بقلم عبد المجيد حواشي1،
يسمونه إرهابا وليس بالإرهاب وإنما هو الحرب و الحرب خدعة بل إنها أم الخدع. فباستثناء الحروب العادلة لا تتوقف الخدع فقط على المواجهات الميدانية أثناء المعارك وإنما تتخطى ذلك إلى الدسائس و الألاعيب و المكر و الأكاذيب ولا سيما التي تستهدف الشعوب قصد تعبئتها وحشدها وتصييرها في الغالب إلى لحم مدافع لخدمة مصالح حفنة من الكواسر. وتتبوؤ وسائل الدعاية الحربية مكانتها المخصوصة في لعبة الحرب قصد المغالطة بابتداع و انتقاء الكلمات المشوهة للوعي الجمعي والمخيال العام…كلمة “إرهاب” في السياق الظرفي المخصوص هي واحدة من الكلمات المنحدرة من السجل الأسود للحرب في زمن العولمة. ويبدأ التفطن إلى الطابع المخاتل و المخادع لهذا المصطلح منذ طرح السؤال المحوري : من يرهب من ؟
“عن أي إرهاب تتحدثون ؟ أتعرفون الإرهاب الفلاحي ؟ كيف تتركنا السلط فريسة للفقر والجوع و لا تسمح لنا باستغلال الأراضي الدولية المجاورة لنا و لو على سبيل الكراء بل تؤثر أن تبقى تلك الأراضي بورا على مر السنين ؟” هكذا زمجر أحد متساكني “الحزام الناري”2 في وجه صحفي إحدى القنوات التلفزية. و أردفت “زوالية” أخرى “لقد أرهقتمونا بالكلام عن البنية التحتية. أتعلمون أننا نعيش تحت البنية التحتية ؟ نعيش تحت “الردم”. سيقولون أن هذه مقاربة تبسيطية لدوافع “الإرهاب” ولو أن في هذا التبسيط جانب قوي من الحقيقة. ولكننا لسنا في وارد تحليل دوافع “الإرهاب” وإنما في وارد تقويض هذا المصطلح أصلا.
على سبيل الإستئناس لا غير
بعيدا عن الإستنساخ و الإسقاط نذكر بأن النزاعات الحربية الكبرى صممتها فيالق سياسية وإعلامية و فكرية اشتغلت بكل حزم مع الفيالق العسكرية في حروب طاحنة أودت بحياة عشرات الملايين من البشر. ودأبت تلك الفيالق على تزييف طبيعة تلك الحروب. فالكل يعلم الأغراض الإستعمارية و التوسعية للحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي وعبثا سعت القوى الثورية إلى تحويل النزاع من “قومية ضد قومية” إلى “طبقة ضد طبقة” ولكنها لم توفق بالقدر الكافي.
الحرب الإرهابية من أفضع الحروب في زمن العولمة
لقد هرمنا لا بل قد بشمنا “وما تفنى عناقيد” السفسطة و الحماقة و ضيق الأفق و الخداع أحيانا لؤلائكم المهرولين إلى “أطباق” القنوات التلفزية مع كل فاجعة “إرهابية” ليقدموا لنا قراآت يدعون أنهم يتأتون فيها بالإضافة تلوالإضافة بصفتهم مختصين في الحقوق وفي الإسلامولوجيا والتاريخ العسكري وهلمجرا…على أن أفضل ما في تلك القراآت هو أحيانا الجانب الوصفي لبعض تجليات الظاهرة “الإرهابية” كطابعها الكوني و الإفتراضي المرافق لمثيله الميداني…إلا أن هذه “التحاليل” تتكتم على الفاعلين الحقيقيين للظاهرة و عن القوى التي تقف وراءها و لا تتجرأ بطبيعة الحال على الخوض في الإستتباعات المنشودة بصدد استئصالها. ولعل الإنطلاق من بعض المسلمات النظرية قد يساعدنا في تقصي طبيعة الحرب في زمن العولمة والتي يسمونها إرهابا والتعرف على حقيقة الرهانات القائمة وراءها والفاعلين المستفيدين منها.فمن المعلوم أن اللبرالية المتوحشة رديفة العولمة تلجىء إلى شتى أشكال العنجهية و البربرية في نسج التحالفات والشراكات بين الطغم المالية (Les oligarchies financières) يحكمها في ذلك واقع التبعية البينية (l’interdépendance) ووحدة المصالح العابرة للقارات بل و قل حتى العابرة للهويات و الأديان ضاربة عرض الحائط بكل القيم والإيثيقا وإنسانية الإنسان…وإلا كيف نفهم هذا الود و التودد القائم بين ديمقراطيات العالم ونظام عبودي كنظام قطر الذي ستظل فاجعة العمال النيباليين الأربعين الذين توفوا تحت تعذيب مشقة عمل لا يطاق وسط ونار جهنم شاهدة على فضاعاته وجدت الفاجعة بمناسبة تشييد مركبات الأبهة الرياضية لأمراء البترودولار. ومع ذلك فإن إمارة قطر تفوز بصفقة تنظيم كأس العالم لكرة القدم وبتغيير رزنامة هذه التظاهرة من صيفية الى شتوية. أما أكبر الممالك الوهابية فقد رأينا كيف خر رؤساء العالم ساجدين لها بمناسبة وفاة الملك في وقت كانت تلك التيوقراطية تطبق بالحرف الواحد ما تنشده السلفية الجهادية من تنكيل وحشي يالحداثيين ولم تمنع واقعة شارلي هبدو التي جدت بصفة متزامنة مع مراسم تشييع جثمان الملك السعودي من التعبير عن متانة المحور الإستراتيجي “الديموقراطي”-التيوقراطي الموغل في الإرهاب الرسمي. يقول الفيلسوف الفرنسي ريجس دي بري
ميزان الحسابات هو الذي يفسر تعزيز علاقات الصداقة بين “موطن حقوق الإنسان” و العربية السعودية أين تقطع كل أسبوع بحد السيف وليس بالخنجر وفي الساحة العامة رؤوس المدانين بالخيانة الزوجية أو بالكفر3.
الموضوعية و اليقظة الفكرية من شأنها أن ترشدنا إلى فهم ما يبدو أنه من قبيل المفارقات. ومع ريجيس دي بري نتعمق في فهم التحولات الخطيرة في العلاقة بين السياسي و الإقتصادي في زمن العولمة “أن يتعلق الأمر بممرن أو برئيس دولة أو ببابا روما أو بناشر في باريس فإن فن السياسة يكمن في تحويل الأجزاء إلى كل و المجموعات السكانية الى شعب والأوغاد إلى فريق واحد أما الخدعة الإقتصادية فلها مفعول عكسي. إنها تفتت الكل إلى شظايا. الأول يؤلف والثاني يفرق…عندما تعوض الأمة بالمؤسسة الإقتصادية لا سبيل إلى الموت من أجل (شركة) “”طوطال” “4. إننا نعيش في عالم بات فيه السياسي خادما مطيعا لرأس المال المالي وتكاد تنقرض فيه الدولة الراعية للحقوق و المكاسب الإجتماعية التي وردت في سياق نضالات الكادحين و الشعوب المصممة على الإنعتاق من شتى أرهاط الإستغلال و الإضطهاد. و ها أن الدولة تتحول شيئا فشيئا الى راعية لمصالح البنوك المؤسسات المالية. ففي سنة 2008 هرعت الدولة في الولايات المتحدة لنجدة البنوك المتسببة في الأزمة المالية الحادة أنذاك ووضعت على ذمة كبار المضاربين الماليين مقدرات الشعب التي اقتطعها من الضرائب. والدولة في الولايات المتحدة هي كذلك عميلة للوبيات علما و أن تكوين اللوبيات واشتغالها أمر متاح في بلد العم سام. ومن بين اللوبيات الكبرى نجد لوبي صناعة الأسلحة الذي تقوم فيه شراكة قوية بين القطاع الخاص و القطاع العام بما يعطي سبقا شاسعا للولايات المتحدة في مستوى صناعة الأسلحة في العالم. وسواء تعلق الأمر بهذا البلد أو بغيره من صناع الأسلحة فإن هذه السلعة لا تزال على حد علمنا محتفظة بكامل قيمتها التبادلية. بل يذهب بعض الأخصائيين إلى الجزم بأن تجارة الأسلحة تدر أرباحا تفوق العائدات النفطية.وهنا يداهمنا السؤال الذي لا مفر منه من هم زبائن هذه التجارة ؟ هنالك طبعا الدول وفي مقدمتهم الديكتاتوريات العسكرية وفي مقدمة المقدمة الدول النفطية الخليجية ولكن هنالك أيضا العصابات المسلحة التكفيرية.أما عن موارد تلك العصابات فقد استمعنا و أكثر من مرة و من مصادر موثوقة و جدية بأنها متأتية من البترودولار.
البترودولار عصب الحرب الإرهابية
إن ما يدفع إلى التفكير في ظل هذه المعطيات البديهية هو بالخصوص إمكانية تشابك مصالح اللوبيات النفطية الخليجية مع لوبيات صناعة الأسلحة وهو أمر وارد في ظل العولمة المالية بالخصوص و التي تقوم من بين ما تقوم على حرية تنقل رؤوس الأموال La mobilité des capitaux علما وأن العولمة المالية أصبحت تبيح حتى تبييض الأموال المتأتية من تجارة المخدرات فما بالك بالشراكات “المشروعة” المباشرة أو غير المباشرة بين لوبيات النفط والسلاح. ويبقى أولا أن العنصر المساعد في هذه الفرضية القوية هو تفسخ المؤسسة السياسية في الديمقراطيات العريقة كما يذهب الى ذلك ريجيس دو بري بما يفتح المجالات الشاسعة لصولات و جولات رأس المال المالي أنا كان مصدره. ويبقى ثانيا أنه في ظل العقلية الناهبة و المتوحشة للطغم المالية العالمية فإن أفضل شركائها ستظل تلك الكيانات التيوقراطية الخليجية التي لا تزال تعيش في مرحلة ما قبل الدولة. لذلك فإن الشراكة المتميزة مع هذه الكيانات تطلق أيادي أرباب المال و الأعمال المعولمة لتقوم بكل “الموبيقات” المحجرة في بلدانها. ويبقى ثالثا أنه للأوليقارشيات النفطية الخليجية حساباتها الخاصة التي استعجلها انتقال التاريخ إلى السرعة القصوى بعد14 جانفي 2011. تزلزلت الأرض تحت أقدام الكيانات الخليجية بعد أن أصبح خطر الثورات الإجتماعية الزاحفة مخيما على أفئدتها. و باختصار لم يكن أمامها من خيار سوى إحدى إثناتين : إما الثورة الإجتماعية الداهمة و إما الحرب الإرهابية الدائمة. وبطبيعة الحال فإنها لم تتردد في ضخ البيترودولار الذي أصبح عصب حروب إرهابية مركزها في البلاد العربية و تخومها في أروبا و بلدان أخرى… و في المحصلة قد يكون استثمار البترودولار في الحرب الإرهابية المستديمة مربحا بما أن لكيانات الخليجية قد تكون في تداخل مع لوبيات صناعة الأسلحة وهو موضوع للبحث…
وفي الأثناء تزداد أوضاع “الزواولة” في الحزام الناري خطورة على خطورة بما أن أبناءهم من الأمنيين هم الذين يقفون على خط النار دروعا بشرية تحمي مصالح الطبقات الميسورة و الوسطى في المدن الساحلية من استفحال ما يسمى ب”الإرهاب”. ولكن الحقيقة عصية على الدجالين بل أن”الحقيقة وحدها ثورية” والقوى الشعبية سائرة لا محالة و حتى من خلال تجربتها الخاصة في طريق إماطة اللثام عن حقيقة الإرهاب بوصفه ضربا من ضروب الحرب في عصر العولمة برهاناتها و بمتنها المالي و السياسي و الجيوستراتيجي دون استنقاص الدوافع الإديولوجة. ولن تنفع أساليب التنكر و المخادعة التي تسعى الى خلط الأوراق قصد الحيلولة دون فرز العدو من الصديق في حرب الإستنزاف هذه التي يخطط فاعلوها السريون و العلنيون لإغراق الشعوب في حروب داخلية مخربة ومدمرة كما هو الشأن في أفغانستان و العراق و الصومال و الحيلولة دونها و الثورة الإجتماعية و تقرير المصير والفوز بالمبادرة التاريخية.
هوامش
1. أستاذ مبرز في التاريخ وصحفي صاحب كتاب : La Révolution en Tunisie désillusions et horizons.
2. استعارة نسبة إلى الجهات المهمشة منطلق الثورة الإجتماعية في تونس
3. Régis Debray Le Monde Diplomatique d’Octobre 2014
4. المصدر السابق.
الإرهاب ثلاثة أنواع سيدي خويا
النوع الأول: إرهاب القوى العظمى اللي يصير عبر الحروب المباشرة أو الحروب بالوكالة. إرهاب من أجل تحقيق أهداف حضارية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية. إرهاب حلال زلال في عرف القانون الدولي ومجلس الأمن ويستحيل محكمة لاهاي أو اتفاقية روما ضد جرائم الحرب تواجهو، ببساطة لأنها إحدى وسائله ومؤسّساته
النوع الثاني: هو إرهاب الأنظمة العميلة لنفس تلك القوى العظمى. أنظمة مافيوزية فاسدة ومستبدّة، باعت الأرض والعرض من أجل السلطة والمال. أنظمة بوليسية وكيلة للاستعمار. أنظمة لا تتردّد في سحق كل معارضيها من أجل عيون أسياد الخارج ومافيات الداخل. أنظمة تحمل عار الخيانة والعمالة ووزر الإستبداد والفساد وكله بما لا يخالف شرع المال والأعمال
النوع الثالث: إرهاب هو في الحقيقة نتيجة مباشرة للنوعين الأوّلين. نتيجة مباشرة لحروب القوى العظمى واستبداد وكلائهم المحليّين. نتيجة مباشرة للظلم والفساد والاستبداد والتفقير والتهميش والتجهيل والإخضاع بقوة الحديد والنار. إرهاب أعمى وراديكالي لكنه لا يقلّ وحشية وعنفا ودموية عن النوعين الأوّلين. لكن المفارقة أنّ هذا الإرهاب الناتج عن إرهاب القوى الإستعمارية وإرهاب الدولة القُطْرية العميلة على حد سواء هو الوحيد الذي يتعرّض للتعرية والإدانة والاستنكار. قليلون هم الذ ين يجرؤون على المساواة بين قنابل أمريكا العنقودية على الفلوجة وبراميل بشار المتفجّرة على حلب وقنابل اللحى الشعثاء الإسلاموية المتخلفة في كل مكان. قليلون يُدينون القتل والإرهاب أيا كان مأتاه بمبدئية لأنّ الموت واحد مهما اختلفت الوسائل.السبب وراء ذلك أنّ الأغلبية منافقة والتاريخ يكتبه دوما المنتصرون والعدالة لا توجد سوى في السماء
منذ الثامن عشر من مارس تاريخ المذبحة الدموية البربرية المدانة بكل العبارات وأنا أتساءل باستمرار: لقد قتل الإرهابيان بضعا وعشرين بريئا فانتفض الكثيرون لهول الجريمة بينما لا أحد انتفض عندما ذبح أعوان وزارة الداخلية التونسية أكثر من ستين مواطن أعزل ذات 8 جانفي 2011 في مديتني تالة والقصرين! كل تلك “النخبة” العميلة التي انتفضت ضد إرهابيي باردو قد بلعت ألسنتها عندما ضرب إرهاب الدولة تالة والقصرين أو تصدّروا الشاشات للدفاع عن إرهابيّي وزارة الداخلية التونسية، والحال أنّ الجريمة واحدة وعدد قتلى إرهاب الدولة أكثر من ضعفي ضحايا إرهاب اللحى الإسلاموية المتخلفة! بل الأنكى من ذلك أنّ ما يقترحه خرف قرطاج لمحاربة إرهاب تلك اللحى المجنونة ويباركه هؤلاء الأنذال هو قانون “عفو ومصالحة” يبرّىء كل القتلة والسفاحين والمجرمين الذين اغتالوا أبناء تالة والقصرين وسيدي بوزيد بدم بارد وغيرهم من الفاسدين والمرتشين والجلادين والصبّابة والمناشدين والمزوّرين والمصفّقين! وكلّه تحت عنوان “التوافق” و”الوحدة الوطنية” و”المصالحة”. لاجتثاث الإرهاب يجب تحقيق العدل وفرض العدالة (القانونية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، إلخ) وذلك ما يعمل إرهابيّو الدولة التونسية المارقة على الحيلولة دون وقوعه وبكل الوسائل. شكرا لشعب الحمقى والمغفلين
حتي الديماغوجية التي تستعملها في مقالك وطريقتك طريقة غسل الدماغ
هي في حد ذاتها إرهاب
علي إشكون تتمنيك
بعد إمنتهاء الحرب الباردة بقي الجميع ينتظر الحرب العالمية الثالثة لكن مفهوم العولمة و نجاح امريكا في بسط نفوذها على العالم غير الحرب بين الاقطاب و جعلها عالمية على الارهاب المقترن بالاسلام