بقلم عادل بن مرزوق،
رغم تعدد و توالي حملات النظافة في كامل أنحاء البلاد و رغم البرامج الوطنية لحماية المحيط و رغم توفير أكثر تجهيزات بالبلديات و رغم تحسين الأوضاع المادية لأغلب أعوان النظافة بعد الثورة، رغم كل هذا لسائل أن يسأل لمذا أصبحت الأوساخ و النفايات أكثر انتشارا بالأماكن العامة في حين كان يفترض أن ننتظر عكس ما نشاهده اليوم من وضع بيئي كرثي يزداد تدهورا يوما بعد يوم؟ حملات النظافة هي تحركات لمواطنين و لبعض جمعيات المجتمع المدني محدودة في الزمن و غير دائمة و لا تدوم جدواها لأكثر من بضع أيام، في حين أن العمل المطلوب لنظافة الأماكن العامة هو عمل دؤوب و مستمر، إذا ما تهاون فيه عون النظافة فلن تنفع لتعويضه عشرات أضعاف الحملات الحالية للنظافة و النتيجة ستكون حتما كما نرى اليوم في كل مكان من تراكم رهيب للفضلات. و الغريب في الأمر أن حملات النظافة عوض أن تدفع أعوان النظافة إلى تحسين مردودهم في العمل، صارت تدفعهم إلى المزيد من التهاون و التخاذل في أداء عملهم بما كانت تعوضهم في الواجب الذي يفترض أن يقوموا به.
و ما زاد الطين بلّة انخراط أعوان النظافة بمنظومة جمع البلاستيك التي أصبحت مهنتهم الثانية بعد الوظيفة بالبلدية. و حتى الأعوان الذين يراقبونهم و يفترض أن يحرصوا على حسن أدائهم لعملهم انخرطوا مع بقية الأعوان في هذه المهنة و أهمل الجميع عملهم الأصلي و صارت منظومة النظافة بالبلديات متسيبة و معطلة دون رقيب أو حسيب.
إذا تأملنا اليوم في البرنامج الوطني لحماية البيئة عن طريق جمع البلاستيك نرى أن هذا البرنامج، في جوانب عديدة منه، يساهم في تلوث البيئة عوض أن يساعد في تحسينها. فقد أصبحت الفضلات المنزلية في كامل البلاد بسبب هذا البرنامج تتبعثر عديد المرات في اليوم الواحد من قبل “البرباشة ” الذين يجمعون البلاستيك و زادت حدة هذه الظاهرة عندما التحق بهم بعد الثورة عمال البلديات مما انجر عنه إهمال رفع الفضلات و زيادة تبعثرها و تشتيتها.
من المضحك أنك إذا سمعت اليوم أي مسئول يتحدث عن أسباب التدهور الملحوظ للنظافة أنه يذكر حتما من جملة الأسباب نقص التجهيزات و المعدات، و الحال أن أغلب البلديات في كامل البلاد تمتلك التجهيزات و المعدات اللازمة بل أن عديد البلديات تطورت تجهيزاتها بصفة ملحوظة بفضل ما أنفقته الدولة في السنتين المنقضيتين و بفضل الهبات من الدول الصديقة.
في واقع الأمر، بما أن منظومة الرقابة بالبلديات لم تعد ناجعة، أصبح الأعوان يستغلون المعدات البلدية لمآربهم الشخصية و جني الأموال بتقديم خدمات لبعض المواطنين و الشركات. فاليوم صار من المألوف أن ترى مواطنين يلتجؤن إلى خدمات أعوان البلدية لرفع فضلات البناء أو فضلات أخرى بكميات كبيرة مقابل معلوم يدفعونه مباشرة إلى سائق الشاحنة البلدية بصفة غير قانونية. و هناك عديد الشركات و خاصة منها المعامل التي تلتجئ إلى نفس الطريقة بدفع أجرة غير قانونية إلى سائقي الشاحنات البلدية لرفع فضلاتها بانتظام و لا تلتجئ إلى طلب نفس الخدمة من مصالح البلدية بصفة قانونية لأن ذلك يكلفها أضعاف الثمن الذي تدفعه مباشرة للعون.
اليوم لم يبقى أي شك في أن الحلقة المفقودة التي هي من أهم أسباب تدهور منظومة خدمات النظافة ببلادنا هي الضعف الكبير لعملية الرقابة بجميع المستويات في أغلب البلديات، ما جعل أغلب قرارات المسئولين و أغلب الحملات التي يقودها المجتمع المدني لتحسين وضع النظافة المتردي تعطي عكس النتائج التي كانت ترجى منها.
iThere are no comments
Add yours