تكشف بيانات منظّمة التجارة الدوليّة والأمم المتحّدة أنّ العلاقة بين تونس والكيان الصهيوني تتجاوز “البروتوكولات” الديبلوماسيّة التّي فرضتها التحوّلات الدوليّة بعد انهيار الكتلة الشرقيّة ورضوخ منظّمة التحرير الفلسطينيّة للحلّ الأمريكيّ-الاسرائيلي بتوقيع اتفاق أوسلو سنة 1993. فمكاتب “رعاية المصالح” التّي تمّ افتتاحهما في تونس وتلّ أبيب تباعا في أفريل وماي 1996، تحوّلت إلى جسر لتنسيق تعاون أوثق تجلّى في علاقات تجاريّة متكاملة فَتحت أسواق تونس أمام السلع الاسرائيلية، تحت إشراف ومباركة النظام الحاكم آنذاك وكلّ الحكومات التّي تلته حتّى هذه اللحظة.
عقدان من العلاقات التجاريّة الكاملة
مثّل لقاء وزير الخارجية التونسي الأسبق الحبيب بن يحيى بوزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك في برشلونة سنة 1995 النقلة النوعيّة في مسار العلاقات بين الطرفين. فبعد سنوات من التعامل عبر قنوات الاتصال السريّة في السفارات البلجيكية في كلّ من تونس وتل أبيب، افتتح هذا الاجتماع الثنائيّ المباشر مرحلة التطبيع الاقتصاديّ. وتشير إحصائيّات منظّمة التجارة الدوليّة وقاعدة بيانات الأمم المتحّدة للتجارة أنّ أولى الشحنات التجاريّة قد انطلقت منذ سنة 1995، أي قبيل افتتاح مكتبي رعاية المصالح بسنة. ليكون الكيان الصهيوني سبّاقا إلى اختراق السوق التونسيّة مقابل تأخّر تونسي نسبيّ، حيث لم تبدأ تونس في توجيه صادراتها نحو الموانئ الإسرائيليّة سوى سنة 1997. ورغم تواضع حجم هذه المبادلات الثنائيّة بالنسبة لإجماليّ العلاقات التجاريّة للطرفيّن بقيمة جمليّة بلغت 3.3 مليون دولار سنة 2015، حيث لم يتجاوز نصيب السوق التونسيّة من الصادرات الإسرائيليّة خلال تلك السنة 810 ألف دولار، محتلّة المرتبة 136 على قائمة الشركاء التجاريين للكيان الصهيوني، إلاّ أنّ تونس تحتلّ المرتبة 86 على صعيد أهمّ الموردّين للسوق الإسرائيليّة بحجم مبادلات بلغ خلال سنة 2017، قرابة 5.5 مليون دولار.
هذا وتكشف الأرقام استفادة الكيان الصهيوني من الحصيلة الإيجابيّة للمبادلات التجاريّة مع تونس بين سنوات 1995 و2009، حيث ظلّت الصادرات التونسيّة “محتشمة” وثابتة تقريبا عند معدّل نصف مليون دولار سنويا مقابل تنامي الواردات الإسرائيليّة إلى الأسواق التونسيّة لتناهز 2.2 مليون دولار سنة 2007، لتراكم تونس عجزا سنويا طيلة تلك الفترة تراوح بين 0.5 مليون دولار وقرابة مليوني دولار خلال السنوات الأربع بين 2004 و2008. وضعيّة تغيّرت بشكل جذريّ منذ سنة 2009 لتأخذ منحى متذبذبا إلى حدود سنة 2012 أين ارتفعت الصادرات الإسرائيليّة إلى مستوى قياسيّ بلغ 15 مليون دولار قبل أن يتراجع بحدّة طيلة السنوات اللاحقة مقابل تصاعد مطّرد للصادرات التونسيّة نحو إسرائيل بلغ ذروته سنة 2017 بقيمة 5.5 مليون دولار.
تُوضّح الإحصائيّات التفصيليّة الواردة في قاعدة البيانات الخاصّة بمنظّمة التجارة والأمم المتحّدة، والتّي لا يوجد أثر لها في المواقع الرسميّة للوزارات التونسيّة المعنيّة على غرار وزارة التجارة أو الخارجيّة، طبيعة السلع المتبادلة بين الطرفين. حيث تتكوّن معظم صادرات الكيان الصهيوني إلى تونس من الأسمدة الزراعيّة والمواد الكيميائيّة والمعدّات الفلاحيّة المختلفة، لتستحوذ على ثلاثة أرباع رقم معاملات التوريد بقيمة تجاوزت سنة 2012-سنة ذروة الصادرات الإسرائيلية إلى تونس-12 مليون دولار، في حين تشمل باقي الواردات المعدّات الطبيّة والصيدليّة والمكوّنات الصناعيّة الإلكترونيّة. أمّا من الجهة التونسية، تمثّل المنتوجات الفلاحية على غرار اللحوم والزيوت والبقول والحبوب 85% من الصادرات التونسيّة إلى إسرائيل. بينما تتوزّع باقي السلع المصدّرة بين الجلود والخشب والنسيج والتّي بلغت قيمتها 825 ألف دولار من إجمالي 5.5 مليون دولار في أعلى مستوى لها سنة 2017.
التجارة على حساب الدمّ
يُلاحظ من خلال المنحى التاريخيّ لمسار المبادلات التجاريّة بين تونس والكيان الصهيوني طيلة 22 سنة أنّ نسق المبادلات وإن كان متذبذبا فإنّه لم يتوقّف رغم المتغيّرات السياسيّة التّي شهدتها فلسطين المحتلّة أو تونس على حدّ سواء. إذ على الرغم من إعلان الرئيس التونسيّ الأسبق زين العابدين بن علي عن إغلاق مكتب المصالح الإسرائيلية في تونس ومكتب المصالح التونسية في إسرائيل في 22 أكتوبر من سنة 2000 إبّان المجازر الصهيونية ضدّ الانتفاضة الفلسطينيّة، إلاّ أنّ الإحصائيّات المنشورة تشير إلى تواصل المبادلات التجاريّة بشكل طبيعيّ، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى تونس في ذلك التاريخ 1.3 مليون دولار، في حين بلغت قيمة وارداتهم من السلع التونسيّة 400 ألف مليون دولار. أمّا بعد جانفي 2011، فلم تتوقّف التجارة البينيّة رغم تراجع الصادرات التونسيّة إلى الكيان الصهيوني بنسبة 57% بين سنتي 2010 و2011. تراجع قابله نمو متسارع للصادرات الإسرائيلية إلى تونس خصوصا سنة 2012 إبّان حكم الترويكا لتسجّل تونس حصيلة سلبيّة في الميزان التجاري الثنائي تجاوز 97% لصالح الكيان الصهيوني وبقيمة 14 مليون دولار. أما بعد الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة سنة 2014، فقد شهدت الواردات الإسرائيلية من السلع التونسيّة نموا متواصلا إلى حدود سنة 2017 بحسب البيانات المنشورة. نموّ لم يتأثّر باغتيال الشهيد محمد الزواري في 15 ديسمبر 2016، ولا يبدو أنّه قد يتأثر مستقبلا بعد القرار الأمريكيّ بنقل السفارة الامريكيّة إلى القدس المحتلّة رغم التصريحات الحكوميّة وبيانات التنديد التي تعوّدت وزارة الخارجيّة التونسية على إصدارها.
“السلام والتطبيع” مقابل جزرة المساعدات الماليّة والإقتصاديّة
يربط الفيلسوف الفرنسيّ مونتسكيو في كتابه “روح القوانين”، السلام العالميّ بمتانة المعاملات التجاريّة بين مختلف الدول، بل ويذهب إلى وصف السلام كونه “نتيجة طبيعيّة للمبادلات التجاريّة والتعاون الاقتصاديّ”. على أساس هذه القاعدة، تمّ فرض عمليّة التطبيع الاقتصادّي التّي تلت اتفاق أوسلو سنة 1993 على دول الطوق ضمن ما يُعرف باتفاقية الكويز أو المناطق الصناعية المؤهلة كامتداد لاتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الإسرائيلية الموقعة سنة 1985، لتشمل الأردن سنة 1996 ومصر سنة 2004. وتتضمّن هذه الآليّة إعفاء صادرات تلك الدول إلى الولايات المتحدة الأمريكية من الجمارك ورفع حصّتها بشرط التطبيع السياسي والاقتصاديّ الكامل مع الكيان الصهيونيّ. أمّا تونس التّي لم تكن يوما ضمن دول التماس أو المواجهة، فقد مثّلت الاتصالات مع الكيان الصهيوني دوما أحد وسائل الحكومات المتعاقبة منذ خمسينات القرن الماضي لنيل رضا القوى الدولية ومساعداتها الماليّة.
في هذا السياق، يشير تقرير صادر عن مركز البحوث الإسرائيلي “مركز الشرق للبحوثRubin Center for Research in International Affairs” في جوان من سنة 2000، تحت عنوان “إسرائيل والمغرب العربي في أوّج الصراع العربي الإسرائيلي: 1950-1970″، إلى أنّ بدايات الاتصال بين الكيان الصهيوني وتونس تعود إلى سنة 1952، بين الوفد التونسيّ برئاسة الباهي الأدغم الذّي طَرح قضيّة الاستقلال التونسي في مقرّ الأمم المتحدّة في نيويورك والوفد الإسرائيليّ برئاسة رفائيل جدعون. لقاء حاول خلاله التونسيّون إقناع الصهاينة، ومن ورائهم الأمريكيّون، بأنّ الدولة المستقلّة القادمة لن تُكِنّ العداء لإسرائيل ولن تنخرط في أيّ أعمال عدائيّة ضدّها. لقاء تكرّر فيما بعد بحسب التقرير المذكور بين الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وسفير الكيان الصهيوني في فرنسا يعقوب تسور في فيفري سنة 1956 ليؤكّد عدم تبنّي التونسيين وحزب الدستور للخطاب الناصري المعادي للصهاينة.
تتواصل العلاقات بين الطرفين عقب الاستقلال، لتلعب القنوات السريّة للاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين دورا في توظيف “الموقف التونسي المُسالم” لكسب دعم اللوبي المالي والسياسي الصهيوني في أوروبا الغربيّة والولايات المتحّدة الأمريكيّة. ويذكر التقرير هنا كيف وظّف التونسيّون علاقاتهم مع الصهاينة لإقناع الأمريكيّين والألمان بمنح تونس مساعدات ماليّة وعسكريّة بقيمة 20 مليون دولار سنة 1965، أو إقناع وكالات السياحة الأوروبيّة بدعم القطاع السياحيّ وزيادة حصّة تونس من التدفّقات السياحيّة خلال نفس تلك الفترة.
مع قدوم بن عليّ وتوليه الحكم، استفاد هذا الأخير من التغيّرات الدوليّة والقواعد الجديدة لحقبة عالم القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. مشهد جديد تشكّل في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية وعودة مصر مبارك بإرث السادات لتولّي دفّة إدارة القضيّة الفلسطينيّة وتسليم ياسر عرفات بما قدّمه الأمريكيّون والاسرائيليون في أوسلو. مناخ مَكّن بن عليّ من تغيير قنوات الاتصال السريّة إلى علاقات اقتصاديّة وسياسيّة شبه كاملة طيلة عقد ونصف من الزمن ليستفيد -إضافة إلى الرضا السياسيّ- من المساعدات الأمريكيّة التّي شهدت تطوّرا مطّردا بداية من التسعينات ترجمتها زيادة المبادلات التجاريّة وتوقيع معاهدة التشجيع والحماية المتبادلتين للاستثمارات في 07 فيفري 1993.
بعد جانفي 2011، ورغم المحاولات المتكرّرة لعدد من الجمعيّات والمنظّمات والأحزاب اليساريّة والقوميّة الدفع نحو تقنين تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلاّ أنّ هذه المساعي التّي بدأت كمسودّة للفصل 27 في دستور جانفي 2014، انتهت إلى مشروع قانون مؤَجّل ومنسيّ في رفوف مجلس نوّاب الشعب بعد تعطيل مناقشته في ثلاث مناسبات سنة 2012 وسنة 2015 وأخيرا في جانفي 2018. ليتواصل التطبيع الاقتصادي حتّى هذه اللحظة بنسق أسرع وأقوى من أيّ وقت مضى مع تزايد الحاجة سنويّا إلى المساعدات الأمريكيّة والمؤسّسات الماليّة الدوليّة المقترنة بالضغوطات الأمريكية المتواصلة، والتي كان آخرها ما ورد في وثيقة توصيات أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي خلال زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في جويلية 2017. أمّا القضيّة الفلسطينيّة ومعاداة الصهيونيّة التّي كانت في عصر سابق رافعة للأنظمة السياسيّة، فلم تعد تصلح للمضاربة السياسيّة، بل وعلى رأي الكاتب الفلسطينيّ زياد منى؛ “في هذا العصر الصهيوني المهيمن على ساحة العمل السياسي العربي الرسمي، صار من يريد التسلق “وليس الصعود” سياسيّا يعمل ليلا ونهارا على طلب رضاء “إسرائيل” وتقديم فروض الطاعة والولاء’.
Bravo pour cet article.
القرآن يعطي الأرض المقدسة و يطبع مع بني إسرائيل
https://www.youtube.com/watch?v=aqo58vcefRw
Merci pour cet article: pouvez vous nous éclairer sur les sociétés qui commercent avec Israël.
Je connais déjà un nombre d’hommes d’affaires qui voyagent souvent à Tel-Aviv.
Moralement, vous avez motif à relever et dénoncer une sorte de collision des gouvernements Arabes, à quelques exceptions près, avec l’Occident dont Israël est le poste avancé, le bras armé et gardien des intérêts dans cette région.
Cependant, comme vous l’énumérez ici, la Tunisie à l’instar d’autres “Pays frères” n’a cessé d’entretenir des relations avec “l’entité sioniste” puisque alliée ou soumise à la Doxa occidentale, elle devait se soumettre aux injonctions venues de ce camp. Mais, et ce serait pire, on pourrait soutenir que ces ralliements n’en sont pas. Ce seraient des choix qui furent longtemps cachés aux citoyens que l’on abreuvait de discours incendiaires contre cette entité en guise de profession de foi de solidarité avec les Palestiniens.
Les discours s’envolent et les faits demeurent…que les temps nouveaux autorisent à assumer au grand jour.
Comment le citoyen Arabe peut-il encore accepter que l’on lie amitié avec l’Amérique, pourvoyeur de finances, d’armements et grand parrain d’un État qui terrorisé, tue, assassine et fort content d’être le seul détenteur de l’arme atomique dans la région ?
Comment admettre que des civils sont arrêtés sans jugement, assassinés à raison de leur appartenance à une nationalité, ou simplement parcequ’ils résistent à la terreur colonialiste sans générer chez les tenants des droits des peuples à disposer d’eux-mêmes et de vivre dans la sécurité la réaction positive et cohérente avec ces principes ?
Comment et pourquoi tant de gouvernements Arabes poursistent-ils dans cette voie, contre leurs peuples et au détriment des pauvres Palestiniens ?
Je reste interdit devant de telles absurdités.
Les retards économiques, techniques, industriels et intellectuels ne me paraissent pas expliquer assez ni les déboires, ni les forfaitures. Déboires vécus et infligés aux peuples, les forfaitures sont de la responsabilité de nos chers gouvernements.
Merci pour votre travail, dont j’espère qu’il ne sera pas sans suite en recherches, ni sans effets sur les irresponsables qui guident nos pays et leurs peuples