بقلم : أمين بن سالم

يرى العديد من المعارضين للنظام التونسي أنه ليس هناك من مخرج للأزمة العميقة التي تعيشها بلادنا إلا عبر مصالحة وطنية شاملة يقودها هذا الأخير وتدفعه للقيام بعملية إصلاح عامة لمؤسسات الدولة من أجل إرساء ديموقراطية حقيقية تضمن التداول السلمي على السلطة.

لا يمكن أن يختلف إثنان حول نبل هذا الهدف وصدق نوايا المنادين به. يبقى أن أهم نقطة في هذا الطرح هي إرتباطه بصفة كلية بإرادة النظام القائم. فهو الوحيد الذي يملك زمام المبادرة ويمكنه الحكم عليها بالنجاح أو الفشل. ولا يمكن للمرء وهو يتابع تطور المواقف والأحداث إلا أن يشعر بأن شيئا ما يظل ناقصا في هذا الحل. ففي غياب خطة عملية للضغظ على السلطة من أجل دفعها للإذعان للمطالب الشعبية بالحرية والكرامة تظل فرص نجاح مثل هذه المبادرات شبه معدومة. ثم ماذا إذا رفضت السلطة الإستجابة لصوت العقل وتمادت في تجاهل كل هذه النداءات ؟

المشكلة هنا أنه لحد اليوم ليست هناك أية إشارة تدل على أن السلطة تعير أي إهتمام لهذه المطالب. لا بل كل الدلائل تشير إلى أنها تواصل العيش في عالم إفتراضي خلقته لنفسها لا وجود فيه لأزمة أصلا. فالتونسيون حسب رأيها ينعمون بالخير والرفاه ويساندون النظام بنسبة 95 بالمائة. أما مساجين الرأي والتعذيب وخنق الحريات و كل المشاكل التي تعاني منها البلاد فلا تعدو أن تكون دعاية يروج لها الحاقدون!

أمام هذا التعنت الواضح للسلطة وإنسداد الآفاق، هل ما زالت هناك فائدة من مواصلة المراهنة على تكرم النظام بالقيام بمبادرات طال إنتظارها ؟ الجواب هو لا !
فالمراهنة على إصلاح السلطة هو حسب رأينا كالمراهنة على إصلاح المافيا. فالنظام التونسي في تركيبته ووسائل حكمه هو أقرب منه إلى العصابة من أي شيء آخر. فعصابات المافيا الدموية التي إحترفت العيش خارج القانون وإستعمال أكثر الوسائل عنفا وبربرية لتحقيق مآربها وتصفية خصومها لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتحول في يوم من الأيام، ومهما كان صدق وإخلاص الراغبين في ذلك، إلى منبع للخير ومثال للسلوك المستقيم.

إن النظر إلى الواقع كما هو لا كما نتمناه يحتم علينا الإعتراف بأن إصلاح السلطة القائمة هو من قبيل “المهمات المستحيلة” وأنه لا مناص من التفكير في بدائل للتخلص من هذا النظام بأقل التكاليف الممكنة فالوضع لم يعد يقبل مزيدا من المماطلة وإضاعة الوقت في المهاترات حول الكلمة الطيبة وإستجداء الرئيس المجرم لكي يمن علينا بهاته البادرة أو تلك. وهنا يمكننا الإستلهام بما حدث في البلدان الشيوعية السابقة. فالحل الأمثل للتخلص من الدكتاتورية بأقل التكاليف هو تكثيف الضغوط على السلطة بشكل تصاعدي تكون طلائعه القوى الحية في المجتمع كالأحزاب المعارضة والنقابات والمنظمات الأهلية والعمال والطلبة وذالك لكسر جدار الخوف من السلطة نهائيا وتعميم ثقافة الإحتجاج والمطالبة وهو ما سيجر ورائه في نهاية المطاف الشعب بأكمله للنزول إلى الشوارع وفرض واقع جديد على السلطة لا يمكنها أمامه إلا الإذعان. فإستعمال الرصاص الحي لقمع مظاهرات سلمية كما كان يحدث في الماضي أصبح طريقا محفوفا بالمخاطر للسلطة القائمة في عصر الفضائيات والوسائل الحديثة للإتصال والإعلام. والكل يعلم أن أنظار العالم كله تراقب ما يحدث وبالتالي فلا أحد يستطيع التنصل من مسؤولياته عندما تحين ساعة الحساب.

إن الإعتماد على الشعب التونسي العظيم وقواه الحية لهو أحق وأجدى من المراهنة على سلطة فاسدة عديمة الشرعية. فكل الدلائل تشير إلى أن النظام يعيش الآن في حالة شلل فكري لا يمكنه معها إتخاذ أي قرار في إتجاه حلول توفيقية هادئة. فهو أسير منهج القمع والتسلط الذي دأب عليه في حكم البلاد لا يستطيع أن يرى غيره بديلا لممارسة السلطة والتعامل مع المجتمع.