بعد يومين من استقبال سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، باتريس برغميني، بمقر حركة النهضة، انتقل رئيسها راشد الغنوشي يوم الخميس 12 أفريل 2018 إلى مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، أين التقى بعض المسؤولين الأوروبيين من بينهم فيديريكا موغيريني الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية وفابيو ماسيمو رئيس البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات في تونس. ورغم عمومية التقارير الإعلامية المُذاعة عن هذا اللقاء والتي تشير أساسا إلى التعاون الثنائي من أجل “دعم تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس” فإن السياق الانتخابي هو المحور الأساسي الذي يُهيكل هذه اللقاءات ويعطيها قيمة سياسية. وتلوح الانتخابات البلدية ملفًّا جديدا يطرح تقاطعا بين الاتحاد الأوروبي وحركة النهضة، إذ يسجّل الأول حضورا ماليا ولوجستيا لا بأس به في إدارة هذا المسار، بينما تعتبر حركة النهضة نفسها –على لسان قادتها- الأكثر فاعلية في صناعة هذا المسار منذ تجربة المجلس الوطني التأسيسي.
الاتحاد الأوروبي: التعاون الانتخابي مع الإسلاميين في تونس
يحظى المسار الانتخابي في تونس باهتمام كبير لدى الاتحاد الأوروبي، ويتأتى هذا الاهتمام من الحضور المالي للأوروبيين في تمويل مشاريع “اللامركزية” و”الحوكمة المحلية”، وقد كان الاتحاد الأوروبي صحبة الوكالة الفرنسية للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي من أبرز الأطراف التي موّلت هذه المشاريع، سواء في شكل قروض أو منح. إضافة إلى الدور المالي الكبير للبنك الدولي. ويشير التقرير السنوي لنشاط الإتحاد الأوروبي بتونس إلى تخصيص ميزانية بعشرات الملايين من الأورو في تمويل برامج موجهة للامركزية والحوكمة المحلية. هذا ويُسجل الاتحاد الأوروبي حضوره في مراقبة الانتخابات البلدية ليوم 06 ماي 2018 من خلال البعثة التي يترأسها عضو البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو، وحسب بلاغ إعلامي نُشر على الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي فإن المَهمّة ستضم فريقا متكونا من سبعة محلّلي انتخابات متمركزين في تونس منذ 06 أفريل 2018، إضافة إلى نشر 28 مراقبا على المدى الطويل في كامل أنحاء البلاد منذ 13 أفريل الجاري، وحسب ذات البلاغ فإن البعثة الأوروبية ستضم إجمالا 80 مراقبا ممثلين عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى حظيت حركة النهضة باهتمام، يبدو إلى الآن استثنائيا، من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق نَقلت الصفحة الرسمية لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على موقع فايسبوك إشادة سفير الاتحاد الأوروبي، باتريس برغميني، بـ”دور النهضة في إنجاح التجربة التونسية” إثر الزيارة التي أداها إلى مقرها بالعاصمة يوم الثلاثاء 10 أفريل 2018. وتَحمل هذه الزيارة في طياتها رسالة اعتذار إلى حركة النهضة بعد أن وصفها برغميني في حوار تلفزي سابق بـ”حزب جماعة الإخوان المسلمين”، وقد طالبها آنذاك بمراجعة بلاغها الذي اعتبرت فيه إدراج المفوضية الأوروبية تونس في قائمة الدول عالية المخاطر في مجال تبييض الاموال وتمويل الإرهاب بـ”الظالم”.
التصريح المذكور حَمَل بعض قادة النهضة على مطالبة السفير الأوروبي بالاعتذار على غرار رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، وقد بلغ الأمر بالقيادي محمد بن سالم أن اعتبرها “تزليطة من سعادة السفير” على حد تعبيره. ولعل الزيارة الأخيرة لبرغميني وما تلاها من اعتراف أوروبي بـ”الدور الإيجابي لحركة النهضة في مرحلة الانتقال الديمقراطي” أثناء الزيارة التي أداها راشد الغنوشي الخميس الفارط إلى مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي ببروكسل، تعكس ميلا واضحا إلى التعاون الانتخابي مع إسلاميي تونس، ينسجم في مرحلة أولى مع الحضور المالي والتقني الكبير للاتحاد الأوربي في المسار الانتخابي، ويراهن أيضا على الجاهزية السياسية والتنظيمية لحركة النهضة مقارنة بنظرائها. ولكنه يتعارض أيضا مع الدعاية الانتخابية لنداء تونس التي تشتغل تحت شعار “التضاد مع مشروع الإسلام السياسي”.
حركة النهضة والوصاية على المسار الانتخابي
الحاجة الأوربية التقطتها حركة النهضة، التي حرصت طيلة الفترة السابقة على البروز بمظهر ديمقراطي مُنفتح على السياسات الأوروبية. وتسعى بالتوازي مع ذلك إلى إبراز حضورها الهيكلي في قيادة المسار الانتخابي البلدي. في هذا السياق قال راشد الغنوشي خلال الكلمة التي ألقاها أثناء افتتاح الحملة الانتخابية “حركة النهضة هي أكبر من ساهم في الوصول إلى الانتخابات البلدية في الوقت الذي كان فيه الكثير يعطّلون المسار”. مضيفا “لدينا علاقة خاصة بالباب السابع (باب السلطة المحلية) لأن الذي أشرف على صياغة هذا الباب في المجلس التأسيسي هو نهضاوي. وقلوبنا مع السلطة المحلية لأننا نتمسك بالسلطة الشعبية”. ولعل اختيار منطقة الحرايرية لافتتاح الحملة الانتخابية تضمر سعيا من قبل الحركة إلى إبراز تجذرها الاجتماعي في الحزام الشعبي الهامشي المحيط بالعاصمة، وقد استغل رئيس حركة النهضة فرصة تواجده بالحرايرية من أجل التأصيل الديني للمشاركة الانتخابية من خلال الإشارة في كلمته إلى أن»السلطة البلدية هي تحقيق لسورة كاملة في القرآن، سورة الشورى “وأمرهم شورى بينهم”. والخدمة البلدية قريبة من الإسلام وقائمة على التطوع، إذ يقول النبي: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .«
من جهة أخرى تخوض حركة النهضة معركة برلمانية، أساسا ضد حليفها في الحكم نداء تونس، من أجل استكمال المصادقة على مشروع مجلة الجماعات المحلية قبل إجراء الانتخابات البلدية. في هذا السياق أشار حسين الجزيري أثناء مداخلة له في مجلس نواب الشعب يوم الجمعة الفارط إلى وجود تعطيل للمصادقة على مجلة الجماعات المحلية من خلال الغياب المتكرر للنواب، قائلا “لا أحد بإمكانه إيقاف مشروع المجلة، ولا توجد خلافات حولها”. وقد حمّل الجزيري رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر مسؤولية إدارة المجلس، مشيرا بذلك إلى المسؤولية السياسية لحزب نداء تونس في تعطيل المصادقة على مشروع المجلة.
iThere are no comments
Add yours