقاومة من خلال شحنها بأبعاد طائفية، خصوصا عبر إدانة الطائفة الشيعية التي يتزعم بعضها محور المقاومة على غرار حزب الله وذلك لتمرير مشاريع التقسيم الجديدة.

ويضيف الداودي قائلا «إن المحاور المتنازعة في العالم وفي المنطقة أصبحت تتحرك بتوجهات مكشوفة»، مشيرا إلى وثيقة التسوية في سوريا التي كرست لها إيران وروسيا جهودا كبيرة من أجل أن تكون في عمقها غير طائفية بل علمانية، والعراقيون والإيرانيون يقفون سدّا منيعا ضد التقسيم الطائفي للعراق، بينما تسعى تركيا والسعودية ومن وراءهم أمريكا إلى دولة سنية داخل العراق وعلى حدوده.

وحول الحلول الجذرية والإستراتيجية لإيقاف المسارات الطائفية يشدد صلاح الداودي على ضرورة العمل على إنجاز المصالحة الحضارية في العالم ودعم الحلول السياسية والنضال الفكري والسياسي ضد منظومة التمييز المذهبي ومنطق الأقليات والتصدي للمشروع القروسطي الذي يدعي امتلاكه للحقيقة الدينية ويزج بشعوب المنطقة في متاهة الثنائيات الطائفية والدينية.