من بين القضايا التي عرفت انحرافات في مسارها العدلي والإداري تطفو قضيّة الأملاك المصادرة لرجل الأعمال وصهر الرئيس المخلوع مروان مبروك. العديد من الملابسات المريبة على مختلف مسارات التقاضي خدمت الأحكام سواء تلك التي جاءت في صالح مبروك بإيقاف تنفيذ قرارات المصادرة ورفع الائتمان على شركاته أو الأحكام التي أقرّت بتنفيذ قرارات المصادرة لكن لم تجد طريقا للتنفيذ بسبب التلاعب الذي حصل في ملفه على مستوى تلخيص الإحكام ومراسلات لجنة المصادرة وقرارات السلطة التنفيذية المتعلقة بالمكلف بنزاعات الدولة.
شبكة واسعة من سياسيين وقضاة ورئيس لجنة ومحامين وكتابة محكمة جميعهم لعبوا أدوارا متكاملة لتصب قرارات القضاء العدلي والقضاء الإداري سواء بالسلب أو بالإيجاب في صالح مبروك ولا تعطل استفادته من أملاكه وأمواله التي كسبها بحكم مصاهرته لعائلة الرئيس السابق بن علي.
مروان مبروك هورجل أعمال تونسي وصهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ورث عن والده علي مبروك شركات صناعية في قطاع المنتوجات الغذائية (البسكويت والشكلاطة) إضافة إلى شركة عقارية صغيرة صحبة أخويه إسماعيل ومحمد علي. زواجه من سيرين بن علي عام 1996غيّر حجم نشاط المجموعة العائلية، فاشترت مجموعة المبروك أسهم مونوبري تونس سنة 2000 ثم شركة المحرك) الشركة التونسية لتوزيع السيارات والمورد الحصري لسيارات المرسيدس وموزع سيارات فيات وميتسوبيشي)، كما فاز بمناقصة اسناد رخصة الهاتف الجوال الثالثة مع أورانج تونس سنة 2010 وأحدث مركب جيان قرب العاصمة بالشراكة مع مجموعة كازينو الفرنسية سنة 2005. كما شملت نشاطات مجموعة مبروك القطاع البنكي من خلال بنك تونس العربي الدولي وذلك منذ سنة 1976.
مروان مبروك والهروب من ظلال الماضي
14/11/2016
الأملاك المصادرة: أطوار مسار التقاضي
عرفت قضيّة مصادرة جزء من أملاك وشركات مجموعة مبروك عدة أطوار في مسار التقاضي منذ أن قررت لجنة المصادرة التي أحدثت بمقتضى مرسوم عدد 13 سنة 2011 مصادرة أملاكه التي حاز عليها جرّاء قرابته من عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عبر المصاهرة. وهذه الأملاك تتمثل خصوصا في شركة انفيستاكInvestec المالكة لشركة أورانج تونس (51 % من أسهم الشركة) والمغرب للمساهمات (MPH) وشركة غات للتأمين GAT إضافة إلى أملاك عقارية منقولة وما ثبت فيه استفادة غير مشروعة من قرب مبروك لقصر قرطاج.
وبالرغم من صدور قرارات مصادرة عن اللجنة الوطنية للتصرف في الأملاك المصادرة في 24 ماي 2012 والتي تمتلك بحكم صلاحيتها حق التصرف بتلك الأملاك بعد القرار الأولي للجنة المصادرة في 2011 إلا أن مبروك استغل قرار رفع التصرف القضائي في مارس 2012 بموجب الأحكام الاستعجالية الصادرة في ذلك التاريخ التي قضت باسترجاع التسيير في هذه الشركات حسب مبدأ الائتمان القضائي.
- 2015 الحكم بإيقاف تنفيذ قرارات المصادرة إلى حين الحكم في القضية الأصلية في القضاء الإداري.
- 2016 حكم القضاء العدلي برفع الائتمان والحراسة عن أموال مروان مبروك إلا أن رفع الائتمان لا يعني عودة الأملاك المصادرة لمروان مبروك والتمتع بحرية التصرف فيها (سنأتي لاحقا بالتفاصيل حول هذه المسالة والإفراط القضائي في التعامل معها لتكون نتائجها في صالح مبروك).
- 2018 الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد تتقدم بطلب لدى الاتحاد الأوروبي لرفع التجميد عن أموال مبروك في أوروبا.
- جويلية 2018 حكم قضائي ابتدائي بات عن إحدى الدوائر الابتدائيّة للمحكمة الإدارية برئاسة القاضية سهام بوعجيلة يقضي برفض الدعوى أصلا ويقرّ بشرعية قرارات المصادرة وينهي بالتالي مفعول قرارات إيقاف تنفيذ قرارات المصادرة ليعود التصرف فيها للدولة التونسية.
هذا القرار انجرت عنه سلسلة من الجدالات القانونية والقضائية والإعلامية وتدخل قوي للسلطة التنفيذية لم نعهده من قبل سيكشف انحرافات قضائية ومحاولات لتغيير مسار الحكم لصالح مروان مبروك.
السهم الذهبي لم يخطئ هدفه
السهم الذهبي هو أولا السهم الذي اشتراه مروان المبروك في إحدى شركاته المصادرة، وفي مرحلة ثانية شراء سهم آخر تمتلكه نفس الشركة الأولى في رأس مال شركة أخرى من شركاته المصادرة، ليقوم في النهاية بتسجيل هذه العملية في بورصة الأوراق المالية ويعود له التصرف على كلتا الشركتين.
هذا وقد تبيّن من تسريب لمسودة تقرير هيئة الرقابة العامة للمصالح العموميّة التي كلفها وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد بموجب الإذنين بمأمورية عدد 01 و 30 لسنة 2020 أنّ رجل الأعمال مروان المبروك، على إثر تحصّله على الحكم الاستعجالي النهائي الصادر بتاريخ 5 مارس 2012 الذي قضى برفع التصرف القضائي عن شركاته المصادرة، قام بشراء سهم على ملك شركة المحرك في رأس مال شركة الاستثمار والتنمية الميكانيكية IDM ثم اقتنى سهما تملكه هذه الأخيرة في رأس مال شركة المغرب للاستثمار .MPH وقام بتسجيل هذه العملية ببورصة الأوراق المالية في 14 نوفمبر 2012. وتمكّن بذلك من استرجاع صفته كرئيس مدير عام لشركةIDM واستعاد تسييره للشركة في 6 مارس 2012 بمحضر جلسة مجلس الإدارة في 22 ماي 2012. وذلك بدون إعلام الدولة المساهمة فيها ولا استدعائها في المداولات وبدون أن تقوم اللجنة الوطنية للتصرف في الممتلكات المصادرة التي يرأسها وزير المالية بمعارضة ذلك طبق ما يتوجّب عليها بمقتضى المرسوم عدد 68 المؤرخ في 14 جويلية 2011. ثم اعتمد مروان المبروك نفس التمشي لإعادة تواجده في شركة أنفستاك. إذ اقتنى سهما تملكه MPH في رأس مال هذه الشركة وتسجيل عملية الاحالة بالبورصة في 14 نوفمبر 2012 وهي الشركة التي تملك بدورها أسهما في شركة أورونج تونس (التقرير ص 8). وكان متعينا في هذه الحالة على لجنة التصرف رفع قضايا في إبطال الأسهم التي اقتناها المبروك منذ بداية سنة 2012، علما وأنّ لجنة المصادرة تتحمل المسؤولية كاملة عن استرجاع رجل الأعمال لتواجده بأورونج لأنها لم تقم بنقل ملكية السهم المصادر من مروان المبروك في الآجال ولم يتم التسجيل إلا يوم 7 جانفي 2013 (التقرير ص 10). كما قام رجل الأعمال أيضا بإعادة هيكلة رأس مال أورونج تونس بالجلسة العامة الخارقة للعادة المنعقدة بتاريخ 25 جوان 2014. الأمر الذي مكّنه من الاستيلاء على 6 أسهم استقرت لفائدته عوضا عن الدولة (التقرير ص 12)، وبالرغم من ذلك فإن لجنة التصرف لم تقم بمصادرة هذه الأسهم الفرعية كما رفضت رفع قضايا في إبطال عملية اقتنائه لها على أساس الفصل 9 من مرسوم المصادرة الذي ينص على أنّ هذه العملية باطلة ولا يمكن مواجهة الدولة بها (التقرير ص 8). لما تفطن وزير المالية للأمر قام في 25 جانفي 2019 ، بصفته رئيس هذه اللجنة، بتوجيه مراسلة إلى المكلف العام بنزاعات الدولة طالبا منه رفع قضايا جزائية ومدنية.
وهكذا يكون تواصل إدارة مروان المبروك للشركات المصادرة وتسييره لها لا بناء على الأسهم التي صدرت بخصوصها قرارات المصادرة ولكن بناء على الأسهم الجديدة التي اقتناها والتي مكّنته من الرجوع إلى شركاته السابقة والتصرف فيها بشكل مخالف لمرسوم المصادرة وبفضل الحكم القضائي الاستعجالي الصادر لفائدته في 5 مارس 2012 المتعلق برفع التصرف القضائي.كما تولى مروان مبروك يوم 15 مارس 2017 إيداع ملف في إدراج قرار توقيف التنفيذ عدد 418048 الصادر عن المحكمة الادارية بتاريخ 30 مارس 2015 في محاولة منه لاستعادة تسميته رئيسا مديرا عاما للشركة (التقرير ص 8)، إلا أنه لم يتوصل إلى ذلك.
وأمام عدم التوصّل إلى إدراج القرار الصادر عن المحكمة الإداريّة، توجّه مروان المبروك إلى حلّ آخر في 17 ماي 2017 تمثّل في إدراج القرار الاستئنافي البات الصادر عن قاضي السجل التجاري بتاريخ 6 جويلية 2015 والمذيل بقرار تدارك السهو المؤرخ في 3 فيفري 2017 الذي قضى بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل الائتمان والمصادرة مع الابقاء على القيد الاحتياطي (أي القيد المترتب عن قرار المصادرة) وتمكن بذلك من استرجاع التصرف في شركة انفستاك ومن ورائها أورونج وبقية الشركات بصورة كاملة.
انحرافات القضاء الإداري
عرفت قضية الأملاك المصادرة لمروان مبروك العديد من المستجدات منذ سنة 2017 لم تكن، حسب خبراء في القانون وأكاديميين وقضاة اتصلنا بهم، من جنس الروتين القضائي المتعارف عليه ولا حتى من باب الاجتهادات القانونية وإنما في أغلبها تعسّف على قانون المحكمة الإدارية وتأويل لمقتضيات المحاكمات وتنفيذ للقرارات بإفراط غير مسبوق في الماضي ولا هو محل إجماع أو موافقة من قبل القضاة والموظفين العدليين المكلفين بتطبيق قرارات ونتائج المحاكمات.
الانحراف بالمسار القضائي يعود لسنة 2017 عندما بعث الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام مهدي قريصيعة بمراسلتين للمكلف بنزاعات الدولة لزهر الجويلي لطلب إفادة بإجراءات التنفيذ وإذا ما كان هنالك صعوبات ليذكرها. تم ذلك من خلال نموذج معتمد في المراسلات من هذا النوع. الاشكال في هذا المستوى، حسب جمعية القضاة التونسيين، يكمن في الاخلالات التي قام بها الرئيس الأول للمحكمة وخاصة المراسلات التي انخرط فيها الرئيس الأول بتقديم مطالب أو الرد عليها للمساعدة على التنفيذ لفائدة رجل الأعمال مروان مبروك.
وحسب الجمعية، فإنه لا يحق له إلا بعث مراسلة وحيدة للمكلف بنزاعات الدولة لأجل الاستيضاح فقط، إلا أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بعث أربع مراسلات في2017 ومراسلة خامسة سنة 2018 على غير النموذج المعتمد في هذه الحالة بصيغة خاصة مختلفة (مكاتبة خاصة) فيها إصرار كبير وحثّ للمكلف بنزاعات الدولة لتنفيذ قرار إيقاف تنفيذ قرارات المصادرة لشركات مبروك في أجل مدته خمسة أيام. الاشكاليّة الثانية أن المراسلة الثالثة فيها، حسب قول جمعية القضاة،
حرص غير مبرر على إعادة إعلام مصالح وزارة أملاك الدولة خلال شهر جويلية 2018 بالقرار الذي أصدره بتوقيف تنفيذ قرار المصادرة لأملاك رجل الأعمال مروان مبروك ومطالبة الإدارة بالإذعان لذلك القرار وارجاع الحالة لما كانت عليه بتمكين رجل الأعمال من استرجاع الأموال المصادرة والتصرف فيها والحال أنه كرئيس أول للمحكمة على علم مسبق في ذلك التاريخ بصدور الحكم في الأصل بشرعية قرار المصادرة ورفض الدعوى المقامة في طلب إلغائه بما يلغي أي أثر لقرار الرئيس الأول بإيقاف تنفيذ قرار المصادرة.
يأتي ذلك بالتزامن مع الأحكام التي أصدرتها الدائرة الابتدائية بالمحكمة الإدارية برئاسة القاضية سهام بوعجيلة في جويلية 2018 والتي تقر بشرعية قرار المصادرة ورفض الدعوى المقامة في طلب إلغائه. وطبعا تصب هذه المراسلات وهذا الحرص على إيقاف قرارات المصادرة في صالح تمتع رجل الأعمال مروان مبروك بشركاته وأمواله.
وبحسب مصادر قضائية متطابقة، ”لمزيد الضغط على مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة استنجد مبروك برئاسة المحكمة الإدارية وقدم مطلبا بتاريخ 18 ماي 2017 بهدف المساعدة على تنفيذ قراري توقيف التنفيذ عدد 418046 المتعلق بأسهمه في شركة مجموعة المغرب للمساهمات وعدد 418048 المتعلق بأسهمه في شركة انفستاك .تولى على إثرها الرئيس الأول للمحكمة الادارية في العديد من المناسبات توجيه مكاتيب للمكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية لمطالبته بتوضيحات حول الإجراءات المتخذة لتنفيذ القرارين المذكورين وبيان الصعوبات التي تحول دون ذلك منبها إياه بأن عليه تنفيذهما عملا بأحكام الفصل 41 من قانون المحكمة الإدارية ونذكر من بين تلك المكاتيب المكتوب المؤرخ في 28 جوان 2017 و14 جويلية 2017 و31 جويلية 2017 و04 أوت 2017، وكذلك مكتوب سنة 2018 بعد صدور أحكام الرفض عن الدائرة الابتدائية الثانية في 2018“.
الملف للانتباه أن الرئيس الأول للمحكمة لم يتدخل للمساعدة على تنفيذ قرار توقيف التنفيذ عدد 418047 المتعلق بمصادرة أسهم المبروك في شركة بلاناتإيمو.
وهو ما يضع رئيس المحكمة الإدارية موضع شبهة التدخل لفائدة المبروك على حساب شركة الكرامة القابضة التي يتنازع معها على أحقية التصرف في أسهم الشركتين المشار إليهما باعتبار أن الكرامة القابضة أبرمت بتاريخ 13 ديسمبر 2013 عقدي بيع يتعلقان بالأسهم المكونة لرأس مال شركة ”مجمع المغرب للمساهمات“ وشركة ”مجمع المغرب للمساهمات انفستاك“ (المرجع: الحكم الاستئنافي الاعتراضي عدد 26775 المؤرخ في 10 جويلية 2019).
وحسب مصادر متقاطعة، هنالك ضغوطات سياسية وقضائية مورست على المكلف بنزاعات الدولة القاضي لزهر الجويلي حتى يسرّع إجراءات إيقاف تنفيذ مصادرة أملاك مبروك في الفترة التي شغل فيها هذا المنصب والتي لم تتجاوز 04 أشهر (جانفي-أفريل 2017) وصلت إلى حد تهديده من قبل مروان مبروك بملاحقته قانونيا. وباتصالنا بالقاضي لزهر الجويلي أكّد لنا صحة هذه المعلومات.
تدعم هذه المعطيات تصريحات الجويلي في حوار أجرته معه جريدة الصحافة بتاريخ 17-04-2019 جاء فيها ”استفاد الفساد من ضعف أجهزة الدولة وأخذ أشواطا عليها وما يزال وأعتقد انه أصبح في موضع قوة إزاء الدولة حيث أن الفساد هو الذي يكافح الدولة اليوم في تونس وليست الدولة من يكافح الفساد“، مضيفا في نفس الحوار ”تقاطع المصالح السياسية والمالية الخاصة للبعض هو الذي أضعف الدولة والمستفيدون من ذلك هم من استضعفوا الدولة ومؤسساتها“.
عدم رضوخ المكلف بنزاعات الدولة للضغوطات ومراسلة الجويلي للرئاسات الثلاث لإعلامهم بالصعوبات التي يتعرض لها في تنفيذ مهامه ودعوتهم لإنقاذ المؤسسة والنأي بها عن التجاذبات السياسية والمصالح المتعالية عن القانون. كل ذلك تسبب في إقالته خلال مجلس وزاري عقد في28 أفريل 2017 ترأسه يوسف الشاهد وكان حاضرا فيه الوزير السابق مبروك كورشيد بصفته كاتب دولة لدى وزير المالية مكلف بأملاك الدولة والشؤون العقاريّة.
في الأثناء تقدم مروان مبروك سنة 2017 بمطلب شرح للمحكمة لتوضيح الحكم الذي أصدره القضاء العدلي برفع الائتمان عن مجموعة محددة من الشركات التي تمت مصادرتها وعددها 6 شركات التي رُفِض رفع الائتمان عليها. وبحسب المختصين في القانون العام، فإن الغاية من التقدم بمطلب الشرح هو خلق حقوق جديدة وتوسيع منطوق الحكم لأن الحكم الأصلي لا يخول للمبروك التصرف في الشركات المصادرة مثلما يريد. فرفع الائتمان لا يعني عودة الملكية والتصرف فيها، كما أن الحصول على شرح للحكم لا يمكن من خلق وضعيات جديدة غير تلك المنصوصة عليها في الأحكام الصادرة عن الدائرة التي نطقت بالحكم إلا بعد محاكمات جديدة.
تقدم مروان مبروك بطلب شرح ثان سنة 2019 لأن وثيقة الشرح القضائية الأولى لحكم 2016 القاضي برفع الائتمان لم تكن كافية للتصرف في الشركات المصادرة المرفوع عنها الائتمان لنقص الإجراءات، وهو ما دفع المكلف بنزاعات الدولة برفع قضية لدى محكمة التعقيب التي أصدرت قرارا تحت عدد 78060 بتاريخ 18 ديسمبر 2019 يقضي ببقاء ملكية الشركات المصادرة تحت تصرف الدولة، وهو قرار جاء مؤيدا لأحكام الرفض الصادرة عن الدائرة الابتدائية الثانية بالمحكمة الإدارية في جويلية 2018.
شركة الكرامة القابضة اعترضت بدورها على قرار الشرح المذكور أمام الدائرة 21 بمحكمة الاستئناف بتونس في القضية عدد 26775 الصادر فيها الحكم بتاريخ 10 جويلية 2019 والذي يقضي بنقض قرار الشرح عدد 74551 وإلغاء مفعوله،معتبرة أن المحكمة تجاوزت سلطاتها لما خاضت في الأصل وفي مسألة ملكية الأسهم التي لم ينظر فيها القرار المشروح مخالفة بذلك الفصل 124 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية.
وبهذا القرار النهائي المؤرخ في 10 جويلية 2019 تمكنت شركة الكرامة القابضة من استرجاع ملكيتها للأسهم في الشركتين ”مجموعة المغرب للمساهمات“ التي صدر فيها قرار توقيف التنفيذ الإداري عدد 418046 وشركة انفستاك التي صدر بشأنها القرار عدد 418048.
تصرفات مريبة لرئيس المحكمة الإدارية
في جويلية 2018، أصدرت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الإدارية برئاسة القاضية سهام بوعجيلة حكما في شأن قضية الأملاك المصادرة لصحابها مروان مبروك تقضي بعودة الأملاك المصادرة لملكية الدولة بعد صدور أحكام سنتي 2014 (مسير في مجموعة إنفستيك بحكم قرار قضائي) و2016 (حكم يلغي الائتمان والحراسة على أملاك مبروك) لصالح مروان مبروك تنص على إيقاف تنفيذ قرارات المصادرة. كان يكفي إعلام رئيس المحكمة الإدارية للمكلف العام بنزاعات الدولة بأن الحصول على منطوق الحكم قادر لوحده على تنفيذ قرار المصادرة (بيان جمعية القضاة) إلا أن الرئيس الأوّل للمحكمة كان له رأي آخر إذ اعتبر، في بيان نشره بتاريخ 20 جوان الماضي، أن قانون المحكمة الإدارية لا ينص على أن رئيس المحكمة الإدارية مطالب بإعلام المكلف بنزاعات الدولة وأنه يكفي الحصول على شهادة في منطوق الحكم لتنفيذ قرار المصادرة.
لكن هذه ليست كل الحكاية، فالدافع لإيضاح اجرائيّة تنفيذ الحكم الصادر في 2018 فجّره الجدل حول وجود تعطيل ومماطلة لتلخيص الأحكام التي أقرت بمصادرة شركات مبروك التي تحوزّ عليها خلال فترة مصاهرته لعائلة بن علي. هذا الجدل والغموض الذي شاب إطالة مدة تلخيص الأحكام والمراسلات التي أرسلت تباعا للمحكمة الإدارية من قبل المكلف العام بنزاعات الدولة ووزارة المالية ولجنة المصادرة لتلخيص الأحكام الصادرة في قضية مبروك دفعنا للبحث حول هذه المسألة وإزالة الغموض عنها. وكانت العقدة الأولى والرئيسية في هذا الغموض المراسلات الخاصة بتلخيص الأحكام حيث اتُّهِمت القاضية التي أصدرت أحكاما برفض دعوى رجل الأعمال مروان مبروك بأن دائرتها تعمدت تأخير تلخيص الأحكام واتهمت بشبهة ارتشاء من قبل وزارة الوظيفة العمومية ومقاومة الفساد إلا أننا علمنا مؤخرا، اثر اتصالنا بالقاضية، أنها حصلت على شهادة بحفظ القضية.
وفي كل الحالات فإن منطوق الحكم كان يكفي لتطبيق قرار المصادرة والذي كان من المفترض أن يبلغ به رئيس المحكمة الإدارية المكلف العام بنزاعات الدولة. كما كان من المفترض من الوزارات والسلطة التنفيذية أن تكون على علم بهذا المعطى القانوني. كل ذلك حصل في السنتين الأخيرتين من حكومة يوسف الشاهد.
كما أن مصادر قضائية مختلفة تجمع على أن التأخير لم يقتصر على الدائرة الثانية، هنالك أحكام من نفس الحجم وربما أكبر مثل أملاك بن علي و زوجته تأخر تلخيصها كذلك بسنتين أو أكثر لم تثر أي إشكال، ولم يذكرها الرئيس ولا هيئة الرقابة المالية.
سهام بوعجيلة، قاضية متراخية أم ضحية هرسلة؟
بالرغم من سطوة النظام السابق ووضع يده على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلا أن المحكمة الإدارية مثلت استثناء غرد خارج السرب لما عرف عنها من استقلالية وحياديّة. هذه الصورة الوردية لم تكن متكاملة أو لنقل لم تكن حاضرة زمنيا على امتداد مسيرتها.
فحسب شكاية جزائية تقدمت بها القاضية سهام بوعجيلة في 22 جوان 2020 ضد جميع من سيكشف عنه البحث، الخلاف بدأ حول طريقة العمل والتسيير بين الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام مهدي قريصيعة والقاضية المعنية، ليتطور فيما بعد ليصل لملف الأملاك المصادرة لمروان مبروك والجدل الذي حصل حول تلخيص الأحكام القضائية التي أصدرتها والقاضية بعودة التصرف في شركات مبروك المصادرة للدولة التونسية.
وما بين هذه الخلافات الجوهرية في عمل المحكمة يسكن خلاف حاد مسكوت عنه بين الرئيس الأول للمحكمة والقاضية المكلفة بملف مبروك سهام بوعجيلة. حسب ملفات اطلعنا عليها في نواة وقضايا فصل فيها القضاء ولكنها لم تغلق في حق القاضية سهام بوعجيلة، فإن مردّ هذا الخلاف المستفحل هو معارضتها للرئيس الأول بسبب سوء تسيير أعمال مجلس القضاء الإداري الذي يرأسه، واستفراده بالرأي، وشخصنته لاختلاف المواقف داخل المجلس الأعلى للقضاء الإداري حول مسائل موضوعية وجوهرية تتعلق بالتسيير والديمقراطية الداخلية للمجلس .ليصل الخلاف إلى تأليب بعض القضاة من دائرته ومنظوريه لهرسلتها واستغلال قرار صادر ضدها سابقا بعنوان ”أوامر استرجاع أموال“ بداعي تقاضي أجور لا تستحقها خلال سنة 2011 لأنها مارست مهاما بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقد تم تمتيعها حينها بمنح شهرية، في حين أنها كانت مباشرة لعملها في تلك الفترة وواصلت عملها بالمحكمة وأصدرت ولخصت أحكام يناهز عددها 100 حكم، حسب نص الشكاية المذكورة أعلاه.
وقد سبق وأن عُرض الموضوع على المحكمة الإدارية نفسها التي أقرت صراحة بموجب أحكام باتة بعدم شرعية قرارات إرجاع الأجور التي اتخذت ضد البعض من نظرائها من القضاة الإداريين والعدليين والماليين وبعض القطاعات الأخرى مثل الأساتذة. ومع ذلك واصلت إدارة المحكمة الإدارية الإجراءات المتخذة ضدها بالإرجاع ”استثناء عن زملائها“، على حد تعبيرها في نص الشكاية، وأرسلت أوامر الاسترجاع للقباضة المالية التي حررت في حقها بطاقة إلزام ثم أجرت عقلة توقيفية على حسابها البنكي بجميع ما توفر فيه من مبالغ ماليّة بما فيها تلك الواقع تحويلها من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان رأسمال عند الوفاة وجراية أيتام كما شملت تلك العقلة حسابا بنكيا لابنيها القاصرين.
جميع الإجراءات سالفة الذكر تمت دون اعلامها وذلك بحجب البعض منها وإرسال البعض الآخر لعنوان غير عنوانها بما أنها غيرت عنوانها منذ سنة 2016 واعلمت به كتابيا إدارة المحكمة، كما ذكرت المعنية في نص الشكاية.
كل ما سبق دفعها لتقديم مطلب توقيف تنفيذ أمام الدائرة القضائية بالقيروان، بعدتقديم مطلب توقيف لرئيس المحكمة ومماطلة هذا الأخير في الرد مما اضطرها إلى التوجه لمحكمة القيروان التي أصدرت بدورها قرارين:الأول بتأجيل تنفيذ العقلة على حساباتها وحسابات أبنائها البنكية والثاني بتوقيف التنفيذ كقرار نهائي غير قابل للطعن.
الأخطر مما سبق، حسب الشكاية المذكورة أعلاه هو إقدام الرئيس الأول ووكيله بتسجيل قضية ونسبتها للقاضية سهام بوعجيلة تحت عدد 4105251، وذلك بغاية إصدار حكم يقضي بإلغاء قرار توقيف تنفيذ العقلة على حسابات القاضية.
الشاهد وكرشيد في خدمة المبروك
كلف الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في في بداية أوت 2016 يوسف الشاهد لتشكيل حكومة. وتحصل هذا الأخير على ثقة البرلمان في يوم 26 من نفس الشهر. في 8 أفريل 2016، قام رئيس الحكومة الحبيب الصيد بتسمية عبد السلام المهدي قريصيعة رئيسا أول للمحكمة الإدارية. بعد ذلك بشهر ونصف، تحديداً في 19 ماي 2016، رفع الائتمان عن شركات مروان مبروك بحكم قضائي.
التدخل الحقيقي والواضح ليوسف الشاهد الذي خدم فيه قضية مروان مبروك كان في سنة 2018 حينما تقدمت الحكومة التونسية على إثر اجتماع وزاري يوم 22 نوفمبر من نفس السنة بطلب للاتحاد الأوروبي من أجل رفع التجميد عن أموال مروان مبروك في البنوك الأوروبية استثناءا ودونا عن بقية الأشخاص الذين تمت مصادرة أملاكهم سنة 2011.
الشاهد لم يكن المسؤول الحكومي الوحيد في خدمة مبروك ومصالحه الخارجية والداخلية.
مبروك كرشيد، أحد أهم الفاعلين في شبكة السياسيين والإداريين والقضاة الذين خدموا ملف مروان مبروك، صرح في حوار إذاعي بتاريخ 14 ديسمبر 2018 أن طلب رفع التجميد الذي تقدمت به حكومة الشاهد للاتحاد الأوروبي في صالح الدولة التونسية دون أن يوضح كيف سيخدم الدولة وفي أي مجال وعلى أي مستوى. كرشيد اعتبر كذلك في تدخل تلفزي على قناة قرطاج + أن الحكم الصادر في جويلية 2018 لصالح الدولة التونسية والقاضي بالإبقاء على مصادرة شركات مبروك هو حكم غير بات وبالتالي لا يلغي الأحكام التي صدرت قبله ولا يمنع مبروك من مواصلة إدارة شركاته المصادرة والاستفادة منها في حين أن الحكم القضائي الصادر في هذا الشأن والذي اطلعت عليه نواة واستشارت رجال قانون حوله هو حكم بات يوقف مفعول قرار توقيف التنفيذ، وبالتالي فهو يقر بشرعية قرارات المصادرة، وهي قرارات إدارية تتمتع بالصبغة التنفيذية وتنفذ حالا ومباشرة بمجرد صدور منطوق الحكم دون انتظار تلخيصه. فما مصلحة الوزير ورئيس لجنة النزاعات السابق مبروك كرشيد من خدمة قضية وأموال مروان مبروك في محطات مختلفة سواء داخل الحكومة عندما كان مسؤولا فيها أو بصفته الحالية كنائب من نواب الشعب؟
التلاعب القانوني والاخلالات القضائية التي شابت قضية الأملاك المصادرة لصهر الرئيس الأسبق مروان المبروك في طوريها الإداري والعدلي لم تكن لتمر وما كان له استرجاع أملاكه المصادرة في فترات زمنية متفاوتة قبل سنة 2018 لو لم تقع الانحرافات التي رافقت بعض محطات مسار التقاضي، ولو لم يتدخل كذلك السياسيون وعلى رأسهم الشاهد لصالحه.
معركة كبيرة يخوضها جزء من الجسم القضائي على واجهات عدة فيها ما هو داخلي وفيها ما هو في علاقة بالسلطة التنفيذية ومجموعات الضغط السياسية والمالية. خطورة هذه المعركة في أهمية نتائجها على مسار التغيير الصعب الذي تعيشه البلاد منذ عشر سنوات نحو الديمقراطية والعدالة ودولة القانون برغم قوة ووزن قوى الجذب للخلف.
تم دعم هذا التحقيق من قبل صندوق دعم التحقيقات في شمال أفريقيا وغرب آسيا
لم افهم كيف لمروان مبروك استعادة تسييره للشركات المصادرة فقط من خلال مجرد سهم اشتراه في الاولي وآخر في الثانية ؟