منذ دخولنا مدينة بنزرت نكتشف الصعوبات التي يواجهها السكان يوميا، الجسر المتحرك يشكو من اختناق مروري رغم أنه ليس في وقت الذروة ورغم الحجر الصحي الذي يقيد حركة المواطنين. نفس ذلك الجسر يمر عبره آلاف المصطافين يوميا من بنزرت وخارجها في فصل الصيف ويصبح العبور منه معاناة قد تستغرق ساعات. وينتظر الأهالي الجسر الجديد الذي سيخفف من معاناتهم بفارغ الصبر. اشغال الجسر الجديد (أو الوصلة الثابتة) الذي تم اقراره منذ سنة 2017 لم تنطلق فعليا إلى حد الآن رغم أن وزارة التجهيز أعلنت سابقا أن الجسر سيدخل حيز الاستغلال سنة 2022. لكن إلى حد هذا اليوم، مازالت السلطة الجهوية تتفاوض مع بعض مالكي العقارات التي سيمر عبرها الجسر لتعويضهم عن الضرر الذي سيلحقهم.
في لقاء مع نواة، اعتبر المستشار البلدي ببلدية بنزرت ناصر كشك أنه من ”حق الاهالي الاحتجاج فكل الظروف تدفعهم لذلك. البنية التحتية هشة والمدينة العتيقة أغلب مبانيها متداعية للسقوط والمصانع تساهم بشكل كبير في تلوث المدينة والمياه والجسر المتحرك أصبح عبئا على المدينة. الزائر القادم من تونس يقضي 20 دقيقة في الطريق السيارة ثم يقضي ساعة ونصف كي يعبر الجسر“.
عجز السلطة المحلية
تعيش مدينة بنزرت اختناقا مروريا طيلة أيام الأسبوع فضلا عن الطرق الرئيسية المهترئة التي أرهقت أصحاب السيارات الخاصة وسيارات الأجرة. تتجلى العدالة في توزيع الحفر على طول الطرقات وسط بنزرت وخارجها على قدم المساواة حيث لا فرق بين قلب المدينة وأحوازها فيما يتعلق بالطرق المهترئة. قال المستشار البلدي مكي شقرون لنواة إن ”البنية التحتية تشكو من نقص شديد خاصة وسط المدينة، أُقر بأن وضعية الطرقات كارثية، وهذا يعود لأمرين: الأول هو أن سياسات الدولة فيما يتعلق بالتمييز الايجابي جعلت كل المشاريع تنصب على مناطق خارج المدن، وثانيا تدخلات البلدية غير كافية وذلك لنقص الاعتمادات المالية المرصودة لذلك“. ويضيف شقرون أن
بلدية بنزرت تضاعفت مساحتها عشر مرات عبر ضم مناطق أخرى للفضاء البلدي وازداد عدد السكان وهذا يعني توسيع مجال تدخل البلدية من خدمات وطرقات وإنارة ونظافة لكن دون الزيادة في الاعتمادات المالية المرصودة لذلك.
وحسب المستشار البلدي فإن ميزانية البلديات بصفة عامة وبلدية بنزرت بصفة خاصة لا تكفي لإصلاح البنية التحتية وصيانة الطرقات وقنوات الصرف الصحي وتحسين المدينة حسب قوله. ”هذا الاشكال سيرافق البلديات لسنوات ما لم ترصد السلطة المركزية اعتمادات أكبر للبلديات حتى تقوم بدورها وفق ما تقتضيه مجلة الجماعات المحلية“.
وتم توسيع مجال تدخل المجلس البلدي لبنزرت سنة 2018 مع اعتماد مجلة الجماعات المحلية الجديدة وذلك عبر إضافة مناطق أخرى (على غرار لواتة وراس انجلة) لتتحول المساحة الجملية من 4.500 هكتار إلى 45.000 هكتار. هذا التوسع لم يتزامن مع الترفيع في ميزانية البلدية التي بقيت في حدود 18 مليون دينار منها 15 مليون دينار مخصصة للرواتب وفواتير الطاقة والبقية مخصصة للتنمية. ويعتبر المستشار البلدي الناصر كشك أن المبلغ المتبقي (أقل من 3 مليون دينار) مبلغ ”مضحك“ فهو لا يكفي لتعبيد طريق أو بناء رصيف حسب قوله.
ملف الملعب: فساد أو سوء التصرف ؟
حين نتحدث مع أهالي بنزرت لاحظنا جملة تتكرر دائما ”في بنزرت لدينا البحر والملعب فقط وقد فقدناهما، لا نطلب من الدولة الكثير أو المستحيل، لا نريد سوى الاهتمام بالشريط الساحلي وإعادة تهيئة الملعب الذي يرتاده غالبية شباب المدينة“. يبدو الأمر بسيطا وقد تستنتج أن مشاكل المدينة يمكن حلها بسهولة، لكن عندما تعلم أن ملعب 15 أكتوبر ينتظر أشغال الصيانة منذ 4 سنوات، وعندما دخلنا الملعب ووجدناه متهالكا ورأينا كيف أن أرضيته تحولت إلى حقل للأعشاب الطفيلية والأشواك وكيف أن حواجزه الحديدية متداعية للسقوط أدركنا أن إهمال السلطات حرم الأهالي من تشجيع فريقهم لسنوات.
زيارتنا إلى بنزرت تزامنت مع اجتماعات المجلس الجهوي للولاية واحتجاجات جماهير النادي للمطالبة بالإسراع في تهيئة الملعب، وقد تقرر إحالة الإعتمادات المالية التي خصصت لمشروع تعشيب الأرضية الرئيسية والمقدرة بحوالي 1.5 مليون دينار لفائدة بلدية بنزرت حتى تتمكن من إنجاز المطلوب وفق الإجراءات القانونية الواجبة حسب ما أكده والي بنزرت محمد قويدر، على أن يكون الملعب جاهزا قبل موفى سنة 2020.
من خلال حديثنا مع عدد من مشجعي النادي البنزرتي يعتقد غالبيتهم بوجود شبهات فساد في ملف الملعب وهو ما ساهم في تعطيل أشغاله لمدة أربع سنوات وحرمان المشجعين من مشاهدة المباريات.
وأوضح المكي شقرون في هذا الصدد أنه لا يميل إلى القول إن الفساد هو الذي عطل ملف ملعب 15 أكتوبر بل هو سوء التصرف حسب رأيه. وقال
هناك سوء تصرف كبير في ملف ملعب بنزرت وذلك من خلال الضغط على الخبراء من أجل تعشيبه مع أن تقارير الخبراء التونسيين والأجانب تؤكد أن الأرضية غير صالحة ويجب تغييرها قبل التعشيب، لكن المجلس الجهوي قام بالتعشيب وافتتح الملعب لنكتشف بعد ذلك أنه غير صالح فأُعيد غلقه مرة أخرى.
وأضاف المكي شقرون أن ملعب 15 أكتوبر هو ملعب بلدي ملك للبلدية ويجب أن يعود التصرف فيه إلى المجلس البلدي، لكن قبل الانتخابات البلدية كانت هناك نيابة خصوصية لذلك كان الملف كله في يد السلطة الجهوية حسب قوله.
الميناء القديم ملوث والمدينة العتيقة مهترئة
خلال جولتنا في الميناء القديم والمدينة العتيقة، رأينا حجم التلوث في المياه والفضلات التي يلقيها الناس في الميناء الذي يُعد من أجمل معالم المدينة، تخرج منه روائح كريهة ولا ترى سوى القوارير والاكياس البلاستيكية وعلب الجعة. تحدثنا مع العم رشيد الذي يزور الميناء يوميا حيث يلتقي زملاءه المتقاعدين، كان يجلس قرب الزوارق الصغيرة الراسية هناك. لم يغير من عاداته رغم تلوث المياه والروائح الكريهة:
اعتبر أن هذا الميناء القديم جزء من هوية المدينة وقد كنت شاهدا على كل التغييرات التي طرأت عليه خاصة تلك السفينة الكبيرة التي تم بناءها لتكون مطعما سياحيا، ما يؤلمني هو رؤية تلك البناية الضخمة غير المكتملة والتابعة لمشروع مارينا والتي غطت على الأهالي رؤية البحر، لقد شوهت المدينة العتيقة والميناء القديم والشاطئ ولم تكتمل أشغالها إلى حد الآن، فلا الشركة استغلت تلك البناية ولا أهالي بنزرت استمتعوا بمشهد جميل ونادر.
وحسب ما حدثنا به الناصر كشك والمكي شقرون، عضوي المجلس البلدي، فإن مشروع مارينا هو الذي أرهق المدينة وأغلق شاطئها في وجه سكانها وبسببه منعت اليونيسكو مبالغ مالية كانت ترصدها لصيانة المدينة العتيقة. المدينة العتيقة لا تزال تحافظ على جمالها حين تشاهدها من خارج أسوارها، ولكن حين تدخلها ستجد أنها مهترئة وفيها العديد من المباني المتداعية للسقوط وعمد بعض متساكنيها إلى تشويهها عبر البناء الغير منظم في مخالفة لمقتضيات وشروط البناء في المباني المصنفة على أنها من التراث.
الثكنات العسكرية: ”عائق حقيقي“أمام التنمية
تتميز ولاية بنزرت عن غيرها من الولايات التونسية بانتشار الثكنات العسكرية في كامل أنحاء الولاية، ويعود ذلك للحقبة الاستعمارية حيث كانت للولاية أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لفرنسا نظرا لموقعها الجغرافي الذي يقع في منتصف البحر الأبيض المتوسط. هذه الأهمية الاستراتيجية والعسكرية ورثتها دولة الاستقلال في تونس وحافظت على أماكن تواجد الثكنات، بالإضافة إلى الأملاك العسكرية الأخرى على غرار نوادي الضباط والمباني التي يمتلكها ديوان المساكن العسكرية التابع لوزارة الدفاع الوطني. وحسب الناصر كشك فإن
انتشار الثكنات العسكرية والمباني التابعة للجيش التونسي في كامل أنحاء الولاية وخاصة تلك الموجودة على الشريط الساحلي ومن جهة بحيرة بنزرت وفي المناطق الجبلية والغابية المطلة على البحر يعتبر عائقا حقيقيا أمام التنمية في مدينة بنزرت والولاية بأكملها. حيث يمنع وجود هذه الثكنات والمباني التابعة للجيش انشاء مشاريع سياحية جديدة قد تنهض بالمدينة وتوفر مواطن شغل لأبناءها. أعرف أن هذا الملف من المسكوت عنه في بنزرت لكن آن الأوان لفتحه لما فيه خير المدينة والولاية.
قد لا يكفي هذا النقل للحديث عن مشاكل أهالي بنزرت، قطعا لن يكفي باعتبار أن المشاكل أكبر مما ذكرنا بكثير، فهناك مشاكل أخرى كالأسواق الأسبوعية والانتصاب الفوضوي واستغلال الشواطئ والبناء الغير قانوني في المناطق الجبلية والغابية المطلة على البحر بالإضافة إلى تلوث المناطق الصناعية. لكن حاولنا أن ننقل صورة عامة قد تعترض أي شخص سواء كان مقيما بالمدينة أو زائرا لها، في انتظار العودة إلى كل ملف من الملفات المذكورة منفردا.
iThere are no comments
Add yours