هذه تذكرة لمن صحّ إسلامه لنصرة الإسلام الحق بتونس، أساسها ما قاله عالم جليل في متن كان يتعلّمه كل طفل في مدارسنا، فلا تغيب عنه حقيقة الإسلام وكنه تعاليمه المتسامحة.
لأن الإسلام بتونس، تماما كربوع بلادنا العزيزة، مشرق الأنوار، متسامح التعاليم، باسم التعابير، محب للخير، بعيد عن الشر والمفاسد، نظيف اليد والضمير.
فقد ثبت اليوم أن الفهم الأعرابي للإسلام، هذا الفهم الذي ندّد به القرآن، يتقدم بجحافله، وهي أعتى من جحافل التتر والمغول، ليجعل من إسلامنا ظلاما وهو نور على نور!
لذا وجب على كل مسلم غيور بحق على دينه أن يصرخ حتى يجيبه كل من حسنت نيّته وصدق إسلامه : واإسلاماه !
فالفهم السلفي الخاطيء للدين، ذلك الفهم الذي يأخذ الأكاذيب ويبتعد عن الحقائق كما بيّنتها الصوفية، وهي السلفية الحقة، يريد أن يقوّض صرح الإسلام المنيع الذي جاءت الثورة لإعادة تشييده بسواعد أبنائها العزّل من أي سلاح، إلا سلاح الحسنى في التصرّف الأمثل والكلمة الطيّبة، وخاصة نقاوة العمل واللسان وصفاء الفؤاد!
فلنذكّر هنا، والذكرى تنفع المؤمن الحق، ما قاله منذ أمد بعيد الإمام عبد الواحد ابن عاشر في المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، الذي نظّم أبياته، كما بيّن ذلك بنفسه، لتفيد الأمّي والجاهل، وقد كثرت أعدادهم اليوم بتونس وبخاصة في صفوف هذا الحزب الذي ادّعى النهضة للإسلام وهو يعمل على إنكاسها.
فمن واجبنا اليوم العودة إلى ما جاء في هذا المتن الذي بإمكان كل شابة وشاب حسنت نيتهما، سواء كانا بالمدينة أوالبادية، أن يسألا والدهما أو أمهما أو جدهما أو جدتهما عنه فيروونه لهما عن ظهر قلب، تماما كما سأذكّر به هنا.
فشبابنا غوى لما اعتاد سماعه من كلام أهوج عند البعض ممن جهل دينه اليوم فأصبح أمّيا أو، على أفضل تقدير، من الجهل المدقع بدينه لبمكان، إذ هو لا يأخذ إلا بنتف من فهم أعرابيّ كله تشويه للإسلام لقلبه لمفاهيمه المتسامحة، العلمية، العالمية النزعة والمضمون والغاية.
فالفهم الإسلامي العربي الصحيح هو الفهم الذي يحترم هذه الخاصية الأساسية وذلك أخذا بمقاصد الشريعة، وهي كلها محبة من الخالق لعباده، كل عباده، سواء اهتدوا إلى محجته أو بقوا لوقت، طال أم قصر، في طريق الهداية الشاق العسير. والله يهدي من يشاء.
وطبعا، نحن لا نفرّق بتاتا بين العربي والأعرابي إلا في فهم منطوق الإسلام، لا في الأصل والفصل، لأن التقوى هي التي تميز بين البشر، كل البشر، العرب والأعراب أو غيرهم.
فهذا ما بيّنه وذكّر به ديننا الحنيف الذي لا يأتيه اليوم الضيم إلا ممن ادعى خدمته وهو يعمل عى تقويض صرحه المنيع كطابور خامس، شعر أو لم يشعر بشناعة فعلته.
ونحن، خلافا لفعل هذا المسيء لدينه ولقوله، لا نقوم إلا بتذكيره بواجبه وتنبيهه إلى الجادة وإعادته إلى ضميره بالتي هي أحسن مع الدعوة له بالهداية ولا شيء غير الهداية.
إن هذا لهو الدين القيّم، الدين الذي يجعل من المثل الطيّب أعلى درجات الإيمان بالله. فنحن لا نتمنى الغيظ ولا خاصة الموت لأحد، فما بالك بالسعي لها! فليس هذا هو الإسلام ولا شك.
ثم نحن لا نعبس ولا نتولّى؛ وقد وصل علوّ شأن البشاشة وحسن الخلق في ديننا إلى الحد الأقصى الذي جعل الله العلي العظيم يلوم رسوله الأكرم على تقصيره في ذلك، مع أنه خير الآنام، وما كان الأمر منه إلا لصالح الدين كما بدا له!
فأنصت، أيها المسلم الحزين، العابس القمطرير، واعتبر لما يقول الإمام ابن عاشر بعد أن لخّص في مختلف كتب المتن فقه الدين كما أخذت به بلادنا، أي الإسلام المتسامح المالكي في صبغته الأشعرية وسماحته الصوفية.
يقول في باب هو خاتمة المتن، أي مسك الختام :
وتوبة من كل مذنب يُجترم… تجب فورا مطلقا وهي الندمْ
بشرط الاقلاع ونفي الإصرار… ولْيتلاف ممكنا ذا استغفارْ
وحاصل التقوى اجتنابٌ وامتثالْ… في ظاهرٍ وباطنٍ بذا تنالْ
فجاءت الأقسام حقا أربعة… وهي للسالك سبيل المنفعة ْ
يغُض عينيه عن المحارم… يكفُ سمعه عن المآثمِ
كغيبةٍ نميمةٍ زورٍ كذبْ… لِسانهُ أحرى بترك ما جُلِبْ
يحفظ بطنه من الحرام… يترك ما شُبّه باهتمامْ
يحفظ فرجه ويتّقي الشهيدْ… في البطش والسعي لممنوعٍ يُريدْ
ويُوقف الأمور حتى يعلما… ماالله فيهن به قد حكمَا
يطهّر القلبَ من الرياء… وحَسَدٍ وعُجبٍ وكل داءٍ
واعلم بأن أصل ذي الآفاتِ … حُبّ الرياسة وطرحُ الآتي
رأس الخطايا هو حب العاجلة… ليس الدوا إلا في الاضطرار لهْ
يصحب شيخا عارف المسالكْ… يقيه في طريقه المهالكْ
يُذْكره اللهَ إذا رآه… ويُوصل العبد إلى مولاهُ
يُحاسبُ النفس على الأنفاسِ… ويزنُ الخاطر بالقسطاسِ
ويحفظ المفروضَ رأسَ المال… والنفلُ ربحُه به يُوالي
ويُكثرُ الذكرَ بصفو لُبّه… والعونُ في جميع ذا بربّهِ
يجاهدُ النفسَ لرب العالمينْ… ويتحلّي بمقاماتِ اليقينْ
خوفٌ رجَا شكرٌ وصبرٌ توبةْ… زهدٌ توكّلٌ رضَا محبّةْ
يصدُقُ شاهدَهُ في المعاملةْ… يرضى بما قدّرهُ الإلهُ لهْ
يصير عند ذاك عارفا به… حُرّا وغيرُهُ خلا من قلبهِ
فحَبّهُ الإلهُ واصطفاهُ… لحضرِة القدّوسِ واجتباهُ
ذا القدْرُ نظما لا يفي بالغايةْ… وفي الذي ذكرتُهُ كفايةْ.
هوذا الإسلام التونسي، الإسلام الصحيح! فهلا أصغيت واستنرت، أيها المسلم الغيور على دينك، فصحّحت إسلامك حتى يكون بحق هذا الدين القيم، الحنفية المسلمة، العلمية التعاليم والكونية في ثقافتها الإنسانية؟ إن هذا لهو الإسلام، خاتم الأديان كلها!
وما قدّمنا هنا إلا الغيض من فيض الحكمة الإلاهية، نقول في ختامه لمن قرأنا بحسن نيّة وصدق سريرة مبيّنا بذلك عن إسلامه الحق، نقول كما قال عالمنا الجليل ابن عاشر: اسأل النفع بما قرأت على الدوام بجاه سيّد الآنام!
ونعيد هنا فنكرر للإفادة أننا عندما نتكلم عن الصوفية، وقد كان ذلك واضحا جليّا عند الشيخ الجليل ابن عاشر، لا نتحدث عن صوفية الدجل التي مثلها في الكذب مثل سلفية الشوارع؛ إنما نتحدث عن صوفية الحقائق، صوفية الجنيد، وهو أحد دعائم الإسلام الصوفي، الإسلام التونسي الحق.
فقد بيّن ذلك الإمام ابن عاشر إذ قال في كتاب مباديء التصوف وهوادي التعرف، الذي ذكّرت أعلاه ببعضه، أنه كتبه : في عقد الأشعري وفقه مالك… وفي طريقة الجنيد السالك.
ولنا، إن شاء الله، عودة مع الجنيد السالك، سيد الصوفية بلا منازع، في البعض من روائعه عن كنه الإسلام الحق، هذا الإسلام الذي غاب فهمه اليوم عن الحزب الذي صوّت له التونسي حتى يرعاه حق رعايته، فإذ الأغلبية فيه تسعى جاهدة للاضرا به وبتونسنا العزيزة.
فيا خيبة مسعى حزب الشيخ الغنوشي وهو يضيّع بذلك الفرصة السانحة للدخول في التاريخ من بابه العريض لرعاية حقوق الله وإحياء علوم الدين مجددا في هذه الربوع!
فأيها التونسي الأبي، تونس الانقلاب عل عهد مضى بزيفه، لك في نهضة اليوم، كما رأيناها تتظاهر بالأمس بشوارعا عوض العمل حقا لمصلحة البلاد، لك المثل الدامغ لمن جاء يعمل لإعادة الأمور على سالف عهدها من ظلام الديكتاتورية البغيضة؛ولا يغرنك أن يكون عملها هذه المرة باسم الدين، لأنه أعرابي المفهوم، سلفي الظاهر، كاذب الباطن.
إن ديننا الحق يناديك، فهل تلبي النداء؟ أنصر دينك ونبيّك بالتصدي لجحافل تتر آخر الزمان،وهم يريدون طمسه في هذه الربوع!
إن حزب النهضة بيّن أن صفوفه لملأى اليوم بيأجوج ومأجوج، فأغلبيةٌ فيه تريد استغلال وجودها في سدة الحكم لخنق حرياتك وهتك إرادتك في الحياة بقهرك على فهمٍ جاهلي للإسلام يأتينا من خارج بلادنا، من ربوع فرض الشيطان فيها بالقوة مسخه للإسلام بمفهوم أعرابي ندّد به القرآن وفنّدته سنة الرسول الأكرم.
فلتكن تونس عين جالوت تتر آخر الزمان، إذ تونسنا جميلة مشرقة، صحيحة الإسلام؛ وهي تونس إرادة الحياة التي ستبقى منارة إسلامية في تعاليم تنويرية دوما مضيئة؛ وذلك لأجل حب أبنائها المخلصين لها، إذ هم يردّدون ما قاله شاعرنا الخالد :
هكذا المخلصون في كل صوب…رشقاتُ الرّدى إليهم مُتاحهْ
غير أن تناوبتنا الرزايا… واستباحتْ حمانا أي استباحهْ
أنا يا تونس الجميلةُ في لج… الهوى قد سبحت أي سباحهْ
شِرعتي حُبّكِ العميقُ وإني… قد تذوقتُ مُرّه وقَراحهْ
لستُ أنصاع لِلّواحي ولو متّ وقامتْ على شبابي المناحهْ
لا أُبالي، وإن أُريقت دمائي… فدماءُ العشّاق دوما مُباحهْ
وبطول المَدى تُريكِ الليالي… صادقَ الحبّ والوَلاَ وسَجاحهْ
إن ذا عصرُ ظلمةٍ غير أنّي… من وراء الظلام شمتُ صباحهْ
ضيّع الدهرُ مجد شعبي ولكن… ستردّ الحياةُ يوما وشاحهْ
مقال تافه لا فكر فيه و لا يدعو إلى التفكير بل مجرّد شعارات جوفاء يلوكها و يردّدها فارغي الفكر و خفيفي العقل إن لم نقل شيئا آخر، فهذه المقولة “الإسلام التونسيّ” تذكّرني بأتباع أو أزلام بن عليّ إذ كانوا ينعقون و يصمّون آذاننا بمقولة الإسلام التونسيّ و مقولة التحاور بين الأديان و تلاقح الحضارات و منها كرسي بن علي لحوار الأديان و الحضارات، و هؤلاء الناس و في مقدّمتهم الجاهل الطرطور المنصف المرزوقي حقيقة لا يقدرون على التصريح بذلك لأنّهم لو كانوا صادقين فيما يدّعون بالتمسّك بأنّ تونس سنيّة مالكيّة فليتبنّوا الفقه المالكي و أصول الفقه على مذهب الإمام مالك في التشريع و لماذا يولّن وجوههم شطر الدول الغربية و دساتيرهم العلمانيّة و أنظمتهم الديمقراطيّة اللائكيّة؟؟؟ و مع أني لست سلفيّا بالمعنى الحركي للكلمة و لست نهضاويّا أيضا لأنّ النّهضة لا تعدو أن تكون حزبا علمانيّا يدعي الإسلامويّة و لكنّي ضدّ كلّ من يعمل على هدم الإسلام من الدّاخل أو من يدعو إلى تمييع الديّن و تقديمه بصورة اقرب ما تكون إلى الكهونتيّة و الحريّة الشخصيّة كما كان بن عليّ يفعل من قبل
سيدي الكريم
رأيك يحترم وإن لم يصب الموضوعية. فأنت الذي تدّعي ذلك تخبط خبط عشواء؛ والدليل على هذا ما يلي إذ تتحدث عن «تمييع الدين وتقديمه بصورة أقرب إلى ما تكون إلى الكهونتية والحرية الشخصية كما كان بن علي يفعل من قبل». فهاأنت تخلط المتناقضات : فمتى كان بن علي يحترم الحرية الشخصية؟ ثم أليس المسلم حرا في الإسلام الحقيقي؟ فهو لا يقدس الله حق قداسته إلا لأنه تمام الحرية، لا يعبد غيره ولا ينحني لأحد غيره؛ وهذا هو التقديس الحقيقي.
ثم أنت في حماستك لا للنقد بل للانتقاد تقول «كانوا ينعقون و يصمّون آذاننا بمقولة الإسلام التونسيّ ومقولة التحاور بين الأديان وتلاقح الحضارات ومنها كرسي بن علي لحوار الأديان والحضارات»، ولعمري ذلك ليس بالخطأ، إنما الخطأ أن تتناسى في الوقت نفسه أن الحقيقة تبقى، وإن أساء إليها النظام السابق، أن الإسلام هو خاتم الاديان؛ وبالتالي، فهو يشجع ولا محالة على تلاقح الحضارات وتحاور الأديان. وهذا لا بد منه إذا أردنا من عالمنا أي يكون عالم سلام، والإسلام سلام قبل كل شيء.
وطبعا، وجب لذلك حسن النية وصدق العزيمة، وخاصة النزاهة في الحكم على آراء غيرك. وللأسف كل ذلك لا نجده في ما قلت، لأنك، في أحسن الفرضيات، لم تقرأ لا هذا المقال بتمامه ولا مقالات لي غيره حتي تتجاوز حمية هي فيك لا تختلف عن حمية الجهل والجاهلية التي هي فينا للأسف وتقتضي منا دوام المجاهدة للتحرر منها، وذلك لهو الجهاد الأكبر الذي قال به الإسلام وفهمته حق فهمه سلفية الحقائق، أي الصوفية، صوفية الجنيد كما ذكر بها الإمام ابن عاشر الذي تستخف أنت بما أوردته من متنه في مقالتي.
فاسأل أمك أو جدتك أو كبار حيك عن الجنيد وعن ابن عاشر، ثم تمعن في سماحة تعلقهم بدينهم كما عهدوه زمن لم يكن إسلامنا كما هو اليوم بضاعة تجارية تستورد من ربوع نائية تطمح لإكساد خير ما أنتجته أرض تونس، وقد كانت دوما، ولسوف تبقى، بحق منارة للإسلام الصحيح.
ودمت طالبا للموضوعية كما تدعي، فللمجتهد دوما أجر الاجتهاد!
هل نحن اليوم في حالة يقظة ؟ أم في غيبوبة أصبحت تٌحسب بالسنين بل بالعقود ان لم أقل بالقرون؟ لماذا يحتل الدّين، والحديث على الدين، وعن مفهوم الدين، والعبادة، ومفهوم العبادة، كل هذا الوقت من دنيانا؟ أليس هذا من الإفراط؟ لماذا بربّ الكعبة نخصّص كل دنيانا للحديث عن آخرتنا؟ ان الأيمان بالله وبالكتب المقدسة وممارسة الشرائع السماوية لا يتطلب من المسلم الصادق أن يضحي بحياته كلها في العبادة والسجود. نعم أعيد وأكرّر إن الدين لا يطلب من البشر نسيان الحياة ومتطلباتها من أجل إسعاد البشر على هذه الأرض. عندما أقرأ أغلب ما تكتبون على الإسلام لا أجد أبدا كلمات تذكرني بأننا أحياء نرزق ونتمع بما خلق الله لنا من خيرات ونعمة. أليست هذه نتيجة «الوهابية» التي ترى بأن الإنسان خلق فقط ليعبد الله، وينتظر الجنة ؟ (علما بأن الأمراء في الجزيرة العربية والخليج لا يعرفون الصّبر بل سارعوا في تشييد قاعات انتظار فخمة من الذهب ملآنة بالجواري لتخفيف الإنتظار) بينما يعبثون في الأرض فسادا وطغيانا لمن هم أفقر منهم أو أضعف منهم شأنا.
وعليه فإن إسلامي بالتإكيد يختلف عن إسلامهم (إن صحّ أن يوصف إسلامهم بالإسلام) واعتبار أن من يولد أو يسكن في مكة إو في المدينة هو أكثر أسلاما ممن يولد في تونس أو حتى في موسكو فهذا من الجهل فمتى ربط الرسول صلعم المؤمن بمكان ولادته. ولا ننسى أن من كفروا بالرسالة النبوية وحاربهم الرسول صلعم ولدوا في مكة وفي الحجاز ولم يولدوا في تونس التي لم يكن أهلها في ذلك العصر يدفنون بناتهم أحياء بل كانو أكثرا تطورا من أهل الجزيرة ولا يزالون على هذه الحال الى الآن وذلك بإذن الله،
وعليه فإن قوة إيماني بالله سبحانه وتعالى تجعلني أتفرغ الى خالقي خمسة مرات في اليوم لا أكثر و لا أقل أطلب رحمته وغفرانه، وطيلة الثلاثة وعشرين ساعة الأخرى الباقية أسعى في الأرض مشمرا عن ساعدي للبناء والتشييد، والقراءة والتدريس، والزرع والحرث، والأكل والشرب، والضحك واللعب والفدلكة، ولا أشعر أبدا بأنني مقصّر في أي شيء «ولا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت». وفي الختام أعذروني أنني لن أقرأ ابتداء من اليوم أي مقال لا أجد فيه هذا التوازن الضروري لحياة البشر بين الروحانيات والدنياويات. وعليكم مني أطيب السلام.
جازاك الله خيرا على مقولة الحق هذه، إن العديد ممن ظلوا عن سبيل الحق لينسون ما قاله تعالى وهم يدعون التمسك بدينه : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص : 77 ) .
ولعله من المفيد تذكيرهم ببعض مما قاله فيلسوف العرب المعري منذ زمان :
– وكيف يؤمل الإنسان رشدا… وما ينفك متبعا هواه | يظن بنفسه شرفا وقدرا… كأن الله لم يخلق سواه
– متى ما تخالط عالم الإنس لا يزل… بسمعك، وقر من مقال سفيه | إذا ما الفتى لم يرم شخصك، عامدا… بكفيه عن ضغن، رماك بفيه | وقد علم الله اعتقادي، وإنني… أعوذ به من شر ما أنا فيه
– تدين، مغربي بانتحال… وعارض بالتنحل مشرقي | فصمتا، إن أردتم، أو مقالا… فما في هذه الدنيا تقي | نقاء لباسنا فيها كثير.. وليس لأهلها عرض نقي | وإن رقي الفتى رتب المعالي… فمثل هبوطه ذاك الرقي | ويحسب بعضنا أن قد أتاه… نعيم، وهو لو يدري شقي | وأعوزنا بياض العيش فيها… ولم يعوز بياض مفرقي
– حسبي، من الجهل، علمي أن آخرتي… هي المآل، وأني لا أراعيها | وأن دنياي دار لا قرار بها… وما أزال معنى في مساعيها | كذلك النفس، ما زالت معللة… بباطل العيش، حتى قام ناعيها | يا أمة من سفاه لا حلوم لها… ما أنت إلا كضأن غاب راعيها | تدعى لخير، فلا تصغى له أذنا… فما ينادي لغير الشر داعيها
– قد اختل الأنام بغير شك… فجدوا في الزمان وألعبوه | وظنوا أن بوه الطير صقر… بجهلهم، وأن الصقر بوه | وودوا العيش في زمن خؤون… وقد عرفوا أذاه وجربوه | وينشأ ناشىء الفتيان، منا… على ما كان عوده أبوه | وما دان الفتى بحجا، ولكن… يعلمه التدين أقربوه | أطاعوا ذا الخداع وصدقوه… وكم نصح النصيح، فكذبوه | وجاءتنا شرائع كل قوم… على آثار شيء رتبوه | وغير بعضهم أقوال بعض… وأبطلت النهى ما أوجبوه | فلا تفرح، إذا رجبت فيهم… فقد رفعوا الدني، ورجبوه | وبدل ظاهر الإسلام رهط… أرادوا الطعن فيه وشذبوه | وما شأن اللبيب بغير سلم… وإن شهد الوغى متلببوه | ألظوا بالقبيح، فتابعوه… ولو أمروا به لتجنبوه | أديل الشر منكم، فاحذروه… ومات الخير منكم، فاندبوه.
شكرًا لما جاء في تعليق العبيدي نصر اللاه من حقيقة