انخرط الغرياني في مبادرات وأحزاب سياسية متعددة بعد الثورة أبرزها المبادرة الدستورية رفقة كمال مرجان وحركة نداء تونس وحزب تحيا تونس. اختفى لفترة بعيد الثورة قبل أن يعود للنشاط السياسي مع صديقه كمال مرجان. هو الآخر من أنصار التقارب مع حركة النهضة وتربطه علاقة جيدة برئيسها راشد الغنوشي والدائرة المحيطة به، وشارك في مؤتمرها العاشر سنة 2016. تصريحاته الإعلامية تدعو إلى المصالحة مع الإسلاميين ويعتبر أن راشد الغنوشي رجل وطني وحكيم وله مواصفات رئيس جمهورية.
مرفوض من الأصدقاء والأعداء
رفضت عدة أطراف سياسية تعيين محمد الغرياني في ديوان رئيس مجلس النواب مكلفا بملف العدالة الانتقالية، أولها أبناء حركة النهضة الذين استقبلوا هذه التسمية بفتور. فقد قال النائب ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية السابق (2011-2014) سمير ديلو، إنه لم يتم استشارتهم بخصوص مقترح تعيين محمد الغرياني مستشارا للغنوشي، موضحا أن “الجسم الداخلي لحركة النهضة لم يبارك هذا القرار” وأنه “ليس ضد أن “يكون لمحمد لغرياني دور في تونس ما بعد الثورة بعد تسوية وضعيته تجاه الدولة، لكن ذلك لا يعني تعيينه مستشارا مكلفا بملف هو معني به مباشرة”.
تصريح النائب سمير ديلو يعبر عن توجه كامل داخل النهضة من المناهضين لراشد الغنوشي. هو توجه رافض منذ البداية لسياسة التوافق التي انتهجها الغنوشي تجاه رموز النظام السابق، وهو ما خلق انقساما داخل النهضة في مؤتمرها العاشر (2016)، ولا يزال هذا الانقسام يهدد الحركة بأكثر حدة مع تحضيرات المؤتمر الحادي عشر المقرر عقده في 2020.
ولم يبتعد موقف حلفاء راشد الغنوشي داخل مجلس النواب عن موقف معارضيه من داخل الحركة أو من خارجها، فقد نشر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف تدوينة على فيسبوك رفض فيها “بشكل قطعي” تعيين محمد الغرياني في خطة مستشار لرئيس مجلس نواب الشعب. داعيا إلى منع من وصفهم بالأزلام بالتدخل في ملف شهداء وجرحى الثورة حسب قوله. وقال “بصفتي رئيسا للجنة شهداء الثورة وجرحاها فإنني أرفض هذا التعيين ولن أتعامل معه، ودماء الشهداء وآلام الجرحى وضحايا الاستبداد والتعذيب ليست للبيع”.
من جهته قال النائب عن الكتلة الديمقراطية هشام العجبوني إن “رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي يريد تعيين آخر أمين عام للتجمع مستشارا له في البرلمان وذلك في إطار صراعه مع حزب آخر تقوده آخر أمينة عامة مساعدة للتجمع”، مضيفا أن الغنوشي يريد أن يحمل دافع الضرائب التونسي كلفة هذا التعيين في إطار الصراع بين حركة النهضة والحزب الدستوري الحر.
المصالحة والعدالة الانتقالية من منظور نهضوي
في المقابل أفاد محمد الغرياني أنه “قد أعرب للغنوشي عن ترحيبه بهذا المقترح، وبأنه يرى في شخصه القدرة على إدارة هذا الملف وتحقيق مصالحة باعتبار أن المرحلة السياسية الحالية تقتضي إجراء مصالحة وطنية شاملة لكل الملفات السياسية والاقتصادية”، وذلك بالرغم من أنه لم يتم تعيينه رسميا إلى حد الآن، وأن راشد الغنوشي قد عرض عليه خلال الفترة الماضية مهمة مستشار بديوانه مكلفا بملف المصالحة الوطنية، حسب تصريح أدلى به لموقع حقائق.
إذن، نلاحظ محمد الغرياني لم يتم تعيينه بشكل رسمي في ديوان رئيس مجلس نواب الشعب بعد، باعتبار أن التسمية لم تنشر لحد الآن في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. هي تسمية أثارت جدلا واسعا وكانت غالبية الردود رافضة أو مستنكرة لتكليف آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري المنحل بملف العدالة الانتقالية، في حين أن قيادات الصف الأول للتجمع المنحل مسؤولة سياسيا على الأقل على كل التجاوزات والجرائم التي ارتكبها النظام السابق في حق مواطنيه، ومن بين هؤلاء المسؤولين من رُفعت في حقه شكايات جزائية لتجاوزات ارتُكبت قبل الثورة. ومن هنا جاء التساؤل عن مدى أهلية محمد الغرياني بكل ما يحمله من إرث دولة الاستبداد لمعالجة ملف العدالة الانتقالية. ففي السابق، رفضت أطراف سياسية وجود سهام بن سدرين على رأس هيئة الحقيقة والكرامة باعتبار أنها خصم للنظام السابق ولا يمكن لها أن تكون خصما وحكما في نفس الوقت، أما الآن فالجلاد هو الذي سيشرف على العدالة الانتقالية التي يُطالب بها الضحايا.
أما بالنسبة لمحمد الغرياني وعدد لا يُستهان به من رموز حزب التجمع المنحل، فإن وجودهم السياسي مرتبط أساسا بوجود عدوهم السابق حركة النهضة. الملاحظ لمسيرة هذا الرجل منذ الثورة يرى أنه لا يدلي بتصريح إلا للثناء على راشد الغنوشي والتقرب منه والتأصيل النظري لفكرة التقارب بين الإسلاميين والتجمعيين. كان مساهما في التقارب بين الغنوشي وكمال مرجان، رئيس حزب المبادرة وآخر وزير خارجية في عهد بن علي، حيث صوت نواب المبادرة لفائدة حكومة علي العريض في مارس 2013. هذه الخدمة الجليلة رد عليها راشد الغنوشي بعبارة “ما جزاء الإحسان إلا الإحسان”، ومنذ ذلك الوقت انطلقت مسيرة التقارب بين الطرفين، تقارب يقوم على توازن المصالح بين طرفين سياسيين مثلا عماد الحياة السياسية في تونس لعقود طويلة.
iThere are no comments
Add yours