أثار موضوع تمويل الجمعيات لغطا كبيرا باعتبار أن بعض الجمعيات تتحصل على تمويلات من جهات أجنبية على مرأى ومسمع من الجميع، علما أن تلك الجهات ليست مرتاحة لبناء دولة قانون ومؤسسات في تونس. هل يعقل أن تمول سفارة أجنبية لأحد بلدان الاتحاد الاروبي إحدى الجمعيات التي تدعي أنها تكافح الفساد في إطار نظرية الديكور والحال أن الشركات المتأتية من بلد تلك السفارة لا زالت تنهب ثرواتنا النفطية. فالأجدر بتلك السفارة أن تساعدنا على تكوين خبراء في مجال مكافحة أسعار التحويل وهي الآلية المستعملة اليوم من قبل شركاتها الناهبة وكذلك على تفادي إغراق تونس في المديونية لكي يسهل نهب ثرواتها من قبل الشركات الاروبية مثلما أكد ذلك الخبير الاقتصادي الأمريكي جون بركنس من خلال كتابه “الاغتيال الاقتصادي للأمم”.
هناك جمعيات أجنبية تمول من قبل جهات أجنبية ليس لها من أهداف خفية سوى جمع معلومات حول كل ما يدور في البلد مثلما كانت تفعل ذلك سلطات الاستعمار البريطاني وإعداد تقارير سرية يتم بعثها الى الخارج. أتذكر أن إحدى الجمعيات تم تعيين مسير عليها ألماني الجنسية مباشرة بعد أن أنهى دراسته بالجامعة العبرية بتل أبيب. لا ننسى أيضا الجمعيات التي تستعمل اليوم كواجهة لتمويل أنشطة أحزاب سياسية علما أن تلك الجمعيات تحصل على تمويلات أجنبية باعتبار انه محجر على الأحزاب الحصول على تمويلات أجنبية.
أيضا هناك جمعيات وهياكل أجنبية مركزة بتونس تدعي أنها تقوم بمساعدة فنية لتونس في إطار التعاون الدولي والحال أنها تقطع رزق المؤسسات التونسية من خلال الاستحواذ على صفقات الدراسات والمساعدة الفنية التي يتم تمويلها عن طريق قروض او هبات تقدمها جهات أجنبية.
هناك أشخاص يبعثون بجمعيات ليتمكنوا من خلالها من ابتزاز المؤسسات وهرسلة أصحابها للحصول على الدعم المالي وفي بعض الأحيان ينتحلون صفة الموظفين العموميين كأعوان المراقبة الجبائية والدليل في ذلك البلاغات التي تصدرها من حين لآخر وزارة المالية بهذا الخصوص.
هناك جمعيات عائلية يمكن نقل كل أعضائها في سيارة أجرة وقد تم إحداثها لقضاء مآرب شخصية في خرق صارخ للفصلين 2 و3 من المرسوم الفاسد المشار اليه الذي سمح للجمعيات بالحصول على مساعدات وتبرعات وهبات صادرة عن دول تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلكم الدول.
فغياب الرقابة العمومية والطريقة الفاسدة التي صيغ بها المرسوم عدد 88 لسنة 2011 متعلق بالجمعيات ساعدا الخارجين على القانون على التمادي في أعمالهم التي وللأسف لم يجرمها المرسوم الفاسد المشار اليه والذي اقترحته الهيئة التي ترأسها المدعو عياض بن عاشور بعد انقلاب 14 جانفي 2014.
لقد حرص البعض من الفاسدين على تضمين المرسوم المهزلة أحكاما مافيوية مثلما فعل ذلك بن علي من خلال مجلة الشركات التجارية والقانون الجبائي الذي يشترط الانتفاع بحق او الانتفاع بامتياز بالمصادقة على القوائم المالية من قبل مراقب حسابات أو إلزام المؤسسات المجهرية بتعيين مراقب حسابات من خلال الأمر الإجرامي عدد 1546 لسنة 2006 الذي صيغ في ظروف فاسدة مقارنة بما هو معمول به بالتشريع الفرنسي وحتى التوصيات الاروبية.
هل يعقل أن يسمح المرسوم المهزلة من خلال الفصل 35 للجمعيات بالحصول على مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول تربطها بتونس علاقات ديبلوماسية.
هل يعقل أن نلزم جمعية بتعيين مراقب حسابات او مراقبين وكان الامر يتعلق بمؤسسة مختصة في صناعة الصواريخ والحال أن الأحكام المافيوية التي نصت على ذلك لا نجد لها مثيلا بالتشاريع الاروبية دون الحديث عن المؤسسات العمومية وذات المساهمات العمومية المنهوبة وبالأخص البنكية منها والتي تمت المصادقة دون تحفظ على قوائمها المالية من قبل مراقبي حسابات. هل يعقل أن لا توكل عملية مراقبة الجمعيات لهيكل عمومي.
هل يعقل ان لا يتم إحداث سجل وطني للجمعيات والمنظمات وتجريم كل الأعمال المخالفة للتشريع الجاري به العمل. هل يعقل أن يسمح لجمعيات بمباشرة أنشطة اقتصادية تنافسية للتهرب من دفع الضرائب والمعاليم علما ان الفقرة 2 من الفصل 4 من المرسوم الفاسد جاءت صياغتها ركيكة بهذا الخصوص جراء استشراء الجهل والرداءة. لماذا لم يتفطن كبير الخبراء بالهيئة العليا لقبر أهداف الثورة الذي ناشد بن علي بجريدة لوطون خلال سنة 2002 لتلك الثغرات والأخطاء والصياغات الركيكة.
لماذا لم يقم مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة بمهامه والمتمثلة في الآتي :
• رصد واقع النشاط الجمعياتى و جمع المعطيات والمعلومات والمنشورات المتعلقة به وتوثيقها وإرساء بنك معلومات في الغرض.
• إجراء البحوث والدراسات التقييمية أو الاستشرافية حول الجمعيات.
• مساعدة الجمعيات على القيام بمهامها وذلك من خلال تنظيم ندوات تدريب و تكوين و إقامة الملتقيات والأيام الدراسية والتظاهرات.
• تيسير الاتصال بين مختلف الجهات المتدخلة في المجال الجمعياتى.
• المساعدة على وضع السياسات والبرامج الهادفة إلى مزيد دعم العمل الجمعياتى.
كان من المفروض مراجعة المرسوم الفاسد عدد 88 لسنة 2011 لسد الثغرات التي تضمنها وتطهيره من الأحكام المافيوية التي سنت لفائدة بعض الأطراف المناشدة لبن علي والتي كانت ركيزة من ركائز منظومة فساده وكذلك الإسراع بسن القانون المتعلق بالكسب غير المشروع وإيجاد الآلية القانونية الكفيلة بضمان التنسيق وتبادل المعلومات بين كل الهياكل المعنية بمكافحة الجرائم المالية والاقتصادية والجبائية وتبييض الأموال وكذلك تكليف هيكل عمومي بمراقبة الجمعيات.
الأسعد الذوادي : عضو المجمع المهني للمستشارين الجبائيين والجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا
iThere are no comments
Add yours