بسم الله الرحمان الرحيم

(2)

الإضراب في يومه الأربعين

بقلم عبدالله الـزواري


“يجب بكل ببساطة إطلاق سراح عبد الحميد الجلاصي وجميع السجناء السياسيين الآخرين في تونس” [1]

أربعون يوما مضت على بدء عبدالجميد الجلاصي و إخوانه إضرابهم عن الطعام مطالبين بإطلاق سراحهم بعد مظلمة لا يكون المرء مبالغا إن وصفها بمظلمة القرن العشرين في تونس لا لقلة المظالم في بلادنا و ندرتها بل لاتساعها و شمولها عددا لم يسبق أن سجن مثله في أحلك أيام الاستعمار المباشر البغيض، و في طول أمدها و استمرارها أكثر من خمس عشر سنة و في فظاعة ما ارتكب اثناءها من انتهاكات يخجل من مثلها كلاوس باربي و أمثاله…

ألم تكف هذه المدة ليستقر الأمر لمن أراد بحبكه هذه المظلمة / المؤامرة أن يتخلص من أهم خصم سياسي و منافس حقيقي في كل انتخابات سياسية نزيهة و شفافة وهو الأدرى بالنتائج الحقيقية لانتخابات 2 أفريل 1989؟؟؟


“وحتى ذلك الوقت، يتعين على السلطات التونسية عدم الجمع بين عدم الإنصاف وبين معاقبة السجناء على ممارسة أحد الحقوق القليلة الباقية لهم والمتمثل في حق الإضراب عن الطعام”. [2]

و يمر شهر كامل و عائلة عبدالحميد الجلاصي محرومة من زيارته مما جعلها تخشى على حياته وهو الذي يعاني من مرض في الكلى و نقص متفاقم في البصر ، أربع زيارات و تعيد الإدارة نفس الجواب ” إنه – أي عبدالحميد- يرفض الزيارة”… إجابة كثيرة ما رددتها الإدارة على مسامع الزوار دون أن يكون للسجناء في هذه الإجابة ناقة و لا جمل بل هو ما رأته الإدارة مناسبا لحرمان السجين من الاتصال بعائلته عساها بذلك تصل إلى كسر إرادته…


” اضربه و حرم عليه البكاء”

هذا ما دأبت عليه السلطة في تعاملها مع معارضيها عموما و الإسلاميين خصوصا، تنتهك ابسط الحقوق الإنسانية ثم تسلط أجهزتها لمزيد التخويف و بث الرعب و الهلع في القلوب و الأنفس…و لآ احسب أحدا من أبناء البلد وجد من ينصفه داخل تونس و مع ذلك أصر على نشر غسيل البلد لدى المنظمات الحقوقية و الإنسانية و الهيئات السياسية في الخارج.. كم هي القضايا المنشورة لدى المحاكم التونسية يتظلم فيها معارضون من تجازوات مختلفة(تعنيف، حرمان من حقوق مثل حق التنظم و التعبير، منع من السفر او التنقل داخل البلد…) لكنها لم ينظر فيها القضاء رغم مرور سنوات طويلة [3]… و كم هي القضايا التي بلغت “الهيئة العليا لحقوق الإنسان و الحريات العامة” لكن هذه المنظمة لم تستطع أن ترفع تلك المظلمة لا لشيء إلا لإصرار السلطة السياسية على تكريس تلك المظلمة و مواصلة التشفي و الانتقام وهي سياسية ممنهجة إزاء معارضيها الذين لم يفتروا عن بيان زيف ادعاءات احترام حقوق الإنسان و الحريات العامة و الخاصة وهي شعارات كثير ما رددها المسؤولون السياسييون و تلقفتها عنهم أبواق إعلامية ممجوجة…

و بالمثال يتضح الحال كما قيل…السيدة منية ابراهيم زوجة السيد عبدالحميد الجلاصي و بعد حرمانها من زيارة زوجها المضرب عن الطعام منذ 5 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، و بعد الاتصال بإدارة السجن، ثم الاتصال بالهيئة العليا لحقوق الإنسان دون التمكن من مجرد مقابلة المسؤول فيها… ما كان لهذه الزوجة المكلومة إلا أن تتصل بالمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان و المتابعة لشؤون المساجين السياسيين في تونس، اتصلت بفرع “الصليب الأحمر” بتونس و بمقره رئيسي في جينيف بوصفها المنظمة الوحيدة المسموح لها بدخول السجون التونسية و الاتصال بالمساجين و التعرف على أحوالهم مباشرة، كما اتصلت بمنظمة ” هيومن رايتس ووتش” التي تتابع عن كثب شؤون المساجين و عائلاتهم منذ سنوات… لم ترق هذه الاتصالات للسلطة السياسية فعمدت في مرتين إلى إيقاف السيدة منية ابراهيم للتحقيق معها في هذه الاتصالات ( مع من تتصل و ذكر اسمائهم…) و في هذا ما فيه من رعب لما تعود عليه التونسييون من معاملة داخل محلات الأمن المختلفة..


و الآن؟؟؟

و الآن و عبدالمحيد و إخوانه في يومهم الأربعين من إضرابهم عن الطعام، و في الوقت الدي تدعي فيه الإدارة أن عبدالحميد غير مضرب عن الطعام- هذا ما أجابت به منظمة الصليب الأحمر- و أنه هو الذي يرفض الزيارة- و هذا ما تجيب به الإدارة كل يوم سبت السيدة منية- ماذا عسانا أن نفعل و عبدالحميد يمضي حثيثا إلى حيث مضى قبله رضا الخميري(صائفة 1997) [4] و عبدالوهاب بوصاع (ربيع 2003) [5] رحمهما الله و هما مضربان عن الطعام؟؟؟

هل تساءل كل من يحب عبدالحميد و عرف “دماثة أخلاقه” و “رقة مشاعره” و “هدوء طبعه” ماذا عساي أن أفعل تفريجا لكرب عبدالحميد و زوجته وابنته مريم التي فارقها و هي لا تزال مضغة مخلقة؟؟؟

  • كم من رسالة لفت نظر أو احتجاج او اسنتكار وجه إلى سفارة تونس في البلد الذي يقيم فيه؟؟؟

  • كم من رسالة لفت نظر او احتجاج أو استنكار وجه إلى السلطة السياسية في تونس؟؟؟

  • كم من رسالة وجه إلى المنظمات الإنسانية و الحقوقية طالبا تدخلها لإنقاذ من بات قاب قوسين أو أدنى من الموت؟؟؟

  • كم من رسالة وجه إلى المنظمات الدولية(الأمم المتحدة و روافدها) و المنظمات المهنية الدولية (المهندسين)؟؟؟

  • كم من رسالة وجه إلى الهيئات السياسية في بلدان الإقامة سواء تلك التي تنظر بعين الرصا لما يجري في تونس أو تلك التي تنظر بعين السخط؟؟؟

  • كم من مقال كتب على الانترنات في هذا الموضوع؟؟؟

  • كم من اتصال قام به مع قنوات تلفزية أو رجال إعلام ليطلعهم على هول ما يقع في تونس عموما و على إضراب عبدالحميد و إخوانه خصوصا؟؟؟
  • كم من اتصال قام به مع السيدة منية مواسيا و مؤازرا؟؟؟

و قبل ما ذكرت هل رفع يديه آناء الليل و أطراف النهار إلى ربه تضرعا و خفية سائلا إياه أن يفرج كرب المستضعفين في أرضه ….


و أخيرا للذكرى…

تحيي بلادنا الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان و عشرات من مساجين الرأي يقبعون تحت أقبية السجون منذ ما يزيد عن ستة عشر سنة دون جريمة اجترحوا غير مخالفتهم لنظام نصب نفسه وصيا على البلاد و العباد، و مئات أخرون زج بهم في السجون بمقنضى قانون الإرهاب، قانون أقر هي مثل هذا اليوم تحديا سافرا لحقوق الإنسان لما فيه من مخالفات لما ورد في الإعلان العالمي [6]…

عبدالله الزواري

جرجيس في 10 ديسمبر 2006

[1] سارة ليا ويتسون مديرة قسم الشرق الأوسط و شمال إفرقيا في منظمة هيومان راتس ووتش في بيان صادر يوم 8 ديسمبر 2006

[2] سارة ليا ويتسون مديرة قسم الشرق الأوسط و شمال إفرقيا في منظمة هيومان راتس ووتش في بيان صادر يوم 8 ديسمبر 2006

[3] قدمت قضية إلى المحكمة الإداريةتخض نفيي إلى الجنوب التونسي منذ خريف 2002 لكنها لم تحظ إلى الآن بالنظر..

[4] استشهد في سجن جندوبة بإدارة الملازم أول آنذاك رياض العماري و في الأسابيع الأولى لتولي السيد القاضي عبدالستار بنور مهمة الإشراف على الإدارة العامة للسجون و الإصلاح… و شن رضا إضرابه عن الطعام احتجاجا على تعمد إرجاعه إلى السجن يعد يوم واحد من إطلاق سراحه بعد قضاء ثماني سنوات وراء القضبان…

[5] استشهد في سجن برج الرومي بإدارة النقيب آنذاك عماد العجمي… و شن عبدالوهاب إضرابه احتجاجا على إيوائه في غرفة مخصصة للشواذ…

[6] يمكن الرجوع إلى البيانات التي أصدرتها المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية (الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان…ز هيزمان رتيتس ووتش….)