حاوره فوزي الصدقاوي

حمدًا لله على سلامتكم الأستاذ محمد عبو، إستبشر اليوم24 جويلية2007 أحباءكم ونشطاء حقوق الإنسان والقائمين على المنظمات الحقوقية والسياسية في الداخل والخارج بسراحكم وسترون خلال الساعات القادمة ردود أفعال مرحبة بهذا الإفراج ونحن نستسمحكم في هذه المناسبة لنطرح عليكم بعض الأسئلة:

في أي سياق جاء الإفراج عنكم اليوم بحسب اعتقادكم ؟ هل كان إستجابة لتدخل سركوزي لدى رئيس الدولة كما بلغنا ، أم أن الأمرلا يتعدى ما تستدعيه حاجة السلطة من التخفيف عن نفسها ضغط الملفات الساخنة في مناسبات إحتفالية(عيد الجمهورية 25جويلية) صارت مواقيتها معلومة ومنتظرة لدى الجميع ؟

بخصوص إطلاق سراحي أعتقد أن الضغوطات التي مورست على النظام من طرف المناضلين في تونس بدرجة أولى والذين تحدوا الخوف الذي يستعمله النظام للتحكم والسيطرة ، فعرّضوا حريتهم للخطر وعرضوا حرمتهم الجسدية أيضاً للضرر ، فتضامنوا معي على أساس أن قضيتي ، قضية عادلة وهو سلوك عبروا للنظام من خلاله على أنهم قادرين على التضامن فيما بينهم في مواجهة سلطة تعوّدت على تفريق خصومها فلا يدافع منهم أحد إلا على من كان في الإتجاه السياسي الذي ينتمي إليه دون سواه، هذه هي الفكرة التي يريد لها النظام أن تنتصر وتسود.

الذي إنتصر في قضيتي هو أن الجميع ناضلوا من أجل شخص وفي الواقع من أجل قيم ناضل لأجلها هذا الشخص ، وبالتالي فالقضية هي إصرار كل المناضلين ليقولوا للنظام : لن نسمح لك هذه المرة أن تقمع أي شخص ونحن نتفرج ، هذا الذي أعتقد أنه يمثل نصراً حقيقياً .

لكن سيكون علينا أن نطرح السؤال : هل لهؤلاء المناضلين ، بعد ما جعل النظام من قضيتي قضية شخصية ، من الوزن مايكفي لإلزامه بإطلاق سراحي ؟

في تصوري أنهم ليسوا بذاك الوزن ،وهو أمر لا يجب أن يُنقص من قيمتهم ، طالما فعلوا مايجب عليهم القيام به ، فأعتقد أن ضغطهم على النظام ثم على بعض الأنظمة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، كان وراء دفع النظام لإطلاق سراحي. وعليه فلا يمكنني أن أقول أن النظام أطلق سراحي لأسباب إنسانية، والواقع أني كنت أود ذلك لأفرح واُقنع نفسي أن النظام ليس عدو.فيفترض بالنظام أن يكون رجاله من أبناء الوطن ويشعرون بألام هذا الشعب، لكن على حد علمي، من لم يشعر طيلة سبعة عشر عاماً بآلام التونسيين وأبناء هذا الوطن لا يمكنه أن يشعر بآلامي الخاصة منذ سنتين .أنا أرى أني أرفع من النظام وقد ارتفعت عليه حين ضحيتُ بعائلتي وحريتي وتعرضتُ إلى تهديدات وغيرها وتابعت مسيرتي من أجل الأخرين، فالنظام لايحس فعلاً بالآخرين ، فأنا إلى الآن لا أعرف إن كان قد تم إطلاق سراح مساجين سياسيين الذين لم يرتكبوا جرائم عنف وإنما كانوا يناضلون من أجل ما يؤمنون به ، بقطع النظر عن رأينا فيما كانوا يؤمنون به ماداموا يناضلون نضالاً سلمياً ، فلو تحركتْ في النظام مشاعر إنسانية لكان أطلق سراحهم ، وأنا إلى الساعة لا أعرف إن فعل ذلك أم لا ؟ وحتى إن فعل ذلك فسوف نذكّره، أن هناك أشخاص قضوا سنوات في السجن ظلماً ، فأنا قضيت سنتين وخمسة أشهر لكن غيري قضى سبعة عشر سنة وتألموا أكثر مما تألمت وأنني قاسيت بالسجن أقل مما قاساه سجناء حركة النهضة أو حزب العمال الشيوعي التونسي وغيرهم أوحتى مساجين الحق العام . ولكن ما تعرضت له من إهانات في السجن وقد كان واضحاً أنها جاءت بتعليمات، جعلني في وقت ما أطلب طلباً رأه البعض طلباً غريباً وهو أن أتخلى عن جنسيتي التونسية رغم أن المسألة من الناحية القانونية مشكوك في صحتها .فعندما تكون جنسية التونسي التي ينتمي إليها عار عليه فالأمر محزن ، لكن سيتحمل مسؤولية ذلك النظام أولاً ثم عموم الشعب التونسي ثانياً الذي يتفرج ودون أن يفعل أي شيىء ، فليس مطلوب من الشعب التونسي أن يقوم بتحركات عنيفة ، فنحن سلميون وعلينا أن نبقى كذلك، لكن على الشعب التونسي أن يرفع صوته ،في حدود القانون وسينتصر، لكن يجب أن يفهم شيء وهو أن هناك ثمن يجب دفعه .أنا دفعت الثمن ومستعد لأدفع الثمن ، فالنظام التونسي يمكنه أن يعيدنا في أية لحظة إلى السجن. فهذا الوضع يجعل المرء يشعر بالاختناق إذ كيف لشخص لمجرد أن تسند إليه بعض الصلاحيات يمكنه أن يدمر حياة شخص أومجموعة من الأشخاص وحياة عائلاتهم ويحدد مصيرهم فهذا أمر خطير .

إحتاج النظام ، أستاذ محمد ، إلى البحث عن صيغة ليزج بكم في السجن ويسحب منكم صفة السجين السياسي أولاً ويحرمكم ثانياً من الإحساس بمتعة التماهي والقيم التي تؤمنون بها وتضحون لأجلها ، فماذا تقولون في التهم التي اُدنتم لأجلها وحوكمتم على أساسها ؟

قبل إلقاء القبض عليّ بأشهر بدأ النظام لتونسي بإجراءات قمعية ضد عائلتي ، ففي وقت ما تصور أن تجويع الأشخاص يجعلهم يتراجعون والذي لم يفهمه النظام هو أنه كلما حصل قمع يكون من دور كل مواطن يحترم نفسه ويفتخر لكونه تونسي ويفتخر لكونه عربي أن يكون ذلك حافز لمزيد النضال ، فقد بدأ النظام بعتدي على عائلتي وعندما يئس من ذلك تحوّل إلى الإيقاف ، والناس يعتقدون أنه وقع إيقافي لأني نشرت مقالاً يتعلق بشارون ، والواقع أنني تلقيتُ في ديسمبر 2004 إعلانا من جهة معينة تقول لي أنه جاء الوقت المناسب لتتوقف وإلا فسوف تندم وكنت مستعد لكل التضحيات وواصلتُ كتابة ما أراه مناسباً وموافقاً لرأيي ، فعندما تتصل بي صحيفة تسألني رأيي في إنتخابات 2004 فلن أقول إني أخاف على نفسي وعلى عائلتي. فإنتخبات 2004 تعني مصير الشعب التونسي .حتى وإن رأى البعض أن هذا القول لن يغير من الأمر شيئاً. فكلمة الحق يجب أن تقال ومن كانت معه الأغلبية فليواصل إذا كان يرى أن لديه نسبة 99% فهو حر في أن يواصل مسيرته، وسيظل من المهم أن لايمنع عني حقي في أن أقول: لا .

وقع إيقافي يوم نشرت المقال الذي تحدثتُ فيه عن زيارة شارون ولكن وقع إعلامي بأني أحاكم من أجل مقال آخر بعنوان : أبوغريب العراق وأبوغرائب تونس . ولهذا المقال بالذات أحلتُ من أجل جملة من التهم :

1. نشر أخبار زائفة

2. الدعوة لخرق قوانين البلاد ( وهي تهمة غريبة)

3. وضع كتابات على ذمة العموم من شأنها تعكير صفو الشأن العام


4. ثلب الدوائر القضائية

وحين أدركوا أن هذه التهم ستثير بعض المشاكل أبقوا على تهمتين:

ثلب الدوائر القضائية حتى تبدوا المشكلة كما لو أنها بيني وبين القضاء .و وضع كتابات على ذمة العموم من شأنها تعكير صفو الشأن العام وهو نص غريب وضع في مجلة الصحافة ونقل بعد ذلك إلى المجلة الجنائية حتي لا يقال أن مجلة الصحافة فيها الكثير من التقييد . على أية حال هل إن هذه التهم ثابتة في حقي ؟ يبدو أن النظام لايفهم أن من حق المواطن أن ينتقد. فمن يحكم تونس لو بقي في بيته بعيداً عن السياسة ما كنت لأنتقده ، فأنا أنتقد شخصيةً عامةً تحكم ولا أتعرض لأشخاص في حياتهم الخاصة ولا في أعراض الناس ، وإنما أنتقد السلوك الذي يقوم به مسؤول ، فإذا كانت سلوكات المسؤول على درجة كبيرة من الخطورة ويمكنها أن تحدث ضرراً على بني وطني فأنا في بعض الأحيان مضطر وفقاً لحالة الضرورة وهي سبب من أسباب الإباحة في القانون أن أتهجم مباشرة على هذا المسؤول .لسبب بسيط وهو أنني راغب ٌو مصر على حماية أبناء وطني ، هذه هي حالة الضرورة هل يفهمها النظام ؟ لاأعتقد أنه بحث في القانون من هذه الناحية لأنه أصدر ضدي تعليماته بالسجن . بعد ذلك يبدو أن المسألة أخذت بعداً معيناً، ندم النظام وقال أنه يجب أن يُدخِلني السجن لأجل قضية حق عام ، فتذكر أعوانه أنه منذ ثلاث سنوات تقريباً كان لي ملف في قضية عنف ، يبدو أن بعض المحاميات بدفع من جهة معينة في السلطة إشتكت ضدي لأجل قضية عنف وقد كنت حينها عضوا في جمعية المحامين الشبان . والنظام رأى ساعتها أن هذه القضية لا تستحق متابعة لسبب بسيط لأنها تفتح ملف كبير، وهو ملف إحداث الفوضى والتشويش في إستبعاد المحامين، فقد كان هناك عدد من المحامين القريبين للحزب الحاكم حوّلهم النظام من محامين محترمين مدافعين عن حقوق الإنسان إلى مجرد ميليشيا تعمل على منع إنعقاد إجتماعات في ظروف عادية حتى أن هياكل المهنة التي لها سلطة التأديب أصبحت ترهبهم لأنهم أصبحوا قوة بدعم النظام لهم، فكان لابد في بعض الحالات أن يتم إخراج بعض الأشخاص حين يعطلون أعمالنا . ومن هنا جاءت الإدانة التي وجهت لي وهي إخراج أشخاص من بينهم هذه المرأة حتى يتمكن غيرها من عقد الإجتماع و تم إخراجها بطريقة مناسبة و لم تكن بالطبع طريقة عنيفة. بعد ذلك إتصلوا بأطباء وحرروا تقرير إختبار وقالوا إن بها أضرار ، وجاء المحامون وقدموا ما يفيد أن بها أضرار فعلاً ، لكن أضرار سابقة حين تعرضت لحادث مرور، والقضاء لم ينظر في هذه المسألة بل إن هذه المرأة نفسها لم تدعي يوماً حتى بعد ثلاثة سنوات أني عنّفتها بالطريقة التي ذكرها النظام ، قالت : دفعني وهذا فعلا الذي حصل وكان يجب أن أدفعها هي وغيرها حتى ننجز إجتماعاتنا .

وحقيقة الأمر أنه بلغ بالنظام سنة 2002 حدا من التشنج بسبب تدخلنا في مسألة تنقيح الدستور، وكانت المسألة في المحاماة وكأنها مرتبطة بي شخصياً لأني أنا الذي أثرتُ في الدرجة الأولى وجوب التصدي لتنقيح الدستور لأنه لن يفيد المحامين ولن يفيد التونسيين مطلقاً ، كان هذا رأيي ، وكان للنظام رأي أخر، لكن النظام ظل دائماً يتعامل بحذق مع المواطنيين الذين يخالفونه الرأي ، فكان عليه أن يدفع، في البداية ، ببعض المحامين لإحداث هرج وتشويش وبعد ثلاث سنوات عندما تطورت مسألة الإحالة من أجل التحقق تذكروا هذه القضية ، وهكذا أصبح لديّ قضيتين : القضية الأولى قضية صحافة والقضية الثانية هي قضية عنف فحوكمتُ في الأولى بسنة ونصف سجن وفي الثانية بسنتين سجن. وهكذا يتم إستغلال القضاء لضرب الخصوم السياسيين ، وتُستغل كل مؤسسات الدولة من شرطة وحرس وطني وسجون وقضاء وكل الإدارات تستغل لذلك ، ومادام النظام لا يعترف بأخطائه فأنا بصفتي مواطن لا أشعر بالأمان وأتوقع في كل لحظة أن أتعرض لإعتداء دون أن أجد من يحميني. أنا لست عنيفاً حتى أحمل السلاح وأصعد إلى الجبل، أنا محام مصرُ على الدفاع على حقوقي وحقوق أبناء وطني بشكل سلمي وقانوني، وعلى النظام أن يرتفع إلى هذا المستوى ، هذا ما نطلبه بكل بساطة ، وأن يقارع الحجة بالحجة ، هذا ما نطلبه وسيجد منا الإحترام كلما أثبت أنه جدير به .نحن لا نسكت على ظلم الشعب التونسي وليحاسبنا من شاء إذا كنا فضلنا مصالحنا على مصالح الشعب التونسي . وليكن النظام قدوة لغيره ، فنحن لاننازعه السلطة فنحن أناس قنوعون وراضون بما نحن عليه و راضون بمواقعنا لأجل الدفاع عن حقوق الناس.

بعد ما كتبتموه عن« أبوغريب تونس » زُجَ بكم في السجون التونسية ، فهل عاينتم فعلاً وضعاً مماثلاً لسجن «أبو غريب العراق» ؟



أولاً يجب أن أقول أني لم أذكر يوماً خبرا زائفاً فكل إنسان ينشر خبراً عليه أن يكون متأكداً من المعلومة التي ينشرها ،فشهادات متظافرة كثيرة تؤكد أن ماذكرته في ذلك المقال وهو أمر صحيح بل أكثر منه قد حصل ، فقد كان ذلك يحدث في التسعينات ، لكن هل بقي الأمر على ذلك النحو ، الإسلاميون الذين كانوا في السجن يؤكدون أنه قد حصل تطور بعد سنة 1996، بقي التعذيب لكن الشكل الفضيع للتعذيب الذي ذكرته في المقال إختفى وبقيت أشكال أخرى ، فأنا بصفتي شاهد قضيت سنتين وخمسة أشهر ، لم يكن يُسمح لي الإلتقاء ببقية المساجين، لكنني أعلم أن الغرفة التي أسكنها مع خمسة أوستة سجناء أخرين كان يسكنها خمسون سجين وفي غرفة أخرى كان يسكنها مائة وخمسون سجين ، ولم يكن يسمح لي بالإختلاط ببقية المساجين ، حتى عندما أخرج مرة في الأسبوع للزيارة كانوا يغلقون جميع الأماكن التي يمكنني أن ألتقي فيها مع بقية المساجين . لكن مع ذلك فقد كنت أقيم بالمكان الذي يتم فيه معاقبة المساجين( العزلة) وكنا ليالاً نسمع التعذيب والصراخ وبعضهم يتوسل لكي يتوقفوا عن تعذيبه ، كان ذلك يحدث بصورة مستمرة بل إن التعذيب يحدث بجوار منا بينما نحن نستمع من خلال التلفاز إلى مسؤول كبير يتحدث عن إحترام تونس لحقوق الإنسان .

قلت يوماً لهم لماذا أنا بين خمسة أوستة من السجناء ؟ قالوا لي تلك هي حال سجوننا فارغة كما ترى وتلاحظ . لكنهم أحياناً وفي غفلة عني كانوا يفتحون بعض الأبواب فأكتشف أن هناك سجناء ليس لهم أسرة خاصة وأعاين أن أعدادا منهم بسبب الإكتضاض ينامون أرضاً. إذا هناك ظروف سيئة يعيشها السجناء في تونس كما أنه هناك جرائم تعذيب ولكني أريد أن أذكر أن التعذيب في سجن الكاف منذ شهر أكتوبر 2006 قد توقف. بسبب نضالاتنا.. أو لإقتناع النظام ..؟ لا أدري ولكنه توقف ، والغريب في الأمر أنه في 17 مارس2007 عندما تأكد لدى السلطة أنه لن يكون هناك عفو بمناسبة 20 مارس 2007 (عيد الإستقلال) وكانت تتوقع ردة فعل من مساجين حق العام وغيرهم، أرادت أن تلقن درساً كل من تخوّل له نفسه بالقيام بأي إجراء إحتجاجي ، فسحبوا أحد السجناء وتعمدوا أن يقوموا بتعذيبه بصورة يسمعها جميع من في السجن .إذاً ، فمنذ أكتوبر2006 لم يجري تعذيب أحد غير يوم 17مارس لـيتعض به غيره ممن في نفسه رغبة في الإحتجاج. وما أريد أن أأكده هنا هو أن التعذيب ليس أمرا ضرورياً والقول أنه من غير الممكن ضبطه، قول غير صحيح، والدليل أنه لما صدرت التعليمات في أكتوبر2006 توقف التعذيب ، وهذا ما كنت أقوله ، فليس في تونس ثقافة تعذيب ويكفي أن تصدر السلطة التعليمات ليتوقف التعذيب فسيتوقف فوراً ، بينما الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع أن تمنع ممارسة العنف إطلاقاً وذلك لأن ثقافة العنف مستشرية بين أبنائها ولكن الدولة لا تحميه ولا تأمر به بينما الدولة عندنا تأمر به و تحمي القائمين عليه في معظم الحالات وعندما تريد أن توقفه يكفي أن تأمر بذلك ليتوقف .

الأستاذ محمد عبو، أنتم دخلتم السجن في شهر مارس سنة2005 ولم يكن يقيم حينها في السجون التونسية غير سجناء حركة النهضة ، أما اليوم فإن مايزيد عن الألف ( لا وجود لإحصاء دقيق) من الشباب التونسي المتدين يزج به اليوم في تلك السجون تحت عنوان الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب . كيف تقرؤون هذه الدورة الأمنية الجديدة الموجهة ضد أبناء التونسيين أولاً ؟ وكيف يتراء لكم مستقبل الحريات في تونس ثانياً ؟


يجب أن أسجل نقطة مهمة جداً تتعلق بأرواح التونسيين أولاً وقبل كل شيء ، حتى لا نخطأ طريقنا، فلقد ثبت أن هناك أعمال عنف حدثت في تونس ، وأعتقد أن الجميع يعترف بوجودها وعدد الذين شاركوا فيها هو عدد محدود ، فإذا تحدثنا عن هؤلاء الشباب الذين لم يختاروا طريق العمل السلمي وإنما فضلوا أخذ السلاح والصعود للجبل ، فأعتقد أنه من الناحية القانونية وفي حدود القانون وحده يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم دون أن يتم إنتهاك حقوقهم الإنسانية بوصفهم مساجين كما يجب أن تحترم حقوقهم المدنية وأن يمكّنوا من محاكمة عادلة …هذه مسألة قانونية وأخلاقية على درجة من الأهمية ، لكن إذا كانت السلطة تريد أن تنتصر على هذه التيارات فعليها أن تقوم بإصلاحات سياسية حقيقية ثم عليها أن تكون قدوة لبقية التونسيين . فهي حين تغرس الحقد فلا يجب أن تسأل لماذا يرفع الناس السلاح ضدي ؟ يجب أن تكون الدولة مترفعة عن الحقد وعن أساليب التعذيب والجريمة وإهانة المواطنين لأن الشعور بالإهانة يدفع إلى العنف ، طبعاً أنا لن أبرره إطلاقاً بل يستحيل أن نبرر في الحركة الديمقراطية في تونس أعمال العنف وإن كان يمكن أن نفسر ذلك بحالة الإنغلاق ، يقولون أن المسألة تتعلق بفلسطين ، لم ألتقي بهؤلاء المساجين ولا أستطيع أن أعرف حقيقة بما يتعلق الأمر ، ولكني أذكر أني كتبت في شهر أكتوبر2004 وقلت أن الإرهاب سيضرب قبل 2006 ،كان على النظام أن يحترم ما ذهبتُ إليه وحدث فعلاً . فالإنغلاق وإنسداد كل طرق التغيير السلمي وحتى لأجل بعض الإصلاحات ، فنحن لانطالب بتغيير أعلى السلطة مع أنه حق شرعي لنا ، فنحن نراقب العالم العربي ونتصرف في حدود إمكانياتنا ، لكن عندما يقع غلق كل الأبواب فما الذي ينتظره هذا النظام غير . أنا محمي وعمري أربعين سنة ولي مستوى ثقافي من شأنه أن يحصنني من أعمال العنف واللجوء إلى الحلول المتطرفة ، لكن كيف يضمن النظام أن لايندفع الشباب إلى تلك الحلول المتطرفة ؟ هذا إذن بخصوص الذين ثبت قيامهم بأعمال عنف .

أما في ما يخص غيرهم من الشباب فإن عقلية النظام تتعامل معهم على أنهم مدانين ويجب أن يعاقبوا لأن شبهة ما تحوم حوله أو هو متعاطف مع من ينتهجون العنف من الشباب وهي عقلية غريبة تعرف بها الأنظمة الإستبدادية وأرجوا من النظام أن يتغير لأن هذا الأسلوب لن ينجح ، فنحن نريد منه أن يكون دولة محترمة تطبق القانون على الجميع فالإنسان يستطيع أن يكون سلفياً أو شيوعياً أو ليبرالياً فهو حر ، والمهم أن لا يخرق القانون الجنائي ولا يرفع السلاح ضد أبناء وطنه . فالدولة لو شاءت أن تنتصر فعليها أن تنتصر من الناحية الأخلاقية والسياسية

قضية الأستاذ محمد عبو من أهم القضايا التي برزت في الساحة الحقوقية الوطنية والدولية خلال العقد الجاري ومع أن المجتمع المدني التونسي أجمع على ضرورة إطلاق سراح كل المساجين السياسيين في تونس وساندتْ هذا المطلب منظمات حقوقية إقليمية ودولية إلا أن فرزاً واضحاً جعل من قضية محمد عبو ملفاً بحاله في مقابل ملف سجناء حركة النهضة ، وأضرِب لذلك مثلاً، فجريدة الموقف تضع على رأس صفحتها الأولى صورة محمد عبو مع الإشارة إلى عدد الأيام التي مرت عليه في السجن وهي 878 يوماً وتتخذ الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين من شعار« أطلقوا سراح محمد عبو» شعاراً أولاً على رأس بياناتها وتناضل مجموعتين تنتسب إلى فرع منظمة العفو الدولية في باريس وحدها لأجل محمد عبو..بينما لا يحضى على سبيل المثال الصحفي الأستاذ عبد الله الزواري بمثل هذه العناية والمساندة وهو الذي قضى خمسة عشر عاماً من السجن و قضى بعدها خمسة سنوات مراقبة إدارية في الجنوب التونسي مبعداً عن زوجته ووالدته المسنّة وأبنائه وهو الآن لا يزال يقضي فترة إضافية حددت بـ26 شهراً من المراقبة والإبعاد . فكيف تقرؤون هذا الفرز الذي لايكاد يغيب عن ملاحظة كل مراقب .


أولاً يجب أن أأكد لك شيء أنني صرحت في إحدى الزيارات لأحد المحامين قائلاً أن النظام إرتكب خطأً جسيماً وكان ذلك في ظرف يشهد فيه قطاع المحاماة والمجتمع المدني والمعارضة الجدية حالة من الركود التام فأصطنع من حيث لم يكن يدري ، قضية كانت سبباً في التشويش عليه، لأنه لا يحتمل أن يبدي أحد برأيه في ما يذهب إليه من سياسات ، وكنت أتوقع أن ردات فعل ستحصل بصورة أقوى من تلك التي كانت لأجل سجناء مضى على بقائهم في السجن مدد طويلة .

لكن أريد قبل ذلك أن أبين شيء أن أبيّن شيىء . فعندما دخلت إلى السجن بتاريخ 01 مارس 2005 وجدتُ سجناء سياسيين ينتمون إلى حركة النهضة أو يشتبه في إنتمائهم إليها. وهم بالنسبة لي دخلوا السجن لممارستهم لحقهم في إبداء الرأي والمطالبة بتغييرات وهو حق كل تونسي ،لذلك فحال إيقافي تصورتُ أنه سيقع ربط قضيتهم بقضيتي لمصلحتهم وأأكد لكم أني أرسلت رسائل في هذا المعنى حتى للمساجين السياسيين المقيمين في سجن الكاف ، إذ كان لي إمكانية للإتصال بالسجناء خالفاً لما تعتقد الإدارة . فكان السجناء الإسلاميون يرفضون هذا الربط حرصاً على مصلحتي، وفعلاً أفهم أسبابهم لأنهم يعتقدون أن المجتمع المدني ليس متعاطفاً مع حركة النهضة ، وكان هذا يزعجني فعلاً لأنه من غير المعقول أن لا نتعاطف مع الضحية حتى إن كنت أختلف معهم في الرأي . إذا يجب أن يكون ثابتً واضحاً ولا نقاش فيه و لا متاجرة ولا إستثناء فيه أن كل تونسي عبر عن رأيه فسجن لأجل رأيه ظلماً بدون موجب قانوني يجب أن نعتبره ضحية كما يجب أن نقاوم سلمياً بكل الوسائل من أجل إطلاق سراحه. فحركة النهضة لم تتمتع بمثل ما تمتعتُ به إطلاقاً وهذا يؤسفني وأأكد لك أني اليوم وغداً إذا بقي البعض من السجناء السياسيين لم يغادروا السجن فسأناضل بالطرق السلمية والقانونية من أجل أن يطلق سراحهم جميعاً بل ومن أجل أن يعترف النظام بالأخطاء التي إرتكبها في حقهم. وبقطع النظر عن رأيي الشخصي في الموضوع، يمكنني أن أفسر الأمر بالقول أن شخصاً وقع إلقاء القبض عليه كان يتهم في وقت من الأوقات على أنه إسلامي لكن المعارضة الجدية لا تصدق ذلك فالمسألة تتعلق بالثقة بين المحامين ، كما أن جو المعارضة ليس دائما على ما يرام فقد تسقط في تغليب النزاعات الجانبية وتنصرف عن النظام ومراقبة سياساته ، بالنسبة لي أنا على علاقة جيدة بالجميع والجميع متأكدون من أنني أقف مع كل المضطهدين سواءاً كانوا إسلاميين أوغيرهم وقد أثبتُ ذلك طيلة مباشرتي مهنة المحاماة فأنا لا أفرق أبداً بين حمة الهمامي وعبد الله الزواري فللجميع حقوق متساوية والحرية تضمن الوجود للجميع إسلاميين وغيرهم بما في ذلك المتدينين من غير الإسلاميين ، فالمرأة في بعض الأوقات ينزع منها الخمار وتضرب وتهان ، لا أدري ماالذي صار عليه الأمر اليوم ؟ هذا يجري في دولة تدعي أنها تريد أن تتصدى لتيار رجعي ومتعصب وهي تمارس أفعال تعبر عن تعصب وروح إجرامية ومصادرة الرأي الآخر ، بينما الفكر التحرر يسمح للتونسيين جميعاً أن يدخلوا المساجد وإن اختاروا طريقاً أخر فلهم أن يفعلوا ذلك ،فالحريات الشخصية وحرية المعتقد يجب أن تكون مقدسة وهذا من مصلحة الإسلاميين . يقول البعض أنه عندما كان الإسلاميون في الساحة خلال الثمانينات وبداية التسعينات لم يهتموا بمسألة الحريات ، وأنا أقول أن التيارات الإيديولوجية بصفة عامة سواءاً كانوا إسلاميين أوغيرهم لم يكون في ثقافتهم ما يحملهم على الإهتمام بحقوق الإنسان بالصورة التي نراه اليوم ، وأعتقد أن أصدقاءنا الإسلاميين يقرّون بذلك فالأمر يمكن تفهمه لأنهم يستندون إلى إيديولوجية معينة ويريدون لمشروعهم أن ينتصر، فالأمر متعلق بطبيعة الأشياء سواء بالنسبة لدى الإسلاميين وغيرهم ، وحتى إن نسب العنف لبعضهم فيجب أن نذكّر أنه عندما مورس العنف في علاقة بالسياسة في ستينات القرن العشرين لم يمارسه الإسلاميون ، فعلى حد علمي مارسه أقصى اليسار ,الشيىء الثابت أن العنف مورس في مجتمعات ديمقراطية فما بالك بمجتمعات تحكمها أنظمة منغلقة لا إمكانية فيها للنضال السياسي . ومع هذا أعتقد جازماً أن حركة النهضة لم تتورط في أعمال عنف إلا بعض الاستثناءات كرد فعل ضد النظام . وقد استمعت إلى شهادات في سجن الكاف تجعلني أراجع كل أفكاري حول فلسفة القانون، من جهتي أنا أقول للمواطن إياك أن تمارس العنف، لكن لو طرحنا بعض القضايا ليس هاهنا متسع لبحثها فإن كل رجال القانون والمهتمين بفلسفة القانون سيكون عليهم مراجعة بعض أفكارهم ، إذ بالإمكان أن أطرح هنا سؤال واحد وهو: ماذا يفعل المواطن إذا لم يكن له أن يلجأ للقضاء للتظلم ؟ إن لم يكن له أن يلجأ إلى سلطة سياسية معينة للتظلم ؟السؤال أوجهه للسلطة حتى لا تأول إجابتنا إلى غير مصلحة الوطن !!!

أستاذ عبو حين زُجّ بكم في السجن كانت الساحة الحقوقية ومكونات المجتمع المدني قد عبرت عن خسارتها لرجل بقامتكم لكن سرعان ما أدرك الجميع أنهم كسبوا عضوا نشيطاً هي حرمكم السيدة سامية عبو التي بدلاً من أن تنضمّ إلى المجتمع المدني إنضمت إليها مكونات المجتمع المدني وفعالياته لتتحول إلى محو نضالي متميّز ، فكيف تقيمون إسهاماتها ومغامراتها الشهيرة مع البوليس السياسي ؟

رغم أن تجربة السجن كانت مؤلمة ولا يمكن لتجربة السجن أن تكون كذلك، ومع أني لست ممن يغادرون السجن ويقولون نسيت ما كان، إلا أن ما كان يبلغني من أخبار كان يجب أن تجعلني سعيد رغم كل الآلام ، فقد كنت أعلم أن زوجتي وصديقات لها وأصدق أخرين لم يكونوا يمارسون أي عمل سياسي أو حقوقي أو نضالي بل لم يكونوا يؤمنون أن النضال السياسي يمكن أن يؤتي اُكلَه ، وبعد إلقاء القبض علي إلتحق عدداً منهم بالنضال السياسي وتلك من أخطاء النظام التونسي التي لم يحسب نتائجها ، فقمعه لي ولد حالة غضب لدي أناس لم يكونوا من قبل يعبرون عن غضبهم ، ومن بينهم كانت زوجتي .

عديدة هي المنظمات التي ساندتكم طوال محنتكم ، فلكم إن شئتم أن تتوجّهوا إليها بكلمة .

أولاً أنا لاأعرف إلى حد الآن كل المنظمات التي ساندتني لكن لأبدأ بالجمعيات التونسية والأحزاب لأقول لهم أني كنتُ مثل عدد من التونسيين أشعر باليأس بل أأكد لكم أنني فكرتُ في وقت من الأوقات في ترك كل نشاط نضالي وذلك لقناعتي أنه بدون توحد المعارضة التونسية لأجل مشروع بديل عن الإستبداد فإنه لن يحدث أي شيء ثم إذا كانت المعارضة تتصارع فيما بينها فلا لوم على النظام فيما يفعل ، كانت هذه فكرتي قبل دخولي السجن ، بعد ذلك ثبت أن المعارضة التونسية والمجتمع المدني تضامنوا معي وتوحدت كلمتهم وهو أمر أفرحني ويجعلني اليوم أشكرهم على ما بذلوه وأطلب منهم المزيد نضالنا سلمي وناجح بالضرورة وعلينا أن نواصل . أما بخصوص المنظمات الأجنبية فإنني في الحقيقة أعجز عن شكرها فرغم أن المواطن العربي يذكرهم بأنظمتهم الرسمية التي ترتكب بعض الفضائع في العراق وغيره فإن هناك في هذه الشعوب أناس بين ضلوعهم قلوب تتألم ويؤسفني أن أقول أنهم تضامنوا معي أكثر من أبناء وطني من غير المناضلين فغالبية الشعب التونسي لايزال الخوف يسكنه ، ويخشى أن يتكلم ويعبر عن رأيه

شكراً لكم أستاذ محمد عبو ونتمنى لكم مزيداً من الحرية الحقة لكم ولأبناء الشعب التونسي ودمتم في خدمة وطنكم .


لم يكن الأستاذ محمد عبو إلى حدود الساعة العاشرة ليلاً من يوم24 جويلية أي بعد بضع ساعات من الإفراج عنه قد بلغ إلى علمه ، إن كان سجناء سياسيين أخرين قد تم تسريحهم .