ينص الفصل 34 من الاتفاقية الممضاة بين شركة مارينا قمرت ووزارة السياحة في 25 أوت 2015، أن ”مدة سريان الاتفاقية حددت بسنة واحدة قابلة للتجديد الضمني مرة واحدة“، وكانت نواة قد كشفت في تحقيقين منفصلين عن تجاوزات قامت بها الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت برئاسة رجل الأعمال الراحل عزيز ميلاد وشريكه سليم شيبوب، من ذلك مخالفة شركة مارينا قمرت منذ قيامها بأشغال مشروعها في 2007، لكراس الشروط الذي ينص على الاقتصار على بناء ميناء ترفيهي في حين عمدت الشركة إلى بناء عقارات أخرى.

يقف مشروع مارينا قمرت طيلة 14 سنة شاهدا على دوامة الفساد التي تدور في رحاها وزارات وكوادر دولة، على امتداد المراحل السياسية التي عاشتها تونس في تلك الفترة، بما فيها حكومتي ما بعد 25 جويلية رغم خطابات الرئيس قيس سعيد الرافضة للفساد والفاسدين.

شركة ورجال أعمال فوق القانون

بُني مشروع مارينا قمرت منذ بدايته على حزمة من شبهات الفساد، بداية من التفويت في جزء من الملك العمومي البحري للشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت و تحصلها على الموافقة لبناء مجمع سكني وسياحي في ميناء قمرت من قبل بلدية المرسى، 4 أيام فقط بعد تأسيس الشركة المذكورة في 30 أفريل 2007، وذلك قبل سنة ونصف من عملية شراء قطعة الأرض التي سينجز عليها المشروع.

واصلت الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت التي كان سليم شيبوب مالكا ل25 بالمائة من حصصها، ارتكاب التجاوزات حين غيّرت صبغة المشروع من ”ميناء ترفيهي وتوابعه“ إلى بناء أحياء سكنية تقدر بمائتي مسكن مستفيدة من الامتيازات الجبائية و من السعر المتدني لاقتناء المتر المربع الواحد ب40 دينارا، وهو سعر رمزي مقارنة بقيمته التي تقدر ب 800 دينار في ذلك الوقت. قامت شركة مارينا قمرت ببيع الشقق والمنازل بسعر يتراوح بين 600 ألف دينار ومليوني دينار، حسب عقود الوعد بالبيع التي تحصلت عليها نواة. من جهة أخرى، واجه مائتي شخص دفعوا ثمن تلك المنازل مشكلة عدم امتلاكهم لعقود بيع أو شهادات ملكية لعقاراتهم، وكان من ضمنهم رجل الأعمال رضا شرف الدين.

سنة 2011، صادرت الدولة حصة سليم شيبوب في الشركة ورفعت قضية ضد مارينا قمرت بتهمة شبهات فساد واستغلال نفوذ، لكن رغم ذلك تمتعت تلك الشركة بترخيص استثنائي لاستغلال الميناء الترفيهي بقمرت سنة 2015، صالح للتمديد مرة واحدة أي أن نهايته تكون في كل الأحوال سنة 2017. في المقابل تواصل شركة مارينا قمرت استغلالها غير القانوني للميناء منذ سبع سنوات، وسط صمت مريب من وزارة السياحة وبقية أجهزة الدولة.

صورة خارجية لورشة الإصلاح وصيانة القوارب بعد طرد صاحبها والاستحواذ عليها – حوض اصلاح السفن مارينا قمرت

في 14 أفريل 2022، نشرت الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت لصاحبها كريم ميلاد، تدوينة على صفحتها بموقع فيسبوك، معلمة فيها تنفيذ حكم ضد ”برنار سينتيس“ يقضي بمغادرته حوض صيانة السفن في الميناء المذكور، داعية أصحاب المراكب البحرية الراسية في حوض الصيانة الاتصال بإدارة الميناء لتسوية وضعياتهم. وتفيد التدوينة صراحة أن شركة مارينا قمرت تستغل إلى غاية الآن الميناء رغم انتهاء مدة الاتفاقية المبرمة مع وزارة السياحة منذ قرابة سبع سنوات.

يقول برنار سينتيس وهو مستثمر فرنسي وصاحب شركة ”كي 222“ التي كانت تؤجر موقعا لصيانة القوارب في ميناء قمرت، في مقابلة مع نواة إن شركته وقعت عقدا لتأجير الموقع المذكور مع شركة مارينا قمرت سنة 2013 دخل حيز التنفيذ في بداية 2014، وذلك لمدة خمس سنوات، أي في ديسمبر 2018، مضيفا ”وقعنا عقد كراء موقع لصيانة المراكب في عام 2013 مع الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت. تواصل عملنا من العام 2014 إلى العام 2022.  تجدد العقد ضمنيا في بداية 2019، حين طالبتنا شركة مارينا قمرت بدفع معاليم كراء الموقع المخصص لشركتنا، قمنا بالدفع، لكن في نهاية 2019، علمنا أن شركة مارينا قمرت ليست في وضع قانوني بعد انتهاء مدة على ترخيص استغلال الميناء، حينها طلبت من محامي شركتي التواصل مع وزير السياحة روني الطرابلسي آنذاك حتى يفسر لنا الحالة القانونية لاستغلال الميناء. قدم لنا الوزير الاتفاقية مع شركة مارينا قمرت التي تعتبر منتهية منذ سنة 2017، دون تمكيننا من أي تفسير آخر، لذلك طلبنا من الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت تقديم تفسير لوضعيتها، غير أنها لم تقدم لنا أية إجابة. راسلت وزارات السياحة وأملاك الدولة والمالية، للاستفسار عن الجهة القانونية التي سندفع لها معلوم كراء حوض صيانة المراكب الذي تستغله شركتنا بما أنه ليس هناك سند قانوني لشركة مارينا قمرت لاستغلال الميناء، غير أننا لم نحصل على إجابة واضحة“.

صمت الوزارات

تعترف وزارة السياحة في رد على مراسلة الشركة الفرنسية، بتاريخ 19 أكتوبر 2020، أن المدة المحددة في اتفاقية الاستغلال الوقتي لميناء قمرت المبرمة مع الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت قد انتهت، وقالت الوزارة في تلك المراسلة ردا على استفسار الشركة عن الجهة الرسمية المخول لها استلام إيجار المكان المخصص للصيانة بعد انتهاء المدة القانونية لاستغلال شركة مارينا قمرت للميناء ”حيث إن العقد المبرم بين شركة كي 222 ميديتيراني والشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت لم يقع عرضه للمصادقة عليه من طرف مانح اللزمة المتمثلة في وزارة السياحة والصناعات التقليدية طبقا للفصل 11 من الاتفاقية، فإنه يتم فض جميع الخلافات الناشئة عن تطبيق هذا العقد بين الطرفين بما في ذلك مدة سريانه وتطبيق بنوده وشروط فسخه بالمحاكم التونسية، وأنه يتعين العمل بما جاء في نص العقد المبرم بينكم وبين الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت“. وهو ما يعني أن الوزارة، رغم اعترافها بانتهاء المدة القانونية لاستغلال ميناء قمرت، تغافلت عن وضع حد للتجاوز الذي قامت به الشركة المذكورة في استغلال ملك عمومي خارج القانون، بل منحت الشركة الحرية الكاملة في التعامل مع الشركات الأخرى التي تؤجر لها جزء من الميناء رغم انتهاء آجال سريان الاتفاقية بين الوزارة والشركة قبل ثلاث سنوات من تاريخ تلك المراسلة.

جانب من حوض صيانة وإصلاح السفن بعد الاستحواذ عليه – حوض اصلاح السفن مارينا قمرت

يقول برنار سينتيس إن الجهة الرسمية الوحيدة التي تجاوبت مع مراسلاته كانت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في عهد الوزير الأسبق غازي الشواشي، ويضيف أن الشواشي طلب من وزارة السياحة متابعة ملف شركة مارينا قمرت في مراسلة بتاريخ 4 أوت 2020، وأن وزارة السياحة لم تتحرك حسب قوله رغم مراسلة شركة ”كي 222“ لها مرات كثيرة حيث نبهت إحدى مراسلاتها للوزارة المذكورة يوم 3 جانفي 2023، بأن الدولة خسرت ما قيمته 21 مليون دينار، في ظرف ست سنوات، بسبب استغلال شركة مارينا قمرت للملك العمومي دون سند قانوني.

كبش الفداء

لم تكتف الشركة العقارية السياحية مارينا قمرت باستغلال الملك العمومي دون سند قانوني واضح طيلة 4 سنوات، بل قامت يوم 14 أفريل 2022 بالعقلة على شركة ”كي 222“ وعلى كل تجهيزاتها، وحسب محضر العدل المنفذ لدى محكمة الاستئناف بتونس، ”توجه رئيس فرقة الحرس البحري ورئيس فرقة الإرشاد السياحي ورئيس المركز البحري بقمرت وعدد من الأعوان إلى مقر ورشة إصلاح السفن بالمركب العقاري والسياحي مارينا قمرت تونس وسجل وجود 54 مركب وسيارتين ومجموعة تجهيزات أخرى ليتم وضع أقفال بالورشة وتأمين قفل الباب الخلفي لدى مركز الحرس البحري ونفذ الحكم بالخروج لانتهاء المدة“. يقول برنار سينتيس صاحب شركة ”كي 222“ لنواة ”وصل في صباح يوم 14 أفريل 2022، 35 عون شرطة مسلحين بسترات مضادة للرصاص، وطلبوا مني إخلاء مقر شركتي والورشة بناءً على قرار قضائي ضدي من قبل شركة مارينا قمرت في عام 2021، لم يكن لي علم به ولم تتوفر لي الفرصة للدفاع عن نفسي. حاولت تبرير وضعيتي للشرطة دون مقاومة. إلى أن تقدم نحوي أحد الأعوان و أمسك بي من سترتي قائلا اخرج من هنا أيها الفرنسي أو ستذهب إلى السجن“.

⬇︎ PDF

قدم برنار سينتيس شكايتين لوزارة السياحة في 30 سبتمبر 2022 و30 جانفي 2023، غير أنه لم يتلق أي رد حسب تصريحه لنواة، قبل أن يتحصل على قرار من المكلف العام بنزاعات الدولة موجه لرئيس المحكمة الابتدائية بتونس يوم 11 جويلية 2023، يدعو بالحكم لفائدة الدعوى التي قدمتها شركة ”كي 222“ ضد شركة مارينا قمرت بخصوص عدم أحقية الشركة التي يترأسها كريم ميلاد ابن رجل الأعمال الراحل عزيز ميلاد، بمعاليم كراء ورشة صيانة السفن بميناء قمرت المقدرة بقرابة 225 ألف دينار. قرابة السنة مضت على قرار المكلف العام بنزاعات الدولة لكن شيئا لم يتغير على أرض الواقع. فهل هذه الشركة فوق القانون؟ أم أن ”العلاقات“ التي يتمتع بها أصحابها تضمن لهم معاملة استثنائية من أجهزة الدولة على حساب المساواة في تطبيق القانون وأن علويته لا تصمد أمام بعض المتنفذين من رجال اعمال ”العلاقات“.

رغم  صدور قرار المكلف العام بنزاعات الدولة الذي أقر ”بأحقية وزارة السياحة بكل المبالغ المالية المتأتية من الاستغلال بدون صفة للملك العمومي“، لم تتحرك الوزارات المعنية لاسترجاع الملك العمومي من الشركة المخالفة، كما لم تتلق نواة إجابة عن استفسارها الموجه لوزارة السياحة بخصوص الجهة المخول لها استغلال ميناء قمرت الترفيهي وعن أسباب عدم تجاوبها مع المراسلات العديدة لشركة ”كي 222“ بخصوص تجاوزات شركة مارينا قمرت، فهل أن ما يسمى بالحرب على الفساد التي تقودها السلطة بعد 25 جويلية هي مجرد حرب ضد طواحين الهواء، خاصة أن المتضررين يرفضون الرضوخ للمماطلة والتجاهل ويفكرون في ملاحقة أصحاب شركة مارينا قمرت من مزدوجي الجنسية لا فقط في تونس بل كذلك في باقي الدول التي يحملون جنسياتها.