steg-tunisie-energies-renouvelables-loi

بقلم فدوى الشرعبي الخليفي، عن الجمعية التونسية لحماية و تطوير قطاعي الكهرباء و الغاز

مقدّمة:

أثارمشروع قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة جدلا واسع النطاق خاصّة في ظرف اقتصادي هشّ و في وضع طاقيّ عام يتميز بالضبابيّة في تضارب مع ما قامت عليه الثورة من استحقاقات من أهمها العدالة اجتماعيّة و التوزيع العادل للثّروات و الشفافيّة في التعامل مع الشّعب.

و يهدف هذا المقال بالأساس إلى تحليل و نقد مشروع القانون المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة المعروض حاليا على المجلس التأسيسي للمصادقة عليه في علاقته بالشركة التونسية للكهرباء و الغاز بوصفها مرفقا حيويا من المرافق هذه الدّولة و دعامة من دعائم اقتصادها، و على ضوء ما جاء به دستور الجمهورية الثانية من فصول مدعمّة لوجوب حماية الثروات الطبيعية للبلاد و مركزة لمبدأي الشفافية و الحوكمة الرشيدة و الاستغلال الرشيد للثروات الوطنيّة
إنّ هذا القانون، رغم قيامه على تبريريات موضوعيّة ترتكز أساسا على عنصرين رئيسيين هما :

• تراجع الموارد الطاقيّة التقليديّة المستعملة في إنتاج الكهرباء و على وجه الخصوص الغاز الطبيعي ؛

• و الرّغبة في التشجيع على الاستثمار في مناطق التنمية الجهويّة (منطقة الجنوب و الجنوب الشرقي خاصّة) و خلق مواطن الشغل بها؛

فإنّ مشروع القانون المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة يطرح العديد من النقاط التي تتعلق أساسا بمبدأي الشفافية (الباب الثاني) والحوكمة الرشيدة (الباب الأول) في المجال الطّاقي و بالتالي تهدّد، في حال عدم مجابهتها، بالتّأثير بصورة سلبيّة و مستديمة على المردوديّة المنتظرة و المعلن عنها لهذا المشروع.

الباب الأول : مشروع قانون الطاقات المتجددة و مقتضيات الحوكمة الرشيدة :

إنّ من الإيجابيات الغير متوقعة لمشروع هذا القانون أنّه جعل من ضرورة تحديد الإستراتيجية الطاقيّة للبلاد ككل وتحديد للإستراتيجية الطاقيّة للشركة التونسية للكهرباء و الغاز على وجه الخصوص(I) ، أولويّة من الأولويات الحيويّة التي لا يمكن لأيّ عاقل أن يتجاهلها عن حسن نيّة.إضافة إلى وجوب دعم هذا المخطط بدراسة اقتصادية/مالية لتأثيرات فتح باب الاستثمار الخاصّ في هذا القطاع على الاقتصاد الوطني(II).

• المخطط الوطني للطّاقة :

نصّ الفصل الثالث من الباب الثاني من مشروع القانون المذكور على تولّي “الوزارة المكلّفة بالطّاقة إعداد مخطط وطني للطّاقة الكهربائيّة المنتجة من الطّاقات المتجدّدة يضبط برامج إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة بالنظر إلى الحاجيات الوطنيّة للطّاقة الكهربائيّة و يحدد مناطق تنمية مشاريع إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة بهدف دفع المبادرات في هذا المجال مع مراعاة طاقة استيعاب الشبكة الوطنيّة للكهرباء»، كما نصّ الفصل 5 من ذات مشروع القانون على أنّ مشاريع إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة “تنجز في إطار الحاجيات و الإمكانيّات التي يتمّ ضبطها بالمخطّط الوطني للطّاقة الكهربائيّة من الطّاقات المتجدّدة.” و هو ما يعتبر أمرا منطقيا و بديهيا إذ يؤسّس لنشاط استثماري/ طاقي على أس مدروسة بعيدة عن الارتجال خاصّة بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية و العقاريّة والقانونيّة و الاجتماعية لهذا القانون. إلاّ أنّ الفصل 43 من مشروع القانون المذكور ينسف هذا التمشي “الرشيد” ليقر بإمكانية “استكمال المخطط الوطني للطّاقة الكهربائيّة من الطّاقات المتجدّدة و المصادقة عليه في أجل لا يتجاوز خمس سنوات من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ” و في الأثناء فإنّ إسناد التراخيص و لزمات إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة يتم بمقتضى “إعلان سنوي يصدره الوزير المكلّف بالطّاقة ” على أساس “قدرة كهربائيّة مركّبة قصوى تضبط بأمر” بعد أخذ “رأي اللّجنة الفنيّة” ممّا يمكن اعتباره تمشيا استثنائيا مبهما لا يقوم على أسس إسناد واضحة و هو ما من شأنه أن يخلّ بمقتضيات التصرّف الرشيد في مثل هذه المصادر الطاقيّة و إسناد رخص تفوق الحاجة الحقيقية للبلاد من الكهرباء المتأتية من الطّاقات المتجدّدة التي يستوجب تحديد الحاجيات الوطنيّة منها لا فقط إعداد مخطط خاصّ بالطاقات المتجدّدة بل يستدعي أساسا، حتّى يكون القرار في تحديد الخيارات الطاقيّة و نسبة كل صنف منها صائبا و معلّلا، استكمال العديد من الخطوات الأوليّة على مستوى الشفافية و الحوكمة الرشيدة و التي تتمحور بالأساس حول :

• التحديد الشفاف و الدقيق لقيمة للمخزون الطاقي الوطني الأحفوري الذي أصبح يثير عدّة تساؤلات مصدرها التضارب بين التصريحات الرسميّة و التسريبات التي يكذب كلّ منهما الآخر؛

• مراجعة مجلة المحروقات و مجلّة المناجم بما يتلاءم و متطلبات الدستور الجديد و خاصّة الفصل 13 منه؛

• مراجعة كلّ عقود التنقيب و الاستغلال المبرمة بين الدولة التونسيّة و الشّركات المعنيّة و ذلك استنادا للفصلين 12 و 15 من الدستور الجديد.

• الأخذ بعين الاعتبار للخيارات الطّاقية في إنتاج الكهرباء التي هي بصدد الدّراسة من طرف الشّركة التونسية للكهرباء والغاز و لمشاريعها التي وقعت المصادقة عليها و التي هي بصدد الإنجاز بصفة تدريجية و حسب جداول زمنية معدّلة لتغطية الحاجيات الوطنية من الطاقة الكهربائيّة.

إنّ مخططا وطنيا للطّاقة ككلّ بمختلف مصادرها، التقليديّة منها و غير التقليديّة، يعتبر أول لبنة من لبنات الحوكمة الرشيدة خاصّة في ضلّ إطار ثوري كالذي تعيشه البلاد التونسيّة و إشارة من الإشارات الإيجابية على مصداقيّة السلطة التنفيذية في قطعها مع ممارسات ما قبل الثورة واعترافا منها بمقتضيات الفصل 12 من الدستور الجديد الذي ينصّ على أنّ “الثروات الطبيعيّة ملك للشعب التونسي، تمارس الدّولة السيادة عليها باسمه”. :ما أنّ مخططا طاقيّا واضح المعالم سوف يسمح لشركة وطنية مثل الشركة التونسية للكهرباء و الغاز بــمراجعة خياراتها الطاقيّة التي هي بصدد الدرس مثل:

• العمل على تدعيم برامج ترشيد الاستهلاك،

• تفعيل و تطوير الربط interconnexion و خاصّة مع أوروبا،

• خيار استعمال الفحم الحجري،

• خيار استعمال مصادر الطاقة الغير تقليدية les énergies non conventionnelles (gaz de schiste) ،

• الإسراع باستكمال مشاريع إنتاج الكهرباء المبرمجة حاليا.

بالإضافة إلى تمكينها من التحديد الفعلي و العملي لإستراتيجيتها الطاقية في إنتاج الكهرباء في ضلّ تداعيات مشروع القانون الجديد.

مع العلم، أنّ ما أعلن عنه السّيد كاتب الدولة للطّاقة و المناجم، خلال ندوة لتقديم مشروع القانون المذكور، نظّمت بالشّركة التونسية للكهرباء و الغاز، من إمكانية التوصّل إلى تحقيق نسبة 30 بالمائة من إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في أفق 2030 (أي 25 جيقاوات /ساعة) هي نسبة لا تستقيم عمليّا إذ أنّه و في دراسة قام بها مكتب دراسات مختص بطلب من إدارة الدّراسات و التخطيط بالشركة، تبين أنّ “الشبكة الوطنية للكهرباء” لا يمكن أن تتحمل في أقصى الحالات أكثر من 1500 كيلوات/ساعة في أفق 2020 . و بالتّالي فإنّ مراجعة جديّة و علميّة للأهداف المرسومة في هذا القطاع يجب أن تستوفي شروطها قبل فتح الباب للاستثمار المعلن عنه في قطاع الطاقات المتجددة من أجل الإنتاج المستقل للكهرباء بغرض التصدير.

إنّ إنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجددة بهدف التصدير يتطلب، على وجه الخصوص تحديد و تقييم العديد من المعطيات و ذلك لتعلّقه بأطراف خارجيّة لا تملك الدولة التونسيّة أيّة سلطة عليها. فالتّصدير يتطلب أساسا وجود سوق خارجيّة جاهزة لتقبّل مثل هذا الإنتاج و هي أساسا السّوق الأوروبيّة. إلاّ أنّه و بالرغم من أنّ التوصية الأوروبية عدد 2009/28/CE بتاريخ 23 أفريل 2009 قد شجّعت على توريد و تصدير الكهرباء من الطاقات المتجددة من بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط فإنّه لم يقع تفعيلها في القوانين الداخليّة لبلدان الإتحاد الأوروبي التي تعرف، و خاصّة تلك القريبة منها من بلدان شمال إفريقيا مثل ايطاليا و اسبانيا و البرتغال، فائضا في الإنتاج المحلي للكهرباء من الطاقات المتجددة. هذا مع العلم أنّ المغرب قد سبقنا في تجربة الإنتاج من أجل التصدير إلاّ أنه و لحدّ الآن لم يتمكن من تصدير إنتاجه من الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة لإسبانيا مثلا رغم توفّر الربط الكهربائي بين البلدين.

إذن، فإنّ فتح الباب أمام الإنتاج بهدف التصدير يعني عمليّا أنّ “الشبكة الوطنية للكهرباء” سوف تتحمل كلّ الطاقة المنتجة في حال عدم تمكّن المستثمر من تصدير إنتاجه، و هو ما لا يستقيم تقنياّ و ما نحن في غنى عنه عمليّا إلى حين توفير الظروف و الضمانات الفعليّة لتسويق هذا الإنتاج خارج البلاد التونسية مع مراعاة المعطيات التقنية للشبكة الوطنيّة.

و هو ما يحيلنا إلى تساؤل آخر لا يقل أهميّة عن مدى الاستعداد التقني للبنية التحتية الوطنية لتحمل “جزء” من الإنتاج المعدّ للتصدير إضافة إلى الإنتاج الموجه للاستهلاك المحلي و الإنتاج المخصص للاستهلاك الخاصّ، هذا التساؤل يدور حول هامش ربح المستثمر أجنبيا كان أو تونسيا إذ أنّ مذكرة شرح الأسباب المصاحبة لمشروع القانون قد قامت على “الحجم الكبير من الطلبات من قبل المستثمرين الخواص منذ عدّة سنوات لبعث مشاريع تهدف إلى إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة….. ووقوف المنظومة التشريعية الحاليّة عائقا أمام الاستجابة لمبادرات الخواص لإقامة مثل هذه المشاريع…”؛ و هو ما يستوجب، إضافة لوجوب إعداد مخطط وطني للطاقة، إعداد دراسة جديّة للتداعيات الإقتصادية و الماليّة لمثل هذا الخيار الإستثماري على الإقتصاد الوطني.

• التداعيات الإقتصاديّة للإستثمار الخاص في قطاع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة :

لم يقع الإعلان عن أيّة دراسة ماليّة لسعر تكلفة الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة رافقت القانون المذكور فيما عدى التنصيص بالفصل 22 منه على أنّه ” تضبط تعريفة الكهرباء بمقتضى قرار من الوزير المكلّف بالطّاقة بحسب مصدر الطاقة المعتمد”؛ مع العلم أنّ تسعيرة الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة و ما تتطلبه من دعم تعتبر من أهم المشاكل التي تواجهها أعتى الإقتصاديات المتبنية لمثل هذه الإستراتيجية الطاقيّة “النظيفة” مثل ألمانيا التي كلفتها الطاقة الخضراء سنة 2009 دعما بلغت قيمته 3،5 مليار أورو في حين كلف الدعم الموجه لهذه الطاقة الإتحاد الأوروبي ككل 15 مليار أورو سنة 2009 و يعتقد أنّه يمكن أن يتجاوز الثلاثين مليار أورو نهاية سنة 2012 في حين أنّه لم يتمكن من تحقيق سوى نسبة 10 في المائة فقط من مجمل مخططه المبرمج لأفق سنة 2020 .
و هو ما يدفعنا إلى التساؤل حول الجدوى الإقتصاديّة لمثل هذه المشاريع على الأقل في الوقت الرّاهن الذي يفترض فيه تخفيف أعباء ميزانية الدّولة و دعم المقدرة الشرائيّة للمواطن المرتبطة ارتباطا وثيقا بالقدرة التنافسية للإستثمار الوطني الذي يكفيه ما يعرفه من منافسة قويّة نتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادي، إضافة إلى ما تعرفه حاليا كلّ من التجربتين الألمانية و الفرنسيّة من مراجعة لخياراتهم في مجال الطاقة الخضراء في ضلّ تداعياتها الماليّة على القدرة الشرائيّة للمواطن وعلى الشّركات الاقتصاديّة مع العلم و أنّ ألمانيا مثلا هي من مصنعي مكونات محطّات الطاقة الشمسية و محطات الرّياح أي أنّ مثل هذه الخيارات الطاقية تمثّل بالنّسبة لها نظريا فائدة اقتصادية مزدوجة طاقيّة /صناعيّة.

و هو ما يدفع للتساؤل حول مدى توفر مبدأ الشفافية في مشروع هذا القانون.

الباب الثاني: مشروع قانون الطاقات المتجددة على محكّ الشفافيّة

تحيط بهذا القانون عدّة مسائل تستوجب المراجعة من حيث احترامه لمقاييس الشفافية خاصّة في ضلّ الدستور الجديد للجمهورية الثانية. و تمسّ هذه المسائل مشروع القانون المذكور سواء على مستوى الصلاحيات الهيكلية التي أسندها لوزارة الطاّقة (I) أو على مستوى امكانيات الإستغلال التي وفرها للمستثمر (II) دون الحديث عن توقيت عرضه على أنظار المجلس الوطني التأسيسي (III).

• الشفافية و صلوحيات السّلطة التنفيذيّة :

يمنح مشروع قانون انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة على امتداد جميع فصوله صلاحيات مطلقة للوزير المكلف بالطاقة. و تشمل هذه الصلاحيات كلاّ من اسناد التراخيص لإقامة مشاريع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة و استغلالها مرورا بإسناد لزمات الإنتاج و النّقل وصلوحية المصادقة على كراس الشروط الفنية المتعلقة بربط وحدة انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بالشبكة الوطنية للكهرباء و بتصريف الطاقة الكهربائية إلى حين إعداد العقود النموذجية لشراء الطاقة الكهربائية و ضبط تعريفة بيع الكهرباء. كما يرأس الوزير المكلف بالطاقة اللجنة الفنية للإنتاج الخاص للكهرباء من الطاقات المتجددة التي تضبط تركيبتها و طرق سير أعمالها بمقتضى أمر.
كما تتنزّل مراقبة مشاريع الإنتاج الخاص للكهرباء من الطاقات المتجددة و معاينة المخالفات بها و إنزال العقوبات بأصحابها أيضا في دائرة صلاحيات الوزارة المكلفة بالطّاقة. ممّا يجعل من هذه السلطة التنفيذية الممثّلة في شخص الوزير المكلّف بالطّاقة المتصّرف الوحيد و المطلق في هذا القطاع إذ يمثل في نفس الوقت الخصم و الحكم و لا رقيب خارجي عليه و هو ما يتنافى مع أبسط قواعد الشفافيّة و المسائلة التي جاء بها الفصل 15 من الدّستور الجديد.

إنّ الدستور الجديد يفرض، بعد أن تمت المصادقة عليه، وجوب إعادة مراجعة كامل مشروع القانون بما يتلائم و مقتضيات الفصل 13 منه خاصّة و الفصول 12 و 45 و 129 و 130 و 136 بصفة عامّة.

• الشفافية و تداعيات الإستغلال الخاص :

لا يمكن المرور على مختلف فصول مشروع القانون المذكور دون الوقوف على مختلف متطلبات الوضع العقاري؛ إذ أنّ مشاريع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة يستلزم إماّ عقود لزمة في الإستغلال أو النّقل على أراض على الملك العمومي للدولة أو على أراضي خواص مع العلم أنّ عقد اللّزمة يمكّن صاحبه من مجموعة من الحقوق العينيّة الخاصّة أقر بها الفصل 34 من مشروع القانون المذكور.

و إذا علمنا أنّ هذه الأراضي، موضوع اللّزمات المستقبليّة، تقع في مناطق من البلاد التونسيّة يفترض أنّها تزخر بالثروات الطبيعيّة من غاز و بترول و مناجم، فأنّ ذلك من شأنه أن يعقّد مسألة التفويت فيها أو حتى كرائها لفترات معينة خاصّة لمستثمرين أجانب قد تجد الدّولة التونسيّة نفسها منجرّة معهم في قضايا قانون دولي خاصّ.

و يعتبر ملف المستثمر TUNUR أبرز مثال على ذلك. لقد كان هذا المستثمر منذ 2011 أول متقدم لإنجاز مشروع للإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بغرض التصدير في تونس. و قد قامت دراسته الأولية على ضرورة تمكينه من قطعة أرض قدّرت مساحتها الجملية بــ 10 آلاف هكتار بمنطقة رجيم معتوق بأقصى الجنوب التونسي مع العلم أنّ بعض التربة بالمنطقة المذكورة وقع تصنيفها كتربة نادرة (terres rares) لإحتمال احتوائها على ثروات منجميّة هامّة و ذات قيمة.

و يأتي توقيت عرض مشروع هذا القانون ليزيد من الهوّة التي رسمتها كلّ من النقطتين السابقتين، و المطروحتين على سبيل الذكر لا الحصر، بينه و بين متطلبات الشفافيّة.

• الشفافية و توقيت عرض مشروع القانون :

يطرح توقيت تمرير هذا القانون في الوضعيّة التي تعيشها البلاد و التي تتصف خاصّة بالضبابية و انعدام الاستقرار السياسي و الاقتصادي في ضلّ الحكومات المؤقتة و كثرة التجاذبات، يطرح تساؤلا جديّا حول مدى توفر حدّ أدنى من الشفاقيّة لدى المعدّين لمثل هذا المشروع خاصّة أنّ ما يبرّره ليست الضّرورات الإقتصاديّة الداخليّة والحاجات الوطنيّة الملحّة بل “الحجم الكبير من الطلبات من قبل المستثمرين الخواص”، وذلك حسب ما جاء بعريضة شرح الأسباب المرافقة له.

إنّ مثل هذه القوانين، حتّى و إن دعت إليها الحاجة الوطنيّة، فإنّه لا يمكن اعتمادها و المصادقة عليها إلّا على أسس موضوعية علميّة مدروسة في قطع نهائي مع العشوائية التي كانت، و لسنين خلت، غطاءا للفساد المالي والاقتصادي، ناهيك عن أنّ مثل هذه القرارات الإستراتيجية لا يمكن اتخاذها، نظريا و تحت أي مقياس من مقاييس الشفافيّة، إلاّ في ضلّ حكومة منتخبة لمدّة كافية لتغطية المسار المطلوب.

خاتمة :
إنّ تجربة خوصصة الإنتاج التي خاضتها الشّركة التونسيّة للكهرباء و الغاز منذ نهاية التّسعينات مع محطّة الإنتاج المستقل للطّاقة IPP التابعة للشركة الأمريكية Carthage Power Company، و التي فتحت الباب في طريقها لعدّة متدخلين أقلّ أهميّة على شبكة الكهرباء، هذه التجربة لم تكن خيارا استراتيجيا من خيارات الشركة و لا ضرورة من ضرورات تلك المرحلة بل كانت املاء من الإملاءات التي أوجبها انخراط تونس منذ سنة 1986 في أول مخطط لإعادة الهيكلة Plan d’Ajustement Structurel (PAS) و هو برنامج يترأسه كلّ من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. و لقد عارضت النقابات حينئذ هذا التمشي، الذي أثبت نتائجه بمرور الزمن أنّه لم يزد وضعيّة الشركة التونسيّة للكهرباء و الغازالماليّة إلاّ سوءا؛ فكيف بنا اليوم و نحن نشهد بموجب مشروع هذا القانون و الغياب الواضح لأهم مقومات القرار الإستراتيجي، تآكل صلاحيّات و نشاطات الشّركة و غيابا لكلّ دور فاعل لها في المجال الطاقي لتتحول إلى مجرد وكالة تصريف أعمال للشّركات المنتجة للكهرباء من الطّاقات المتجدّدة.
إنّ التضحية بالأهداف البعيدة المدى مقابل أرباح آنيّة غير مضمونة العواقب لا يمكن تنزيله اليوم، و في ضلّ الظروف الراهنة، في باب الحوكمة الرشيدة. و لا يمكن إلاّ أن يلتصق بمتبني هذا الخيار كلّ ما من شأنه أم يمسّ من مصداقيته و شفافيته.
وإذا كان دفع الإستثمار و المحافظة على البيئة هما “الغرض من مشروع القانون”، فإنّ سيادة تونس و رفاهة مواطنيها أسمى هدفا و أرقى مطلبا.