تستورد تونس سنويّا 165 ألف طنّ من الزيت النباتي، بمعدّل 14.500 طنّ شهريّا تتوزّع على 42 وحدة تعليب، تتولّى توزيعها على تجّار التفصيل بأسعار مدعّمة. ويبلغ سعر اللتر الواحد من الزيت النباتي المدعّم 900 ملّيم، فيما يصل سعر شرائه الحقيقي إلى دينارَين و356 ملّيما وفق دراسة أعدّها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول منظومة الدعم. وقد ارتفعت كلفة دعم هذه المادّة من 168 مليون دينار سنة 2015 إلى 480 مليون دينار سنة 2022، وفق أرقام وزارة التجارة.
أمّا بخصوص تذبذب الأسعار، فقد أشار إليه المعهد الوطني للإحصاء في أرقام نشرها خلال شهر أوت الجاري، تؤكّد أوّلا ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك بقيمة 0.4 بالمائة مقارنة بشهر جويلية، إضافة إلى عدم استقرار أسعار الموادّ الاستهلاكية، ثانيا، حيث بلغت نسبة التغيير السنوي في مادّة الزيت النباتي على سبيل المثال 21.4 بالمائة.
كلّها أزمات عاشتها تونس في فترات متقاربة، تتزامن مع موسم الصيف والعودة المدرسية وشهر رمضان والأعياد، وهي مواسم ترتفع فيها النفقات الأسرية. ووفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء، فإنّ معدّل الاستهلاك للفرد الواحد قد بلغ 3871 ألف دينار شهريّا سنة 2015، يُخصّص منها مبلغ قدره 1118 دينار للتغذية.
أزمة الزّيت المدعّم تهدّد مصانع التعليب والتكرير
في تصريح لإذاعة موزاييك أف أم، يقول رئيس الغرفة النقابية لمعلّبي الزّيت النباتي مختار بن عاشور إنّ النّقص في مادّة الزيت المدعّم يعود إلى أكثر من سنة ونصف تقريبا، نظرا لعدم توفّر الكمّيات الضرورية المُقدَّرة بـ170 ألف طنّ سنويّا، في حين أنّ الدّولة تستورد ما يناهز 40 بالمائة فقط من احتياجاتها، مؤكّدا أنّ مصانع التكرير لم تتزوّد منذ منتصف شهر أوت الجاري بمادّة الزيت النباتي. ” آخر قطرة زيت تمّ ضخّها في الأسواق في 15 أوت، وقطاع تكرير الزّيت يُشغّل تسعة آلاف عائلة تونسيّة، ولكنّها لم تتقاضَ أجرها إلى الآن”. ويضيف رئيس الغرفة النقابيّة أنّ مصانع تعليب الزّيوت مهدّدة بالغلق. “عشرون مصنعا يعانون صعوبات ماليّة وما عاد بإمكانهم اقتناء الزّيت وتعليبه. 80 بالمائة من قطاع الزيت المعلّب على وشك الإفلاس”.
وفي السّياق ذاته، يقول رئيس الغرفة النقابية لمكرري الزيوت سليم بن عيسى إنّ مصانع تكرير الزيت لم تتحصّل على مستحقاتها المالية منذ شهر ماي 2021، مُذكّرًا أنّ تونس لم تستورد سوى 55 ألف طنّ من احتياجاتها، في الوقت الّذي يُنتظَر فيه أن يتمّ تزويد الأسواق بـ120 ألف طنّ. الإشكال الاجتماعي لمصانع تعليب الزيت النباتي يعيد نفسه مع وحدات تكرير الزّيت، إذ لم يتقاضَ العمّال أجورهم لمدّة سنة ونصف، بالإضافة إلى صعوبة خلاص فواتير الكهرباء، ممّا أدّى إلى غلق وحدتَي تكرير بصفاقس وسوسة وتفاقم الوضع المالي والاقتصادي للمصانع وتهديد مورد رزق العاملين في هذا القطاع.
حسب أرقام منظّمة الدّفاع عن المستهلك، فإنّ 18 بالمائة فقط من الزّيوت النباتيّة المدعّمة تُوجَّه إلى الاستهلاك، فيما تضيع النسبة الأكبر والمقدّرة بـ82 بالمائة بين المطاعم ومحلات بيع الفطائر وصانعي الدّهن وصنع الوقود الحيوي. عقوبات إدارية وخطايا ماليّة تم تسليطها على المخالفين، وصلت إلى 100 ألف دينار، وفق المديرة العامة السابقة للمنافسة والأبحاث الاقتصادية، والوزيرة الحالية للتجارة فضيلة الرابحي.
دورة حياة الزيت النباتي المدعّم
يتدخّل الديوان الوطني للزيت، بصفته شريكًا في حلقة التوزيع وسيطًا بين وزارة التجارة وتجّار الجملة والتفصيل، في تأمين حاجيات السوق من الزيت النباتي، عبر استيراد زيت النخيل” و زيت الصوجا الخامّ. يوزّع الديوان الزيت الخامّ على وحدات التكرير لتكريره وتصفيته، ثمّ يسترجع الديوان كميّات الزيت المكرّر ويوزّعها على المؤسسات الناشطة في مجال تعليب الزيوت بدفعات شهريّة بعد التثبّت من مطابقتها للمواصفات المطلوبة، يتمّ تعليبها في قوارير بلّورية تبلغ سعتها لترًا واحدًا، بسعر إحالة مضبوط من وزارة التّجارة، ليتمّ تزويد تجّار الجملة والتفصيل بكميّات الزيت المعلّب. ويتكفّل صندوق التعويض بتغطية الفارق بين الكلفة الحقيقية للزيت وسعر الإحالة من ديوان الزيت إلى المعلّبين لتسديد أتعاب خدمة التكرير، وفق تقرير محكمة المحاسبات حول منظومة دعم الموادّ الأساسية.
أمّا وحدات تكرير الزيوت فيبلغ عددها 13 وحدة موزّعة على عدد من المدن، مثل شركة “زويلة” بولاية المهدية، و”الشركة المنستيرية SAM ” بالمنستير، وشركة “آغروزيتاكس AGROZITEX بصفاقس والشركة الأفريقية لتكرير الزيوت Raffinerie africaine بولاية بن عروس والشركة التونسية الإيطالية لتكرير الزيوت الغذائية STIROA بجبل الوسط من ولاية زغوان. تُسند لهذه الشركات حصص معيّنة وفق الفروع الجهوية للديوان الوطني للزيت بأقاليم الشمال والوسط والجنوب، وفق حاجيات وطاقة كلّ مركز تكرير.
في تقرير صادر عن مجلس المنافسة لسنة 2014 (الصفحة 133)، وهو “هيئة خاصة تنظر في الدعاوى المتعلقة بالممارسات المخلة بالمنافسة وتبدي رأيها في المطالب الاستشارية”، يتبيّن أنّ أربع مؤسّسات تكرير من أصل 13 قد استأثرت بـ66 بالمائة من جملة الحصص خلال موسمي 2008-2009 و2009-2010، وهي على التوالي “مؤسسات سلامة إخوة” و “مؤسسات عبد المولى” وبدرجة أقلّ “الشركة الأفريقية لتكرير الزيوت” وشركة “سيوزيتاكس”، ثمّ تمّ التخلّي منذ سنة 2014 عن نظام الحصص. “ابتداء من 2015 و2016 بدأنا نشهد تذبذبا في توزيع مادّة الزّيت النباتي المدعّم”، يقول جمال العرف، أمين المال المجمع المهني لمعلّبي الزيت النباتي لنواة.
تزويد السوق بالزيت المدعّم: عود على بدء
حسب تقرير الديوان الوطني للزيت لسنة 2019 (الصفحة 37)، فإنّ كميّة الزيت النباتي الّتي تُستهلَك سنويّا تبلغ 190 ألف طنّا، تتوزّع بين 160 ألف طنّ من الزّيت المدعّم و30 ألف طنّ من الزيت النباتي غير المدعّم. وهي أرقام لا تبتعد كثيرا عن الأرقام التي مدّنا بها جمال العرف، إذ يقول إنّ ما يقارب 40 ألف طنّ من الزيت النباتي غير المدعّم تُروَّج في الأسواق، مُبديًا تخوّفه من سيطرة الزيوت غير المدعّمة على الأسواق، في غياب الزيت المدعّم. “مصانع تعليب الزيت موجودة، ولكنّ هذه المادّة غير متوفّرة بسبب المضاربة والاحتكار”، يتحدّث العرف لنواة، مُضيفًا أنّ كلفة دعم الزيت النباتي تثقل كاهل الصندوق الوطني للتعويض. “المشكل ليس في الدّعم في حدّ ذاته وإنّما في توجيهه لغير مستحقّيه. لنفترض مثلا أنّ المبلغ المخصّص لدعم الزّيت النباتي يبلغ 500 مليار، في حين أنّ الكلفة الحقيقية للدّعم تصل إلى 1000 مليار. في هذه الحالة، لا تجد الدّولة السّيولة الكافية لسداد هذه النّفقات”، مُذكّرًا بارتفاع سعر الزيت لدى الاستيراد، حيث ارتفع من 800 دولار إلى 1500 دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع قيمة الدينار وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية وما خلّفته من أزمات على مستوى التزوّد بالموادّ الغذائيّة.
وفي تصريح لإذاعة اكسبرس أف أم، يدعو أمين مال المجمع المهني لمعلّبي الزيت النباتي إلى مراجعة سعر هذه المادّة المدعّمة والترفيع فيها من 900 ملّيم إلى دينارَين أو ثلاثة دنانير لتغطية كلفة تعليب الزّيت وتغطية نفقات خلاص الأجور والشراءات التابعة لنشاط التعليب.
من جهتها، أكّدت وزارة التجارة في موفّى شهر أوت الجاري وصول دفعة من الزيت النباتي في سبتمبر تُقدَّر بـ18 ألف طنّ، مشيرة في الوقت نفسه إلى حجم التجاوزات والمخالفات التي رفعتها. حيث حجزت مصالح الوزارة 11373 لترا من الزيت النباتي المدعّم خلال الفترة الممتدّة من 23 أوت إلى 03 سبتمبر الجاري.
أزمة التزوّد بالزيت النباتي ليست سوى حلقة من جملة الأزمات التي تعيشها تونس منذ فترة، بشكل يدفع إلى التساؤل حول ارتهان البلاد في أمنها الغذائي واقتصادها المحلّي إلى استقرار الأوضاع في الدّول الأجنبيّة، وقصور نظرها في التعويل على مواردها الذاتية، إلى جانب عجزها عن تفكيك الأزمة واكتفائها بالوعيد والتهديد والتسويق لتسبب الاحتكار في الازمة، عوضا عن مصارحة الشعب وعدم التهرب المخجل من المسؤولية. أمّا وزارة التجارة، فقد اكتفت بإعداد تطبيقة الكترونية في 2019 لترسيخ حوكمة رشيدة في توزيع الزيت المدعّم ومراقبة مسالك توزيعه، لكنّها لم تتوصّل إلى حلول جذريّة وسياسات فعالة تضمن تزويد وحدات التكرير وتراقب جديا مسالك توزيع الزيوت المدعّمة، حتى تصل إلى مستحقّيها.
“حسب أرقام منظّمة الدّفاع عن المستهلك، فإنّ 18 بالمائة فقط من الزّيوت النباتيّة المدعّمة تُوجَّه إلى الاستهلاك، فيما تضيع النسبة الأكبر والمقدّرة بـ82 بالمائة بين المطاعم ومحلات بيع الفطائر وصانعي الدّهن وصنع الوقود الحيوي. عقوبات.”
لا أفهم. لماذا تضيع تلك الكمية؟ أليست المطاعم ومحلات بيع الفطائر وغيرها جزءً من الاقتصاد؟ أعلينا غلقها لتوجيه كميات الزيت إلى الاستهلاك المنزلي؟
الرجاء للتوضيح؟
شكرا