بقلم شكري بن عيسى،
بحركات اغلبها استعراضية يظهر اليوم في تونس الحبيب الصيد “رئيس الحكومة” من خلال الزيارات المسماة “فجئية” وحضور الندوات والملتقيات “الفكرية” والتنقلات “الميدانية”، وعبر صورة اعلامية “فاترة” لا لون لها، في ظل “ضمور” المنجزات التي انتظرها الشعب، طويلا، دون جدوى، ويبدو ان الصبر قد نفد او كاد.
شهران ونصف لم يلمح فيهم المواطن تحسن ملموس في المعيشة ولا في جملة الملفات الحساسة المتعلقة بمناهضة الارهاب والتنمية والتشغيل والاستثمار الاجنبي، بل سجل في المقابل ارتفاع نسق الاضطرابات الاجتماعية، وعدة اخطاء امنية على راسها هجوم باردو، وهبوط حاد في عدد السياح، ونوايا الاستثمار، رافقها تخبط في القرار في مجال خطير، الدبلوماسية.
في هذا الاطار الدقيق طغت التصريحات العشوائية والتناقض في القرارات بين وزارة الخارجية وقرطاج وغياب تام للتنسيق مع القصبة، ما جعل الامر يظهر وكأننا في جزر متفرقة لا يجمع بينها رابط، مع تصريحات اضافية مدهشة من وزيرة السياحة عمقت الانشغال بعد ما صدر عنها في خصوص تقسيم العلم التونسي “القياسي” وتوزيعه كأغطية على الجهات المهمشة، الامر الذي قاد الكثيرين للتساءل عن وجود سلطة حاكمة ومركز للحكم يسيّر الاوضاع ويخطط ويستشرف وينسق.
مُصَرِّف أعمال.. في خطة رئيس حكومة
الافتقاد الفعلي لمظاهر الحكم والخمود في عديد القطاعات، والتخبط والاضطراب او الفوضى في قطاعات اخرى، في ظل غياب برامج ورؤيا استراتيجية وترتيب الاولويات، اظهر الصيد في مظهر المسيّر اليومي للاعمال الذي لا يصل الى رتبة رئاسة حكومة ولا حتى وزير اول، ونزل الى حد “مصرّف اعمال حكومة”.
التعيينات الاخيرة في الولاة وفي مركز “السيباكس” من شخصيات ندائية، اظهرت الصيد في موقع المنفذ لأوامر السبسي، وزادت في اضعاف صورته الواهنة اصلا في عيون الكثيرين، الصيد الذي انطلق منذ تعيينه بعجز فادح في رصيد السلطة والصلاحيات التي بحوزته، خاصة بين الوضع الامني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الدقيق، وقوّة الاحزاب التي يرتبط وجود حكومته بها ورئيس ينزع لنظام الحكم الرئاسي، وأمين عام الحزب الاغلبي على رأس اخطر وزارة، ومنظمات مالية وقوى دولية مانحة بيدها قوّة التوجيه، بل الاشتراطات الى حد الاملاءات.
الصيد انطلق منذ الاسبوع الاول بمواجهة “عاصفة” الاحتجاجات بتطاوين وبن قردان وفيضانات جندوبة وبوسالة، وهجوم بولعابة ثم هجوم باردو الدمويين، وتعطل حركة النقل لايام واضرابات التعليم المتكررة، واظطرابات الحوض المنجمي المتسبة في تراجع هام في انتاج الفسفاط ومشتقاته، وانخرام الصناديق الاجتماعية، وعجز ميزانية اغلب الشركات العمومية، والغاءات الحجوزات السياحية المرتفعة، وحتى انخفاض سعر النفط رافقه ارتفاع قيمة الدولار، وعجزت حكومته في هذه الاشهر الاولى على الايفاء بتعهداتها الرئيسية في خفض الاسعار ومقاومة الاحتكار والتهريب وتجسيم وعودها المتعلقة بالنظافة.
تنوّع الضغوط
الوضع الليبي مضطرب، والارهاب القادم من مختلف الجهات الخارجية والداخلية لا يزال خطيرا، والاعلام بعد ائتلاف النداء مع النهضة استمات الى حد في مناهضة الحكومة، زيادة على اتحاد الشغل الضاغط من اجل اتفاقيات لزيادات “مجزية” ويبدو انه لن يهادن حتى بعد تحقيقها وسيتبنى مختلف الاحتجاجات الاجتماعية خاصة وان تجديد المكتب التنفيذي لم يعد بعيدا ولا بد من تعبير عن “الوجود”، وبعض الدول الخليجية لها رهانات عالية على التمركز في الساحة التونسية عبر وسائل مختلفة، وضغوطاتها وتجاذباتها الحادة لن تفتر بالمؤكد.
مع تقدم الوقت وانتهاء مهلة مائة يوم الاولى دون آثار ايجابية ملحوظة، ومع تشكل تكتلات سياسية جديدة، ستضاف للجبهة الشعبية، الثابت ان المعارضة ستصعّد في نقدها وستزيد من ضغوطها، وربما تنقل الاحتجاجات للميدان وبعض الجهات المحبطة من التأخر الشديد لوعود الاحزاب الحاكمة وخاصة النداء.
وضعية بالفعل لا يحسد عليها الصيد، ستضاف اليها تشكيل “تنسيقية” الرباعي الحاكم، التي ستباشر ضغوطات جديدة بمنطق المحاصصة والغنيمة على سير الحكومة، التي لن تجد الصيغة المناسبة لاستيعابها دون آثار سلبية قد تقود الى التفجّر، خاصة وان الضغوطات تتصاعد وتحتد وتتنوّع، ومهما كانت قدرة “مصرّف الاعمال” فكثرة المنغصات وتعددها وكثرة مراكز النفوذ ستفقد التحّكم والسيطرة دون شك.
سلمى اللومي والطيب البكوش..؟
سلمى اللومي والطيب البكوش من ابرز الوزراء الفاشلين في وزارات حساسة ترتبط بهما علاقات تونس الخارجية وجلب الاستثمارات والعملة وترتبط بهما التنمية والتشغيل، والاستقرار الاجتماعي والامني بالتتابع، والمشكل لم يتوقف في الفشل بل وصل الى حوادث دبلوماسية خطيرك للاول وسذاجة سياسية للثانية افقد النجاعة على وزارتيهما وقد يقودنا الى انهيار في هذه القطاعات الدقيقة، والمشكل ان موقع هذين الشخصين في الحزب الاغلبي، الاول كأمين عام مسنود من الشق اليساري والنقابي، والثانية كأمينة مال الحزب الاغلبي ساهمت بشكل واسع في بناء النداء عبر التمويل ويسندها الشق التجمعي ورموز الفساد المالي، وسيصعب على الاغلب على الصيد اعفائهما، ما سيزيد في صعوبة وضعيته.
خسارة مركز تونس في القضية الليبية
اخطاء الخارجية التونسية سواء من وزير الخارجية او من السبسي كانت فظيعة، وكلفتنا باهظا خاصة في القضية الليبية، مع الجارتين ليبيا والجزائر، الاول بتبريره الهجوم الجوي المصري على ليبيا الذي اثار حفيظة الجزائر قبل ان يعدل موقفه، وايضا موقفه المناهض لحكومة غرب ليبيا، الذي اثار غضب الشق المسيطر على الميدان من جهة حدودنا، والثاني من خلال موقفه العنهجي بتصريحه حول النزاع القائم في جارتنا الشرقية بين الافرقاء “توة كيف يوفى علاهم الكرطوش توة يريضو”، الذي بدا تشجيعا على حسم الامر عبر السلاح، ما جعل المفاوضات تمر غربا نحو الجزائر والمغرب.
وهي وضعية ستتضرر منها تونس كثيرا في المستقبل، ولن تكون لها الحظوة والاسبقية مثلما كانت في السابق، فضلا عن وضع الصيد في مأزق حاد، وهو ما صعّب وعقّد الامور عنده في هذا الملف، وزاد من عزلته في ادارة الملفات الحكومية، الامر الذي لاح معه هامش تدخله الفعلي في الصلاحيات الواسعة نظريا الممنوحة له بحكم الدستور يتقلص الى حد كبير، ما يجعل حكم البلد تحت المتناقضات والعشوائية اكثر منه بشكل محكم ومنظم، فالسلطات تفقدها غياب التحكم ونقص التنسيق وكثرة المنغصات خاصة اذا لم يكن منهج التسيير مرسوما ومحددا بدقة.
تجليات الانخرام.. وضع الحقوق والحريات
ملف الحقوق والحريات بدوره دلّل على وجود تخبط وانخرام، بعد مصادقة مجلس الوزراء الاسبوع المنقضي على مشروع قانون “زجر الاعتداءات على القوات المسلحة” الذي صدم الجميع بروحه القمعية وبمصادرة حريات اساسية على غرار حرية التعبير والتظاهر والحق في الاعلام والنفاذ للمعلومة والشفافية، في خرق واضح للدستور، تجلى ايضا عبر تدخّل المكلف بالاتصال في الحكومة الشأن الاعلامي سواء بضغطه المباشر على التلفزة الوطنية، او تخصيصه لوسائل اعلام او اعلاميين بعينهم معاملة خاصة في نطاق عمليات التدجين المعهودة.
مآلات مجهولة
الانشغال يتصاعد لدى المراقبين للشأن التونسي، وبدأت التنبؤات بتحويرات وزارية، ان حدثت لن تحل الوضعية الهيكلية المتأزمة، وثمة من تنبأ بذهاب حكومة الصيد وهو ايضا امر لن ينفع شيئا في التجاوز وربما يدخل البلد في ازمة تشكيل حكومة فضلا عن استمرار نفس الوضعية المعقّدة جوهريا، ولا يستبعد الحقيقة مع صعوبة إحداث التحوير او التغيير الذي سينقذ الامور تأزم الوضع واتجاهه نحو الانسداد، ما سيخلق انهيار سياسي، الامر الذي سيفرض تغيير الخارطة السياسية عبر انتخابات سابقة لاوانها خاصة مع تناقص رصيد الثقة الشعبي في حزب نداء تونس الذي اخل بكثير من وعوده ومنها مناهضته للنهضة التي بنا حملته الانتخابية على شيطتنتها.
ملاحظة أولى: فيما يخصّ الإعلام، لا يجب نسيان هيمنة الدُونْ السيناوي (مستشار فخامة خرف قرطاج لشؤون الهشّك بشّك) على الإعلام العمومي والخاص وتدخّله في عمليات المونتاج والبث ووضعه إمكانيات تقنية عالية الجودة في خدمة بروبغندا سيّده الخرف. ليست حكومة الحبيب النعجة فقط هي من يتدخل لتوجيه الخط التحريري لتونس سبعة وقناة واحد وعشرين
ملاحظة ثانية: من يعتقد أنّ نداء التجمّع سيسمح بانتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة في المستقبل القريب أو حتى البعيد إما أحمق أو جاهل. هؤلاء جاؤوا ليبقوا وانتهى الأمر. ثم لا تُمنّوا أنفسكم بانتخابات مبكّرة فهي لن تحدث لسبب بسيط: نهّاب المجلس التأسيسي لم يضعوا في خرقتهم الدستورية مبدأ “الانتخابات المبكرة” أصلا. والفرضية الوحيدة هي أن يقوم خرف قرطاج بحلّ البرلمان (في حالة نظرية وحيدة: أزمة تشكيل حكومة طويلة الأمد) وهو ما لن يحدث لأنّ السلطة الحاكمة تسيطر على 85% منه ولديها الأرضية الكافية (وزيادة) لتصدر أية قوانين تريدها وأن تسيّر الدولة كما يحلو لها، وكله بما لا يخالف المبادىء المؤسّسة للدكتاتوريات العربانية الجرذانية العريقة. ثم لو فرضنا جدلا أنّ خرف قرطاج قد حلّ البرلمان، فهل تعتقدون أنّ هذا الشعب الحثالة سينتخب أحدا آخرا غير “شمس التجمّع” و”بدر الخوانجية”؟ المثل يقول “الفلوس حطّها على وجه الميّت يضحك”ّ ونحن شعبنا لا كرامة له ولا عزة. قدّم للتونسي لترا من الزيت يبيعك أمّه وزوجته ويعطيك ابنته “بونيسْ”! عن أية ديمقراطية تتحدثّون مع شعب القردة المخصية؟
دولة_الفساد_والاستبداد_باقية_وتتمدّد
الجماهيرية_التجمعية_الإسلاموية_البوليسية_العظمى
شعب_القردة_المخصية
عربان_لكنهم_جرذان