على السؤال: ما هي روح الحضارة الإسلامية؟ يجيب المفكر التقليدي الإسلامي بجواب والمستشرق بجواب آخر. فيم يتفق وفيم يختلف الجوابان؟
ينطلق الفكر التقليدي الإسلامي من مسلمتين:
الأولى: هي نفي التطور فيما يخص العقيدة، أي الروح، وهذا واضح: الإسلام هو نفسه في كل زمن وفي كل مكان. يفترض الفكر التقليدي أن مضمون الرموز واحد عبر الأجيال رغم الاختلافات اللغوية والجنسية والبيئوية… وهذا افتراض لا سبيل الى تبريره.
المسلمة الثانية هي الموافقة بين العقيدة والسلوك والتنظيم الاجتماعي والمسار التاريخي، أي أن المعاني التي تدل عليها كلمات العقيدة والتي لا تتغير افتراضاً، تحل تلقائياً وكلياً في سلوك الأفراد اليومي، وفي التنظيمات، وفي نتائج الأعمال الجماعية، داخل وخارج دار الإسلام. قد تتحقق هذه الموافقة في فترة من فترات الزمن، لكن بسبب إلهام رباني، كما وقع أيام الرسالة المحمدية؛ غير أن هذا الشرط لا يذكره صراحة المفكر التقليدي الذي يتعامل مع الأوضاع وكأن الإلهام ما زال ساري المفعول.
أما المستشرقون المتأثرون بمنهج الأنثروبولوجيا الثقافية، فإنهم يسلمون بافتراضين: أولهما: إن مسار التطور يكشف لنا عن مضمون العقيدة التي لم تعد تعني الأصل الذي حافظت عليه الجماعة، وإنما تعني الاتجاه العام الذي سار فيه مؤولو العقيدة عبر القرون. السنة، بالنسبة للفكر التقليدي الإسلامي، هي ما جاء في أصل الدعوة ولم يتغير قط، وبالنسبة للمستشرق هي ما تجلى عبر التطور التاريخي.
وثانيهما: إن العقيدة عامل يحدد الإمكانات الإنسانية في الحضارة الإنسانية. فتتطابق بالتعريف العقيدة والأخلاق والنظام السياسي والتعبير الفني والإنتاج الفكري.. كل ما يناقض العقيدة يظهر كمحاولة فاشلة غير مكتملة.
يختلف السني والمستشرق في كون الأول يقف عند الأصل، (متجاهلاً أنه هو الذي يعيد تأويل ذلك الأصل في كل فترة من فترات التاريخ)، ويقف الثاني عند نهاية التاريخ، (متجاهلاً أنه هو الذي يوقف التطور بكيفية قسرية وتعسفية). كلاهما يرتكب إذن خطأ خاصاً به، والاثنان يشتركان في خطأ ثالث هو افتراض مطابقة الفكر للواقع أو العقيدة للتاريخ. إن السني المؤمن يفترض المطابقة والأنثروبولوجي يشيد عليها علمه الجديد. فلا أحد منهما يستطيع أن يبرهن عليها موضوعياً ويلزم بها المؤرخ.
الواقع الزمني في عين المؤرخ هو المعطى الأولي. فهو دائماً أوسع من كل فكرة يمكن أن نستخرجها منه، مهما كانت الظروف والأحوال.
……………………………..
المصدر : ثقافتنا في ضوء التأريخ.
iThere are no comments
Add yours