Ben Guerdane
تونس في 20 أوت 2010

إنّ الأحداث التي دارت رحاها في مدينة بن قردان في الأيّام الماضية لم تكن إلاّ انتفاضة شعبيّة أخرى تنضاف إلى سلسلة انتفاضات البطالة والفقر والجوع التي تنذر كل المؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما الظروف الإقليمية والعالمية بتوسّع رقعتها وتسارع وتيرتها.

إنها إفراز طبيعي ومولود منتظر تخلّق في أحشاء ما يناهز ربع قرن من الاستبداد والفساد الذين فشلت كل المساحيق والديكورات في التستّر عليها وتسويقهما نموذجا فريدا للتنمية والاستقرار.

فقد كشفت السلطة الاستبدادية مرة أخرى عن إفلاسها الأخلاقي أمام تمرّد شباب لا يبتغي غير العيش الكريم فلم تجد سبيلا لترويضه ومواجهة عصيانه المدني الغاضب بغير العصي والكلاب والمخافر.

إنه لمشهد مؤسف وأليم أن نرى خيرة شبابنا من خرّيجي كبرى جامعات البلاد وهم يسامون أشد أنواع التعذيب والإهانة وتطوّق مدنهم وبيوتهم بجحافل البوليس السرّي يقتفي آثار ذويهم ويتقصّى أخبارهم، حتّى إذا هدأت العاصفة ونجحت آلة القمع في أداء وظيفتها استفرد بثلة منهم ليجعل مصيرهم درسا بليغا وعبرة لمن يعتبر.

حصاد مرّ زرع بذوره في وطننا الجريح نظام خبيث وضعنا منذ عقدين على مسار استبدادي انتهى اليوم بغلق أبسط مساحات الحرية وواجه الشعب في بنقردان كما فعل ذلك سابقا مع سكّان الحوض المنجمي بالحديد والنّار.

إلا أن تراجع السلطة اليوم أمام الزخم الشعبي المتزايد لأهلنا في بن قردان لدليل على قدرة الشعب الكريم على تغيير مسار الأمور وفرض الخيارات إن هبّ للدفاع عن حقوقه ونفض الخوف وقدّم التضحيات. كما تدلّ المظاهر الاحتفالية التي خرج فيها الأهالي هاتفين بحياة تونس ومتجاهلين الدكتاتور، على وعي عميق باللحظة وحبّ للوطن وكره للمتنفّذين عليه.

إنّ ثباتكم على حقوقكم في المواطنة الكاملة واستماتتكم لنيلها في كل منطقة من بلادنا الجريحة وتضامنكم مع بعضكم البعض هو السبيل الوحيد لخلاصكم وخلاصنا جميعا. أما تصديق وعودهم الكاذبة أو الرضا بفتات موائدهم أو “معابرهم” فلن يكون له من أثر سوى تسكين أوجاعكم إلى حين وتأبيد محنتكم ومحنة البلاد جمعاء في انتظار انتفاضة أخرى قد لا تكون الأخيرة بل مجرد محطة في زمن التيه الحضاري.

إن ما حدث في بن قردان مظهر آخر من مظاهر المقاومة المدنية وهي مؤهّلة للتّزايد، فلنستعدّ لها ولننظّمها ولنتضامن مع بعضنا البعض، والخاتمة مأمولة ومضمونة وإن طال أمدها: نهاية الكابوس الاستبدادي وبزوغ فجر الحرية أخيرا على تونس.

عن المؤتمر من أجل الجمهورية

د منصف المرزوقي