يقول محدثي كانت الساعة حوالي الواحدة ظهرا و كنت أتجادل مع إمرأة في إحدى طرق مدينة صفاقس دون أن يصدر مني أي تبادل للعنف أوهتك للأعراض (وكل هذا موثق), ثم فجأة إقترب مني شخص طوله في حدود المتر و ثمانين صنتمترا يرتدي سروال دجينس وقبعة على الرأس و يلبس شلاكة, و طلب مني إصطحابه إلى مركز الأمن. و لكنني شككت في أمر الرجل الذي لم يكن يوحي البتة بأنه من رجال الأمن, وطلبت منه الكشف عن هويته, فأردف الرجل بأنه شرطي ورفض إظهار بطاقته المهنية, و أصريت منه على إثبات ذلك إلا أن الرجل مسكني بكلتا يديه من عنقي محاولا جري بالعنف قائلا لي:
تو نوريك,تو إنـــــــــــ…………..أمك القـــــــ… يا مــــــــــــــــــ….
و بعد دقائق وصلت سيارة رباعية الدفع فيها عدد من الأشخاص تبين فيما بعد أنهم من رجال الأمن حيث قاموا بتكبيل يدي و أخذوني بالقوة إلى مركز الشرطة. ثم قام أحد الأعوان بغلق باب المركز و قام كل من هب و دب بضربي على الوجه و القفا والحزام و الظهر. كان الضرب بالأقدام و باللكم و الصفع, حتى فقدت البصر وقتيا للعين اليسرى, و تواصل الضرب و الإهانة و كنت ملقى على الأرض حتى كدت أفقد الوعي لأنني لم أعد قادرا على التنفس من شدة الضرب. و كان الرجل الذي مسكني في البداية من عنقي, قبل إدخالي لمركز الأمن, هو الذي يقود العملية. لقد كان يدعى نور الدين وكان يقول لي: سأفتح سروالي و أجبرك على مـــــ….. ثم يردف بعد ذلك: لحم جسمك ناعم و أشتهيك, سأفاحشك,… ثم لم يجرأ على فعل أي شيئ لأن معنوياتي كانت قوية وردودي كانت متحدية. و لكن الرجل كان يواصل سب الرب و ناعتا إياي بالمــــ……. و سيفاحش أمي القـ…..
أش عملتلكم,,,, شبيكم تعذبو فيا…ما نيش خوانجي باش تضربوني هكا…. رددت عليهم.
لقد كان الدم ينزف من أنفي و من عديد الأماكن من بدني جراء الضرب الحيواني الذي تعرضت له من أعوان مركز الأمن وأخرها العون المكلف بالبحث و التحقيق الذي كان يدعسني برجله اليمنى و محاولا ضربي بعصا كان يخفيها في الخزانة. و قال لي : تو ندخلك الحبس يا مــــ… يا ولد القـــــ… ومواصلا ضربي و لكمي في كل مكان من وجهي. كان كل ذلك الضرب و التنكيل و التعذيب مجانيا لأنني لم أمتثل لكلام الرجل الذي رفض إظهار هويته الأمنية فما بالك بموقوفي الحق العام و الموقوفين السياسيين.
ثم بعد ساعة خرجت من مركز الأمن و كان رئيس المركز ل.ع. يظن أن الموضوع قد إنتهى, لكني تقدمت بشكوى إلى وكيل جمهورية صفاقس مدعما شكواي بصور للأضرار التي لحقت بجسمي و بالتقرير الطبي المصاحب. ثم قدمت شكوى إلى رئيس إقليم مدينة صفاقس ب خ و تم إستدعاء المتهمين الثلاثة بما فيهم رئيس مركز الأمن وحصلت المكافحة بيني و بين رجال الشرطة الذين كذبوا كل ما حصل و جلبوا شخص مسكين (عامل يومي) وهو من شهود الزور الذين يعتمدون على شهاداتهم كل مرة وهو من سكان الحي القريب من مركز الأمن ليشهد أن الشرطي لم يقم بضربي في الشارع.
ثم سافر محدثي بحكم إلتزاماته المهنية إلى الخارج و بعد عدة أشهر علم عن طريق محاميه أن القضية التي تقدم بها تجاه أعوان الأمن, قد حفظت لغياب الأدلة, في حين تم تلفيق قضية تبادل عنف لمحدثي في نفس اليوم الذي تعرض فيه للضرب و التعذيب وحكم عليه غيابيا بستة أشهر سجن مع تأجيل التنفيذ لا لشيئ إلا لأنه تجرأ على تقديم شكوى ضد رجال الأمن. لقد قام محدثي بإستئناف الحكم و تم إلغاء الحكم بالسجن من طرف المحكمة إبان الثورة. لقد تقدم محدثي بشكوى إلى وزير الداخلية في وقتها رفيق بلحاج قاسم و إلى المتفقد العام لقوات الأمن الداخلي و لكن بعد أخذ أقوال محدثي فإن الموضوع تم حفظه مرة أخرى بعد الثورة في فترة الحبيب الصيد لغياب الأدلة حسب قولهم, و كأن كل عملية تعذيب أو تنكيل يجب أن يحضر فيها شهود داخل مراكز الأمن لإثبات ما يحصل. يهدف هذا المقال إلى كشف بعض ممارسات البعض من أعوان الأمن المحلفين و لكنهم يستغلون ذلك للكذب و قلب الحقائق و التلفيق و كل ذلك بغطاء من الكوادر الأمنية و ممثلي وزارة العدل.
لي ملاحظتان على هذا التقرير. الأولى هي أن محرره غير مطلع تمام الاطلاع على حقيقة الأمر في تونس اذ يتحدث عن منظومة ترسخت منذ فترة حكم بن علي. هذا غير صحيح. ممارسات اذلال المواطن التونسي وانتهاك حقوقه بالقمع والتعذيب والاهانة بما في ذلك الاغتصاب هي سياسة ممنهجة ابتكرها بورقيبة منذ استقلال تونس في عام 1956. أنصح كاتب التقرير أعلاه بمطالعة المقال المعنون: “تحليل نفسي وأمني لواقعة اغتصاب الفتاة” الموجود على هذا الموقع. يمكنه أن يستمع هناك لمقابلة مع الدكتور يسري الدالي الرئيس السّابق لخلية علم النفس التطبيقي بالإدارة العامة للأمن ولدى رئيس الدولة والشخصيات الرسمية. هذا الخبير الأمني والأخصّائي النفسي يؤكد أنّ الإغتصاب من طرف أعوان الأمن كان عادة شائعة منذ فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. وكان الاغتصاب يستهدف خاصة النشطاء السياسيين وزوجاتهم. ووصف الدكتور الدّالي ذلك بالإغتصاب المُمنهج وأماط اللّثام عن تفاصيل ما كان يقع في زنزانات أمن الدّولة حيث كان ضبّاط الأمن يغتصبون الرجال أمام نسائهم والنساء أمام رجالهنّ قصد اذلالهم. الشيء الوحيد الذي غاب عن الدكتور الدالي هو أن يتساءل من كان في تلك الأيام الحالكة يصدر الأوامر لقوات الأمن لتطبيق التعليمات القذرة الذي تفتقت عنها قريحة بورقيبة. لو راجعنا التواريخ لوجدنا أنه من بين المجرمين المتواطئين مع الطاغية والذين كلفوا بادارة الجهاز القمعي كان يوجد ذلك التمساح العجوز الباجي قائد السبسي وزميله في النذالة فؤاد المبزع. الباجي كان مديرا للأمن ثم أصبح وزيرا للداخلية تقديرا لخدماته الجليلة فاتخذ من المبزع مديره للأمن أو “الجيستابو” كما كان يقال. وشاءت الأقدار أن يفلت الاثنان من المحاسبة والمثول أمام القضاء بعد الثورة بل تم تكريمهما ليتولى الواحد رئاسة الدولة وشريكه رئاسة الحكومة. من تلك الساعة اتضح أن الثورة التونسية قد فشلت، خاصة وأن العجوزين أصبحا يتمجدقان بشعارات ثورية. قلة الحياء لا حدود لها. مراجعة تقارير منظمة العفو الدولية لتلك الفترة تتضمن وصف أعمال يندى لهاالجبين. أذكر من ذلك حادثة امرأة اعتقلها البوليس فبقيت في أيديهم تسعة أيام تعاني ويلات الاغتصاب. هذا في عهد بورقيبة وليس بن علي. وعلى ذكر الاغتصاب كأداة لتحطيم المعنويات واذلال الناس فان القذافي اشتهر بهذا النوع من الممارسات. وقد صدر مؤخرا في فرنسا تحقيق أجرته في ليبيا الصحافية آنيك كوجان تصف فيه كيف كان ذلك الطاغية يخطف النساء والفتيات بل وكيف كان يقوم باذلال وزرائه باغتصاب زوجاتهم أمام أعينهم، وفي بعض الحالات باغتصاب الوزراء أنفسهم. في سوريا كذلك منذ استيلاء عائلة الأسد على الحكم بمعنى منذ أيام حافظ الأسد كان السوريون يرتعدون عندما تخرج نساؤهم وبناتهم الى الشارع. والسعودية التي تدعي بأنها أرض النبوة حيث تنزل القرآن هدى للمتقين فانها لا ترى أي مانع لاحضار زوجات المعتقلين الى السجون لاغتصابهن أمام الأزواج لاذلالهم. الأمريكيون فعلوا نفس الشيء في العراق مع العراقيات وحدث أكثر من مرة أن الزوجة المسكينة انتحرت على الفور بعد اخلاء سبيلها لأنها لم تكن تتحمل فكرة مقابلة زوجها في أحد الأيام بعد ما حدث لها. وقد كنت في الجزائر في أكتوبر 1988 عندما انفجر غضب طلاب الجامعات في الجزائر العاصمة فخرجوا يطالبون بالحرية. وتصدى لهم الجيش فارتكب مجزرة رهيبة قتل فيها ما لا يقل عن 500 طالب. وسمعت من جهات مختلفة نفس الرواية تتردد وهي أن الضباط كانوا يقبضون على الطلاب ويأخذونهم الى منازلهم وهناك أمام أعين العائلة بما في ذلك الأب والأم وكل من كان في المنزل كانوا يقولون: هذا ابنكم يعتقد أنه أصبح رجلا. انظروا اليه الآن. ثم يقومون باغتصابه. هذه الراوايات تعددت ونشرت الصحف الجزائرية أخبارا عن عمليات اغتصاب ولكن ليس بهذه التفاصيل. أما الملاحظة الثانية التي أريد أن أضيفها فانني أعتبرها شيئا مؤسفا ومحزنا للغاية. عندما يقول الضحية للبوليس: ” ما نيش خوانجي باش تضربوني هكا” فهل يعترف لهم بحق الاعتداء على شخص لأنه اخوانجي؟ في دولة القانون هذه أعمال لا تجوز. اذا ارتكب انسان جريمة تتم محاكمته لا التنكيل به من طرف البوليس خاصة وأن كل شخص بريء حتى تثبت ادانته. وحتى بعد الادانة فهذه الأعمال الوحشية غير جائزة لأن المحاكم تدصر أحكاما بالغرامة المالية وبالسجن وليس بالجلد كما يتم في السعودية. مع الأسف أن العقلية التونسية ما تزال بحاجة الى كثير من التطوير رغم كل المصائب والكوارث التي نزلت علينا في أيام الحثالة التي حكمت بلادنا