إنّ التّونسيّين، رغم غزارة إستعمالهم للألفاظ الجنسيّة، إلّا أنّهم يستعملون لغة مختلفة تماما في ظروف معيّنة. فنفس الشّخص الفضّ و الجنسيّ لغويّا أثناء مباراة كرة القدم تجده يتخلّى كلّيا عن لغته تلك لمّا يقابل والديه. أو الفرق بين كلام التّلاميذ مع بعضهم حينا و مع المربّي الحين الآخر… أمثلة كثيرة توجد لهذا الإزدواج اللّغويّ العجيب. يبدو أنّ التّونسيّ طوّر قدرة لغويّة نادرة: القدرة على إستعمال مجال لغويّ و مفرداتيّ مختلف راديكاليّا بين لحضة و أخرى. لا يمكني إلّا أن أجزم بأنّ هذا الإنفصام اللّغويّ المزمن يفضح في الحقيقة إنفصاما بنيويّا أعمق. صحيح أنّ جلّ أصحاب اللّغات المختلفة يعتمدون ألفاضا مختلفة لدى التحدّث “للعموم” او للخواص. لكنّ لغة التّونسيّ لا تتحوّر بها فقط بضع ألفاض بل هي جمل كاملة و تعابير محوريّة تستند على ألفاض جنسيّة تختفي تماما و تترك المجال إلى معجم تركيبيّ و لفضيّ جديد.
فهذا الإختلاف في اللّغة المستعملة، و بهذه الرّاديكاليّة، يؤدّي بنا إلى إستنتاجين لم أجد لهما ثالثا. الأوّل يظهر فردا مهتزّا بين ممارستين مختلفين. فالتحدّث إلى من يجب إحترامهم بالطّريقة ‘العاديّة” يعني إقرارا بأنّ اللّغة السّائدة خلال بقيّة الوقت وزر و سوء. في هذه الحالة فنحن أمام حالة من الإقرار بدناءة فعل ما و ممارسته مع ذلك باطّراد. أمّا الحالة الثّانية و هي المستبعدة عندي، فهيّ إعتبار التحدّث باحترام مجرّد إذعان واستجابة قائمة على الخوف لا على الإقتناع. أي أنّنا نكون بمواجهة فرد خائف و مزيّف كلّما تكلّم باحترام. أمّا كمجموعة نتغاضى كما بيّنت عن وجود اللّغة الجنسيّة و كأنّ ذلك ينقص من أثرها…
أمّا الأهمّ فهو دلالات هذه الألفاض.فهي في غالبها تستعمل للسّباب: فالمستعمل لهكذا لغة ينظر إلى الجنس بعين دونيّة من حيث لا يدري. تفضح طبيعة هذه الألفاض واستعمالاتها قطيعة ثقافتنا الحاسمة مع الجنس و توجّسها منه. فالجنس عندنا مرتبط بالتّعنيف و قلّة الأدب.أهو الإسلام يفرض هذا الإبتعاد و تحاشي التّعاطي في المسلائل الجنسيّة؟ إن صحّ ذلك فكيف لنا أن نفسّر فيض الأشعار الجنسيّة لا بل الماجنة في عزّ و قوّة الخلافات الإسلاميّة؟ يبدو أنّ الأقدمين من المسلمين كانوا أكثر أريحيّة منّا في تناولهم لهكذا مواضيع فوضعوا لها الكتب و نظموا حولها الأشعار. أمّا الملفت للنّظر فهو إمتداد هذا الحريّة في التّعبير الجنسيّ، حتّى تشمل ممارسات جنسيّة لا إسلاميّة بالمعنى القانونيّ الشّرعيّ للكلمة كشذود أبي نواس المزعوم و مجون بشّار بن برد…
أمّا الآن فالجزئ العضيم و المحوريّ من حياة الآدميّ ككائن حيّ لا يجد طريقه حتّى إلى مناهجنا الدّراسيّة. و إن أضفنا إلى ذلك إستحالة تناول الموضوع أسريّا (من أسباب ذلك غياب الحاضن اللّغويّ أو تشويهه كما أشرت قبلا) فأين ترانا ندفع بشبابنا ليتعلّموا الجنس. إلى الشّارع أوّلا حيث الجنس مرتبط بالدّنائة. و إن تبقّى للفرد بعض من القابليّة للتعلّم فلا شكّ أن تجهش عليه المواقع الإلكترونيّة البورنوغرافيّة. في المحصّلة، غياب الوعاء المناسب للتّربيّة الجنسيّة يؤدّي فقط إلى تربية خاطئة لا غير. أي سواء كانت لنا برامج للتّوعية الجنسيّة أو لم تكن فتكوّن وعي جنسيّ ما حاصل لمحالة. و لا أرى عاقلا يعتقد أنّ ترك الحابل على النّابل أسلم و أكثر منفعة.
أمّا الآن و قد أنعم علينا اللّه و زال الإستعباد أو هو يكاد، أما حان الأوان أن نخاطب أمراضنا الإجتماعيّة و على رأسها غياب الفهم للجنس؟ لا أشكّ في ذلك. إنّ التّربية الجنسيّة أمر حتميّ لتربية شباب متّزن وواع. ولتكن أولى الأوليّات خلال تحيين المناهج التربويّة و الفلسفة البيداغوجيّة التوّنسيّة تظمين دروس حول الحياة الجنسيّة. أمّا درس التّربيّة الإسلاميّة فلا بدّ أن يتضمّن محورا حول الجنس من زاوية إسلاميّة حتّى يتمّ التّصالح معه. إنّ هذه الإصلاحات التّربويّة واجبة من أجل خلق وعي جنسيّ سليم و لدرئ آفاة العداء للجنس و البورنوغرافيّة المفرطة و غيرها من الأمراض الجنسيّة. و لكن لا يمكن للمسار أن يتوقّف عند فصول المدارس. بل يجب على الأئمّة و العلماء و الفقهاء أن يقوموا بدورهم التوعويّ و أن يكونوا رأس حربة الإصلاح الجنسيّ إن صحّ القول.
إنّ عداءنا كمجتمع تجاه الجنس لا يعدو كونه وجه من وجوه تحريم ما حلّل اللّه أو يدنو، عسى اللّه ألّا يجعلنا ممّن تتحدّث عنهم الآية الكريمة: لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) المائدة 87
لا أشكّ أنّ قرونا من الإنحطاط و سيطرة الفكر الأوروبيّ المسيحيّ المعادي للجنس في بعض أبعاده تجعل المهمّة صعبة و الطّريق شاقّة. لكنّها الثّورة نريدها أن تقتلع جذور فسادنا مهما عرّانا ذلك لأنفسنا و أبان لنا سوءاتنا. فلنلبسها رداء الثّورة و المعروف و العلم واللّه المستعان.
المستوحات ؟ جزئ؟ لحضة؟
يا أخي عد للتعليم الابتدائي وادرس العربية جيدا كي لا تذبحها وتذبح معها مشاعر قراء الموقع
سلام، عذرا على الأخطاء عزيزي القارئ. كما أتمنّى أن لا تكون مشاعرك قد جرحت أكثر ممّا تتحمّله نفس نحويّة رقيقة كشخصك. كما أعدك بمزيد من العناية و أدعوك إلى زيارة مدوّنتي حيث أصلح ما أفسدته غوائل السّهو و لوحات المفاتيح اللّاتينيّة من نحو و رسم و صرف. شكرا على التّنبيه على كلّ حال
Ce commentaire a déjà été posté et contenait une référence à nos deux articles tout à fait en relation avec le contenu du texte ici commenté : Apparemment, ce site ne l’accepte pas. Aussi, nous le postons à nouveau sans référence à ces deux articles (nous nous auto-censurons). Nous invitons l’auteur du texte ou les autres commentateurs à visiter notre liste d’articles (en cliquant sur le lien « Les Pacifistes de Tunis » et en essayant de repérer les deux articles dont nous donnions clairement les références. Nous sommes désolés pour cet inconvénient)
****
قبل أن نقرأ المقال كنا نعتقد أننا , مرة أخرى , أمام محاولة جديدة يائسة خداعة يدعو صاحبها من خلالها كالعادة و بدون مسؤولية أو حتى أدنى وعي اجتماعي , الى اطلاق أعنة الاباحية الرأسمالية المصدر لشبابنا لكن يا للمفاجأة السعيدة فأثبت الكاتب أنه قد تفهم جيدا جدا جميع أبعاد هذه القضية المستعصية خلافا لكل المحللين الآخرين سواء كان هؤلاء تونسيين عرب أو غربيين.
______
دعونا نخبر القراء بأننا قد أشرنا وتطرقنا الى موضوع التربية الجنسية لشبابنا في عصر الغزو البرنوغرافي العالمي و استغلاله كأداة لكسب أهداف عسكرية هذا كله تحت شعار حرية التعبير