i-will-come-to-tunisie-this-summer-sousse-Saifeddine-Rezgui-big

بقلم تييبى فان تيان، ترجمة غسّان بن خليفة.

“سأزور تونس هذا الصيف” هو ’تحويل’ قام به إرهابيون لحملة دعائيّة ، بدأتها على الأرجح وزارة السياحة التونسيّة، جاءت كردّ على الآثار السلبيّة للهجوم على متحف باردو في الثامن عشر من مارس المنقضي. حملة لاقت نجاحًا كبيرًا على الشبكات الاجتماعيّة. وقد قام المشاركون في هذه المبادرة، التي نُسجت على منوال حملة “أنا شارلي”، بتصوير أنفسهم وهم ممسكين بورقة كُتبَ عليها بخطّ اليد إعلان فيه وعد بزيارة تونس هذا الصيف. وقد ردّ تنظيم الدولة الاسلاميّة بالعراق والشام (داعش) على ذلك بنفس الإعلان، لكنّه هذه المرّة مُرفَق بكلاشينكوف ومسدّس.

وقد تسلّل الإرهابي، الذي ارتكب جريمة سوسة، إلى نزل امبريال عبر شاطئ البحر وكان يخفي كالاشنيكوف في شمسيّة. وقد قُتل الرجل، المكنّى بأبي يحيى القيرواني، عند ابتعاده عن المكان الذي ارتكب فيه مجزرة أودت بحياة 38 شخصًا… وهكذا خسر حياته أيضا1.

ظهر شذوذ الحملة الدعائيّة “سآتي إلى تونس هذا الصيف” منذ نهاية شهر مارس على الشبكة الاجتماعيّة، لكنّه أخذ الآن بعدًا دمويًا. من المُفترض أن يدفعنا ذلك إلى التفكير في القيمة النسبيّة لكلّ هذه الحملات شديدة البساطة على الشبكات الاجتماعيّة. كم شخصًا يا ترى من مساندي هذه الحملة السلميّة والايجابيّة فكّر بشكل أعمق في الحقائق الاجتماعيّة والسياسيّة لبلاد مثل تونس؟

هل يجب ربّما أخذ الواقع الاجتماعي لسياحة الكمّ نفسه بعين الاعتبار كذلك؟

الاقتباس أسفله هو جزء من جملة وردت في بيان داعش إثر الهجوم على النزل في سوسة، وهو يصف ما قام به المهاجم:

لقد هاجم “ماخورًا” وقتل 40 كافرًا…

الربط بين “السياحة” والدعارة يدقّ جرسًا ايديولوجيًا منذ أكثر من نصف قرن. في سنة 1961 نشر فرانز فانون (طبيب نفساني أفروكارايببي وثوري ماركسي كانت له صلات وثيقة مع الجزائر) ونشر كتابه ’المضطهدون في الأرض’، حيث استعمل الصورة المجازية لـ”الماخور” لوصف صناعة السياحة التي كانت بصدد النموّ في بلدان العالم الثالث.

ويشير كتاب حديثٌ: “الشطآن، الآثار، المنتجعات: سياسات السياحة في العالم العربي” لوليد حزبون (2008) إلى الأمر، ويتحدّث عن ظاهرة “المَخْوَرَة” (من ماخور).

بالنسبة لمعظم القوميّين المعنيّين بقضايا الخروج من الاستعمار والتصنيع الوطني، لا يقدم اقتصاد السياحة الدولية ولو القليل ممّا يأملون. في كتابه “المضطهدون في الأرض” يجعل فرانز فانون من هذه “الصناعة تعبيرًا مجازيًا عن مَخْوَرَة العالم الثالث من أجل أوقات فراغ الامبرياليين الغربيين”.وليد حزبون. 2008. الشطآن، الآثار والمنتجعات: سياسات السياحة في العالم العربي.

من الملفت أنّه لا أحد حاول الربط بين داعش وأيّ من التيّارات الماركسيّة، لكن قد يكون من المجدي أن ننظر إلى ما أبعد من التعاليم الدينيّة في خطابهم ونرى ما هي خلفيّات برنامجهم الاجتماعي السياسي. لم يتمّ تقديم السُيّاح ضحايا مجزرة هذا الأسبوع على أنّهم “رأسماليين” أو “امبرياليين”. وهم في الغالب سُيّاحٌ منتمين إلى الشريحة السفلى للطبقة المتوسّطة، ممّن اختاروا السفر إلى تونس بسبب ميزانيتهم المحدودة ولما يبدو من مقابل مغري تقدّمه هذه الوجهة. ويتمّ تصنيفهم ببساطة كـ”كفّار” يمكن ذبحهم في أيّ وقت. وبهذا المعنى لا وجود مطلقًا لأيّ “وعي طبقي” في خطاب داعش.

سأقتبس النصّ الأصلي لفانون حتى نرى إن كان يمكن عقد مقارنة بين ايديولجيا داعش وبين أسلوبه الماركسي اللينيني، الذي يصف من خلاله دور الطبقة المتوسطة المحلّية. ويمكننا أن نتخيّل بسهولة العلاقة المباشرة بين الحجّة التي يقدّمها والمسار الطويل الذي تمّ من خلاله تحويل السياحة – من بورقيبة إلى بن علي – إلى القطاع الاقتصادي الرئيسي في تونس. وبغضّ النظر عن أنّ السياحة لم تتحوّل بعد إلى “صناعة” في 1961، يمكن أخذ مثال أمريكا اللاتينيّة:

سيساعد البرجوازيون الغربيون بقوّة البرجوازيّة الوطنيّة في مضيّها قُدُمًا نحو الانحطاط. إذ يزورون البلاد كسيّاح متعطّشين إلى غير المألوف، إلى مسابقات الصيد والكازينوهات. وتسهر البرجوازية الوطنية على انشاء مراكز للراحة والاسترخاء ومنتجعات للاستجمام بما يلبّي تمنّيات البرجوازيين الغربيين.

ويسمّى هذا النوع من الأنشطة سياحة، ويُبنى على أساسه صناعة وطنيّة. وإذا كانت هناك حاجة إلى البرهنة على تحوّل بعض عناصر البرجوازية المحلّية إلى منظمّي حفلات لنظرائهم الغربيين، فمن المفيد القاء النظرة حول ما حدث في أمريكا اللاتينيّة. كازينوهات لاهافانا، مكسيكو، شواطئ ريو، الفتيات البرازيليات والمكسيكيات، و”المُولّدين (أبناء الزواج المختلط من شخصين لهما لون بشرة مختلفة) من ذوي الثلاثة عشرة ربيعًا، موانئ أكابولكو وكوباكابانا – هي وصمة انحلال هذه الطبقات المتوسّطة المحلّية.

بسبب فقرها الفكريّ ولأنّها تعيش من أجل نفسها في انقطاع عن بقيّة الشعب، لأنّها مهزوزة بسبب عجزها المتوارث عن التفكير في كلّ مشاكل الوطن من زاوية نظر كلّ أبنائه، لا تجد الطبقة المتوسطة لنفسها دورًا أفضل من دور مدير أعمال للشركات الغربيّة. فيما هي في الواقع تبني بلادها كماخور لأوروبا.3

ولفظ “ماخور” لا يُستعمل هنا في معناه المجازي، بل يعبّر كذلك عن حقيقة اجتماعيّة في أيّ مكان فيه سياحة كمّ، وحيث لا يوجد سوى أزواج فرحين قادمين لقضاء عطلتهم، بل كذلك أفراد جاؤوا من أجل بعض المغامرات الجنسيّة. كان يوجد في سوسة مواخير (قانونيّة)، لكن يبدو أنّها أغلقت أبوابها وأنّه كان لمطالب المتشدّدين دينيًا دورًا في ذلك. ومن الجهة المقابلة، نظمّت النساء العاملات في هذا الفرع من الصناعة الأمّ أنفسهنّ وقمن بحملة من أجل إعادة فتح المواخير.4

وعندما تتحدّث خطط البنك العالمي لتطوير قطاع السياحة في تونس عن الحاجة إلى “تنويع” الأنشطة، لا يقتصر الأمر على المنتجعات الشاطئيّة، بل يتضمنّ كذلك السفر إلى الصحراء وزيارة أماكن ذات “تراث ثقافي أصيل”. ومن الواضح أنّ التقاليد الإسلامية لا يمكن أن تمثّل جزءًا من مشاريع سياحيّة من هذا النوع5.

تذكر المصادر، التي اقتبست منها، حول منفّذ هجوم سوسة أنّه قادم من الجهات الداخلية وليس أصيل منطقة الساحل. قد يمثّل ذلك مؤشّرًا على أنّ السياحة تناسب جزءًا من المجتمع التونسي، بينما تبدو كظاهرة أجنبيّة وربّما كتهديد في مناطق أخرى ذات اقتصاديات وعقليات مختلفة.

بهذا المعنى فإنّ كلّ الأحداث العنيفة وسفك الدماء هي أيضا تعبير عن التناقضات الداخلية الكبيرة التي تخترق المجتمع التونسي. وتستحقّ بعض الأفكار والأسئلة أن تكون جزءًا من الجدال في الشبكة الاجتماعيّة حول تونس، وحتى نتجاوز مجرّد الموضة أو الاهتمام العابر الذي لا يتطلبّ مجهودًا أكبر من بضع نقرات على هاتف ذكيّ أو على شاشة حاسوب.

الصورة من تييبى فان تيان. نشرت في الأصل على موقع فيلكر. رخصة المشاع الإبداعي 2.0.

ملاحظات

1. “التحويل”: هي تقنية تمّ تطويرها في الخمسينات من القرن الماضي من قبل الأممية الأدبيّة وتمّ اعتمادها لاحقا من قبل “أمميّة مبدعي الأوضاع”، وقد تمّ تعريفها في العدد الأوّل لجريدة الأمميّة سنة 1958 كـ:”إدماج الإنتاجات الفنيّة الراهنة أو الماضية ضمن بناء أعلى للوسط. بهذا المعنى لا يمكن أن يوجد رسم أو موسيقى أوضاعيّة، لكن فقط استعمال أوضاعي لهذه المعاني. وبمعنى أكثر بدائيّة يعدّ التحويل في الأوساط الثقافية القديمة وسيلة دعاية، وهي تكشف عن ضعف وتراجع أهمّية هذه الأوساط. كما عُرّفت في موقع آخر “استعمال المنظومة الرأسماليّة وثقافتها الاعلامية ضدّها.” لكن بالطبع هذه الوسيلة قديمة قدم الدعاية ذاتها: استعمال نصّ ما ضدّ شخص أو حمله على استعماله. وسواء تعلّق الأمر بالمتشدّدين الاسلاميين أو الوضعيين فانّ وسائل التواصل ليست حكرًا على أيّة إيديولوجيا، ويمكن استعمالها لأيّ غرض. وهو ما تؤكّده مرّة أخرى أساليب دعاية داعش. أسفله رابط إلى صفحة في ويكيبيديا رسبت في توضيح هذه الفكرة.

2.Soutenez la Tunisie en venant passer vos prochaines vacances dans le pays de l’amitié. // Spend your next summer holidays in Tunisia, the friendship country.”

قناة سي آن آن في 21 مارس 2015 : ” هذا تعهّد جريئ قد يقول البعض./ لكن الناس حول العالم التزموا بذلك رغم الهجوم الدموي في تونس يوم الأربعاء. ثلاثة وعشرين شخصًا، أغلبهم من السيّاح، قتلوا بعد أن أطلق عليهم مسلّح النار داخل متحف باردو، على مرمى حجر من مبنى البرلمان./ تهدف حملة “سأزور تونس” على الشبكات الاجتماعية إلى حماية قطاع السياحة الحيوي لاقتصاد هذا البلد الشمال افريقي. ويظهر المشاركين في الحملة وهو ممسكين بلافتات يقولون فيها أنّهم سيسافرون إلى هذا البلد.

3. منذ الرابع والعشرين من مارس ظهرت رسالة الدعم والسلام المُحَوَّلة، على الشبكات الاجتماعية (كذلك). هذا مثال حول التسلسل الزمني لهذا التهديد:

ردٌ مرعب من داعش على حملة “سأزور تونس هذا الصيف”

أصدرت داعش تهديدًا مرعبًا ردًا على الحملة العالميّة “سأزور تونس هذا الصيف”، حيث نشر أفراد حول العالم صورًا لهم يعدون فيها بزيارة تونس دعمًا لها ضدّ الإرهاب وتحدّيًا منهم للإرهابيين. وقد نشرت داعش، أو ما يقابلها في تونس، نفس الشعار مكتوبًا بالرصاص والأسلحة. رسالة تهديد مروّعة لتونس. رسالة إرهابيّة.

وقد تحدّثت ’ذو ميرور’، الجريدة البريطانيّة اليوميّة، كذلك عن الموضوع، لكن فقط إثر هجوم سوسة: “أطلق المسؤولون عن قطاع السياحة بالبلاد حملة بعنوان ’سأزور تونس هذا الصيف’ إثر الهجوم الإرهابي الأخير على متحف في شهر مارس. /قُتل في هذا الهجوم 20 شخصًا، ممّا أدى إلى انخفاض كبير في عدد زائري البلاد. / لذلك ابتكروا حملة جديدة لإرجاع السيّاح. / يمكن رؤية الردّ المروّع أعلاه./ استعملوا نفس الشعار لكن استعملوا في كتابته رصاصًا وأسلحة، بهدف تخويف السيّاح من السفر إلى تونس. mirror.co.uk

4. يمكن العثور على صورة للإرهابي المقتول على صفحة واب الدايلي مايل

كان للانترناشيونال بيزنس تايمز (كالمعتاد) نطاقًا أوسع من المصادر حول موضوع منفّذ العمليّة، الشهود وبيان داعش حول هجوم نزل سوسة:

نشرت حسابات الدولة الاسلامية على الشبكة الاجتماعيّة صورة رجل يُسمّى أبو يحيى القيرواني، قالت المنظّمة أنّه الشخص الذي أطلق النار على 38 سائحًا وأرداهم قتلى.

يُعتقَد أنّ أبا يحيى القيرواني هو كنية لسيف الدين اليعقوبي – الذي يُدعى كذلك سيف الدين الرزڨي في بعض التقارير – هو الرجل الذي قتلته قوّات الأمن أثناء الهجوم. وتقول المصادر الأمنيّة أنّ اليعقوبي يبلغ 23 عامًا وكان طالبًا في اختصاص الهندسة الكهربائيّة وليس مؤكّدًا أنّ القيرواني واليعقوبي الرزڨي هما نفس الشخص.

ويقول رفيق الشلّي، المسؤول الكبير بوزارة الداخلية التونسيّة، أنّ الشخص المقتول لم يكن معروفًا لدى السلطات ولم يكن مسجّلاً في أيّ قائمة للإرهابيين المحتملين.

وقالت إذاعة محلّية أنّ الشرطة اعتقلت مسلّحًا ثانيًا، لكن المسؤولين لم يؤكّدوا هذا الاعتقال أو دوره في الهجوم. وتفيد تقارير أخرى أنّ المهاجم الثاني لاذ بالفرار، لكن بعض الشهود قالوا أنّه لم يكن هناك سوى مهاجمً واحدًا.

“كان مهاجمًا واحدًا فقط،” قال أحد عمّال النزل على عين المكان. “كان شابًا يرتدي تبانًا قصيرًا كما لو كان سائحًا.”

وورد في بيان مرافق للصورة :” بلغ أخانا أبي يحيى القيرواني، جند الخلافة، هدفه نزل امبريال رغم الإجراءات الأمنيّة.”

ونقلت سكاي نيوز عن البيان قوله كذلك أنّ الإرهابي هاجم “ماخورًا” وقتل “40 كافرًا”.

وحسب شهود عيان، كان اليعقوبي يضحك ويتبادل النكات وسط السيّاح قبل الهجوم. لكنهم قالوا أيضًا أنّه كان ينتقي ضحاياه وأنّه كان يخفي رشاشًا من نوع كالاشنيكوف تحت شمسيّته.

وقال شاهد عيان تونس، لم يُذكر اسمه، لإذاعة موزاييك آف آم المحلّية :” كان يضحك ويتبادل النكات مثل أيّ شخص عادي.

“كان يختار على من سيطلق النار. وقد قال لبعض الأشخاص ’انت ابتعد’. كان يختار السيّاح،

5. موقع سي آن آن في 12/03/2014: “عاملات الجنس ينادون بإعادة فتح الماخور في منتجع سوسة”

6. السياحة في أفريقيا : تسخير السياحة لتحسين النموّ ومستوى العيش، لايان كريستي، اينايدا فرنانديز ، حنّه ميسارلي، لويز توينينڨ – وارد؛ 2014 هذا رابط لبعض الصفحات القيّمة على ڨوڨل بوك.