يشهد الوضع التّونسي هذه الأيّام جملة من الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قلّما عرفتها البشريّة عبر تاريخها الطويل ، حيث تنوّعت أشكالها لتأخذ أبعادا خطيرة لم يعد من الممكن الإكتفاء بإصدار البيانات في شأنها بل يتطلّب الأمر من المهتمّين بحقوق الإنسان ومؤسّسات المجتمع المدني ومنظماته المدنية والسيّاسيّة الإنخراط في الكفاح من أجل احترام حقوق وحريّات المواطن عبر صياغة الأولويات والإستراتيجيّات التي تيسّر النّضال من أجل تحسين الأوضاع وإشعار المجتمع الدولى والهيئات العالميّة بخطورة الإنتهاكات التي تمارسها السّلطة التّونسيّة ضدّ المعتقلين السيّاسيّين على اعتبار أنّها تشكّل خرقا لجميع المبادئ الإنسانيّة التي تنادي بها المواثيق والمعاهدات المتعلّقة بحقوق الإنسان .

ولعلّ ما تناقلته المواقع الإخباريّة أخيرا من شهادات و معلومات حول عمليّات القتل والتّعذيب في ظروف غامضة واعتداءات فضيعة على المعتقلين التّونسيّين شمل إلى جانب حبسهم في زنزانات انفراديّة معزولة ولمدد طويلة و إكراههم على التوقيع على محاضر بحث لتهم ينكرونها أصلا ، استعمالا لأبشع أنواع التّعذيب تجاوزما كان معروفا من أساليب قديمة كالصّعق الكهربائي والكابلووات وقارورات الزّجاج ليأخذ أشكالا و أنواعا أخرى أكثر بشاعة ووحشيّة ليصل الأمر إلى حدّ تهشيم الجماجم والتهديد بالإغتصاب والخطف ، ممّا يلقي على نخبها الوطنيّة مسؤوليّة أخلاقيّة كبيرة للتّصدّي ” لأحفاد بنوشي الجدد ” وفضح ممارساتهم الهمجيّة على اعتبار أنّ إعلانات حقوق الإنسان والدّساتير والمواثيق والمعاهدات التي أمضت عليها تونس بدون تحفّظ تشكّل في الحقيقة درعا واقي لحماية هذه الحقوق من أجل تحقيق سبل الكرامة الإنسانيّة وفقا لمبادئ الديمقراطيّة التي تتطلّبها الشّعوب .

إنّها إذا أمانة تاريخيّة ومسؤوليّة نتقاسمها جميعا أمام استمرار سجن السيّد محمّد عبو لمدّة تقارب السّنتين وهي كذلك وبنفس الأهميّة أمام استمرار محنة الإسلاميين لأكثر من ستّة عشرة سنة ولن تكون أقلّ من ذلك أمام عودة المداهمات و تجدّد الإعتقالات بقوّة في صفوف الشّباب والتنكيل بهم .

فهل آن الأوان أن ينشط الرأي العام التّونسي مطالبا باحترام حقوق الإنسان التّونسي وحرّياته على اعتبار أنّ مصلحة المجتمع تتجسّد في المحافظة على كرامة الفرد وإنسانيته ومنع كلّ أنواع التعسّف التي يتعرّض لها ، باعتباره الخليّة الأساسيّة لبنائه ؟.
أملنا أن تدرك النّخبة التّونسيّة وكلّ أطياف المجتمع المدني رغم اختلافاته الإديولوجيّة أهميّة هذا الملف الإنساني لإرغام السّلطة على وضع حدّ لهذه الإعتداءات الفضيعة لأنّ نجاحنا في تحقّق ذلك يكون قد فتح لنا الطريق لتأديّة بعض الخدمات لشعبنا من أجل التمتّع بحقوقه وحرّياته على اعتبار أنّ هذه الحقوق والحرّيات من أقوى دعائم الحريّة والسّلام .