في شهر نوفمبر من كلّ عام، تتحوّل المدينة العتيقة بتونس العاصمة إلى “مدينة أحلام”. وتحضيرًا لتظاهرة هذه السنة (من 4 إلى 8 نوفمبر)، تعاون عدد من الفنّانين والمتساكنين طيلة الشهور الماضية على ملء الفضاء العام بالفنّ المعاصر.
أطلق الأخوين سفيان وسلمى الويسى “دريم سيتي” سنة 2007. اختار الشقيقين التاريخ الرمزي 7 نوفمبر لإنشاء تظاهرة تتبنّي إرساء فضاء «لخلق فضاء للتعبير الحر و الحركة الطليقة». ونظرًا للترحاب الذي خصّ به الجمهور المبادرة، تقرّر تنظيمها مرّة كلّ سنتين، من قبل “الشارع فنّ”، وهي جمعيّة ثقافيّة غير ربحيّة.
ومع أنّه تمّ تنظيم “دريم سيتي” في صفاقس (2012) ومرسيليا (2013)، تبقى “المْدينة” في تونس العاصمة محطّة أساسية لهذا الحدث. وبالفعل، تمثّل المدينة العتيقة إطارًا مثاليًا؛ يعير المكان نفسه لحرّية تنقّل الزائرين ترجّلاً بين مختلف العروض الفنّية التي احتضنتها أماكن عدّة – شوارع ونزُل وساحات –. و و تؤكد سلمى الونيسي أنّ المناسبة تمثّل فرصة لاستغلال مواقع من التراث الوطني والاحتفاء بها.
فنّ وتواصل اجتماعي
«فنّ وتواصل اجتماعي» هو شعار دورة هذا العام. والفكرة هي إستقطاب الجمهور، وليس فقط الزوّار الذين يدفعون عشرة دنانير في اليوم كمعاليم دخول (سبعة دنانير للطلبة)، ولكن – وهذا أكثر أهمّية – أولائك الذين يعيشون ويشتغلون في المدينة العتيقة. وفي نفس الاتّجاه، تؤكّد سلمى الويسي على أهمّية “مسار التخليق” التي يتعاون من خلالها الفنّانون مع سكّان المكان.
هذه السنة، تمّ انتقاء ستّة عشرة فنّانًا من تونس، إفريقيا وأوروبا ليصبحوا مواطنين مؤقّتين بالمدينة. نزل هؤلاء ضيوفًا على عائلات محلّية، طيلة أسبوعين في شهر مارس الفارط وخمسة أسابيع بين سبتمبر وأكتوبر، وجالوا أنهجها مع مختصّ في التاريخ، فحفظوا أسرار متاهتها. وكُلّف ثلاثة وسطاء بوصل الفنّانين بقاطني المكان الذين كانوا جزءًا لا يتجزّأ من التحضيرات، عبر مشاركتهم المباشرة في مسار التخليق و/أو بتوفيرهم بعض الخدمات والمواد.
الفنانون المحلّيون والباعة
بدأت “دريم سيتي” في اكتساب صيت عالمي وفي تقديم نموذج يمكن الإقتداء به، بفضل ما حقّقته من سمعة وتأثير ميداني يخدم الصالح العامّ. فمن تداعيات العمليات الارهابية أنْ توقّف تدفّق السُيّاح، الذين كانوا يفدون لاكتشاف أزقّة المدينة الضيّقة ولتمتيع أنظارهم بمعمارها واقتناء المنتجات التراثية والحلويات التقليدية.
وقال من تحدّثنا إليهم من باعة وفنانين ومتساكنين أنّ ’دريم سيتي’ أحيَت المدينة وجلبت الناس – وبذلك أنعشت التجارة – إلى المكان. فإلى جانب ما احتاج له منظّمو التظاهرة والفنانون من خدمات ومشتريات طيلة الأشهر السابقة، يشتري الزوّار الذين قدموا لاكتشاف فنّ الشارع الصناعات التقليدية والمأكولات. وفي معرض حديثه عن تداعيات الإرهاب، والبطالة وعدم الاستقرار السياسي، أوضح أحد سكّان المدينة أنّ هذه التظاهرة لا تدعم الاقتصاد المحلّي فحسب. بل هي تذكير منعش بأهمّية الفنّ والثقافة والتراث في الحياة اليومية.
iThere are no comments
Add yours