ترجمة Winston Smith

هذا المقال متوفر باللغتين الأنجليزية و الفرنسية.

كتبه سامي بن غربية و صدربعل.

ورد إلى علمنا أن الحَجب المسلّط بصفة غير قانونية على مئات المدوّنات و المواقع التونسية و الأجنبية قد “رُفع” مؤقتا خلال منتصف يوم الإثنين 16 أوت 2010 . و رغم أن المعلومات حول “رَفع الحَجب” المذكور لا تزال متضاربة ( بعض رواد الأنترنت في تونس أكّدوا أنهم لم يتمكنوا من الولوج لمواقع كانت في المقابل مفتوحة لغيرهم من مستخدمي الشبكة ) فإنه من المبكر أن نجزم حول ما حدث على مستوى آلة الحَجب في تونس، والتي تظل ( للتذكير) محاطة بالتعتيم، في غاية السرية و مركزية إلى أعلى مستوى في الدولة. و آلة الحجب في تونس ليست في أي حال من الأحوال بأيدي مزودي خدمة الأنترنت، رغم أنهم، و بهمّة مفرطة، يمكنهم إضافة طبقة أخرى من الحَجب تستهدف حرفائهم.

علمنا إذا أن الولوج لفليكر ، موقع مشاركة الصور (الذي حُجب في 22 أفريل 2010) كما موقعي مشاركة أشرطة الفيديو بليپ.تف و وات.تف (حُجب كل من الموقعين تباعا في 22 و 28 أفريل 2010 ) قد أُعيد. نفس الأمر بالنسبة لعدة مواقع إخبارية فرنسية و عربية. من الغريب بمكان و خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة جدا، و التي لم تدم إلاّ بضع ساعات أنّ الولوج للموقعين الشهيرين لمشاركة أشرطة الفيديو يوتيوب و ديليموشيون( حُجبا تباعا في 3 سبتمبر 2007 و 2 نوفمبر 2007 ) لم يتم فتحه خلال تلك الفترة. الأمر الذي فرض تساؤلات ( لكنه بالأخص يحمل عناصر إجابات) حول الطبيعة الشديدة الكتمان للبنية التحتية الخاصة بالحَجب في تونس. خلال هذه المدة الزمنية التي لم تدم إلا بضع ساعات، مثيرة كثيرا من الأمل بين المستخدمين التونسيين للإنترنت، العديد طرحوا على أنفسهم السؤال :

لماذا يا ترى بقي موقعا يوتيوب و ديليموشيون محجبوبين في الوقت الذي كانت فيه مواقع أخرى في الشبكة الإجتماعية مثل فليكر متاحة للتصفح انطلاقا من تونس ؟ لماذا كانت صفحة ويكيبيديا الفرنسية المتعلقة بالسيرة الذاتية لبن علي محجوبة بينما رُفع الحجب عن مواقع أحزاب المعارضة التونسية، و هي حاليا محجوبة؟ لماذا رُفع الحَجب عن المدونة الجماعية “نواة” بينما بقيت صفحتها على تويتر محجوبة ؟

لكي نفهم حقيقة ما حدث، و من هنالك نستنتج إن كان ما حصل تغيير في إستراتيجية الحَجب على مستوى من يدير آلياته، من المفيد أولا توضيح تقنيات الحَجب المستعملة في تونس.

يمكن أن نلخّص الحَجب التونسي في أربعة طرق. هذه التقنيات الأربعة تم اعتمادها من طرف الرقيب التونسي في مراحل مختلفة من تاريخ الأنترنت التونسية، ثم تدريجيا تم دمجها لتكوّن بذلك إحدى أعتى آلات القمع في عالم الحَجب الإلكتروني.

1) الحجب الإنتقائي عبرعناوين الأنترنت: مثلا هذا حال موقع
ويكيبيديا. بالفعل ، عوض حجب الموسوعة الإلكترونية الحرة كليّا، فإنه يتم الحجب الإنتتقائي للصفحات الأكثر إزعاجا. هذا حال الصفحة الفرنسية المتعلقة بالسيرة الذاتية لبن علي، أو الصفحة الخاصة بممارسة الحَجب في تونس. نفس الشيئ بالنسبة لموقع جوجل فيديو. ففي نفس الوقت الذي يمكن فيه تصفح أغلبية أشرطة الفيديو، يظل بعضها في المقابل محجوبا.

2) في الدرجة الثانية، يمر الرقيب التونسي إلى حجب الموقع من خلال اسم نطاق الأنترنت الخاص به و أسماء النطاق الفرعية الملحقة به. هذه هي الطريقة المعتمدة غالبا، خصوصا لمعاقبة المدوّنين التونسيين الذين يعبرون عن آراء لا تعجب النظام. عدا عن ذلك فإن هذه الطريقة تحدث تسابقا بين المدونين من جهة و الرقابة من جهة أخرى عبر إنشاء أسماء نطاق فرعية سرعان ما يتم حجبها من طرف شرطة الأنترنت.

3) حجب نظام أسماء النطاقات أو/و المعرف الرقمي للمواقع : مع الدرجة أعلاه، فهذا هو الحجب الكامل لنظام اسم النطاق أو/مع حجب المعرف الرقمي للموقع المستهدف، مهما كان النطاق الفرعي المستعمل، هكذا الحال مع موقعي يوتيب و ديليموشين والكثير من المواقع الأخرى.

4) الحجب عبر الكلمات المفاتيح : في آخر المطاف و ضد الأكثر عنادا يتم ممارسة الحَجب الجذري عبر نظام إسم النطاق و عبر الكلمة المفتاح التي يحتويها عنوان الأنترنت. هكذا الحال مع موقعي تونس نيوز و نواة. عبر هذه الطريقة، يُحجب منهجيا و مباشرة أيُّ عنوان إنترنت يحتوي مثلا على سلسلة كلمة “نواة” مهما كان إسم النطاق. تقنية الكلمات المفاتيح داخل عنوان الأنترنت تهدف لحَجب أي أثر لأي معلومة ممكن أن تُعرض على شاشة التونسي. الحَجب عبر الكلمة المفتاح “نواة” يجعل أي بحث على محركات بحث جوجل مثلا يرسي على صفحة 404. فضلا عن ذلك فإن الكلمة المفتاح على مستوى عنوان الأنترنت تتسبب في حجب أي صورة لها علاقة بنواة، مما يشمل تلك التي تستضيفها خوادم جوجل للصور. هذه الطريقة تتسبب أيضا في حجب كل المواقع الإجتماعية التي تستعملها “نواة”، كلّما حمل عنوان الأنترنت سلسلة كلمة “نواة”.
و ها ينطبق أيضا على سلسلة كلمة “تونسنيوز” التي تؤول لنفس النتائج. للإشارة فإنّ الحَجب عبر الكلمات المفاتيح يمكن أن يشمل أيضا إسم النطاق كاملا و إسم النطاق الفرعي المحجوب.

لكي نجيب إذا على الأسئلة المطروحة في صدر التحليل، لا بد أن نذكّر بالأحداث التالية :

1) كل المواقع المحجوبة عبر نظام إسم النطاق ( و منها فليكر) رُفع عنها الحَجب مؤقتا خلال تلط الفترة الوجيزة.

2) موقعا مشاركة أشرطة الفيديو يوتيوب و ديليموشيون المحجوبين في تونس على مستوى أنظمة أسماء النطاقات و كذلك المعرّفات الرقمية بقيا محجوبين خلال “رفع الحَجب” المؤقت.

3) صفحة بن علي في موقع ويكيبيديا المحجوبة بطريقة إنتقاء عناوين الأنترنتت بقيت محجوبة.

4) صفحة نواة في تويتر المستهدفة عبر الحَجب بطريقة الكلمات المفاتيح بقيت أيضا محجوبة خلال فترة “رفع الحجب” القصيرة.

حادث “رفع الحَجب” الوجيز، و في نفس الوقت البليغ بالمعنى، منحنا و لأول مرة دلالات غير عادية حول مدى تعقيد البنية التحتية التقنية للحَجب في تونس.

في هذا الإتجاه لو كان الأمر يتعلق بعملية صيانة فإنّ ذلك يحملنا لاستنتاج أن هنالك على الأقلّ بنيتان تحتيتان مستقلتان عن بعضهما البعض، الأولى مخصصة لحَجب أنظمة أسماء النطاقات و الثانية لحجب الكلمات المفاتيح التي تحتوي عليها عناوين الأنترنت و أيضا لحجب المعرفات الرقمية ( و من المحتمل وجود طبقة ثالثة معدّة خصيصا لحجب أرقام المعرفات الرقمية). و إذا ما تعطلت طبقة من طبقات الحَجب لأيّ سبب كان، مثلا عملية صيانة أو تحديث للخادم، فإنّ الطبقة الثانية، والثالثة عند الإقتضاء، و بما أنها مستقلة عن بعضها، ستظل تؤدّي وظيفتها في الحجب.
يمكننا إذا أن نستنتج أنّ حادث رفع الحجب المؤقت الأخير لم يشمل في الحقيقة إلا طبقة واحدة من طبقات الحَجب لآلة القمع الإلكتروني في تونس، أي الطبقة المسؤولة عن حجب أنظمة أسماء النطاقات. هذا على كل حال ما أمكننا ملاحظته يوم الإثنين.

لو أخذنا على سبيل المثال موقع نواة كنموذج (و هو أحد المواقع التونسية النادرة التي تُحجب عبر نظام إسم النطاق و عبر حجب الكلمات المفاتيح) فقد لاحظنا أن حجب نظام إسم النطاق تعطّل خلال هذه الفترة الزمنية بينما تواصل عمل الحجب عبر الكَلمة المفتاح بنفس النجاعة و خلال الفترة الزمنية ذاتها. بالتالي و أثناء فترة رفع الحجب القصيرة هذه، كان يمكن تصفح نواة تحت نظام إسم نطاق الموقع بينما كانت أسماء عناوين الأنترنت التي تحتوي على سلسلة حروف ن-و-ا-ة محجوبة ( انظر أسفله نسخ شاشة من تجربة قمنا بها إنطلاقا من تونس).

حاليا، السؤال الآخر الذي يطرح نفسه والذي لا يقل أهمية هو التالي: لماذا توقفت طبقة الحَجب عبر نظام إسم النطاق عن آداء وظيفتها بينما كانت الطبقة أو الطبقات الأخرى تواصل حَجب المواقع المستهدفة بصورة “عادية” عبر المعرفات الرقمية، أسماء عناوين الأنترنت و الكلمات الدليلية؟

من المحتمل أن يكون رقيبنا التونسي بصدد تطوير سيطرته على البنية التحتية للشبكة تحظيرا لحجبٍ أكثر نجاعة يستهدف المحتويات الأكثر “حساسية”. و من الممكن أيضا أن يكون رقيبنا بصدد إعداد لسبر أكثر صرامة لأحزمة البيانات العابرة بين الشبكة التونسية و الشبكة الدولية. تطوير محتمل للبنية التحتية ممكن أن يكون مفيدا جدا لجمع معلومات شخصية و مراقبة بوليسية أكثر حدّة لمستخدمي الشبكة في تونس. مع أكثر من مليون و نصف تونسي على فايسبوك، مئات المدونات ذات النبرة النقدية المتصاعدة، و من بينها ما يزيد عن مئة مدونة محجوبة، و فيض من البيانات المُسيّسة عبر خدمة التدوين المُصغر تويتر و المواقع الأخرى من الشبكة الإجتماعية، لم يعد لدى النظام التونسي أي خيار سوى تصعيد رقابته على الشبكة من خلال تطوير (على الطريقة الصينية) للبنية التحتية الخاصة بالحَجب و التقصي.

مع هذا فإنه لو حصل تحديث للبنية التحتية، لتشمل درجة أعلى من التعقيد، فلا يجب أن نتردّد و نحرص جميعا على اليقظة و الإنتباه لأي طريقة جديدة محتملة في آداء آلة الحجب و الرقابة.

من المحتمل أيضا أن يكون الأمر مجرّد تحديث للخادم، فعوض فتح كامل لتدفق المعلومات، حافظ الرقيب على طبقة أو طبقات الحجب عبر أسماء عناوين الأنترنت، الكلمات المفاتيح و عبر المعرفات الرقمية، هذا بالتزامن مع فتح طبقة الحَجب الأخرى التي تستهدف نظام إسم النطاق، و بعد إستكمال التحديث عادت الأمور لحالتها “العادية”.

وفقا لاستنتاجات أخرى و حسب منتدى “الديمقراطية النقابية و السياسية” فإنّ التالي يمكن أن يفسّر رفع الحَجب المؤقت:

“على ما يبدوا فإنّ وفدا دوليا بصدد زيارة تونس ليناقش حول حرية الصحافة و حول مصداقية إتهامات نشطاء المجتمع المدني فيما يتعلق بالحَجب على الأنترنت…نتوقع إذا أن يكون رفع الحَجب مؤقتا طوال المدة اللازمة لتظليل الوفد المذكور أعلاه.”

هذه الفرضية ممكنة فعلا لكنها غير واردة للسبب التالي :

خلال ظروف معيّنة حدث أن قام الرقيب التونسي بفتح مواقع معيّنة فعلا بهدف تظليل الرأي العام الدولي. لقد عايشنا ذلك أثناء قمة مجتمع المعلومات و خلال تظاهرات دولية أخرى في تونس. لكن في كل مرّة كان رفع الحَجب يقتصر على مواقع معيّنة مثل مواقع أحزاب المعارضة المحجوبة حاليا. فرفع الحجب المؤقت لم يكن في السابق شبه مطلق و ممنهجا كما رأينا ذلك يوم مؤخرا، بل كان يتناول المواقع حالة بحالة. في كل الأحوال و خلال فسحات الحرية الإستثنائية، أبدا و مطلقا لم تتخلّص مدونة نواة أو موقع تونس نيوز من شراسة الححب
.
بطبيعة الحال فإنّ كل هذه الفرضيات مجرّد تخمينات. إنه مجرّد مجهود من طرفنا لمحاولة فهمٍ أفضل لواحد من أكثر آليات القمع سرية في تونس و مساهمة منّا في تقديم شرح مبسط لطرق عملها. و بالتأكيد فإنّنا ندعو أي شخص لديه معلومات أخرى أن يعلنها، فقد حان الوقت للمتعاونين سابقا مع هذا النظام القمعي لأن يكشفوا أخيرا ما يمكن أن يساعد تونس على التخلّص من هذا الداء.

في كل الأحوال فإنّ الأمر مسألة وقت فحسب، عاجلا أم آجلا، ستحدث تسريبات من طرف المتورّطين حاليّا في الحَجب. نذكّر أيضا مرة أخرى بعنوان بريدنا. فموقعنا مفتوح دائما لأي متعاون سابق. مع ضماننا المطلق لسريّة هوياتهم.