بقلم مهدي الجلاصي،
حدثنا المهدي ابن كمال قال: في زمن ما بعد أحداث وُصفت بالياسمين، وبعد هروب سلطان طاغية وكتابة دستور للبلاد يحمي الوطن والمواطنين، أُجريت شورى بين عموم المسلمين، يسميها أهل البلاد انتخابات، وهي بدعة من المستحدثات، أفرزت حاكما للبلاد جديد، استفاد من التصويت المفيد، على حساب اليسار والتكتل والجمهوري والتجديد، يدعو إلى حكومة مدنية علمانية، تقضي على ارهاب السلفية الجهادية، وتعيد الينا هيبة السلطنة البوليسية.
مرت الايام والاسابيع والشهور، ولم تأتي الحكومة لتسوس هذا الشعب المقهور، علها تعيد له ما كان يعيشه من بهجة وسرور.. فأطل علينا رجل من المدينة يدعى الصيد، عمل مع كل عهد قديم وجديد، وخدم كل سلطان وحاكم وأمير للمؤمنين، يعرفه أهل البلاط على أنه الخادم المطيع الأمين، لم يُعرف عنه خبرة في السياسة، ولا تدبير ولا حضور ولا كياسة، اصطفاه السلطان صدرا أعظما، ظهر بوجه غامض بلا ملامح، ظنا منه أنه ذاك النسر الجارح، تعهد بتشكيل حكومة من حديد، علها تعيد إلى البلاد مجدها التليد.
فكر وهندس وتشاور يمينا ويسارا، واعلن عن حكومة لا تضمن استقرارا، رفضتها الاحزاب وهاج أهل الحل والعقد وهددوا واستكبروا استكبارا، وزارة غلبت عليها المحاصصة والترضيات، وأسندت للمقربين الدواوين وأحدِثت لأجلهم وزارات، والحال ان حاشية السلطان تعج بالكفاءات، قال إنها تكفي لتشكيل أربع حكومات.
تراجع عنها الصيد صاغرا وذليلا، وعاد إلى أولياء نعمته عله يجد عندهم هاديا ودليلا، واستشار كبار القوم وبدلها تبديلا. اعاد التشاور مع الاسلاف، الذين كان السلطان معهم على أشد الخلاف، وتعهد لرعيته بأنه لن يلتقي معهم كي لا يعيد للبلاد السنوات العجاف. فغضب الأنصار والقيادات القواعد، ورفضوا للأسلاف أي تواجد، وتوجهوا إلى السلطان العجوز بالسؤال، إن هذا لمن المحال، فتجاهلهم مستشاره، الذي يحتفظ بكواليس البلاط واسراره، حتى روى بعضهم أنه يتعمد حصاره، إلا عن ولي العهد، الذي يدخل قاعة العرش زهوا وطربا، ولا يرفض له المستشار امرا وطلبا، ويعين بطانة السلطان من مقربيه، ولا يحادث السلطان إلا من يطيعه ويواليه.
في الأثناء، طلب شيخ الأسلاف ود الصدر الأعظم، ومكانة لدى السلطان المعظم، بعد أن كان ينعته بالفسق والفجور، ويتوعد من والاه بالويل والثبور، لكن ذلك زمن بعيد، تجاوزته ضرورات الحكم المجيد، وصدقت نبوءة الشيخان، واقترب الإخوان من بنو علمان، واستعانا ببعضهما على مر الزمان، وخرج الصعاليك بخفي حنين، رغم مساندتهما للسلطان ضد غراب البين، الذين قطعوا أمامه الطريق، فجازاهم السلطان بأن عزلهم عن الفريق، فزمجر زعيمهم واستشاط غضبا، ولم يجد لإقصائه من البلاط سببا، واتهم السلطان والصدر الأعظم بأنهم من الأزلام، وبتشيعهم إلى إخوة الإسلام.
تنبيه: هذا النص من محض الخيال ولا نتحمل مسؤولية أي تشابه بينه وبين ما يحدث، ومن لاحظ اي شبه بين خيال النص والواقع فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يا ابن الجلاصي، حصّنك الله من كل الزلل والمعاصي، لولا أنني أمقت المدح والتصفيق، أهم معالم دياثة وخنوع الرقيق في بلاد إفريقية الشقية، موطن الشقاق والنفاق ومفاسد الأخلاق، لمدحت هذه المقامة البليغة في زمن الدجل والحيلة. ألا اعلم -أعزّك الله، أنّ “دستور البلاد” الذي حبّروه وبالنفاق والكذب غلّفوه لا “يحمي الوطن والمواطنين”، فهو لا ينسخ سابقه من الفرمانات والقوانين التي لا ترحم المستضعفين أو تردع الظالمين. وأما السلطان الخرف الذي قيل أنه صاحب خلف وشرف، فلم يكن سوى وزيرا في بلاط الطغاة السابقين، جبّارا في الزنازين أين تُعلّق الأرجل الحفاة، وتُجلد الظهور العراة لأفراد الرعيّة المارقين على إرادة وليّ نعمته العليّة. فلا عيب أن يتخّذ له واليا يعمل عمله أيام كان وزيرا عند غيره. ولا ضير أن يتّخذ من ضمن بطانته شيخا مشعوذا، بالدين عابثا لاهيا، يصدر له الفتوى تلو الفتوى ويجمع حوله دعاة الورع والتقوى، كي يبسط سلطانه في مملكته، ويُخضع كل رعيّته حتى وإن أعمل سيفه في رقاب معارضيه وفتل من لحى مشعوذيه حبلا يشنق به كل مناكفيه. وأما هياج الأعيان واحتجاج الأقيان فعادة ترافق كل سلطان حديث التقلّد بالتاج والصولجان، فكلّ قريب ومريب في بعض من الوجاهة والنفوذ طامع، لكثير من التملّق والنفاق صانع ولشائن الصفات وساقط القيم جامع. وأما الرعية فرغم شقائها فلأرجل ملكها مقبّلة علّها بخنوعها وخضوعها تضمن بعطاياه بقاءها. وتلك حال إفريقية منذ أمد، وما تناقله المؤرّخون عن شؤونها من عهد إلى عهد، ولا أحد يشكّ بجدّ في احتمال تقلّب الأحوال بعدُ. والسلام ختام