تعدّ اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث واللجان الجهوية التي تعمل ضمنها، والمتكونة أساسا من وزارات التجهيز والفلاحة والصحة إضافة إلى الحماية المدنية والبلديات، المخطّط السنوي لمجابهة الكوارث. ويجمع مسؤولون بالحماية المدنية ووزارة التجهيز وبلدية تونس على صعوبة تنفيذ مخطط مجابهة الكوارث بسبب عجز ثابت عن مراقبة المتسببين في وضع الفضلات خارج مكانها المخصص وقدم شبكات صرف مياه الأمطار.
بنية تحتية مهترئة
يقول أنور المديني مدير الطرقات بمدينة تونس في تصريح لموقع نواة إنّ دور البلديات في مجابهة الكوارث يتمثل في جهر البالوعات داخل المناطق البلدية إضافة إلى كنس الطرقات، مضيفا أنّ ”المتسبب الأساسي في انسداد البالوعات والأودية داخل المدن هو رمي فضلات البناء في تلك المجاري، ما يتسبب في عدم استيعابها لمياه الأمطار مهما قلّت نسبتها في موسم الشتاء والخريف. لا يمكن مراقبة المخالفين بسبب قلة إمكانياتنا في المراقبة من جهة، ولأن الشركات العقارية تقوم برمي تلك الفضلات ليلا بواسطة شاحنات لا تحمل رقما منجميا في بعض الأحيان حتى لا يقع تتبع أصحابها“.
في السابق أوكلت مهمة مراقبة رمي فضلات البناء للشرطة البيئية، غير أنها لم تضطلع بتلك المهمة وتداخلت مهامها مع الشرطة البلدية. يعترف أنور المديني أنّ الدولة لم تخصّص أماكن تتسع لفضلات البناء وأن بعض المناطق مثل حي هلال ولافايات تمثل تجمعا لمياه الأمطار التي تتساقط في أحياء عليا. يقول المديني ”نتخوف مع قدوم موسمي الخريف والشتاء عموما من سرعة تجمّع مياه الأمطار فيما يسمى بالمناطق الزرقاء وأغلبها أحياء عشوائية بنيت دون تراخيص في مناطق كانت في السابق أودية أو سباخًا. أما الصنف الثاني من المناطق الزرقاء فهي الأحياء التي تستقبل مياه الأمطار من أحياء عليا مجاورة لها مثل منطقة لافايات التي تقع تحت أحياء المنارات والمنازه. لقد طرحنا حلولا لمعالجة الإشكال وذلك بإنشاء أحواض تجمع مياه الأمطار في الأحياء العليا حتى نتجنب ارتفاع منسوب المياه في الأحياء السفلى غير أن مقترحنا لم يلق جوابا إلى غاية الآن“.
ترتبط 60% فقط من الأحياء التابعة لبلدية تونس بشبكات تصريف المياه وهي في غالبها أحياء جديدة، حسب أنور المديني. بلغت نسبة التغطية بشبكات التطهير في إقليم تونس الكبرى 91% سنة 2021 حسب تقرير المعهد الوطني للإحصاء، وتتمتع أكثر من 306 ألف أسرة في الإقليم ذاته بربط بشبكات التطهير، علما وأن قرابة 16274 أسرة تقطن في الوسط غير البلدي، حسب تعداد السكان والسكنى للعام 2014، مما يعني أنها لا تتمتع بالربط بتلك الشبكة في الغالب.
مطبات تواجه اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث
تتقاسم وزارة التجهيز والإسكان مع بلديات تونس مهمة صيانة الأودية ومجاري المياه المحاذية للطرقات التي تشرف عليها، ويقول نجيب بن شيخة مدير إدارة المياه العمرانية بوزارة التجهيز إن منظومة التحكم في مياه السيلان بها عديد المتدخلين مثل وزارة الفلاحة التي يتمثل دورها في إنجاز منشآت مائية خارج مناطق العمران مثل السدود والبحيرات وصيانتها، أما كميات المياه الناتجة عن الأمطار على مشارف المدن، فيرجع التصرف فيها إلى وزارة التجهيز التي تشرف على تنظيف الأودية وتوسيع طاقة استيعابها للمياه، وتحويل المياه إلى خارج المناطق العمرانية. ويضيف نجيب بن شيخة أن شبكات تصريف مياه الأمطار تقع تحت إشراف البلديات إضافة إلى الأودية والقنوات داخل الأحياء السكنية. يقول بن شيخة ”تشرف وزارة التجهيز على تنظيف الأودية المحاذية للطرقات المرقمة مثل طريق المرسى والطرقات الشعاعية في العاصمة وتعيد الوزارة في كل مرة تنظيف تلك الأودية بسبب إلقاء فضلات البناء والهدم في تلك المجاري المائية“.
يلخص نجيب بن شيخة أسباب ارتفاع منسوب المياه في بعض المناطق التي تعرّضها إلى الفيضانات رغم محدودية كميات الأمطار نسبيا، إلى سببين، أوّلا وجود ما يسمى بالمحطات التي تكثر فيها كميات الأمطار نسبيا مثل بني خلاد ومدينة نابل ومنزل بوزلفة، وثانيا البناء الفوضوي الذي يصل إلى نسبة 35% من البنايات في كل الولايات ويقول: ”للأسف لم نحافظ على المسارات الطبيعية للأودية، حيث يمنع البناء فوق السباخ أو على مسافة تقل عن 25 كلومترا من الأودية، غير أنه لا يتم احترام ذلك فنجد مثلا بنايات على ضفاف الوادي في حي دوار هيشر وأحياء بنيت فوق سبخة في منطقة رواد، وأعتقد أنّ الذنب ليس ذنب السكان بل هو مسؤولية البلدية التي لم تغير أمثلة التهيئة العمرانية لمواكبة التطور السكاني السريع. يجب على البلديات تحمّل مسؤوليتها في الرفع السريع للفضلات الذي يخفض ضرورة من تسربها إلى المجاري المائية”.
وتمثل الحماية المدنية آخر الحلقات المهمة التي تتدخل لإدارة الكوارث ضمن اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث، حيث تتلخص مهمتها في البداية قبل التدخل خلال موسم نزول الأمطار، في تحديد جميع نقاط تجمّع مياه الأمطار داخل المدن وقرب المساكن.
يقول عبد العزيز الهرماسي مدير إدارة الدراسات والتصرف في الأزمات لنواة إن اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث تواجه جملة من المطبات عند نزول كميات مهمة للأمطار: ”تتلخص مشاكلنا كل موسم شتاء في عدم احترام المقاولين لرفع فضلات البناء إضافة إلى عدم توفر إحصائيات دقيقة للبنايات الآيلة للسقوط وخيار وزارة الفلاحة عدم جهر السدود بسبب ارتفاع كلفتها التي تفوق كلفة بنائها، فتخيّر تحويل المياه المجمعة من سد إلى آخر إذا ارتفع منسوب أحدها. الصعوبات تختلف من جهة إلى أخرى، فهناك بلديات محدثة مثلا في بعض الولايات، لا تملك مقرا ولا إمكانيات مجابهة الكوارث، كما تفتقر أغلب المدن إلى شبكات لتصريف مياه الأمطار. أما شبكات التطهير فهي لا تستجيب إلى المواصفات المطلوبة نظرا لعدم موازاتها لنسق ارتفاع عدد السكان. في المقابل لا تستجيب أمثلة التهيئة العمرانية للتطور السكاني فأغلب الأحياء الجديدة بُنيت دون تخصيص مساحات خضراء لامتصاص مياه الأمطار كما أنه هناك أحياء بُنيت فوق سبخة مثل الحي السكني للقضاة في رواد“.
تواجه تونس مشكل تصحر الأراضي الزراعية، حيث تفيد دراسة أجرتها سارة التومي من جمعية أكسياس للجميع أن 95% من الأراضي الزراعية في تونس معرضة للتصحر بسبب التغير المناخي والزحف العمراني، في حين تُقدر وزارة البيئة في تونس أن نسبة 52% من المساحة الجملية للبلاد معرضة للانجراف المائي والذي يتسبب في نقص طاقة خزن السدود بتراكم الترسبات التي تبلغ سنويا 0.8% حسب الوزارة. ورغم انحباس الأمطار إلى حدود أواخر أكتوبر الجاري، إلا أنّ استباق حصول انسداد في مجاري قنوات صرف مياه الأمطار أمر ضروريّ، خاصّة في حال سقوط زخّات قد تتسبّب في فيضانات وتعطّل حركة المرور، مع ضرورة التنسيق بين السلطات المحلّية والجهويّة لتفادي حصول مشكلات في الوقت الّذي يترقّب فيه الجميع ”غسالة النوادر“ الخريفيّة.
iThere are no comments
Add yours