ربما لا يستحق النص القصير الذي كتبه السيد العيادي مؤخرا (للرد على أحد مقالاتي) تعليقا مطولا. و لكن أعتقد أن هذه مناسبة لإبراز الى أي حد لا يعتني بعض السياسيين في تونس بما يكتبون و الى أي حد يمكن لهم أن يغرقوا في الارتجال و الردود السياسوية. كما أن هذه مناسبة على ما أعتقد لإعادة تحريك موضوع المواجهات الأخيرة و التي لا يزال يتعامل معها الطيف الأوسع من الساحة السياسية (سلطة و معارضة) بصمت و رغبة في النسيان و تهميش ما جرى ثم و خاصة بالإصرار على عدم الاعتراف بالفشل في توقع بروز تبار السلفية الجهادية و في تقييم جدي للمعاني السياسية العميقة للـ”الصحوة الدينية” التي تعيشها تونس منذ نهاية التسعينات. مرة أخرى علي أن ألاحظ أن السذاجة و حالة الإنكار لازالت السمة الأبرز في غالبية ردود الأفعال و أن أهم المؤشرات على ذلك هو حرص الغالبية على المضي مجددا في روتين “العمل السياسي” السائد: مزيد من الاعتقالات العشوائية و من البروباغندا من جهة السلطة و التي تحمل الجميع المسؤولية باستثناء ذاتها على الأقل على المستوى العلني و على مستوى الممارسة حتى هذه اللحظة، و مزيد من البيانات الحقوقية و الكلام السياسوي و المناورة من قبل المعارضة. الأكثر من ذلك، كما هو حال السيد العيادي، لا يتم الاكتفاء بالروتين المعتاد و مزيد الانغماس في السذاجة بل يتم نعت من يصف الأشياء بمسمياتها بـ”التسرع” و “العقائدية”. و في الحقيقة هناك مكان وسط ممكن: حيث الى جانب الدفاع عن حق الجميع بما في ذلك المتهمين تعسفا بالانتماء للسلفية الجهادية أو السلفيين الجهاديين في محاكمات عادلة يمكن التنديد بممارسات الأخيرين على أنها إرهابية و هو الأمر الحاصل في المغرب الأقصى مثلا. حيث يجب الفصل بين الممارسة الحقوقية و الممارسة السياسية ولا يمكن الإحجام عن القيام بالثانية بدعوى حماية ظروف الأولى. و لكن الخلط بينهما يبقى المرض الطفولي لطيف واسع من المعارضة التونسية.
سأتعرض هنا الى النقاط التالية:
أولا، عرض النقاط التي ركز عليها السيد العيادي في تعقيبه.
ثانيا، التذكير بالفقرة التي تعرضت فيها لمواقف السيد العيادي في مقال سابق و التي يبدو أنها استدعت تعقيبه.
ثالثا، تعليق على تعقيب السيد العيادي حسب ترتيب النقاط التي عرضها في تعقيبه.
رابعا، ملاحظات أخيرة.
1
كتب السيد عبد الرؤوف العيادي (“تعقيب على مقال الطاهر الأسود” تونسنيوز 23 جانفي 2007) يرد على مقال أخير كتبته حيث يصفني بما يلي: “واعظ عقائدي ، جعل لنفسه وصاية فكرية على الأمّة وهو بدل أن يحاول فهم ما يجري يسارع إلى تقويم الأحداث بقوالبه العقائدية دون تمحيص و تدقيق شأن ما كتبه الطاهر الأسود الذي قرن اسمه بصفة الباحث”. و قد برر هذا التوصيف بعدد من المآخذ التي كان علي أن أعيد تنظيمها و تقديمها للقارئ و هي كالتالي:
1- أنني كنت “متسرعا” و لم أقدم أدلة من “الداخل” (عوض الأدلة التي قدمتها و هي من “الخارج”) و أدلة من “الخاص” (و ليس كما فعلت من “العام”) تشير الى أن “الظاهرة السلفية في تونس” هي من “جنس تيار الفتنة الأهلية” و هو ما يصب في إطار “الموقف العقائدي” و ليس “الموقف العلمي” و من ثمة لا يوجد هناك داعي لكي أقرن اسمي بـ”صفة الباحث”: ” و الواضح أن المواقف المسبقة قد أدّت بصاحبنا إلى خلع وصائف متسرعة من جنس ” تيّار الفتنة الأهلية ” دون تأييد حكمه بأدلة خاصة بالظاهرة التي تعرف ” بالسلفيّة ” في تونس ، و إنما كان المنهج الإكتفاء بالعام دون الخاص و بما هو خارجي على حساب ما هو داخلي وهو ما جعل السيّد الأسود يخرج عن إطار البحث الجدّي و الموضوعي إلى إسقاط أحكامه و شتان بين الموقف العلمي و الموقف العقائدي ”
2- أنني استعملت مصطلح الارهاب بشكل غامض مما يعكس عدم أخذي بعين الاعتبار الخلط الذي يمكن أن يثيره البعض بين المقاومة و الارهاب: “و لسائل أن يسأل السيّد الأسود ما هو تعريفك ” للإرهاب ” إذ من المعلوم أن تلك الظاهرة ليس محلّ إجماع في تعريفها بل أن كلّ جهة تحاول أن تعرفها طبق معايير تتفق و خياراتها السياسية بما أثار جدلا حول الخلط بين الإرهاب و المقاومة و إرهاب الجماعات و إرهاب الدولة”
3- أنني أيضا كنت غامضا (“لم يحدد المقصود”) أيضا عندما تحدثت عن تيار الفتنة الأهلية خاصة و أن السيد العيادي يعتبر أن السلطة السياسية في تونس تصلح للاتصاف بذلك ربما أكثر من غيرها (“فتنة بوليسية”) و هو ما يعني أن استعمالي لهذا المصطلح لا يعكس أن لي موقفا من ممارسات السلطة و أنني لا أحملها المسؤولية فيما وقع: ” أمّا عن ” الفتنة الأهلية ” فإن هذا المصطلح هو أيضا لم يحددّ المقصود به تحديدا فإذا كانت الفتنة تعني فيما تعنيه الدعوة إلى المواجهة العنيفة فإننا فعلا نعيش فتنة بوليسية بمعنى هجمة بوليسية على المجتمع المدني و السياسي بتونس منذ حوالي عشرين سنة …”
4- أنني على ما يبدو أقع في الخلط السائد (“و هو أمر قائم”) بين الجهاد و الارهاب أو السلفية و الارهاب و يرى السيد العيادي أن ذلك تحديدا ما تقوم بها الأجهزة الأمنية في تونس في محاضر بحثها مع المعتقلين الجدد على أساس “قانون مكافحة الارهاب”: ” أمّا عن تشويه الجهاد و قرن السلفية بالإرهاب فهذا أمر قائم و لا جدال فيه إذ أن من هم محالون بموجب قانون مكافحة ” الإرهاب ” لا ينتمون إلى تنظيم معين ، و إن كــــــــــانت الأبحاث تجري بتهمة الإنتماء إلى ” تنظيم إرهابي ” إذ أن قراءة المحاضر أو ما تسمى كذلك ”
5- أنني لا أعرف معنى “السلفية” و لهذا يضطر السيد العيادي (لكي أعرفها) للاستشهاد بمقتطفات من أحد مؤلفات محمد عمارة حيث تتم الاشارة بالمناسبة مرتين لمؤسس المذهب “بن حنبعل”(!): ” و السلفية هي كما ورد في مؤلف الدكتور محمد عمارة ” تيارات الفكر الإسلامي ” هي المذهب الذي وضعه أبو عبد الله أحمد بن حنبعل ، إذ جاء بالصفحة 137 ما يلي : ” و لقد صاغ حنبعل منهج السلفية النصوص الذي يأخذ الإسلام أصولا و فروعا من النصوص و المأثورات و ذلك في مواجهته منهج المتكلمي المعتزلة الذي كان للعقل و التأويل شــــــــــــــــأن عظيم في المنهج الذي أخذوا بواسطته الإسلام ..” كما جاء في آخر الفصل المتعلق بالسلفية قوله : ” على أن أكثر مدارس الحركة السلفية خطرا و عـــظمة و أثرا ù في العصر الحديث ù كانت تلك التي قادها جمال الدين الأفغاني و الإمام محمد عبده.. و التي كان من أعلامها عبد الرحمان الكواكبي ..و عبد الحميد بن باديس ..ذلك أن هذه المدرسة السلفية قد ذهبت في عقائد الدين و أصوله مذهب السلف القدماء و بحث في مشكلات الدنيا و قضايا الحضارة و المعتزلة .. ”
6- أنني أستحق التذكير أن مبدأ الجهاد كفرض عين في الإسلام “ليست (قناعة) خاصة بالسلفيين”، و الأهم من ذلك يستخلص السيد العيادي أن الاتهامات الموجهة لـ”السلفيين” حول خصوصية علاقتهم بـ”فريضة الجهاد” و نعتهم من ثمة بـ”السلفية الجهادية” هو على هذا الأساس غير دقيق: ” أما فيما يتعلق بالقناعة أن الجهاد فرض عين فإنها ليست خاصة بالسلفيين و إنما هي تشمل جميع المذاهب دون استثناء فكيف تتم إحالة هؤلاء الشبان من أجل الانتماء إلى ” السلفية الجهادية ” وهي لا تشير إلى تنظيم محددّ يحمل هذا الإسم ، بل لمجردّ الانتماء العقائدي ؟ فهل أن الأمر يحتاج أن ندللّ على وجود نيّة في الخلط بين ” الإرهاب ” و الانتماء العقائدي إلى السلفية ؟”
7- أخيرا أنني أميز طبيعة العمل المسلح الذي ينخرط فيه المتطوعون “السلفيون” التونسيين في العراق (أي تحديدا ضمن “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”) ليس على أساس طبيعته و طبيعة برنامجه و ممارسته بل على أساس العقائد المذهبية لأصحابه. و من ثمة فإنني لم أفهم أن الخصوصية “السلفية” للمتطوعين الآن لا تعني أن الظاهرة هي نفس ظاهرة التطوع التي دأب عليها التونسيون (و لهذا كان عليه الاستشهاد بمقتطفات من كتاب للهادي التيمومي يشير لتطوع التونسيين خاصة من طلبة جامعة الزيتونة في حرب فلسطين سنة 1948): ” و لم يسلم السيّد الأسود لحركة تطوع السلفيين للعراق من التجني بجعلها ظاهرة منفصلة عن ظاهرة التطوع التي لازمت المجتمع التونسي فيما مضى سواء إلى فلسطين أو الجزائر أو لبنان و ذلك قولا بأنها لا تستهدف في الوقت الحاضر ” تحرير العراق و استعادة دولته الوطنية الشاملة لكلّ طوائفه بل لأجل دولة العراق الاسلامية ” وهو قول يستند في الواقع إلى تقويم عقائدي يسقط جوهر حركة التطوع بما هي دفاع عـــــــــن الأرض المحتلّة ، و ذلك عبر التركيز عن القناعات المذهبية و جعلها المعيار الأول و الأخير ، و الحال أن الظاهرة لها امتدادها التاريخي بما هي ردّ فعل لمجتمع له روابط الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية و في هذا السياق أورد ما كتبه المؤرخ الأستاذ الهادي القيمومي في كتابه ” النشاط الصهيوني بتونس بين 1897 و 1948 ” إذ استقى من أحد تقارير أعوان الحماية قوله : ” مــــــــــن الشبان ( المتطوعين ) الذين أعمارهم بين العــــــشرين و الخمسة و العشرين سنة و بعضهم من العاطلين تماما و بعضهم من يشتغلون بالخدمات اليومية ” و اضاف الكاتب ” و يوجد بين هؤلاء المتطوعين عشرات من طلبة الجامعة الزيتونية ..” و اشار إلى النشاط الفياض الذي بذلته ” جمعية الشباب المسلمين ” لفائدة القــــــــــضية فهذه المنظمة استطاعت أن تكسب بسرعة تأييدا كبيرا في أوساط طلبة الجامعة الزيتونية و أساتذتها و قد أسست بالاشتراك مع بعض هؤلاء الأساتذة مثل الشاذلي بلقاضي و الفاضل بن عاشور تنظيمين هما ” لجنة الدفاع عن فلسطين العربية ” و فرع المؤتمر الإسلامي بتونس لحماية القدس الشريف ..” فالتاريخ و إن يفرد بعض الظواهر بخصوصية ما ، إلاّ أن الظاهرة في أسبابها و تشكلها تبقى هي هي في جوهرها و لا يجدي انتقاء ما هو من أثر الظرف و فعله للقول بتغير طبيعتها”
2
قبل التعليق على هذه النقاط يهمني كباحث اعتاد شيئا من المنهجية و لكوني أحترم أي ناقد لما أكتب وضع هذا الجدل في إطاره حتى نعرف على ماذا عقب السيد العيادي. ففي مقال سابق تمثل في “تعليق حول مجمل المعطيات الاعلامية و السياسية المرافقة لظهور المجموعة الارهابية في تونس” (أنظر تونسنيوز و عدد آخر من المواقع الالكترونية التونسية بتاريخ 9 جانفي 2007) تعرضت بشكل مطول لمجموعة من المعطيات المحيطة بالأحداث الأخيرة و انتهيت الى التأكيد “على الوضعية العامة التي تعرضت اليها في مقال سابق (“حول الانطلاقة المحتملة لأعمال إرهابية في تونس: استمرار التعامل الساذج في أوساط الطبقة السياسية التونسية مع تيار الفتنة الأهلية ” 29 ديسمبر 2006) و هو ما أعيد تعريفه هنا بأنه استمرار لـ”حالة إنكار” (state of denial) و عدم قدرة على تصديق مستجدات الساحة و هي حالة تشمل أطراف السلطة و المعارضة على السواء.” و من جملة الظواهر المتنوعة الدالة على ذلك و التي تعرضت اليها هي ظاهرة “الانغماس المتزايد في السذاجة (أو المناورة؟)” و هو ما أفردت له فقرة خاصة بهذا العنوان. و في هذا الإطار تعرضت الى ثلاثة نماذج تتميز بتعبيرها المكثف (حيث يوجد غيرها) على هذا “الانغماس المتزايد في السذاجة”. و كانت تصريحات السيد عبد الرؤوف العيادي أحدها.
لأجل الدقة أود بداية التذكير بتصريحات السيد العيادي المنشورة في موقع إسلام أون لاين ثم بمضمون تعليقي عليها و الذي أثار حفيظة السيد العيادي (أعيد نشر هذه المقتطفات من مقالي السابق كاملة في نهاية هذا المقال):
“ويرى العيادي أن مصطلح “السلفية الجهادية” هو “مفهوم غربي غير محايد معرفيا والقصد منه تشويه الجهاد وفي نفس الوقت النيل من فكرة الانتماء إلى السلف بربط الكلمتين إلى بعضهما وجعلهما تعنيان الإرهاب، فمن يقول اليوم السلفية الجهادية يقول إرهابا في حين أن الانتماء إلى السلف ليس جريمة بل إن أغلب علماء الأمة من أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية وصولا إلى زعماء الإصلاح مثل محمد عبده وعبد العزيز الثعالبي هم أبناء هذا التيار”. تعليقي على هذه التصريحات تمثل في نقطتين:
أولا، و هنا أكتفي بما قد كنت كتبته: “ما يقوله السيد العيادي خاطئ بكل بساطة حيث أن “السلفية الجهادية” ليست مصطلحا غربيا مسقطا كما يشير و يكفي التذكير بالجماعة المغربية المشاركة في أحداث 2002 في الدار البيضاء و التي تسمي نفسها بـ”السلفية الجهادية” (و لا يسميها أحد بذلك بشهادة شيوخها) كما هو معروف لكل الدارسين للظاهرة (هناك الكثير من المقالات و الدراسات في هذا الشأن و لكن يمكن الاكتفاء بالمقالات التفصيلية للسيد منتصر حمادة في هذا الموضوع خاصة في صحيفة القدس العربي)”.
ثم أضفت في نهاية الفقرة معطى آخر يؤكد هذه النقطة و من ثمة الخطأ البين للسيد العيادي: “و يمكن الرجوع في هذا الإطار الى كتابات و أحاديث أحد أهم المنظرين القاعديين و تيار الفتنة الأهلية و هو مؤسس تنظيم “بيعة الإمام” الأردني أبو محمد المقدسي و الذي يتعرض بشكل متواتر و محدد لمصطلح “خط السلفية الجهادية” بما يحمله بالتحديد من معاني “تكفير الحكام” و إسقاط الشرعية عن “حكام الطواغيت” و “الجهاد” ضدهم.
ثانيا، و هنا أشرت الى نقطة أخرى أكثر أهمية و هي كالتالي: “المشكل، إذا، لا يقتصر على خطأ مماثل و لكن يهم تحديدا الرغبة في و الاصرار على تصور تيار الفتنة الأهلية كطرف ليس إرهابي و الخلط بين مدارس مختلفة يعمل القاعديون عمدا الخلط بينها مثل مدارس “السلف الصالح” (بمعناها بالغ العمومية) و “السلفية العلمية” و “الحنبلية” و “الوهابية” و السلفية القاعدية أو الجهادية”. فالسيد العيادي يخلط تحديدا بين مدارس مختلفة من السلفية عندما يرد على هذا “المفهوم الغربي” (أي “السلفية الجهادية”) بالدفاع عن تيار السلفية بشكل عام (“الانتماء للسلف ليس جريمة”) بل يمضي بعيدا في الخلط حيث يضع “زعماء الاصلاح” (و هم فعلا كذلك مثل الشيخين عبده و الثعالبي) بل و أكثر من ذلك “أغلب علماء الأمة” (و هذا ليس دقيقا) ضمن نفس خط و تيار السلفية الجهادية الراهن و هو تيار له أدبياته المعروفة و شيوخه و ليس من الصعب التعرف على خصوصياته (و هو ما سأتعرض له لاحقا). و كما أشرت أعلاه فإنه من اللافت أن شيوخ السلفية الجهادية يمارسون خلطا مشابها للخلط الذي يمارسه السيد العيادي حيث يعتبرون أنفسهم امتدادا لـ”أغلب علماء الأمة” و أنهم يعبرون عن التيار السلفي “الحقيقي”.
أود هنا إضافة ملاحظة جانبية خاصة بما أشار اليه السيد العيادي حول انتماء “أغلب علماء الأمة” للرؤية الفقهية التي تجمع الامامين بن حنبل و بن تيمية. فإذا كان المقصود من الربط بين الامامين بن حنبل و بن تيمية (الأول في القرن التاسع ميلادي و الثاني من القرن الثالث عشر ميلادي) الإشارة الى أحد المدارس الكلاسيكية الفقهية أي “الحنبلية” فإنه من البديهي بالنسبة للعارفين بتاريخ الفقه الاسلامي أن الرؤى الفقهية التي يشترك فيها الامامين (المعروفة بالمدرسة”الحنبلية”) تمثل أحد الخطوط الاجتهادية الأربع لا غير في الفقه الاسلامي السني و لا يمكن أن تمثل “أغلب علماء الأمة”.
3
سيكون من المتوقع (فقط بالنسبة لأولائك الذين لا يعرفون السيد العيادي) أن يرد في تعقيبه قبل أي شيئ على تعليقي عما صرح به في اسلام أون لاين. غير أن لا شيئ من ذلك، للأسف، قد حصل. حيث لم يرد على أي شيئ قلته حول مسألة أن السلفية الجهادية ليست “مفهوما غربيا” أو على أنه خلط بين مدارس السلفية بشكل عام و أدبيات و شيوخ القاعديين و السلفية الجهادية بشكل خاص. و علي أن أقول أنني لم أكن أتوقع أن أقرأ شيئا يفاجئني في علاقة بالسيد العيادي بما في ذلك ردا جديا عما كتبته. فالرجل مناضل حقوقي ليس في ذلك شك و هو أمر يستحق الاحترام. و لكنه يتصف، و هذا مجرد تقييم لا يعكس أي توصيف عدائي أو شخصي، على مستوى تحليله بسذاجة ملفتة لا يمكن لي أن أمر عليها مرور الكرام (و هو “الشخصية السياسية” التي يؤخذ بتصريحاتها) و خصوصا متى كنت باحثا. كان من المعقول لأغراض “التمحيص” و “التدقيق” و “الموقف العلمي” أن أبحث عن أي شيئ في التعقيب المعروض أعلاه من قبل السيد العيادي يمكن أن يشير الى أنه عقب عما علقت به على تصريحاته في اسلام أون لاين. غير أن السيد العيادي لم يكلف نفسه عناء التعقيب على تعليقي على تصريحاته بل كان يرغب في أن يعقب على مسائل أخرى وردت في مواضع أخرى في مقالي و هي مسائل مختلقة عندما نرى كيف أعاد السيد العيادي صياغتها. و ليس ذلك مجرد صدفة. فالسيد العيادي من النوع الذي يكرر نفسه و لا يستطيع أن يراجع ما قاله على ضوء أي معطيات لم يكن يعرفها. حيث سيمضي دائما في التكرار و الاجترار. في نفس الوقت لا بأس في الأثناء من الاستشهاد من هذا المؤلف أو ذاك للتعقيب في حين كان الأجدر بالسيد العيادي أن يعيد هو نفسه قراءة تلك الفقرات التي نسخها في تعقيبه و أن يحاول أن يرينا كيف يرد بذلك على النقاط التي تعرضت اليها. و للمفارقة تشير تلك الاستشهادات تحديدا الى قصوره المعرفي (و حقيقة لم يعد هناك داعي لإخفاء هذه الخاصية المميزة للسيد العيادي عنه) في علاقة بظاهرة مميزة للمرحلة التاريخية التي نعيشها مثلما هي السلفية الجهادية. قصور رغم كل التوقعات يبقى مفاجئا، على أن أقول، بالنسبة لمحامي يتخصص في قضايا سياسية و خاصة في قضايا “السلفيين” و الأكثر من ذلك بالنسبة لشخص يقدم نفسه كـ”نائب رئيس حزب”.
أمر هنا للتعليق على النقاط التي أثارها السيد العيادي تباعا حسب الترتيب أعلاه.
1- بداية لم أعمم وصف “تيار الفتنة الأهلية” على مجمل “الظاهرة السلفية في تونس” فهذه مسألة مختلقة من قبل السيد العيادي حيث خصصت وصف تيار الفتنة الأهلية بالسلفية الجهادية. و في الحقيقة تندرج هذه المسألة المختلقة في إطار الخلط الذي في ذهن السيد العيادي بين “السلفية” عموما و “السلفية الجهادية” خصوصا. فبالنسبة اليه أي توصيف للسلفية الجهادية ينطبق على السلفية حتى لو كنت أكدت أكثر من مرة على أن هناك فرقا بين الظاهرتين. و كان على السيد العيادي إذا كان حقا جادا في كتابة تعقيبه أن يطلع على ما كتبت بدقة و أمانة أكبر. و أتمنى حقا أن لا يحضر السيد العيادي تعقيباته و مداخلاته في المرافعات التي يقوم بها بنفس الأسلوب الذي قام به في تعقيبه هذا على مقالي. و أورد هنا فقرات من نصوص كتبتها في علاقة تحديدا بالنقاشات الدائرة حول الساحة التونسية (و ليس مكان آخر خارجها) أين أقر و أؤكد على التمييز بين الظاهرتين.
في مقالي الأخير “تعليق حول مجمل المعطيات…” أشرت الى ما يلي:
“و هنا يجب التذكير بمجموعة من النقاط المتوقع أنها معروفة لكل الأطراف. بداية الغالبية العظمى من التونسين المتطوعين (و الذين يمثلون خمس في المائة من “المقاتلين الأجانب” في العراق) و حسب بيانات الذين قتلوا أثناء عمليات حربية هم ينتمون تحديدا لتنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” أو كما كان يسمى قبل بيعة الزرقاوي لابن لادن أي “جماعة التوحيد و الجهاد”. إن ذلك ليس مجرد صدفة حيث أن قرار الذهاب للعراق يأتي في معظمه في إطار شبكات التنظيمات القاعدية و خاصة في الأوساط التي تتبنى الفكر السلفي. و هنا ليس كل من يتبنى الرؤى السلفية يتبنى ضرورة السلفية الجهادية (أو مسك السلاح كجزء أساسي لممارسة “الدعوة”) و لكن كل السلفيين الجهاديين هم قبل كل شيئ سلفيون”
و في مقالي السابق “حول الانطلاقة المحتملة…” أشرت الى ما يلي:
” و قد أدى استمرار التعامل الأمني الاستئصالي في المساهمة بجدية في إقحام عناصر جديدة كانت في هامش تيارات السلفية قبل اعتقالها ضمن مسار السلفية الجهادية من خلال الممارسات المتهورة و التعذيب و الاهانة الشخصية للمعتقلين و عائلاتهم.”
و في الأثناء و في تعليق كتبته أثناء حوار في منتدى نواة (بتاريخ 1 جانفي 2007 و أعيد نشر الحوار في موقع تونسنيوز 2 جانفي 2007) مع السيد محمد الحمروني (المتحدث باسم “جمعية أهل البيت الثقافية” الشيعية التونسية) خصصت ليس على السلفية بشكل عام بل على الوهابية تحديدا حيث أكدت على التمييز بينها و بين السلفية الجهادية:
” من جهة أخرى ليست “الوهابية” ضرورة طرفا طائفيا يمكن وصفه بدون تردد بـ”المروق” حيث توجد ضمنه تيارات مختلفة و ليست السلفية الجهادية إلا تيارا من تياراته المتناقضة في كثير من الأحيان إلا إذا كان هذا التقييم بتأثر تجربة الصراع السعودي الايراني و التي نتج عنها لغة صراع خاصة أجدها كما هي في الخطاب الذي تتبنونه. و في الحقيقة لا يمكن التعامل مع الوهابية بشكل دوغمائي يدفع منتسبيها أكثر نحو التطرف من خلال وضعهم بشكل فوقي في صندوق واحد نسميه “المروق”. حيث لن يساعد ذلك على تغذية الآراء المعتدلة على قلتها فيها كما لا يقوم إلا بخلق نهج متطرف على الضفة الشيعية”
و هكذا الاشكال الذي يتوجب على السيد العيادي أن يطرحه بوضوح هو التالي: هلى أن تيار السلفية الجهادية في تونس هو تيار فتنة أهلية أم لا؟ غير أنه مهتم، كما يجب أن نتوقع، بتهويمات عامة تتجاوز خصوصية التيار السلفي الجهادي للتأكيد على الطابع “الاصلاحي” للسلفية عموما و (ضمنيا) في تونس بناء على معطيات من “الخارج” و من “العام” (بن حنبل، بن تيمية، عبده… الخ). من جهتي فقد أجبت بالإيجاب على هذا السؤال و ذلك بناء على معطيات محددة (تبين بالمناسبة أن لا فرق بين “الخاص” و “العام” و “الداخل” و الخارج” عند طرح هذه الاشكالية الفقهية و السياسية ذات الاستتباعات العملية) سأتعرض اليها بالتفصيل في النقطة الثالثة أسلفه (و لو أن تلك ستكون معطيات سبق أن عرضتها و لم يهتم بها السيد العيادي فهي ليست مفيدة بالنسبة له و هو الذي يقرأ فقط ما لا يقدم له إضافة).
إذا اعتراض السيد العيادي كما عرضه بنفسه لا يحتاج حتى للرد بفعل أنه خارج الموضوع من حيث أنه يعترض على مسألة وهمية. و لكن حتى يمكن أن يكون اعتراض السيد العيادي على طريقة صياغة موقفي مبررا علينا أن نعيد صياغة ما قاله و أن نفترض: أولا، أنه يعتبر أنني كنت متسرعا و لم أعتمد على معطيات “داخلية” و لا “خاصة” في وصفي للمجموعة التي كانت وراء الأحداث الأخيرة بأنها تتبع السلفية الجهادية. ثانيا، علينا (لكي يكون اعتراض السيد العيادي على منهجي في تحليل الأحداث الأخيرة مفهوما) أن نفترض أنه يعتبر من التسرع أن أصف التابعين للسلفية الجهادية بأنهم يصنعون الفتنة الأهلية. و رغم أن هذه لم تكن اعتراضات السيد العيادي حسب نص ما كتب فإنني سأجيب عليها فقط رغبة مني في التفاعل الجدي معه.
للإجابة على النقطة الأولى (التسرع في وصف عناصر المجموعة بأنهم ينتمون لللسلفية الجهادية) ينبغي أن أذكر أن المقال الذي كتبته يوم 9 جانفي (“تعليق حول مجمل المعطيات….”) و الذي بنيت فيه تحليلي على أساس انتماء عناصر المجموعة لتيار السلفية الجهادية كان بناء على تقارير اخبارية محددة نُشرت خاصة منذ 6 جانفي. و قد حرصت في مقدمة المقال على تحديد التقارير الصحفية التي تتسم بشكل خاص على حد أدنى من المصداقية الإخبارية و كنت علقت بشكل مفصل على أهمية التحقيق الميداني و تميز عدد محدود جدا فحسب بهذه الميزة. و هكذا لم أختلق أي علاقة بين هؤلاء العناصر بالسلفية الجهادية بل أكثر من ذلك كتبت مقدمة كاملة لتمييز التقارير الاخبارية عن غيرها التي تروج الاشاعة. و طبعا التقارير الصحفية التي بنيت عليها تحليلي تتصل تحديدا بمعطيات من “الداخل” و من “الخاص”. الآن آتي للمقال الأول الذي كتبته في شأن الأحداث الأخيرة و ذلك يوم 29 ديسمبر 2006 (“حول الانطلاقة المحتملة…”) فقد أشرت في بدايته الى أنه: “و بغض النظر عن صحة الأخبار المتداولة أخيرا من حيث نسبها لتيار السلفية الجهاديةÚ هذه الأخبار التي يجب التعامل معها بحذر كبير من خلال رفض التعتيم المحلي المعتاد و الذي يمس السلامة الأهلية في هذه الحالة و لكن أيضا من خلال تجنب التضخيم و التوقف عن التعامل مع هذه الأحداث كمجرد مناسبة للمناورة ضد النظام القائمÚقلت بغض النظر عن صحة و دقة نسبها للسلفية الجهادية فإن هذه الأعمال ستحدث لامحالة لوجود ما يكفي من العوامل و المؤشرات و المعطيات لحدوثها”. أما العوامل و المؤشرات التي أتحدث عنها فهي أيضا متعلقة بـ”الخاص” و بـ”الداخل” و ليست مجرد تهويمات عمومية. و التقويم الذي قدمته مبني على رصد مستمر للساحة منذ فترة طويلة و ليس من المستغرب بل من المفترض أن يقدم أي باحث توقعات معينة بشرط تقديم حد أدنى من المعطيات التي تبرر مثل تلك التوقعات . و قد أثبتت توقعاتي في هذه الحالة صحتها و لم يكن ذلك ناتجا عن الصدفة كما أنني لا أعتقد أنني كنت وحيدا في هذا الإطار. و المعطيات التي دفعتني للتوقع (في مقال 29 ديسمبر) لم تكن مستقاة إلا من معطيات سابقة كنت أشرت اليها في مقال كتبته أشهر قبل الأحداث الأخيرة (نشر في أقلام أون لاين عدد 19) و كلها تشير الى أنه في حالة وجود مجموعة مسلحة في تونس فإنه من المتوقع أن تكون تابعة للتيار السلفي الجهادي. و تنحصر هذه المعطيات باختصار فيما يلي: أولا، أنه ببساطة كان هناك قبل الأحداث الأخيرة تونسيين ذي خلفيات سلفية جهادية متمركزين في تونس و قد برزوا إعلاميا من خلال انضمامهم لتنظيمات سلفية جهادية تتبع تحديدا القاعدة. كان هناك مؤشرين على ذلك: القبض على أكثر من مجموعة من الشبان التونسيين منذ سنة 2005 (على الأقل) بصدد الالتحاق بالجماعة السلفية للدعوة و القتال و ذلك على التراب الجزائري (و لا يتعلق الأمر هنا بمجرد أشخاص لايزالون في تونس و تم اعتقالهم على أساس نية الالتحاق بالتنظيم الجزائري كما يحدث الآن في بعض المحاكمات في تونس). المؤشر الثاني هو أن معظم الذين تطوعوا في العراق و لقوا حتفهم من التونسيين كانوا من “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” دون أي من التنظيمات المسلحة الأخرى و ذلك حسب البيانات التي ينشرها التنظيم بين الفينة و الأخرى حول “الشهداء المهاجرين” (أي المسلمين غير العراقيين). ثانيا، أن كان هناك في السنوات الأخيرة مؤشرات على نية القاعدة في توسيع عملياتها على مدى الأقطار المغاربية و تحديدا من خلال تأسيس ما سمي آنذاك بـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب”. و كانت هذه المؤشرات تقتصر في البداية على تقارير صحفية مبنية على الأرجح على تقارير أمنية سربت للصحف الجزائرية و المغربية (على إثر الكشف على سلسلة من الخلايا المغربية منذ 2005 ذات العلاقة بتنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال) و لكن خيمت بعض الشكوك على هذه التقارير على خلفية احتمال وجود مرامي سياسوية لدى الحكومتين المغربية و الجزائرية وراء تسريبها. غير أن صحة هذه المؤشرات أصبحت مؤكدة تحديدا في سبتمبر 2006 و ذلك عبر تصريحين متلاحقين: الأول كلمة الظواهري بمناسبة أحداث 11 سبتمبر حيث أعلن فيها انضمام الجماعة السلفية للدعوة و القتال و الثانية تصريح أبو مصعب عبد الودود (أمير الجماعة) بعد ذلك ببضعة أيام يؤكد فيها البيعة و الأهم من ذلك يشير الى أن الجماعة أصبحت مكلفة من قبل تنظيم القاعدة بالعمليات على كامل التراب المغاربي. و تم التأكيد على كل ذلك مرة أخرى مؤخرا (في 26 جانفي الجاري) عندما نشرت الجماعة بيانا تعلن فيه تغيير اسمها من الجماعة السلفية للدعوة و القتال الى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي”.
و هكذا ليس من الضروري أن نكون علماء فضاء حتى نتوقع ما حدث و لا يجب أن نتفاجئ: فإن وجود عناصر تونسية تخرج في السنين الأخيرة من تونس لتنضم للتنظيم الجزائري (السلفي الجهادي) المكلف بقيادة عمليات مسلحة على مستوى كافة الأقطار المغاربية (بما في ذلك تونس) يجعل أي متتبع جدي أن يتوقع ظهور مجموعة مسلحة في علاقة بالسلفية الجهادية في تونس تستهدف تحديدا تنفيذ استراتيجية القاعدة في الفتنة الأهلية. طبعا لم تخرج تلك المجموعات من فراغ بل كانت سلفية قبل التحول للسلفية الجهادية. و التيار الأخير حسب أي متتبع للساحة في السنوات الأخيرة و كل من يختلط مع الأوساط الشبابية المتدينة هو تيار واسع و لو اقتصر على الكلام حتى 23 ديسمبر 2006. و هو الأمر الذي أكدت عليه في مقالي يوم 9 جانفي (“تعليق حول مجمل المعطيات…”) و تم التأكيد عليه في مقال نشر بتونسنيوز (11 جانفي) من قبل “عدنان العيدودي” (أكد و أضاف على معطيات سابقة حول طبيعة التيار السلفي في تونس نشرت في مقالات للسيد علي بن سعيد).
آتي الآن للنقطة الثانية: هل من التسرع و مجرد معطيات “عامة” و “خارجية” أن نقول أن تنظيم القاعدة يستهدف عربيا الفتنة الأهلية؟ طبعا هنا على السيد العيادي أن يقرأ بشيئ من الجدية و يتوقف عن قراءة محاضر الأمن التونسي لكي يتعرف على استراتيجية القاعدة. حيث ليس عليه سوى قراءة كتابات شيوخها المعروفين مثل الظواهري و المقدسي. و يجب أن أضيف هنا شيخا جديدا علينا الاهتمام بها منذ أصبحت الجماعة السلفية للدعوة و القتال تنظيما قاعديا يستهدف الأقطار المغاربية و هو “المسؤول الشرعي” للجماعة أبو البراء أحمد. و هنا فقد كتبت كثيرا عن استراتيجية القاعدة حول أولية “حاكمية الشريعة” على المستوى البرامجي و ما يتبع ذلك من ضرورة ملحة حسب وجهة نظر التنظيم في إقامة “إمارات إسلامية” بقوة السلاح عوض ما تراه من “حكومات كفرية” و هو الأمر الذي لا يجب أن ينتظر نهاية الاحتلال الأمريكي في العراق: فاستراتيجية القاعدة لا ترى أي فرق بين “الحكومات الموالية للكفر” و “الكفر الأمريكي” على سبيل المثال. و هذا تحديدا ما يميز تنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال حيث أنه تنظيم يستهدف في الآن ذاته محاربة النظام الجزائري و إسقاطه ككل (و ليس فقط حكومة الرئيس بوتفليقة) بوصفه “نظاما يحكم بما لم ينزل الله” كما يحاجج المسؤول الشرعي للجماعة أبو البراء أحمد (و الذي تتوفر له تسجيلات في هذا الشأن و خاصة رفض التخلي عن حمل السلاح ضد النظام الجزائري عبر مواقع تحميل الفيديو الأساسية في شبكة الانترنت). في نفس الوقت الذي يرسل فيه ببضع مقاتلين لدعم “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” ذي المشروع الطائفي (الأمر الذي يتشكك فيه السيد العيادي و الذي سأتعرض له أسفله في النقطة (7)). إن عمليات القاعدة كما هو معروف الآن لا تستهدف العناصر الأمنية فحسب بل أيضا مواقع مدنية بتبرير فقه التترس المعروف و الذي يبرر استهداف المدنيين. و علينا أن نتذكر هنا أن ايديولوجيا السلفية الجهادية و من ثمة القاعدة تقسم المجتمع الى طوائف بالفعل و لا ترى إلا في التطبيق المحدد للوهابية السلفية الجهادية التطبيق الحقيقي للإسلام و لهذا فمصير هذه الرؤية هي بشكل آلي استهداف معظم المجتمع كما حصل بسرعة مذهلة في الجزائر خلال أواسط التسعينات عندما كفر جمال الزيتوني ثم الزوابري (أمراء الجماعة الاسلامية المسلحة) كافة المجتمع الجزائري ممن لا يوالون الجماعة. كل هذه معطيات و مؤشرات مترابطة لا يمكن الفصل بينها لأن الظاهرة السلفية الجهادية هي كذلك، فهي ظاهرة عابرة للحدود يداخل فيها “الداخل” مع “الخارج” من حيث كونها جزائرية، و عراقية، و افغانية، و تونسية… الخ، كما أنها ظاهر يرتبط فيها “العام” النظري و الفقهي و العقائدي بـ”الخاص” العملي و الممارسة و التنفيذ. إن الرؤية السلفية الجهادية العقائدية هي من تحتم تقييم ممارساتها لأن ممارساتها ليست إلا تنفيذا لصياغاتها العقائدية. لا نحكم حكما عقائديا على طرف لا تنفصل عقائده عن ممارساته الإقصائية التكفيرية.
و هنا علي أن أسأل السيد العيادي: كيف يمكن وصف من يحمل السلاح بنية القتل ضد العناصر الأمنية وفق رؤية السلفية الجهادية التكفيرية؟ هل يبرر اختلافك مع السلطة سياسيا أن تتجاهل أن عمليات من هذا النوع تعني تحديدا الفتنة الأهلية في نهاية الأمر؟ أليس من السذاجة الملفتة أن تقتصر على تحليل هذه الظاهرة من خلال بعض المحاضر الأمنية التي لا تؤكد شيئا بقدر ما تؤكد فشل أسلوب الأجهزة الأمنية (كما يجب أن تتوقع) في كشف الشبكات التونسية للسلفية الجهادية بما في ذلك المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة؟
2- أعتقد أن وصف المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة بأنها إرهابية توصيف دقيق. يعترض السيد العيادي بأن ذلك يتجاهل أن تعريف مصطلح الارهاب “ليس محل إجماع”. لكن هل يجب أن يوجد هناك إجماع على تعريف ظاهرة محددة لكي يعبر أي كان عن تبنيه لتعريف محدد لها يراه مناسبا للحقيقة؟ هل كان يجب أن ننتظر حتى يتفق كل سكان العالم، مثلا، على أن الأرض كروية حتى يمكن تبني ذلك المصطلح. إن الإشكال هو في مبررات أي تعريف لمصطلح محدد و ليس في تبني ذلك المصطلح بالذات. و لهذا كان على السيد العيادي أن يقدم ماهية تعريفه أو لماذا لا يتبنى أي تعريف للارهاب. و هنا تمظهر آخر لضحالة تحليل و كتابة السيد العيادي الذي يكتفي بإشارات عامة لا تعبر عن العمق المطلوب لمن هو في موقعه. أمر الآن لتعريفي للإرهاب و الذي يجعلني في النهاية أصف به المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة.
هناك، حسب رأيي، مستويين ضروريين لكي يمكن وصف أي ظاهرة بأنها إرهابية: الأول سياسي متعلق بأهداف و المعاني الاستراتيجية لتلك الظاهرة، و الثاني إجرائي يتعلق بطبيعة أسلوب تحقيق تلك الظاهرة. و المستوى الأول يحظى ببعض الأولوية أحيانا على حساب المستوى الثاني و لكن في ضوابط و حدود سياسية معينة. كم أن هناك إرتباطا ضروريا بين المستويين. و يمكن تقديم تعريف عام لا أعتقد أنني أبتدعه: فالممارسة الارهابية هي التي تحمل مشروعا للفرض بالقوة و بممارسة القتل بهدف إقصاء شعب كامل بمبرر وجود سلطة أخرى تلغيه خارجه و هنا يصبح هذا الشعب بجميع مدنييه تحت رحمة هذا المشروع من خلال إجراء القتل العمد.
لكي أنتقل من “العام” الى “الخاص” يتعلق المستوى الأول بطبيعة الأهداف السياسية و الاستراتيجية المعلنة (و ليس مجرد نوايا عقائدية ذاتية) لأي مجموعة مرتبطة بتيار السلفية الجهادية. و هنا فإن كون هذا التيار يعلن بدون مواربة أنه يستهدف إقامة “دولة إسلامية” مقابلة لكل المظاهر “الكفرية” الأخرى و التي تشمل حسب الأدبيات المعلنة و المعروفة للسلفية الجهادية أي سلطات ذات طابع ديمقراطي أو تستمد شرعيتها من “غير ما أنزل الله” (أي مصادر شعبية للحكم) فإننا بصدد استراتيجية تعمم إرهاب المجتمع على قاعدة تأويل فئوي و طائفي لطبيعة “الحكم الاسلامي”. و بهذا المعنى يقع إلغاء شعب كامل للاعتقاد في أنه غير مؤهل لأي تعبير سياسي مباشر. و هنا نأتي للمستوى الثاني أي الإجرائي: حيث أن “ربانية” الأهداف بالنسبة لتيار السلفية الجهادية يتيح قتل المدنيين، فهذه الرؤية الإقصائية تشرع ممارسة العنف بدون مواربة و بشكل أقصى من خلال فقه التترس و الذي يبيح تقريبا قتل كل شيئ تقريبا بما في ذلك قتل”العامة من المسلمين” إذا كان ذلك “في حكم الضرورة المكروهة”. و قد تم تقديم هذا التبرير (بصيغ مختلفة) في كل الميادين التي يسقط فيه مدنيون بشكل عام (من كل الأديان بما في ذلك المسلمون) جراء عمليات القاعدة سواء في الجزائر و العراق أو لندن و نيويورك. كما أن عمليا السلفية الجهادية تستهدف بشكل مركز مواقع مدنية بغض النظر عن وجود المدنيين فيها من عدمه (المنشآت السياحية و الاقتصادية عامة). الى جانب كل ذلك فإن قتل عناصر الأجهزة الأمنية في بلد لا يخضع للإحتلال العسكري هو عمل إرهابي لأن تكفير رجال الأمن و الجيش في أقطارنا الاسلامية و إباحة دمائهم بشكل شامل على أساس تكفير الحاكم يدخل في نطاق العمل الإرهابي لأن هؤلاء هم بمقام المدنيين ماداموا لا يمثلون إرادة خارجية لا تنبع من ظروف الداخل. حيث يمكن آنذاك (أي في ظرف الاحتلال العسكري) ممارسة المقاومة العسكرية للتحرير بما أن الطرف الأجنبي المحتل مارس القوة العسكرية لفرض نظام لا يعترف لا قانونيا و لا فعليا بأي شكل من الأشكال بوجود شعب كامل على تلك الأرض. و أرجو من السيد العيادي أن يوضح موقفه في علاقة بكل هذه المعطيات: هل يعتقد أن وضع القوى الأمنية و العسكرية في وضع الاحتلال العسكري مماثل لوضع القوى الأمنية و العسكرية الممثلة لأطراف داخلية مهما كانت ممارساتها دكتاتورية؟ أما إذا كان هذا الأمر غامض بالنسبة للسيد العيادي فعليه أن يبادر الى تفسير ذلك خاصة أنه يدعو لاستراتيجية “المقاومة السلمية” على مستوى الداخل التونسي.
و تعريف الارهاب الذي أستعمله ليس مفصلا على مقاس السلفية الجهادية فهو ينطبق على حالات تبدو متباينة.حيث أن المستووين الذين ذكرتهما يجعلاني أصف بصفة الإرهاب ليس فقط السلفية الجهادية بل إرهاب جيوش الاحتلال كما هو الحال في العراق و هي الجيوش التي تقيم أنظمة عسكرية عنصرية بما هي تلغي شعبا كاملا و لهذا تحديدا هناك تبرير يصل لتشريعات في القانون الدولي لاستعمال السلاح ضد الاحتلال الأجنبي. و هنا بالمناسبة رغم أن هناك إجماع دولي على مستوى المواثيق الأممية فإن مبدأ مقاومة الاحتلال شرعي من الناحية السياسية قبل إقرار هذه المبادئ في القوانين الدولية. و المستوى السياسي الأول في هذه الحالة (أي إلغاء وجود شعب كامل) يتناسب مع المستوى الإجرائي و الذي كان و لا يزال يبيح حصد الأرواح المدنية بفعل أنه يحتقر وجودها أصلا. و في حالات المقاومة في المقابل توجد حالات خاصة يصبح فيها استهداف الأجنبي المحتل المدني مشروعا (حسب خيارات و ظروف الأطراف المقاومة) متى كان وجوده على أساس إستيطاني يؤكد إلغاء الشعب الأصلي صاحب الأرض. و هي الحالات التي كان يمكن ملاحظتها في الجزائر إبان الاحتلال الاستيطاني الفرنسي و منذ سنة 1948 في فلسطين.
و هكذا يمكن تقديم تعريف للإرهاب، و يمكن وصف المجموعات المرتبطة بالسلفية الجهادية به (بما في ذلك المجموعة المسلحة في تونس) من دون أن يعني ذلك “الخلط بين المقاومة و الإرهاب”.
3- في علاقة بمسألة نعت تيار السلفية الجهادية بأنه تيار الفتنة الأهلية كنت قد تعرضت لذلك في معرض تعليقي على النقطة (1). يبقى الآن أن أتساءل على أساس ما كتبه السيد العيادي و الذي يبدو أنه يعترض على وصف تيار السلفية الجهادية بأنه تيار الفتنة الأهلية: في حالة الافتراض بأن السلطة في تونس تتحمل كل المسؤولية فيما يجري (و هو موقف سياسوي و غير دقيق) فهل ينفي ذلك على تيار السلفية الجهادية أنه تيار للفتنة الأهلية؟ أرجو منه توضيح ذلك بعيدا عن العموميات و المناورة السياسية. لكن في نهاية الأمر هل يمكن المماثلة بين مشروع السلفية الجهادية في تونس و مشروع السلطة حتى يمكن اختزال الأخيرة في أنها أيضا، حسب ما يلمح السيد العيادي، تيار فتنة أهلية لا تختلف عن الأولى سوى بكونها صادرة عن من هو في موقع السلطة (“الفتنة البوليسية”)؟
لقد تعرضت بوضوح و بشكل بارز لمسؤولية السلطة عما يجري و على بروز تيار السلفية الجهادية في البلاد. و لكنني أعتقد أنه يجب الالتزام بشيئ من الجدية و عدم الخلط بين مواجهة الممارسات الاستبدادية و تفسير ظاهرة السلفية الجهادية: فقد حاججت بأن مسؤولية السلطة هي جزئية و أن غياب الديمقراطية ليس المعادل الميكانيكي لظهور السلفية الجهادية كما هو واضح في أقطار عربية مضت جديا في إصلاحات سياسية (المغرب و الجزائر و الأردن). حيث توجد أسباب أخرى سياسية خارجية و أخرى لاسياسية مسؤولة عن ظهور هذا التيار (تعرضت لها بالتفصيل خاصة في مقالي “تعليق حول مجمل….” تحديدا في العنصر الأخير: “ملاحظات أخيرة”). بل أكدت على أن تيار السلفية الجهادية تستفزه الممارسات الديمقراطية و هو يستهدف النظام الديمقراطي بالأساس و يعتبر مجرد النص الدستوري في أغلب الأقطار العربية على “حق التعبير” و “الانتخاب الحر” و أصلا وجود مجالس تشريعية (حتى و لو صورية) جميعها قرائن رئيسية لتكفير الأنظمة القائمة. إن ممارسات السلطة و إن كانت ساهمت و تساهم في ظهور السلفية الجهادية من خلال الامعان في الانغلاق السياسي و المعالجة الأمنية المتعسفة في أحيان كثيرة فإن ذلك لا يعني أن السلطة تستهدف على مستوى برنامجها السياسي الدخول في حرب أهلية في البلاد مثلما هو الحال مع السلفية الجهادية و التي تدعو لـ”الجهاد ضد الطاغوت” و تشريع ممارسة العنف المنفلت من عقاله. و بمعنى آخر هناك اتفاق بين مجمل الأطراف السياسية في تونس بما في ذلك السلطة حول اللغة و المبادئ التشريعية بشكل عام (نظام دستوري قائم على الفصل بين السلطات) بالرغم من التباين على مستوى الممارسة فإن تيار السلفية الجهادية ينعزل عن هذا التوافق و يدعو لرفض كامل لذلك بل و تكفير كل الداعين لإقامة نظام دستوري مماثل. و لا يتوقف هذا الموقف على مستوى التعبير العقائدي حيث يقع ترجمة ذلك عبر الممارسة العنيفة. بل أنه جزء عقيدي أساسي ممارسة هذا الرفض و ذلك تحت مفهوم مشوه عنوانه “إقامة فريضة الجهاد ضد الطاغوت” أي بمعنى آخر العمل على إشعال الحرب الأهلية.
4- يعتقد السيد العيادي من دون أن يقدم أي قرائن على أنني أخلط بين: أولا، الجهاد و الإرهاب. ثانيا، بين السلفية و الارهاب. هذه أيضا مسألة مختلقة من قبل السيد العيادي تعتمد الخلط بين مفاهيم عقائدية و شعارات تيارات سياسية و ما ينجر عن ذلك من تعميم و عدم الدقة و ربما حتى بعض الجهل.
السؤال الأساسي هنا هو التالي: هلى أن نعت تيار السلفية الجهادية بالإرهاب يعني أن السلفية أو (و) الجهاد ممارسات إرهابية؟ إن ذلك يكون ممكنا في حالة واحدة: أن ما أعنيه من تيار السلفية الجهادية يعبر عن تيار السلفية بشكل عام و هذا غير صحيح (و هي المسألة التي تعرضت لها في النقطة (1)). كما أن ذلك يعني أن تيار السلفية الجهادية يمارس حقا الجهاد في حين أنني أفرق بين المقاومة و هي أيضا جهاد و بين الارهاب (و هي المسألة التي تعرضت لها في النقطة (2)). غير أن المشكل هنا في ماهية هذه المفاهيم و علاقتها بطروحات السلفية الجهادية حسب فهم السيد العيادي. حيث يبدو أن رفض الأخير لنعت السلفية الجهادية بالإرهاب و من ثمة اعتقاده أن نعت هذا التيار بتلك الصفة تعني نعت السلفية ذاتها و الجهاد ذاته بالارهاب إنما يعكس اعتقاده أن تيار السلفية الجهادية هو “التيار السلفي” و هو المعبر عن “السلفية” بشكل عام. كما أنه يعكس أنه يعتبر ممارسات هذا التيار هي فعلا “جهادية”.
5- أعتقد أن السيد العيادي هو الذي يحتاج أكثر مني لمزيد التعرف على التيار السلفي بشكل عام و السلفية الجهادية بشكل خاص. و في الحقيقة أرجو أنه لا يقتصر في ذلك على مؤلف “تيارت الفكر الإسلامي” للمصري محمد عمارة. و لا يرجع ذلك لأن كتابات الأخير لا تحتاج الاهتمام. على العكس حيث أعتقد أن قراءاته متوازنة عموما و فيها الكثير من الجدية و البحث مقارنة بكتاب آخرين. و لكن الكتاب الذي أشار اليه السيد العيادي ترجع طبعته الأولى لأكثر من ثلاثين سنة و هو تحديدا ما يمكن أن نصفه بتقييم يركز على “العام” عوض “الخاص”. حيث شهدت السلفية المعاصرة تحولات كبيرة في الثلاثين سنة الأخيرة و شقتها صراعات قوية و بالتأكيد فإن السيد العيادي يحتاج الى مراجع محينة (up to date). و في الحقيقة تعكس هذه الرؤى الضبابية و المغرقة في العمومية لدى السيد العيادي في علاقة بفهم التيارات المعاصرة في الفكر الاسلامي بنفس الطريقة التي ينظر بها و غيره الكثيرون من النخبة السياسية التونسية التقليدية للوضع الفكري في تونس و هي النخبة التي تعتقد أنها فاهمة لكل ما يحدث و أن لا شيئ يستدعي المراجعة و مزيد التعمق خاصة في ظواهر مثل “الصحوة الدينية” الراهنة.
و في هذا الإطار علي هنا أن أسوق بعض الملاحظات شديدة الاختصار فيما يخص العلاقة بين السلفية عموما و السلفية الجهادية بشكل خاص على مستوى الساحة التونسية. حيث، و كما أشرت الي ذلك أعلاه، فإنه رغم أن ليس كل سلفي هو بالضرورة سلفي جهادي فإن السلفيين الجهاديين هم تحديدا سلفيون. و هنا علي أن أحدد بشكل خاص أني أقصد من مصطلح “السلفي” على الساحة التونسية معنى “السلف الصالح” شديد العمومية (حيث يعتبر الصوفية أنفسهم سلفيون بل أن الشيعة يعتبرون نفسهم كذلك أيضا) بل أقصد أساسا تيار “السلفية” حسب التأويل الوهابي ليس فقط حسب كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوائل القرن التاسع عشر بل أيضا ما تراكم عليها من كتابات و رؤى تستمر حتى الفترة الراهنة في أوساط كثيرة من الأوساط الفقهية المتركزة في أقطار الخليج و خاصة في السعودية (فقط للملاحظة من المعروف للمتتبعين للشأن الفقهي و السياسي الخليجي و السعودي أنها لا تقتصر كما هو شائع على الأوساط الوهابية بل هناك أوساط أخرى تتميز برؤى متمايزة مثل “السرورية” و “القطبية” و “الاخوان”…). و “السلفية” التي نتحدث عنها في تونس تعني تحديدا هذا التيار ذي التأثر بشكل أو بآخر بالرؤى الوهابية. و كما هو معروف أيضا فضمن السلفية الوهابية هناك تيارات مختلفة تمايزت أكثر خاصة في ظل انطلاق عمليات “قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية” من أهمها تيار “السلفية العلمية” (الذي يرفض تكفير الحاكم في السعودية) و “السلفية الجهادية” (التي تكفر كل الحكام العرب و مثل تكفير العائلة المالكة في السعودية حجر زاوية في فكر هذا التيار خاصة منذ كتابة أبي محمد المقدسي لرسالة “الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية” و التي عممت صفة التكفير على جميع الحكام بعد الصمت الطويل و الاجماع في الصفوف الوهابية لفترة طويلة على التوصيف الشرعي للحكم في السعودية). و في علاقة بالساحة التونسية و لأن “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي” المعلن عنه حديثا (سابقا: الجماعة السلفية للدعوة و القتال) أصبح منذ سبتمبر 2006 معنيا بالمجال المغاربي ككل بما في ذلك الساحة التونسية (و هو ما تجسد عمليا في المجموعة المسلحة المعنية في الأحداث الأخيرة) فإنه التعبير السياسي و العقائدي الرئيسي عن السلفية الجهادية في تونس. أخيرا من الضروري الإشارة الى وجود تيارين في السعودية ضمن “السلفية العلمية” من الضروري أن يتركا أثرهما على مستوى أتباع السلفية مغاربيا و تونسيا و هما: أولا، ما يطلق عليه البعض بـ”السلفية النصية” و هي رؤية أقطاب ما يمكن تسميته بالبيروفراطية الفقهية في السعودية و المتركزة خاصة في المؤسسة الرسمية المسماة “هيئة كبار العلماء” و في عدد من أساتذة كليات الشريعة السعودية و من أشهر ممثليها شيوخ طاعنون في السن مثل الشيخين محمد العثيمين و عبد العزيز آل الشيخ. في الأثناء يعتمل تيار آخر في الأوساط الفقهية السعودية يطلق عليه البعض تسمية “السلفية الاجتهادية” يمثلها دعاة مصلحون أقل عمرا (مثل سليمان بن فهد العودة) و أكثر استعدادا لتقبل آراء جديدة متفهمة للظروف المعاصرة و هي رؤية تهتم بشكل متزايد بنصوص نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لكل من رشيد رضا و محمد عبده و الأفغاني و هم لذلك قريبون جدا من تيار “الاخوان”.
6- لا أحتاج للتذكير بأن فريضة الجهاد هي فريضة إسلامية تشمل جميع الطوائف فليس هناك في أي من مقالاتي أي مجادلة لذلك كما أنه حسب علمي لا يوجد أي مذهب أو طائفة تجادل في ذلك. و عندما أستعمل في مقالاتي اصطلاح “السلفية الجهادية” يتم ذلك لوصف تيار و ليس لوصف تميز ذلك التيار بظاهرة الجهاد. حيث يوجد مجاهدون من طوائف مختلفة. و لكن مصطلح السلفية الجهادية هو الطريقة التي يسمي بها كثير من السلفيين الجهاديين أنفسهم و ليست مسقطة من قبلي أو هي مفهوم غربي كما سبق أن بينت. و الأهم من كل ذلك أن أهداف و برنامج و ممارسات تيار السلفية الجهادية لا تمت بصلة للجهاد بقدر ما تقوم بالفتنة الأهلية و الارهاب على عكس مجاهدين آخرين عبر العالم الاسلامي سواء كانوا سنة (المقاومة الحقيقية في العراق و المقاومة الفلسطينية) أو شيعة (حزب الله في لبنان). و لهذا يواصل السيد العيادي عناده في علاقة بهذه النقطة بشكل يلامس الجهل.
7- يعرض السيد العيادي موقفي من قضية تطوع تونسيين للقتال في العراق بشكل مشوه يجعله مبني ليس على معطيات بل على موقف مسبق من عقائدهم يتجاهل الممارسة. ثم ينتهي لأن يجعل هذه الظاهرة و لو أنها تتميز “بخصوصية ما” في نفس سياق التطوع المعتاد و التاريخي للتونسيين في معارك العرب و المسلمين الكبرى. طبعا السيد العيادي لا يخوض في هذه “الخصوصية” و في المقابل يرى من الضروري الاستشهاد بفقرة حول تطوع تونسيين من طلبة جامع الزيتونة في حرب فلسطين سنة 1948 من مؤلف حول الحركة الصهيونية في تونس للهادي التيمومي. فذلك كافي حسب السيد العيادي للتدليل على موقفي العقائدي.
للتثبت من إدعاء السيد العيادي حول أني أميز على أساس عقائدي من موجة المتطوعين الراهنين للقتال في العراق دعني بداية و لتفادي التكرار إعادة نسخ الفقرة التي تحدثت فيها حول هذا الموضوع الشائك من مقالي الأخير فحسب (حيث تحدثت على موضوع دور القاعدة في العراق في عدد من المقالات في السابق و هي الإشكالية الرئيسية في تقييم مسألة التطوع الجارية الآن).
“و هنا نأتي لمسألة التطوع للقتال في العراق و انعكاسه على تشكل تيار سلفي جهادي يثير الفتنة الأهلية. حيث لا يمكن لأي متتبع سياسي أن يفصل الخطاب الشمولي و في كل تفاصيل الحياة لمنتسبي السلفية الجهادية و قرار التطوع للقتال في العراق. و هنا يجب التذكير بمجموعة من النقاط المتوقع أنها معروفة لكل الأطراف. بداية الغالبية العظمى من التونسين المتطوعين (و الذين يمثلون خمس في المائة من “المقاتلين الأجانب” في العراق) و حسب بيانات الذين قتلوا أثناء عمليات حربية هم ينتمون تحديدا لتنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” أو كما كان يسمى قبل بيعة الزرقاوي لابن لادن أي “جماعة التوحيد و الجهاد”. إن ذلك ليس مجرد صدفة حيث أن قرار الذهاب للعراق يأتي في معظمه في إطار شبكات التنظيمات القاعدية و خاصة في الأوساط التي تتبنى الفكر السلفي. و هنا ليس كل من يتبنى الرؤى السلفية يتبنى ضرورة السلفية الجهادية (أو مسك السلاح كجزء أساسي لممارسة “الدعوة”) و لكن كل السلفيين الجهاديين هم قبل كل شيئ سلفيون. و هذا يعني تحديدا أن الذهاب للعراق لا يتم في هذا الإطار من أجل المساعدة على تحرير العراق و استعادة دولته الوطنية الشاملة لكل طوائفه بل لأجل إقامة “دولة العراق الاسلامية” و التي تعني تحديدا دولة “أهل السنة و الجماعة” بمعانيها الطائفية (هذا المشروع القديم في أدبيات القاعدة و لكن المعلن عنه مؤخرا فقط). و كما كتبت قبلا أكثر من مرة فإن هناك مشروعا حقيقيا للتحرير و المقاومة في العراق و هو بصدد التقدم و ضرب الاحتلال و لكنه يفرق بين محاربة الشيعي بحسب دوره في مشروع الاحتلال و محاربته لأنه “رافضي” كما فعل و يفعل القاعديون. و هنا نأتي للنقطة الأساسية: إن الذهاب للعراق بالنسبة للسلفي الجهادي لا ينفصل تحديدا عن مشروع إثارة الفتنة الأهلية في أي مجتمع “جاهلي” يحكمه “الطاغوت”. و هو ما ينطبق بالنسبة لهذه الرؤية ليس على السلطة السياسية في تونس فحسب بل و خاصة على النظام الدستوري المنظم للدولة ذاتها. إنه من الغريب حقا عدم قدرة الكثير من الأطراف السياسية الربط بين معني ذهاب منتسبي هذا التيار للعراق و الانعكاس المباشر لذلك على رؤية هؤلاء لطبيعة الوضع في تونس. و بمعنى آخر الحالة السابقة في السنوات الأخيرة للذهاب الى العراق لم تكن إلا المقدمة الضرورية لمشروع الفتنة الأهلية و “الجهاد المحلي”. و هكذا لم يكن هناك فرق بالنسبة لمنتسبي السلفية الجهادية بين الذهاب الى “الفلوجة” و الذهاب الى “جبال تزي وزو” حيث معاقل “الجماعة السلفية للدعوة و القتال” و الذهاب لـ”جبل الرصاص”. هنا من الضروري أن أؤكد مجددا على الفرق بين موجات التونسيين الذي شاركوا عبر سنين في المعارك القومية و الاسلامية الكبرى في فلسطين و لبنان و حتى العراق (خاصة مع بداية الحرب) و بين ذهاب السلفيين الجهاديين الى العراق. و لكن للأسف لم تستطع عديد الأطراف للدواعي التي أشرت اليها أعلاه التمييز بين الموجتين”
فهل موقفي هذا مبني على معطيات عقدية أو واقعية؟ هل يشكك السيد العيادي في أن الغالبية العظمى من المتطوعين التونسيين في القتال في العراق إثر الاحتلال و من خلال بيانات القتلى (حسب قوائم تنظيم القاعدة و ليس محاضر الأمن التونسي) ينتمون لـ”تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”؟ هل يشك السيد العيادي في المشروع الطائفي للقاعديين في العراق؟ ألم يعلن القاعديون في العراق جمهوريتهم “السنية” في الأنبار (الوهابية السلفية الجهادية) الطائفية بامتياز (و المسماة بـ”دولة العراق الإسلامية”)؟ ألم يبادر القاعديون في العراق الى القتل على الهوية (و ليس فقط على أساس “الولاء للكفر” أو الاحتلال) من خلال تكفير “أئمة الرافضة” و تحليل دماء أتباعهم بشكل معلن (و ليس سري) و هو ما تجسد في تفجيرات عشوائية رهيبة تستهدف بدون أي شك جموع المدنيين الشيعة (في أسواق و مساجد و أحياء شعبية) في مجازر طائفية غير مسبوقة في تاريخ العراق نددت بها كافة فصائل المقاومة في العراق؟ هل يمكن تبرير هذا الموقف الطائفي المعلن بولاء بعض الأطراف الشيعية (كما هو الحال حتى مع بعض الأطراف السنية) للاحتلال؟ أليس في النهاية المشروع الطائفي للقاعدة في العراق يساهم في التقليل من التركيز على الاحتلال و التركيز في المقابل على الاقتتال العراقي الداخلي و هي بالمناسبة الورقة الأخيرة التي التجأت اليها الادارة الأمريكية في استراتيجيتها في العراق؟
كل هذه الأسئلة متعلقة بالممارسة و ليس ببعض الجوانب العقدية المجردة فحسب. غير أن السيد العيادي لا يناقش أيا منها في تعقيبه بما في ذلك عندما ينعت موقفي بالعقائدية. لقد ذهب التونسيون من خلفيات سياسية و عقائدية (بمعنى ايديولوجية) شديدة التنوع و في موجات متعاقبة للمشاركة الطوعية في القتال في فلسطين و لبنان (1982 و حتى بعد ذلك بما في ذلك خلال التسعينات) و مصر (في حروب 1956 و 1967 و 1973) و سوريا (حربي 1967 و 1973) و الجزائر (حرب التحرير) و العراق (خلال العدوان الثلاثيني ثم خلال بداية العدوان الأخير) للمشاركة في معارك واضحة المعالم تستهدف مواجهة العدوان الأجنبي و التحرير بمعزل عن أي خلفيات عقائدية أو اييولوجية. في المقابل جير القاعديون في العراق مشاعر التطوع في اتجاه جزء من المعركة الدائرة منذ بداية الاحتلال الأمريكي في العراق لمصلحة مشروعهم الطائفي. و ليس هناك شك في أن الكثير من الشبان التونسيين ذوي الخلفية السلفية يذهبون بدافع تحرير أرض محتلة و لكنهم عمليا و من حيث الممارسة يتم استخدامهم من قبل تنظيم القاعدة في مصلحة مشروع طائفي مقيت يساهم في تحويل البوصلة من قتال الاحتلال الى قتال طائفي سني شيعي و الأكثر من ذلك يتم تغطية برنامج “الجهاد ضد الطواغيت” المحليين بما يعنيه ذلك من فتنة أهلية في إطار التعبئة لمصلحة القتال في العراق. و عوض أن تكون المعركة في العراق مناسبة للوحدة الوطنية و تصدير نموذجها لبقية الأقطار يتم استخدامها من قبل القاعديين لمصلحة تصدير الفتنة الأهلية. و في المحصلة لا يفعل القاعديون و من ثمة السلفية الجهادية سوى خلق معارك تركز على الداخل و بالتالي الفتنة الأهلية حتى في الميادين التي يوجد فيها إحتلال عسكري مباشر واضح المعالم. و لهذا لا يمكن فصل ممارستهم عن رؤاهم العقائدية لأنهم لا يقومون بذلك الفصل حيث تستجيب هذه الممارسات لأولية مبدأ “حاكمية الشريعة” كما يطرحها شيوخهم. و هكذا لا يمكن للباحث و السياسي الرصين تقييم مسألة التطوع الراهنة بمعزل عن كل هذه المعطيات الفاقعة في واقعيتها و التي لا تتعلق بمجرد عقائد مفصولة عما هو سياسي.
4
من بين المسائل التي يمكن التركيز عليها في نهاية هذا المقال و تحديدا في علاقة بالنقاش الذي يثيره تعقيب السيد العيادي هو ضرورة التمييز بين حكم الجهات القضائية و مسار الدفاع القضائي و بين التقدير السياسي. و في الحالتين لا يمكن أن توجد أحكام مطلقة فلا يضمن “مسار العدالة” و جهاز القانون حتى في ظل غياب التعذيب و الاعتقالات التعسفية أحكاما عادلة في المطلق (مثلا إمكانية الحكم بشكل عادل على المتهمين في تونس بالانتماء لتيار التنظيمات القاعدية) كما ليس من المفترض أن يضمن التقدير السياسي توصيفات نهائية (مثلا أن السلفية الجهادية لن تتغير بفعل ضغط الواقع و تتراجع عن أطروحاتها أو بعضها). و بمعزل عن القضية الحقوقية العادلة المناهضة للتعذيب مهما كان ضحيته فإن هناك مجال ضروري للقيام بالتقدير السياسي. و القيام بالتقدير السياسي لا يتم بناء على ترسانة كاملة من المعطيات (لأن ذلك غير ممكن) بل على ما يتوفر منها و لذلك هو تقدير و ليس حكما. و لهذا لا يمكن تقييم التقدير السياسي بأدوات التحليل الجنائي و القضائي. هذين المسارين مختلفين و لا يبدو أن السيد العيادي يدرك ذلك. حيث يخلط بين صفته كمحامي للمتهمين في القضايا الراهنة الخاصة بـ”قانون الارهاب” لسنة 2003 و ما يستدعي ذلك من أدوات قضائية و قانونية خاصة و بين مجال التحليل و البحث السياسي و الاستراتيجي أي “فهم ما يجري” على المستوى البنيوي و هو مسار متمايز في الجوهر عن المسار الذي يعالج إشكال من ينتمى حقا للقاعدة و من لا ينتمي. و هذا الخلط تحديدا هو أحد المؤشرات على السمة المميزة التي أشرت اليها في مقدمة المقال الخاصة بالمرض الطفولي لأوساط عريضة في المعارضة التونسية. و لو أن المفارقة أن أي مرض طفولي من المفترض أن يرافق قيادات جديدة و ليس تقليدية.
أريد أن أختم بملاحظة أخيرة حول ما يمكن أن يعنيه خطاب مماثل للسيد العيادي و الذي لا أعتقد أنه خطاب معزول في أوساط المعارضة. حيث أصبح من غير الممكن أن أقيم ردود فعل من نوع التي قام بها السيد العيادي ضمن إطار السذاجة فحسب و عدم ملاحظة رغبة بعض هذه الأوساط في ممارسة خطاب سياسوي يفكر في المناورة بالحدث و كيفية تسجيل نقاط على حساب السلطة أكثر من محاولة تقديم مقاربة جدية و عميقة لما يجري بعيدا عن الحسابات السياسية. المشكل في الحقيقة أشار اليه السيد العيادي نفسه: حيث هناك حاجة حقيقية “لفهم ما يجري”. غير أنه و غيره يقومون بكل شيئ إلا محاولة “فهم ما يجري”. في الحقيقة أصبح من غير الممكن عدم طرح سؤال مقلق و متشائم بعض الشيئ: هل توجد حتى القابلية و الاستعداد في الطبقة السياسية التقليدية للتخلي عن المقاربات السياسوية و العمل بجدية أكبر على “فهم ما يجري”؟
(المقتطف الخاص بتعليقي على تصريحات السيد العيادي في مقال سابق)
تعليق حول مجمل المعطيات الاعلامية و السياسية المرافقة لظهور المجموعة الإرهابية في تونس
(….)
انغماس متزايد في السذاجة (أو المناورة؟)
أحيانا يصبح الرصيد النضالي الحقوقي لبعض الوجوه عائقا أمام تقييم جدي لما يقولونه و يقومون به. و لا يمكن التشكيك في صدق أشخاص مثل السيد المنصف المرزوقي على سبيل المثال و لكن ذلك لا يعني أن ما يقولونه لا يلامس السذاجة بل و يستغرق فيها. لفتت إنتباهي ثلاثة أمثلة في هذا السياق و الذي لا يتصف بالسذاجة المتوقعة فحسب بل يتجاوزها للانغماس في سذاجة مفاجئة و صادمة أحيانا تشيرالى التشبث المعاند بتصور قديم لما يجري و من ثمة المضي أكثر في “حالة الإنكار”. أول النماذج بدون منازع هي “حكومة” السيد المرزوقي “المؤقتة”. و لا أعتقد أنه من الضروري هنا التذكير بأبسط الدواعي التي يمكن أن تدفع أيا كان للقيام بدعوة مماثلة عدى الترف البلاغي و عدم القدرة على التفكير. حيث ليست البلاد في وضع فوضى سياسية شامل تنقسم فيه بين فرقاء يملكون نصيبا مؤثرا في الشارع. و لا أعتقد أن السيد المرزوقي يعتقد حتى (أرجو على الأقل ذلك) أنه يملك قسطا جماهيريا في حالة عصيان و من ثمة يفكر في إنقاذ البلاد و حل الأزمة القائمة (من مظاهرات و اضرابات يومية) من خلال الدعوة لحكومة مؤقتة تنتقل بنا نحو انتخابات نزيهة (؟!). حقا لا أستطيع التفكير في أي تعليق مناسب هنا إلا أن الساحة السياسية المعارضة في حالة جدب حقيقية خاصة عندما يكون السيد المرزوقي أحد “وجوهها السياسية الرئيسية”. النموذج الثاني هي تصريحات للسيد عبد الرؤوف العيادي (في تقرير للسيد محمد الحمروني لصالح “إسلام أون لاين”) و التي أسوقها كما هي: ” ويرى العيادي أن مصطلح “السلفية الجهادية” هو “مفهوم غربي غير محايد معرفيا والقصد منه تشويه الجهاد وفي نفس الوقت النيل من فكرة الانتماء إلى السلف بربط الكلمتين إلى بعضهما وجعلهما تعنيان الإرهاب، فمن يقول اليوم السلفية الجهادية يقول إرهابا في حين أن الانتماء إلى السلف ليس جريمة بل إن أغلب علماء الأمة من أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية وصولا إلى زعماء الإصلاح مثل محمد عبده وعبد العزيز الثعالبي هم أبناء هذا التيار”. ” و هنا المشكل لا يكمن فقط في أن ما يقوله السيد العيادي خاطئ بكل بساطة حيث أن “السلفية الجهادية” ليست مصطلحا غربيا مسقطا كما يشير و يكفي التذكير بالجماعة المغربية المشاركة في أحداث 2002 في الدار البيضاء و التي تسمي نفسها بـ”السلفية الجهادية” (و لا يسميها أحد بذلك بشهادة شيوخها) كما هو معروف لكل الدارسين للظاهرة (هناك الكثير من المقالات و الدراسات في هذا الشأن و لكن يمكن الاكتفاء بالمقالات التفصيلية للسيد منتصر حمادة في هذا الموضوع خاصة في صحيفة القدس العربي). المشكل، إذا، لا يقتصر على خطأ مماثل و لكن يهم تحديدا الرغبة في و الاصرار على تصور تيار الفتنة الأهلية كطرف ليس إرهابي و الخلط بين مدارس مختلفة يعمل القاعديون عمدا الخلط بينها مثل مدارس “السلف الصالح” (بمعناها بالغ العمومية) و “السلفية العلمية” و “الحنبلية” و “الوهابية” و السلفية القاعدية أو الجهادية. و يمكن الرجوع في هذا الإطار الى كتابات و أحاديث أحد أهم المنظرين القاعديين و تيار الفتنة الأهلية و هو مؤسس تنظيم “بيعة الإمام” الأردني أبو محمد المقدسي و الذي يتعرض بشكل متواتر و محدد لمصطلح “خط السلفية الجهادية” بما يحمله بالتحديد من معاني “تكفير الحكام” و إسقاط الشرعية عن “جكام الطواغيت” و “الجهاد” ضدهم.
iThere are no comments
Add yours