عبد السّلام النّوالي (فينيكس) هو من أبرز فنّاني الرّاب في تونس. و الحقيقة أنّ شهرته لم تأت من فراغ فأسلوبه المميّز و الموسيقى المتفرّدة التي يقدّمها هو ما يجذب المستمعين و يساهم في إرتفاع عدد المعجبين. كما أنّ الفترة التي قضاها فينيكس في السّجن جلبت له الكثير من التّعاطف و أثّرت على أعماله فيما بعد. سيكون هذا المقال – الثّاني ضمن سلسلة مقالات ”راب تونسي“ – مُحَاوَلَةُ قِرَاءَةٍ لأهمّ أعمال فينيكس منذ بداياته مرورا بفترة ما بعد سجنه و غيرها من المحطّات التي مرّ بها هذا الرّابور.
”مُخِّي أَنَارْشِي مَانْبَدْلُو !“
إنّ الرّغبة في التّدمير هي أيضا رغبة خلاّقة.ميخائيل باكونين
ما الذي يسعى فينيكس إلى تدميره عن طريق أغانيه ؟ الإجابة بديهيّة و بسيطة : إنّه يسعى لتجاوز كلّ الحدود التي وُضِعَتْ لتكبيل المبدع و إسكات صوته، يعادي فينيكس أعداء الحريّة فنصوصه تحرّض على الثّورة، ثورة يريدها فينيكس مستمرّة دائمة و متواصلة لأنّه ضدّ أيّ سلطة ( حتّى تلك التي مازالت لم تأت ) هذه هي روح الثّورة التي نستشفّها من خلال نصوص فينيكس فهدفه تحطيم كلّ سلطة و هي الرّغبة الخلاّقة في التّدمير كما وصفها باكونين. يتصدّر فينيكس قائمة الأناركييّن في تونس فهو يكرّس كلّ مجهوداته و طاقته الإبداعيّة لمحاربة السّلطة و رفض كلّ القوانين الظّالمة و هذا ما يظهر جليًّا في معظم أغانيهِ.
● إِنْفِلْوَنْزَا : يمكن أن نعتبر هذه الأغنية هي البداية الحقيقيّة لفينيكس، سواء كان ذلك على مستوى الموسيقى أو على مستوى النّص. لقد أحدثت هذه الأغنية فرقا بين فينيكس و باقي فنّاني الرّاب و ذلك من ناحية الأسلوب الذي كان تقريبا لا يختلف كثيرا خاصّة على مستوى الموسيقى. في المقطع الأوّل من الأغنية وصف لحالة الشّعب و يشير إلى ما يعانيه أولاد الأحياء الشّعبيّة نتيجة الوصم و الأفكار المسبّقة عن هذه الأحياء التي يعتبرها الكثيرون بؤرة للفساد و مرتع المجرمين و من يولد هناك فهو سيكون – بصفة آليّة – مشروع مجرم. و يحاول فينيكس أن يحطّم هذه الصّورة القاتمة مشيرا إلى ضرورة النّظر إلى الجانب المشرق في شخصيّة أولاد الحوم “عاشر بالخير هوني كان الرّجلة تلقى” ثمّ يؤكّد فينيكس على أنّ العقليّة من الصّعب أن تتغيّر و أنّ الأفكار المسبقة ستظلّ تلاحق أبناء الأحياء الشّعبيّة و الطّبقاتالكادحة و المهمّشة من أبناء الشّعب “في بلا دكم ما يعيش إزوالي تي كلامي و نقولو طوالي تتفش و تنتز تنتش و هذا أخر كلام النوالي” ثمّ يشير النّوالي إلى ظاهرة النّفاق و يتوجّه إلى أولئك الذين إحترفوا التّنظير بأن يبدأوا بإصلاح أنفسهم قبل الغير ففي كلّ شخص جانب حيوانيّ لا يعلم متى يظهر. أمّا المقطع الثّاني فهو إستعراض عضلات و تحدّي صريح لكلّ القوانين و دعوة حتّى لتجاوز المحرّم و الحقيقة أنّ الكلمات هنا تكشف عن شخصيّة إنفعاليّة و مندفعة ” فينيكس مريض في راسي” “باش يبدى ضرب الكف لن تنتمي فالقلوب تختلف”.نلاحظ غياب الصّور الشعريّة و الإستعارات فهذا لا يتماشى مع شخصيّة فينيكس الذي إعتمد أسلوبا مباشرًا في الخطاب مع توظيف لمعجم بذيء و هو المعجم الوحيد الذي كان يمكن إستعماله لإيصال الصّورة السّوداء للواقع.
● بَاسْتَارْدُو : يعود فينيكس – مرّة أخرى – إلى ظاهرة النّفاق فيوجّه نقده إلى المنافقين و الإنتهازيين لكن المباشرتيّة في هذا النّص قد يفهم منها أيضا أنّها خطاب موجّه إلى المستسلمين من أبناء الشّعب و يدعوهم إلى الثّورة على من يحاول خداعهم و نهبهم من أصحاب السّلطة:
دراكولا، الفلوس، الدّم الكل إتمص…تحبوا تعبيو الصّندوق و يحكمكم باستاردو.
ثمّ يحتجّ فينيكس و يستغرب من حالة الخمول التي يعيشها الشعب و التي لا يقبلها أيّ ثائر محبّ للحريّة ”تاعب من هالموال ساكن فوق لجبال راسي موجّع من عشرة بشر فيه قليل من نفوس قلوب السّالمة“ و المقطع الثّاني هو كلام موجّه مباشرة للمستمع يشخّص فيه فينيكس حالته المزرية و يذكّره بحريّته المسلوبة و تسلّط و فساد من يحكمه ”عينيك ذابلة فمك مكبل يحكموا فيك الكوازي“. في آخر مقطع من الأغنية يظهر الطابع الأناركي للنص عندما يعلن فينيس أن القوّة هي الحلّ و أنّ الطبقة الجبانة من الشّعب لابد أن تغيّر أفكارها و يعلن أنّ السّلطة هدفها الوحيد هو قمع الحريّات: ”تحبوا إلّي يغفّص يهدّم يرفّس تحبوا تسكّتوا رجال في قفصة.“
● أُحْكمُوا لَحْيُوطْ : هذه الأغنية مع ”مستر مصطفى“ يظهر فيها فينيكس بلباس أبيض و في زنزانة ضيّقة و هي إحالة على أنّ البلاد تحوّلت إلى سجن كبير يديره أصحاب السّلطة. عبّر فينيكس في المقطع الخاص به عن الوضع المزري الذي تعيشه البلاد و الدّور القذر الذي تلعبه وسائل الإعلام المتواطئة من النّظام الذي ساهم في تأزيم الأوضاع و مغالطة المواطن.
منحبّش سيليكون في بلاد البزازل نازل فاك ذو ميديا يرحم عمّي سيستام فاسد…نيك الميديا إلّي كاتمة إلّي باكمة
فهم فينيكس أنّ التّسلط و ”تَبْهِيمْ“ المواطن و تعويم القضايا لمهمّة هو دور الإعلام المطيع و الذي تتخذه وسيلة لتحقيق أهدافها و مصالحها لذلك فإنّ فينيكس قد أعلن الحرب على وسائل الإعلام و هو ما نلاحظه في أغلب نصوصه ففي كلّ مرّة يوجّه لها أصابع الإتّهام و بطرق مختلفة تارة بالتّلميح و طورا بالتّصريح.
● شَعبْ سَنْقُورْ : أعتقد أنّ هذه الأغنية هي من أفضل أغاني الرّاب في تونس و ذلك لطرافتها و الموسيقى المتناغمة تماما مع النّص. يتعرّض فينيكس إلى قضيّة الزّطلة و الفقر في الأحياء الشّعبيّة و لكنّه يعلن أيضا أنّ الرّاب لا يمكن أن يكون وسيلة للتمعّش ”موزيكا ما جابت مصروف“ و يرى رغم كلّ ذلك أنّها السّلاح الوحيد الذي يمتلكه في حربه على السّلطة و الإعلام ”المكفوف“ ثمّ تظهر من جدد الرّوح الثّورية السّاعية لتحقيق حريّة مطلقة دون أيّ قيود و ينعكس ذلك على النّص ”بلاد موش قابلة للعيشة نحّي الشيوخة سيّب الحشيشة“ في إحالة على القانون عدد 52 و الذي تستعمله السّلط لإسكات المبدعين و قد كان فينيكس ضحيّة هذا القانون كذلك ”ولد 15“ الذي أعلن النّوالي عن مساندته المطلقة له من خلال أغنية لا تصالح.
إنّ المتمعّن في نصوص فينيكس يستنتج أنّها تتمحور أساسا حول طلب الحريّة و لا شيء غير الحريّة. هذا الرّابور الأناركي صاحب القلم البذيء لا يتوانى في شتم السّلطة و الدّعوة للعصيان و التّمرّد، وهو كذلك يعلن الحرب على كلّ السّياسيين في البلاد إذ لا أحد يمكن أن يمثّله سواء كان من اليمين أو من اليسار.
غنوشي لحمّة الهمّامي بين سماهم ناصب علمي.
iThere are no comments
Add yours