بقلم مواطن تونسي

قام بن علي بزيارة فجئية هي الأولى منذ سنوات لأحد الأحياء الفقيرة في تونس و رأيناوسائل الاعلام التي عودتنا على تمجيد انجازات السابع من نوفمبر و القول بأن تونس في أفضل حال و أنها جنة على وجه الأرض (استقرار ورخاء و أمن و نماء و عيش رغيد لجميع الناس و مناطق خضراء) رأيناها هذه المرة و على غير عادتها تنتقد أوضاع هذا الحي وإهمال المسؤولين له و تبرز معاناة الناس. و الحقيقة أن تقريبا كل الأحياء الشعبية ليست المحيطة بالعاصمة فقط بل بكل المدن الكبرى في تونس تعاني الفقر و التهميش و الجريمة والحال نفس الحال قبل التغيير وبعده. و أتساءل بكل براءة عن صندوق سمي 2626 يهدف للقضاء على مناطق الظل. و على حد علمي فإن المواطنين لا يزالون كل 8 ديسمبر مجبرون على التبرع له بمبالغ محترمة فأين تلك الأموال، و لماذا لم تصرف لتحسيين وضعية هؤولاء الناس. أم أنه من لا وزن سياسي له لا نصيب له. أم أنهم عبيد لا يستحقون أي مرفق فمعظمهم عمال حضائر و معينات منزليات. و أين الدولة ؟ و ميزانيتها؟ أليست لخدمة الشعب؟ أين برامج القضاء على الفقر؟ أليست من أولويات الدولة؟هل فشل رجل التغيير ؟ماذا فعلتم خلال 20 سنة؟

هذه الأحياء عرفت بالجريمة عصابات سرقة وسطو تنظم و تخطط و تسطو داخل هذه الأحياء و خارجها، و المعادلة بينهم و بين أجهزة الأمن معروفة: اذا سرقتم داخل أحيائكم فلن نتتبعكم أنتم أحرار لكن مقابل ذلك كونوا عيوننا التي لا تنام على كل شيء و خاصة أتباع دين الأسلام. أما اذا سرقتم خارج أحيائكم قأنتم مسؤولون عن سلامتكم من أجهزة الأمن في المناطق الراقية. و سنضربكم بيد من حديد اذا تعرضتم لأي سائح. هذه هي الاستراتيجية الأمنية في التعامل مع هذه الأحياء الفقيرة. و لذلك فهي معروفة بالمخدرات و الاغتصاب و العربدة و البراكاجات.

بن علي يعلم هذه الحقائق جيدا. و سياسيا تعتبر معطيات ممتازة: الفقراء و ما أكثرهم في تونس ينشغلون بكسب لقمة العيش، بغياب الأمن و الخوف من الجريمة، بالعراك بين الجيران بسبب الفضلات و مجاري المياه…مستواهم الثقافي محدود لا يطالبون بأي شيء و ليس لهم الوقت أو الكفائة للدخول في السياسة.

أما شباب هذه المناطق الفقيرة فمعظمه عاطل عن العمل. لا مستوى تعليمي أو ثقافي، لا أموال، لا كفائة مهنية أو إجتماعية و بالتالي أمامه حل وحيد هو الإنحراف أو الحرقان. وهذا أيضا معطى سياسي ايجابي فمادام الشاب منحرفا فهو بعيد عن التدين و بالتالي عن التطرف. و نجد الدولة ممثلة في جهازها الناجع الأمن تسعى للتستر على مروجي المخدرات و بائعي الخمر خلسة و في الحقيقة هم في العلن و بائعات الهوى بدينار أو أقل(ربما أسعارهن مدعمة من أجهزة الأمن على حساب صندوق التعويض)

من جهة أخرى تم السماح لمسرحية خمسون بالعرض و تم استدعاء كل من حزب التقدمي و التكتل للمشاركة قي ندوة تحت اشراف الوزي الأول حول التكوين المهني والتي يظن البعض أنها مؤشرات إنفتاح من الرئيس، وهو ذر للرماد في العيون ليشغل اليسار عن الحرب الاستئصالية الشاملة لتي بدأ يدق طبولها.

على صعيد أخر يجتمع الرئيس مع بعض رؤساء الأحزاب المعارضة الصورية و يقوموا اثر ذلك بلقاءات صحفية يذكرون قيها أن الرئيس مع مزيد الاحاطة بالشباب و هو ضد التهميش. وهنا أحذر الشباب من خطوة الأنضمام الى الأحزاب المعارضة حتى المساندة منها لأن هذا يعني حرمانهم تلقائيا من العمل في الوظيفة العمومية.
أما مسألة التهميش و هذا لب الموضوع قمن المعروف أن بن علي و طاقم مستشاريه من بن ضياء الى القروي مرورا بالغرياني و عبد الله من محترفي سياسة فرق تسد و ايديولوجيا تهم مع فلسفة الاقصاء و التهميش و التنكيل بمن يختلف معهم و يؤمنون بمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا. و بالتالي فإن نغمة رئيس الدولة ضد سياسة الاقصاء و التهميش لا يصدقها أحد مادامت لأجهزة الأمنية تقوم بالأبحاث الأمنية حول موظفي الدولة ويمنع العديد و العديد من الكفاءات من الولوج الى قطاعات التعليم و الصحة و الوظيفة العمومية والجيش و الأمن لا لشىء الا بهدف تهميش و اقصاء جزء من المجتمع. وهذا من الأسباب المباشرة لأنتشار الأيديولوجيا الانتحارية في تونس والتي يتحمل بن علي مسؤوليتها وحده.

هذه الايديولوجيا لا تقتصر على منتسبي القاعدة فقط، بل تشمل الشباب الذي ينوي الحرقان، و الشباب الذي يقود سياة شعبية أو دراجة نارية بسرعة جنونية في طريق عادية مليئة بالحركةو الذي يدخن 4 علب سجائر في اليوم و الذي يشرب الكحول يوميا أو القوارص أو الكول فور و المظاهر عديدة و منتشرة جدا في تونس اليوم خاصة بين الشباب.

مالذي ينتظره بن على من شاب متميز في دراسته في أخلاقه في ثقافته يرفض قبوله في مناظرة وطنية نجح فيها الأول لأسباب أمنية و ماهي هذه الأسباب الأمنية؟ من عائلة ملتزمة و شوهد عديد مرات يصلي الصبح قي المسجد المجاور لمنزلهم. هكذا و بكل بساطة.

مثال أخر : عدد من الحرس الوطني يطردون من أجل قيامهم بصلاة جماعية في غرف أحد زملائهم. ماذا ننتظر من هؤلاء بعد هذا الظلم ؟ أنا لا أستغرب أن يتتطرف هؤولاء أو أن يفجر أحدهم نفسه. نتيجة لهذه السياسة الإقصائية و التهميشية لجانب هام من المجتمع التونسي.
شاهدنا في الدول الغربية كيف يتم التعامل مع المتطرفين من بني جلدتهم من النازيين الجدد و المثليين…تأطيير و عناية واعتراف بحقوقهم و نقاش علني معهم، هكذا يكون التعامل معهم لا اقصاء و لا تهميش لأنهم متساوون في المواطنة.

أطرح تساؤلا: لو تم الاعتراف بوجود الفكر السلفي في تونس منذ سنة 1996 و تمت مناقشة أفكارهم و الاحاطة بهم وادماجهم في المجتمع خاصة المتخرجين منهم (لأن معظم منتسبي هذا الفكر هم من مستويات تعليمية جيدة و من أوساط اجتماعية متوسطة و راقية) هل كنا سنرى أحداث الضاحية الجنوبية؟ الضغط يولد الانفجار، شباب يحارب في لقمة عيشه في معتقده في حياته ، ماذا ننتظر منه في جو مساعد على التطرف و الانتحار.

هذه مسؤولية بن علي، سياسته الاقصائية المتطرفة أدت بشباب تونس المثقف المتعلم الكفئ الى الانضمام الى تنظيم القاعدة في العراق (5 في المائة حسب بعض التقارير) و الى تنظيم لفاعدة في المغرب العربي و ماخفي ربما كان أعظم.

أما اليوم فكيق يتعامل مع الأزمة و قد حل البلاء؟ نفس الطريقة لأمنية التي أتبعت في التسعينات الاستئصال و بن علي ليس لديه سوى حل أمني واحد الاستئصال، و اليوم أكثر اصرارا علي الاستئصال لأنه جرب في التسعينات سياسات أخرى موازية للأستئصال مثل تجفيف منابع الاسلام (ربما كان يعتقد أنه قوي الى حد محاربة الله) و نشر دين كرة القدم و تغريب الشباب و نشر ثقافة الميوعة وتلحيد الاعلام الرسمي و نشر المخدرات الخفيفة في أوساط الشباب و شرب الخمر و محاربة مؤسسة الزواج عند الشباب و تعويضها بالعلاقات العابرة. لم تنجح هذه السياسات و حتى نتائجها خلقت الكثير من المشاكل للحكومة و لبن علي نفسه. اجتمع بالقربي وزير التربية مؤخرا ليحثه على احياء بعض هذه السياسات رئيسنا لا ييأس قي عقيدته الاستئصالية.

اليوم أظن أن الأمور مختلفة عن التسعينات، في التسعينات كانت لبن على بعض الشرعية اليوم لا، قي التسعينات كانت أوامر بن علي تنفذ بدقة من قبل رجال الامن ، اليوم هناك حسابات و موازين قوى و مصالح، في التسعينات كان بن علي قي صحة جيدة اليوم الصحة ذهبت و العمر تقدم و الشفتين أصبحتا مرتخيتين وهو ما يذكرنا بالزعيم السابق الحبيب بورقيبة. و في كل يوم ننتظر و ينتظر و ينتظرون خاصة من في القصر و أكثر من الشعث التونسي حلول الأجل المحتوم. في التسعينات لم يكن للطرابلسية وال بن علي أي حضور اليوم وجودهم أفقدبن علي كل مشروعية. في التسعينات قناة تلفزية واحدة و اعلام أحادي اليوم انقلبت الموازين. قي التسعينات لم تكن هناك حرب خلافة في القصر اليوم بن علي يخشى على نفسه في كل لحظة من مؤامرة أو انقلاب.