قضية المبروك أثارها وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية غازي الشواشي على راديو نزاهة يوم الأربعاء 10 جوان 2020 عندما وصفه بـ “أخطبوط” له عدة أذرع في الدولة وفي مختلف اللّجان والمصالح العمومية والخاصة، والتي أدت الى التعطيل والمماطلة في ملفه، مضيفا بأن “هناك شبهة تغطية عن المبروك داخل اللجان ومؤسسات الدولة والاعلام وفي عدد من المصالح”.

نقل برقي ومخفّف لتصريحات الشواشي

هذه التصريحات الجريئة للشواشي حظيت باهتمام اعلامي موسّع إلا أنه لم يكن على قدر وقيمة الحدث، ولم يتواصل في الزمن، واقتصر على نقل الخبر بأسلوب برقي ومخفّف دون التعمّق في حيثيّاته وتحليل المعلومات المتواترة حوله ووضعه في سياقه العام المتعلق بمكافحة الفساد والاستثراء غير المشروع والعدالة الانتقالية. خصوصا وأن هيئة الحقيقة والكرامة سبق لها أن تعرضت لملف مروان المبروك في تقريرها الختامي ووجهت له اتهامات بالفساد المالي والاعتداء على المال العام  والانتفاع بقروض دون ضمانات أو بضمانات وهمية وعدم استرجاع قروض وتمويل مشاريع وهمية وتبييض أموال.

تصريحات وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أشارت إلى وجود شبهة للتغطية على الملف القضائي لصهر الرئيس المخلوع من قبل الإعلام. هذه النقطة مهمة جدا في سياق التعاطي مع قضية المبروك لأننا نعلم جيّدا أهميّة الإعلام كسلطة رابعة في إثارة ملفات الفساد المرتبطة بعائلة الرئيس المخلوع وأصهاره. وتابعنا كيف تجندت الكثير من وسائل الإعلام بشكل ملفت في ماي 2017 في تغطية حملة الاعتقالات التي شملت رجل الأعمال وشريك أصهار الرئيس السابق من زوجته ليلى الطرابلسي شفيق جراية والمرشح الرئاسي السابق ياسين الشنوفي ورجال أعمال آخرين بتهم تتعلق بالفساد وتبييض الأموال والاعتداء على أمن الدولة الخارجي. هذا الحماس الذي لاحظناه في تعاطي الإعلام مع قضية جراية على سبيل الذكر لا الحصر لم نعثر له على أثر في التغطية الإعلامية لقضية المبروك التي خفتت في أيام معدودة ولم تخرج عن التعاطي الإخباري البسيط مع الحدث.

تثمين رد فعل مروان مبروك

اتجّهت التغطية الإعلامية لقضية مروان المبروك نحو إعطاء مساحة أكبر لردود المبروك على قناة “قرطاج بليس” والإيحاء بوجود ارتباك وتردد لدى الشواشي بعد تصريحاته الأخيرة حول هذا الملف للتشكيك ضمنيّا في متانة القضية المحمولة على صهر الرئيس المخلوع بالرغم من وجود أحكام قضائية باتّة منذ سنة 2018 بمصادرة أملاك مبروك العائدة في ملكيتها للدولة وعدم تنفيذ هذه الأحكام لحد اليوم.

فإذا استثنينا بعض وسائل الإعلام، نجد أنّ أغلبية الصحف والمواقع الإلكترونيّة والإذاعات والتلفزات التونسيّة تعاملت مع الحدث كأي خبر عادي، بل ربما باهتمام أقلّ حتى من أخبار قسم المتفرقات، بعناوين هادئة من قبيل “مروان المبروك يندد بالمغالطات التي تطاله” و”غازي الشواشي في مأزق” (Tunisie Teleghraph) و “مروان المبروك يخرج عن صمته” (Business News) و”القاضي فيصل بوقرة يكذب مغالطات غازي الشواشي” (أنباء تونس) و “على قرطاج +، مروان المبروك يستنكر المغالطات ضدّه في قضايا مصادرة أملاكه ويؤكّد احترامه للقانون والقضاء” (Babnet) وغيرها، في حين أنّ قضيّة تضارب المصالح المتهم بها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، التي لم يتم إثباتها قانونيا لحد الآن، يتم التعاطي معها إعلاميا بحماسة لم نعهدها مع قضيّة مروان المبروك لتعترضنا مانشيتات لصحف ورقيّة من قبيل “الفخفاخ قايت” و”فضيحة الفخفاخ في منعرج خطير..الاستقالة أو تجديد الثقة في البرلمان” (الشروق) وعناوين أخرى من مثل ” الفخفاخ وتضارب المصالح.. محاربة الفساد.. شاهد ما شافش حاجة” (الرأي العام)..إلخ من العناوين المثيرة التي تعطي انطباعا ظاهريا بوجود ملف فساد من الحجم الثقيل، في حين أن الملف لم يطرح على القضاء بعد.

حتى الإعلام العمومي!

التلفزيون العمومي الوطنية 1 لم يشذ هو بدوره عن سياق التغطية غير المتوازنة لقضية الأملاك المصادرة للمبروك حيث أجرت القناة حوارا مع رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الذي تقدمت حكومته، حسب هيئة الحقيقة والكرامة، بطلب لدى الاتحاد الأوروبي لرفع التجميد عن أموال مروان مبروك المقدرة ب7.5 مليون يورو ما يقارب 24 مليون دينار تونسي. المقابلة مع الشاهد لم تحضر فيها أيّة شخصية لها علاقة بالملف لا من هيئة الحقيقة والكرامة ولا من منظمة أنا يقظ التي رفعت قضية على يوسف من أجل استغلال صفته لاستخلاص فائدة لغيره في علاقة بملف المبروك، وأُعطي له المجال لتقديم روايته الشخصية دون أن يتم مناقشتها مع الأطراف المتداخلة في القضية والتي لها وجهات نظر مختلفة عن موقف الشاهد.

تم توظيف الإعلام في تونس ما بعد الثورة بطريقة مشطّة في صراعات  قضائية وسياسية وكلامية لخدمة الأجندات السياسية والحزبية وحتى الاقتصادية للفاعلين السياسيين والأحزاب ورجال الأعمال واللوبيّات المتنفذّة في البلاد. وكانت التمويلات المشبوهة الوسيلة الأخطر لتركيعه واستعماله في معارك السلطة والنفوذ. هذه القوة النّاعمة وظّفها مبروك بطريقة ذكيّة لتطويعها من أجل القفز على مسار العدالة الانتقالية والتملّص من المحاسبة القانونيّة والقضائية. وهذا هو، حسب تقديرنا، مغزى كلام الشواشي حينما تحدث عن التغطية على مروان المبروك داخل اللّجان ومؤسسات الدولة والإعلام. فمبروك يمتلك العديد من الشركات الصناعية والخدماتيّة والتجارية (مونوبري، جيان، أورنج، الصناعات الغذائيّة، غات للتأمين..) التي نجد لها حضورا طاغيا داخل المساحات الإشهارية للكثير من المواقع الالكترونية والإذاعات والتلفزيونات الخاصة والعمومية، وطبعا، وحسب قواعد سوق الاشهار في تونس، فإن معظم أصحاب المؤسسات الإعلامية تخشى من فقدان حصتها من كعكة المبروك وتعمل ما في وسعها للحفاظ عليها حتى وإن تطلّب الأمر الدّوس على مبادئ الصحافة وأخلاقيات المهنة.