jahez1

نظم منتدى الجاحظ ندوة فكرية حول الاندماج المغاربي، أنعشها الدكتور ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجة، وذلك في مقر المنتدى بالعاصمة تونس،مساء يوم الجمعة 10 ماي 2013 الجاري.

وأفتتح الدكتور محرز الدريسي وقال إن موضوع الاندماج المغاربي تم تجاهله في السياقات السياسية الجديدة. و أكد أن منتدى الحاحظ يهدف من خلال هذه الندوة إلى التحسيس بأهمية الوحدة المغاربية وحث النخب وهيئات المجتمع المدني على العمل من أجل انطلاق قاطرة الاندماج المغاربي التي يجب أن تكون من أولويات العمل الحكومي. وأضاف أن البناء الديمقراطي لا يمكن أن يكون فاعلا إلا إذا كان مرتبطا بالوحدة والامتداد الجغرافي ورحب الدكتور محرز بضيفه الموريتاني الدكتور ديدي ولد السالك الذي قدم المحاضرة تحت عنوان: أفق الإندماج المغاربي في ظل التحولات الجارية في العالم العربي.

الدكتو ديدي ولد السالك نتاول الموضوع في محورين أساسيين هما : أبرز التحديات ثم الإمكانيات والفرص الجديدة .
و قال ولد السالك نقسم التحديات إلى تحديات مزمنة وأخرى راهنة.

أولا- التحديات المزمنة:

1. التخلف الإقتصادي في دول المغرب العربي:

فرغم استقلال الأقطاب المغاربية منذ ستينيات القرن الماضي فإن اقتصادياتنا بقيت مرتبطة ارتباطا عضويا بأوروبا مما جعل هذه البلدان في تبعية إقتصادية بعد ما يزيد على أكثر من نصف قرن من الإستقلال. وهذه العلاقة الإقتصادية عمودية وليست أفقية حيث أن التبادل التجاري بين الدول المغاربية وأوروبا يزيد على75 % بينما لا يتجاوز التبادل بين اﻷقطار المغاربية 3%، إذن التبعية واضحة وذلك في ظل غياب القيمة المضافة في التبادل التجاري بين هذه الأقطاب مما حال دون تشابك المصالح الذي هو دافع أساسي للإندماج.

2. الاستبداد السياسي :

فقد جعل الاستبداد السياسي البناء المغاربي بناءا فوقيا بين السلط وأنظمة الحكم مما جعل العلاقا ت البينية مرتبطة بالعلاقات بين الحكام. كما حال الاستبداد السياسي دون تحرك النخب المغاربية وحد من دور الجامعات والمجتمع المدني مما قطع العلاقات إلا في حالات نادرة.

3. مشكل الصحراء الغربية :

بداية أشير إلى أن قضية الصحراء الغربية هي آخر ملفات الحرب الباردة. وهذه القضية محل خلاف بين دولتين محوريتين هما المغرب والجزائر . فالمغرب تعتبر الصحراء جزءا منها وهي بذلك في معركة سيادية والجزائر في معركة مبدئية واستيراتيجية لدعم التحرر في ملف الصحراء.وما لم يحل هذا الملف فمن الصعوبة بمكان انطلاقاطرة الاندماج المغاربي المتعثر بسبب هذه العقدة .

ثانيا-التحديات الراهنة :

التحولات الجارية : والتي خلقت حالة ارتخاء لمشروع الاندماج بسبب انشغال السلطات بالأوضاع الداخلية. وهذا الإنشغال معطل للاهتمام بالقضايا الاستيراتيجية ذات المدى البعيد. وبالتالي فإن الإهتمام بتصريف موضوع الاندماج المغاربي وجد حالة من الجمود باستثناء ما يتعلق بتصريحات السيد المنصف المرزوقي الرئيس التونسي المؤقت بخصوص الحريات الخمسة لمواطني المغرب العربي.

الاستعصاء الديمقراطي في الجزائر:

أي تعثر مسار الانتقال الديمقراطي. فالجزائر دولة محورية تحد كل الدول المغاربية مما يجعل تاثير ما يحصل فيها عميقا في مسار الاندماج المغاربي، لضرورة استغلال كفاءات وطاقات الجزائر لخدمة هذا المشروع أي أن التحول الديمقراطي السلس في الجزائر سيكون قاطرة لانطلاق مشروع الإندماج إذا توفرت الشروط. في الوضع الحالي تمثل حالة الجزائر عرقلة حقيقية لمشروع الإندماج المغاربي.

الوضع في ليبيا :

ليبيا اليوم تعاني من صعوبات الانتقال الديمقراطي ﻷنها تواجه فراغات ثلاثة :

أ.الفراغ السياسي : فدولة ليبيا لم تشهد تجربة حزبية على غرار الدول المغاربية إذا ليس هنالك تقاليد العمل الحزبي .

ب.الفراغ المؤسسي وهو يجعل السلطة القائمة في مواجهة مع المجتمع فغياب المؤسسات يعقد بناء المنظومة القانونية ﻷن الجبهة الأهم الآن هي بناء المؤسسات التي بوجود ها يسهل انشاء المرافق وبغيابها يتعطل المسار الانتقالي وكذلك الا ستقرار والحراك الإقتصادي .

ج.الفراغ الجغرافي : حيث أن أغلب الجغرافيا الليبية غير مأهولة بالسكان حيث ترتكز الكثافة السكانية على طول السواحل التي تصل ل 2000 كلم وهي أطول ساحل متوسطي فهذا العامل حال دون الاندماج الاجتماعي للشعب الليبي، وجعل المجتمع رهينة للبنى التقليدية والقبلية.

هذه الفراغات الثلاث هي من جملة ما يعطل المسار الانتقالي الديمقراطي في ليبيا نرجو أن لا تتعثر الأوضاع إلى ما هو أسوأ وأن يتمكن الأشقاء في ليبيا من العبور في إطار سلمي.

4. الأزمة الإقتصادية الدولية:

الأزمة الإقتصادية الدولية ستؤثر على كل أقطار المغرب العربي ﻷن هذه الأقطار في تبعية إقصادية لدول الاتحاد الأوربي حيث أن إقتصادياتها مرهونة بالتبادل أو المساعدات خصوصا في حالة الارتباك السياسية الاجتماعية والاقتصادية في الأقطار المغاربية.ومن المعلوم أن تجربة نجاح الانتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية تمت بدعم اقتصادي كبير من دول أوروبا الغربية . والاتحاد الأوروبي اليوم منشغل بأزماته الإقتصادية والاجتماعية عن تقديم الدعم اللازم للانتقال الديمقراطي في دول جنوب شرق المتوسط .

رغم كل هذه التحديات فإن هناك فرصا وإمكانيات نعرضها على التوالي :

مناخ الحريات : وقد جعل هذا المناخ صوت الشعوب مسموعا لدى الحكام، ما يدفع الأنظمة السياسية للاهتمام بمصالح هذه الشعوب. ومن المؤكدة أن مصالحنا تكمن في الاندماج المغاربي .

حرية الإعلام : وتأثيره على الرأي العام حول القضايا المهمة والاستيراتيجية والتي على رأسها قضية الاندماج المغاربي .

مناخ الممارسة الديمقراطية : والذي يضفي العقلانية على صناعة القرار السياسي.والعقلانية هنا تقتضي انجاج المشروع المغاربي كمشروع استيراتيجي يخدم مصالح كل الأطراف .كما أن مناخ الحريات يساعد على تواصل وتنقل النخب مما يمهد لبناء شبكية تساعد على تهيئة الأوضاع لصالح مشروع الاندماج.

المجتمع المدني : يقاس تقدم الدول اليوم وتطور الشعوب بحجم المجتمع المدني ونشاطه ومساهمته في الحياة العامة. حيث أن المجتمع المدني اليوم هو ثالث القطاعين العام والخاص فهو شبكة وسيطة بين المجتمع والدولة. وفاعل أساسي في إنجاح المسار الانتقالي وتكريس الديمقراطية.تزايد المجتمع المدني كميا وكيفيا في ظل التحولات سيسهم في تشبيك العلاقات أفقيا في الفضاء المغربي مما سيساهم على انجاح التكامل والاندماج المغاربي عبر فضاء مجتمع مدني عابر للحدود القطرية ومؤثر على صناع القرار السياسي.

تزايد حجم الجامعات في مختلف الأقطار المغاربية:

فقد شهد العقدين الأخيرين تزايدا كبيرا للجامعات الأمر الذي يسهم في مسألتين أساسيتين هما :
1.زيادة مساحة الوعي لدور الجامعات في تخريج النخب والمؤهلين مما يدعم الموارد البشرية التي ستصنع الاندماج وتحافظ عليه.
2. تجربة القرن العشرين أثبتت أن الانفاق على التعليم والمعرفة هو أكثر ما يخدم مصالح الشعوب ويخلق لها البدائل والآليات المؤمولة لتحقيق الاندماج .

المناخ الدولي لصالح الاندماج:

المجتمع الدولي في الظروف الحالية بحاجة لوجود إطار مغاربي مندمج ومتماسك لعدة إعتبارات، أولا لخلق سوق استهلاكية بحدود 100 مليون مستهلك. ولأن تحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي يسهم بشكل مباشر على حل المعضلات الدولية كالهجرة غير الشرعية والإرهاب في منطقة الساحل. وكذلك مقاومة تهريب المخدرات والأسلحة. فالأوروبيون اليوم يخشون بشكل كبير من تزايد خطر الإرهاب وتدفق المخدرات عبر الساحل وهذا ما يجعلهم يدعمون الاندماج المغاربي خدمة لمصالهم الإستيراتيجية.

الخلاصة:

1.الاندماج المغربي سيتحقق بقدر نجاح وتقدم المسار الديمقراطي في مختلف أقطار المغرب العربي.
2. النخب المغاربية مدعوة اليوم لأخذ زمام المبادرة والسعي من أجل تحقيق كل ما يخدم الاندماج المغاربي، ومن مسؤولية النخب أيضا عدم ترك الأمر وكأنه من خصوصيات السلط السياسية فمسألة الاندماج المغاربي يجب أن تكون خيارا للشعوب قبل أن تكون قرارا للحكام .

متابعة جبريل جالو