الاختفاء القسري والسجون السرية تقرير
(شيخ شارل نيكول نموذجا)
تمهيد:
عامان بعد الثورة ولا تزال الكثير من المواضيع بمثابة المناطق المحرمة ومن قبيل الالغام الموقوتة التي تهدد امننا ومسارنا الثوري.
من هذه اللاآت: لا للمحاسبة، لا للقناصة، لا للمفقودين وللسجون السرية، لا للبوليس السياسي، لا للجلادين.
وفي المقابل تواصل ظاهرة التعذيب والعنف السياسي التي بلغت مؤخرا حد الاغتيال السياسي كنتيجة طبيعية لتباطئ مسار المحاسبة والعدالة الانتقالية وفي أبشع مظاهر التجرؤ على الثورة.
ومن أكثر القضايا التي وردت على منظمة حرية وإنصاف بعد الثورة والتي لم تفتح إلى اليوم ولم تلقى مسارها القانوني والحقوقي تلك المتعلقة بالمحاسبة في قضايا التعذيب والتعويض، أرشيف البوليس السياسي والجلادين، والاختفاء القسري.
I. تعريف الاختفاء القسري:
حالات الاختفاء القسري تأخذ صورة القبض على الأشخاص أو احتجازهم او اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على نحو أو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعات منظمة أو أفراد عاديين، يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أوغير مباشرة، برضاها أو بقبولها.
ثم رفض الكشف عن مصير المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم مما يجرّد هؤلاء من حماية القانون.
ممارسة هذه الأفعال على نحو منتظم يعدّ جريمة ضد الانسانية.
II. حالات الاختفاء القسري في تونس :ملف شيخ شارل نيكول نموذجا
1. الإطار القانوني:
نصت الاتفاقية الدولية حول الاختفاء القسري على جملة من المبادئ الكفيلة بمنع وقوع مثل هذه الحالات:
أولا:اثناء الاحتجاز او السجن
لا بد من التقيد الصارم بالمبادئ المتعلقة بحماية جميع الاشخاص الذين يتعرضون لأيّ شكل من أشكال الاحتجاز والسجن.
وهنا تتنزل الحالة الاولى شخصية شيخ شارل نيكول:
وجدته منظمة حريّة وإنصاف في وضعية لا انسانية في مستشفى شارل نيكول مريض موقوف على ذمة قضية محاولة سرقة اصابه المرض ثم توفي في .فترة وجيزة لا تتجاوز الشهرين وهو ما يثير العديد من الشبهات
ثانيا :عند وفاة السجين او المحتجز
(حسب الاتفاقية) عند الوفاة أثناء الحرمان من الحريّة لا بد من بيان ” ظروف وأسباب الوفاة والجهة التي نقلت لها رفات المتوفي”
وهنا تتنزل الحالة الثانية الجثّة المقدمة على أنّها لعبد الملك السبوعي شيخ شارل نيكول .
وقد وجدت في حالة تفتقر لأبسط قواعد الانسانية والحرمة الجسدية في المشرحة.
ثالثا:في حالات الاعدام خارج نطاق القانون
تنص الاتفاقية على منع عمليات الاعدام خارج نطاق القانون اي الاعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة
وهنا تتنزل الحالة الثالثة للمفقود الشيخ احمد الازرق
وقد أكدت عائلة الأزرق أنّها هي نفسها الشخصية المجهولة لشيخ شارل نيكول، والشيخ أحمد الأزرق قد تم ترحيله بطريقة غير شرعية من السعودية ومحاكمته في إجراءات موجزة وتنفيذ حكم الإعدام خارج إطار القانون ودون تسليم الجثة.
2. العرض التفصيلي:
أ- الحالة الاولى “شيخ شارل نيكول المريض المسجون”
وجدته منظمة حرية وإنصاف في حالة اهمال شديد بمستشفى شارل نيكول.الوضعية اللاإنسانية التي كان عليها السجين(1) والهوية المجهولة (2) تثيران حوله شبهة قوية في حالة اختفاء قسري.
(1) الوضعية اللاإنسانية:
– شيخ متقدم في السن موقوف على ذمة قضية محاولة سرقة
– في السبعين من عمره حسب الادارة والملف الطبي والأبحاث العدلية
في حالة صحية حرجة
في وضع لا إنساني في المستشفى (مقيد القدم الدود ينخر جسده العري إلا من حفاظ يستر عورته)
منذ ايقافه في جويلية أقام بثلاث مستشفيات(الرازي الرابطة شارل نيكول)
ولولا تدخّل منظمة حرية وإنصاف للمطالبة بغرفة إنعاش وتحسين وضعه الانساني والاهتمام بنظافته والعناية به لما تحركت الجهات الرسمية، والتي استجابت تحت الضغط الحقوقي لتحسين وضعيته وأعلمتنا بأنّ وضعه الصحي في تحسن.
هذا يتنافى مع ما جاء في الاتفاقية “التقيد الصارم بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن”.
(2) الهويّة المجهولة:
–بطاقة عدد 1 للمدعو عبد الملك السبوعي مضمنة بصماته دون وجود صورة تحدد صاحب البصمة.
–شخص في سن السبعين لم يملك يوما بطاقة تعريف وطنية.
–لاأثر له ولا لعائلته في المكان الذي قيل أنّه مسقط رأسه.
–تمّ إضافة صفة مختل المدارك العقلية في بطاقة رفع البصمات بخط اليد.
النتيجة: عبد الملك السبوعي المسجون المريض والذي قيل أنّه توفّي ذو هويّة “غير معروفة لدى الإدارة الفرعية للتعريف العدلي”. ولم يبقى منه إلاّ جثة.
ب- الحالة الثانية الجثة فهل ان الجثة المقدمة على أنّها لعبد الملك السبوعي تتطابق وصفات الشيخ السابقة؟
صفات الجثة المقدمة لا تتطابق وصفات شيخ شارل نيكول كما وجد بالمستشفى ولا مع صفات عبد الملك السبوعي للأسباب التالية:
-تعذر مطابقة بصمات عبد الملك السبوعي التي لا تحمل صورة ببصمات الجثة بدعوى أنّها تحلّلت.
— جثة لشيخ في السبعين حسب المعاينة الطبية الملف الاداري والعدلي في المقابل: اختبار الأسنان للجثة أثبت أنّها تتعلق بشخص في 48 سنة من عمره.
–العلامة الوحيدة المميزة له طقم أسنان من النوع الرفيع “زرع لبريدج باهض الثمن في طقم الأسنان” قام به لدى طبيب خاص.
ـــــ< شخص في 48 سنة ليست له بطاقة تعريف؟ إفادة لا يقبلها الواقع والمنطق.
شخص مشرد ومختل المدارك العقلية وغير معروف الهوية لا يمكن أن يكون حامل لطقم الأسنان باهض الثمن.
ــــــ< الجثة تبقى مجهولة الهويّة، بدون بصمات بدون ملامح وعينان مطموستان ولشخص من مستوى اجتماعي معين، وهو كهل في الأربعينات.
ت- الحالة الثالثة الشيخ أحمد الأزرق الذي أعدم بإجراءات موجزة وإعداما تعسفيا.
(1) ظروف المحاكمة والإعدام:
- عائلة أحمد الأزرق تتعرف على صورة شيخ شارل نيكول وتؤكّد أنّها لوالدهم المفقود أحمد الأزرق الذي قيل أنّه أعدم ولم يتسلموا جثته.
- تسليم غير شرعي من السعودية "بهويّة مزورة"
- إعدام موجز في ظرف أيّام من تسليمه وحتى دون انتظار مآل التعقيب.
- عدم وجود محضر إعدام – ملف كامل في غياب المحضر – عدم حضور محام لعملية الإعدام – عدم تسليم الجثة للعائلة – تقديم شاهد عن وزارة العدل على أنّه حضر الإعدام.
(2) إفادة الشهود حول واقعة الإعدام:
- عون السجون الذي قدمته وزارة العدل أفاد أنّه وقعت عمليتا إعدام: لملازم في الجيش وللمدعو أحمد الأزرق، وقد حضر معه حينها كل من وكيل الدولة العام، كاهية مدير السجون والإصلاح، متفقد عام السجون والإصلاح، طبيب السجن وشيخ:
وقع إعدام الكيلاني الوشاحي الملازم، وبعد شهر أعدم المدعو أحمد الأزرق وقد اكد الشاهد انه لم يره إلا ساعة الإعدام ودفن بأصفاد في يديه.
- الوكيل العام ممثل النيابة العمومية في محاكمة الشيخ أحمد الأزرق أفاد أنّه لم يحضر إلاّ عمليتي إعدام الأولى للملازم الكيلاني الوشاحي والثانية لحبيب الضاوي.
و انه لم يحضر لإعدام الأزرق "لأدائه لمناسك الحج" وهو ما يتناقض مع شهادة العون المقدم من وزارة العدل ومع تاريخ مناسك الحج لسنة 1986 حيث أن تاريخ تنفيذ الإعدام هو 2/9/1986 يوافق 27 ذو الحجة.
- الطبيب الذي عاين جثة أحمد الأزرق وأمضى على شهادة الوفاة لم يحضر إلاّ إعدام واحد في حياته قيل أنّه للأزرق الذي لم يره إلا ساعة الإعدام وأمضى على شهادة الوفاة، أفاد بحضور قاضي (الوكيل العام) لواقعة الإعدام. وأفاد بأن المدعو أحمد الأزرق الذي أمضى شهادة وفاته وحضر إعدامه لم يمت بالطلقات التي وجهت إليه فصوب له قائد المجموعة طلقة في رأسه coup de grace.
- تم تنفيذ إعدامين فقط من أصل ثلاث إعدامات محكوم بها.
(3)نتائج معاينة القبر والتحليل الجيني:
- وجود جثة بالأصفاد في قبر المدعو الأزرق.
- عدم وجود طلقة برأس الجثة المعرفة بأنّها للأزرق كما أفاد الطبيب.
- التقرير الجيني للجثة الموجودة بقبر الأزرق انتهى إلى إثبات علاقة بيولوجية مع عائلة الأزرق بنسبة حوالي 37.5% وهو ما يتعارض مع رأي الخبراء للتحليل الجيني في إنّ إثبات النسب يتطلب بلوغ 99.99 بالمائة وهو ما أكدته ايضا طبيبة مختصة في علم الجينات في شهادة قدمتها للمنظمة تفيد فيها أن التحليل الجيني منقوص وغير كاف لإثبات الأبوة حيث أنّه لم يستوفي الشروط العلمية المطلوبة في هذا المجال.
- هذا بالإضافة إلى أنّ الاختبار غير محدد للجهة الممضية حتي يسهل معه التفصّي من المسؤولية.
السؤال بالنسبة للعائلة والمنظمة لم يعد مطروحا بعد أن تبين بالمعاينة أنّ الجثة لا تحتوي على طلقة بالرأس. لكن نتساءل عن مدى جدّية الاختبار الجيني الذي يعتمد على نسبة 37.5 بالمائة ليقر وجود علاقة بيولوجية بين العظام والعائلة؟
<<< النتيجة: الجثة الموجودة في قبر الشيخ أحمد الأزرق ليست جثة الشيخ أحمد الأزرق لعدم وجود أثر طلقة في الرأس وللطعون الموجهة للاختبار الجيني .
الطلبات:
إنّ كل ملفات التعذيب والقتل والاختفاء وخاصة الواقعة خلال وبعد الثورة تشهد تعطيل كبير وتسييس فاضح في غياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهة ملفات المحاسبة وفي مقابل ضغط رموز الفساد و منتهكي حقوق الإنسان على كل مجهود في كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين.
والحملة التي تعرضت لها المنظمة خير دليل:
1- منظمة سلفية لأنّها تدافع على ضحايا تعذيب خلفيّاتهم سلفية.
2- منظمة إرهابية لأنّها تطالب بكشف حقيقة مقتل الزوجة في دوّار هيشر ولا تصدّق تصريحات الداخلية والأمنيين.
في نفس الوقت لاحظنا أيضا تباطئ واستهانة في تناول ملفات المحاسبة:
1- قضية موت كل من محمد البختي والبشيرالقلي المفرج عنهما.
2- قضية مقتل المرأة بدوّار هيشر "تنازع سلبي في الاختصاص بين ابتدائية تونس وابتدائية منوبة" لتضيع الحقيقة والحقوق.
3- قضية الاغتيال السياسي شكري بلعيد وما صاحبها من تسييس وإشاعات وعنف.
4- قضايا العبدليّة والسفارة الأمريكية (إيقافات بالجملة وتعذيب وإفراجات بالجملة لتضيع الحقيقة والحقوق)
5- التعذيب في بئر علي بن خليفة (شبهة قوية حول وجوده، تحقيق جاري ولا وجود لأصابع اتهام وجهت إلى الآن أو إيقافات)
6- أحداث سليانة....
كلّها قضايا عالقة يمارس فيها الانتهاك والتعذيب وحتى القتل وتنتهي بطمس الحقيقة وإضاعة الحق.
لهاته الأسباب فإنّ حرية وإنصاف:
أوّلا: تطالب بتفعيل اتفاقية الاختفاء القسري كي لا تبقى كغيرها حبرا على ورق وذلك لما تتطلبه هذه النوعية من قضايا الاختفاء القسري من اجراءات استثنائية وفورية تتضمن حدّا أدنى من الاستقلالية للقضاء وتحمي الشهود والجمعيات الناشطة من أجل كشف الحقيقة.
ثانيا: تعلن تبنيها لخيار تدويل القضايا التي تندرج في إطار كشف الحقيقة والمحاسبة وخاصة لحالات الاختفاء القسري وتدعو المجتمع المدني إلى تبني هذا الخيار في اتجاه الضغط لفرض المحاسبة.
ثالثا: تعلن عن تأسيس هيئة لحالات الفقدان والاختفاء القسري تجمع عائلات الضحايا ومفتوحة لكل المنظمات الحقوقية من الداخل والخارج الداعمة لهذا الملف من أجل توحيد الجهود في اتجاه كشف الحقائق.
iThere are no comments
Add yours