هل ان الديمقراطية تمثل منتهى مطالب الناس ؟ هل أن تحقيق الحرية كما يريدها عشاق السلطة من حكامنا الجدد تستجيب لارادة الشعب التونسي ومطمحه في الكرامة ؟ هل تختزل خلاصة انتفاضة الشعب التونسي في “انتصار” الأكثرية وتجريم المعارضة ؟ من يدفع ضريبة عدم الاستقرار السياسي بتونس ؟ وهل ان من حق المعارضة والأقلية وعموم الشعب التونسي ان تحتج وان تعتصم حتى تحقق ما تريد ؟ هل يستقيم المنطق الذي يروج له أنصار الحكومة اليوم حول تقسيم التونسيين الى وطنيين وغير وطنيين نسبة الى مدى انتصارهم لبرنامج الترويكا أو الحكومة ؟ وأخيرا أين تصنف الهدنة التي طالب بها الرئيس الانتقالي وكيف يجب ان يتعامل معها الشعب التونسي ؟
تقريبا هذه الأسئلة التي تجوب الشارع التونسي ووسائل الإعلام والنقاشات السياسية في تونس في المرحلة الثانية من عملية الانتقال الديمقراطي التي تلت انتفاضة الشعب التونسي وانهيار هرم سلطة الديكتاتورية ولمحاولة الإجابة عليها او بالأحرى بلورة نقاش حولها يجب أن نرصد اهم الخيارات والتوجهات السياسية بتونس ما قبل الانتخابات والتي طبعت بشكل أو بآخر المرحلة التي نحن بصددها والتي نجمع على كونها أولى اللبنات في صرح الشرعية التي نسعى لاستعادتها بعد عقود من الظلم والفساد والطغيان وسطوة العصابات والحزب الحاكم على أجهزة الدولة.
ولما نتابع جملة الأحداث والمواقف السياسية التي مررنا بها نلاحظ دون عناء كبير التهافت على الظفر بالسلطة السياسية او تقاسمها الذي طبع جل خطابات الأحزاب السياسية وممارساتها وسلوكاتها، ضاربة عرض الحائط ب”المصلحة الوطنية” ومسالة التأسيس لانتقال ديمقراطي دائم وثابت ينقلنا الى مصاف الدول المتقدمة لما يتم تركيز منظومة قانونية وتشريعية تفصل بشكل بائن بين اجهزة الدولة وتوزع السلط السياسية والتنفيذية والتشريعية والرقابية بينها بشكل متوازن بما يضمن اوسع مشاركة للمواطنين وللمجتمع المدني في ادارة شؤون البلد بما يضمن تحقيق حاجيات الناس في العدالة والحرية والعيش الكريم .ولا أدل على ذلك اكثر من الارباك الذي احدثته تارة النهضة وطورا المؤتمر واطوارا أخرى الديمقراطي التقدمي صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وتعدد الانسحابات وتعليق المشاركة …الخ كل حسب هواه وكل حسب اجندته السياسية وكل يتلاعب بأهواء الناس ومشاعرهم، القومية والدينية ..الخ بشكل انتهازي ظهر بشكل جلي في مناسبتين في الأولى لما انطلقت الحملات الانتخابية وتحركت ماكينة المال السياسي والتحالفات المشبوهة من قبل أحزاب المال مع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية التي تبحث عن نصيبها من خيرات تونس ومن عرق الشعب التونسي وأخطرها الرأسمال الريعي الخليجي، فأقامت احزاب السمسرة حملاتها الدعائية على توزيع الوهم ومخاطبة المشاعر الخاصة للمواطنين عوض عقولهم فتلاعبت ببؤسهم وشقائهم الاجتماعي عبر توزيع الوعود والهبات والهدايا، في عملية اقل ما يقال عنها انها تحيل على الارادة الشعبية وعلى المواطنية القائمة على الوعي والادراك السياسي، وفي الثانية لما انقلبت مكونات الترويكا بقيادة النهضة على خطابها الانتخابي وما قبل الانتخابي في ما يتعلق بالوعود وبالتوجهات العامة التي تم اعلانها على السنة رموزها وقياداتها ومنها مسالة مدة المجلس والحكومة واطروحة الوفاق الوطني وتوزيع السلطات بشكل متزن ومسالة التطبيع …الخ ومن امثلة ذلك تعطيل النهضة لاجتماعات الهيئة العليا وانسحابها ورفضها للعهد الجمهوري بدعوى كونه لم يتضمن تجريم التطبيع وهي اليوم وبصفة رسمية( تصريحات راشد الغنوشي ) ترفض ان يتم الحديث في مسالة التطبيع أصلا داخل التأسيسي ؟؟ ناهيك عن محاولتهم فرض منطقهم السياسي الأحادي الذي لا يعترف بوفاق وطني خارج قيادتهم والذي يروجون له بشكل انتهازي عبر تخوين معارضيهم، لا لشيئ الا لانهم رفضوا الدخول تحت مظلة النهضة وطالبوها بوفاق سياسي تاريخي تتشكل على اساسه حكومة تكنوكرات متمرسة ومستقلة عن التجاذبات الايديولوجية، وان يتفرغ الساسة وممثلوا الأحزاب حديثة العهد بالسلطة لصياغة الدستور ووضع التصورات الاستراتيجية للبلاد من خلال المجلس التأسيسي، ولكن الترويكا بقيادة النهضة انقلبت على الوفاق ايضا وخيرت أن تسير نحو التفرد بالسلطة في كل مستوياتها والسعي الى فرض سيطرتها وخطابها على كل اجهزتها ( التغييرات الحاصلة في مستوى مؤسسات الاعلام العمومي وخطوطها التحريرية، مسالة تعيين ولات موالين للنهضة، محاولات اختراق أجهزة الداخلية في حادثة توجيه تعليمات الى وحدات الأمن بصفاقس من أجل مراجعة المسؤول الجهوي للنهضة قبل التدخل الأمني …الخ ).
ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود فقد انعكس هذا المنطق الذي قام عليه تحالف الترويكا على العلاقات بين مكوناتها في صراع من اجل اقتسام النفوذ وتحسين وضعهم داخل السلطة سواءا كانوا أحزابا أو مجموعات داخل الأحزاب ذاتها ( وقد ظهرت في الصراع الحاصل داخل المجلس حول صلاحيات السيد مصطفى بن جعفر بشكل حاد، وظهرت قبلها في الصراعات داخل حزب المؤتمر حول خلافة المنصف المرزوقي …الخ) وهو ما يحيل الى هشاشة الحوار والتحالف السياسي الذي تعاني منه مختلف مكونات المشهد السياسي التونسي وأخطرها تلك التي تحم العلاقات بين مكونات السلطة السياسية الرسمية.
ان البرنامج و الخطاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي لاحزاب السلطة، وقد تعمدت هنا صيغة الفرد بالنسبة للبرنامج والخطاب رغم التعدد على مستوى أحزاب الحكم لانه وفي نهاية الأمر ووفق الما يدور الآن ببلادنا ومن خلال القانون المنظم للسلط المؤقتة نجد ان برنامج حركة النهضة الليبرالي في كل مستوياته يطبق غير عابئ بتصورات حلفائها الذين يعتبر احدهم (التكتل) نفسه اشتراكيا ديمقراطيا بينما لا نجد لاي مما اقترح أثرا في برنامج الحكومة او في خطابها وخطط عملها، ان هذا البرنامج لم يغير الشيئ الكثير في بنية ميزانية الدولة أو الخيارات الاقتصادية الاستراتيجية التي سار عليها نظام بن علي وحزبه واهمها التخلي عن دور الدولة في دعم الاستثمار العمومي ودورها في الرقابة الصارمة على الرأسمال الخاص محليا او اجنبيا، كما لا نجد اثرا يذكر لتغيير السياسة الجبائية لصالح الأجراء والمستضعفين، كما ان معاينة سريعة لميزانية الدولة تعلمنا انه ليس هناك تغيير يذكر على بنيتها وهيكليتها او توزيعها بين مختلف ابواب المصروفات او المداخيل بما يعكس الوعي بمتطلبات السعب التونسي وحاجته للعدالة والكرامة، فقد حافظت مداخيل الدولة تقريبا على نفس نسب الضغط الجبائي المتأتي أساسا من الأجراء كما لم تتغير نسب توزيعها بين الوزارات بشكل يمكن ان ينبئ بتغيير الأولويات فقد حافظت وزارة الداخلية على مركز الصدارة ولم ترتفع كثيرا الميزانية المخصصة للتربية والتعليم والتشغيل …الخ وللخلاصة فان برنامج الحكومة لم يبتعد كثيرا عن المخطط 12 للتنمية الذي اعده خبراء نظام بن علي، وبالنسبة للسياسة الخارجية فانها تتخبط في مواقف مرتجلة، شعبوية ومتسرعة تخدم مصالح وتحافلات حزب الأكثرية النيابية على حساب المصالح الاستراتيجية للشعب التونسي.
ان الترويكا تسعى بكل الوسائل المتاحة لديها لفرض منطقها وتصورها حول الديمقراطية والانتقال الديمقراطي الذي يريد ان يحصرها في صندوق الاقتراع ونتائجه رغم محدوديتها الزمنية والكمية ورغم انها لا تعكس بشكل نهائي مطالب الشعب وطموحاته ولا تحسم بشكل نهائي مسألة موازين القوى الاجتماعية التي تتغير من ظرفية الى أخرى وفق نجاح الحكام في التعبير عن مصالح ناخبيهم ومواطنيهم من عدمها، ان تصورهم حول الديمقراطية فكرا وممارسة وسلوكا سياسيا يعاني من العديد من النقائص ان لم نقل اعاقات مزمنة مردها ان مرجعية الأكثرية لم تستوعب بعد المقولات الديمقراطية بوصفها مقولات تاريخية متحركة ومتطورة لا يمكن اقتطاعها من السياق التاريخي العام الذي تحياه الشعوب والصاقها بمرجعيات غير عقلانية وغير تقدمية، فالديمقراطية في مفهومها البرجوازي الكلاسيكي حتى، خلقت ثورية لتحرير الانسان فكريا وسياسيا من كل السلطات التي لا تنبع من الارادة الجماعية القابلة للاعقال (أي كما يدركها العقل) وهي نظام سياسي يرتكز على المساواة التامة بين المواطنين واطلاق الحريات الفكرية والسياسية دون أي قيد لكي يتمكن المجتمع من صياغة قوانينه الوضعية وتاسيس ومراقبة هيئات ومؤسسات الدولة والسلطة السياسية ونقدها وسحب الثقة منها وتغييرها لما لا تستجيب لارادة مواطنيها، والاقتراع العام او الانتخابات العامة هي آلية لتحقيق هذه الإرادة بعد استيفاء كل التمشي الديمقراطي، وقد شهدت الديمقراطية البرجوازية مفهوما وسلوكات ومنظومات العديد من التطورات والتغيرات طيلة أكثر من قرن من الزمان كنتيجة مباشرة لتغير موازين القوى الاجتماعية بين الحاكمين والمحكومين بين قوى الانتاج الاجتماعية وبين مالكي وسائل الانتاج فهي في لحظات تاريخية لما تكون الشعوب المظطهدة والطبقات الاجتماعية المحرومة مستكينة تكون الديمقراطية آلية لشرعنة الاستغلال الاجتماعي والفقر ومصادرة حق المظلومين في الاحتجاج بدعوى احترام شرعية الدولة والتمثيلية النيابية …الخ وهي في زمن المد النضالي الاجتماعي وتنامي حركات الاحتجاج والرفض الاجتماعي والسياسي تكون أكثر رحابة تجاه قوى الانتاج ومنظمات العمال والأجراب ونوابهم النقابيين والسياسيين وتتجه الى الأشكال الأكثر مباشرتية والأوسع تشريكا لمختلف فئات وشرائح الشعب، وعموما فان التغيرات التي طرأت على المنظومات الديمقراطية تحت وطأة الازمات السياسية والاقتصادية للرأسمالية اللليبرالية وتحت تأثيرات الاستقالة السياسية شبه الجماعية لشرائح كاملة من الشعوب والطبقات الاجتماعية الأكثر اضطهادا وحتى متوسذة الدخل والمعيشة ( فحتى في الدول المتقدمة تتارجح نسب المشاركة في الانتخابات العامة بين 30 و35 %) دفعتها الى التحول الى نظام اكثر مباشرتية وأكثر تمثيلية للمحليات والقطاعات والشرائح الاجتماعية المنتجة، وتوسعت دائرة مشاركة المجتمع المدني ووسائل الاعلام في القرار والرقابة السياسية كما تمت مراجعة مقولات المركزية المفرطة لأجهزة الدولة الوطنية، وخلاصة القول فان الديمقراطية السياسية والاقتصادية التي انتجتها البرجوازية دفاعا عن مصالحها التاريخية طبعت شيئا فشيئا بطابع اجتماعي، رغمانه وفي النهاية تظل عاجزة عن تحرير الانسان نهائيا من نير الاستغلال الاقتصادي وتبقيه مملوكا لوسائل الانتاج وتابعا لقوانين السوق.
ان الديمقراطية ليست اكثر من منظومة واليات لإدارة المجتمع لمحاولة حل التناقضات الاجتماعية التي تشق وحدته وهي في كل مراحل تطورها وتغير مضامينها ومكوناتها لم تتمكن من حلها حلا نهائيا انما اوجدت حلولا ترقيعية ووظرفية تطمس التناقض فقط، ليس من الغريب القول بوجود تناقضات وصراع بين الطبقات الاجتماعية وحتى اختلافات وتناقضات بين الشرائح المكونة للطبقة الاجتماعية الواحدة وهو ما اثبته التاريخ الطويل لنمط الانتاج الراسمالي في كل مراحله، انها تناقضات تاريخية وموضوعية بين منتجي الثروات، بين قوة العمل، بين ما لايملكون غير حياتهم يبيعونها بالتفصيل وكل لحظة لكي يتحصلون في النهاية على ما يكفيهم بالكاد ليتعيشوا وليجددوا قوى الانتاج الاجتماعي وبين الأقلية مالكي وسائل الانتاج وعبيد سلطتها النهمة للربح –في آن واحد- الذي يستثرون من بؤس الأغلبية المنتجة وعلى حسابها، انها تناقضات بين من يعيلون كل النظام الرأسمالي من عرقهم ومن جهدهم وبين اصحاب الرأسمال ممن انتصرت لهم السلطة السياسية الديمقراطية والديكتاتورية على حد السواء منذ قرون من الثورة البرجوازية.
ان الديمقراطية والحرية والتنمية ليست هبة أو منة ولا يرمزان الى الرخاء أو المدينة الفاضلة، ورغم ذلك فقد ارهق السادة الحكام الجدد وخبرائهم والمتشيعين لهم واصحاب المال والاستثمارات أنفسهم كثيرا بمحاولة اعطائنا دروسا حول الديمقراطية والوطنية والتنمية المستديمة والدائمة …الخ ووصفات جاهزة للرخاء والوعود الكثيرة بالكرامة والرفاهية، شريطة ان نشمر عن أذرعنا وسواعدنا وان نعمل طاقتنا الذهنية بأقص طافتها وبكل تفاني وتضحية من اجل تقديم فروض الولاء والطاعة مرة أخرى لسلطة رأسالمال –الريعي هذه المرة- وآلهة الربح الاستثماري المحلية والأجنبية التي أزعجها تعطل ماكينة الانتاج، وارعبتها أكثر انتشار الوعي بالاحتجاج الاجتماعي من الاضراب الى الاعتصام، ان الطبقات المسحوقة من عمال واجراء وعاطلين تتعلم اليوم كيف تنظم صفوفها وكيف تنهض موحدة مطالبة بتحقيق مصالحها المباشرة ضد سلطة الاستغلال الاجتماعي والسياسي، انها تتعلم الربط بين اشكال النضال السياسي والاجتماعي شيئا فشيئا ويما يوما، وهذا اشد ما يزعجهم، انهم يطلبون منا ان نخضع مرة أخرى لنظام الاستغلال ويريدوننا ان نصبر، حتى يقضي الله أمرا كان مقدرا، وان يدفع الشعب الكادح مرة أخرى كما كل مرة ثمن انقاذ الوطن حتى يتملكوه مرة أخرى،انهم يريدوننا ان ندفع ثمن تجرأنا على الحلم بالحرية من عرقنا وعيشنا بعد أن دفعنا ثمن إسقاط الديكتاتورية من دماء أبناء الشعب المفقر وشبابه.
ان الديمقراطية والحرية والتنمية …الخ ظواهر عقلانية واعية ومخططة وإرادية،وهي لذلك لا يمكن ان تكون انسانية واجتماعية كلما قادها الفكر الليبرالي اسلاميا كان او او غربيا فالليبرالية كما عرفها العالم ناهيك عن النيوليبرالية وربيبتها “الاقتصاد الاسلامي” تحتكم لاقتصاد السوق وقوانينه الموضوعية التي تعتمد ذاتية التسسير والتعديل وحرية التبادل والربح والتملك والانتاج والاستغلال وهي في مجملها تتعارض مع التخطيط والتوجيه وتقتص من العائدات الاجتماعية لصالح الربح كلما سنحت لها الفرصة لتحول المنافسة من بين مالكي وسائل الانتاج الى صفوف من يدافعون لتحصيل لقمة العيش وهم العمال وجيش العاطلين، انها لا تزعجها البطالة بقدر ما تزعجها وحدتهم ووحدة الشغيلة وهي باختصار تجعل من كل المجتمع والانسانية عبيدا للملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وصفاتها هذه بالذات هي التي تدفعنا للقول للسادة الحكام الجدد بان الشعب اليوم بالذات عليه ان لا يتراجع حتى يفرض منطقا سياسيا واقتصاديا يسمح لابعد ممكن بتركز علاقات اجتماعية عادلة تحد من سطوة قوانين اتقصاد السوق وتحد من وحشية الليبرالية وتقطع الطريق امام استيلاء النيوليبرالية الاسلامية على اجهزة السلطة والدولة ، عليه ان لا يعطي صكوك ثقة بيضاء لاي كان قبل ان نحدد بشكل واضح وجلي ومعقول لهذا التخطيط وأهدافه وركائزه، هذه الارادة ومنتهاها لزاوية الوعي بها، ان السادة من الاغلبية النيابية، يريدونها ديمقراطية وحرية تحرر سلطة الاستغلال، تحرر الاستثمار، تحرر الربح من قيوده الاجتماعية، تحرر التنافس وتخضع المجتمع بأسره لقانون الربح وتخلي الدولة من مسؤولياتها تجاه الغالبية العظمى من أبناء الشعب، انهم يريدونها ديمقراطية وحرية لا تتجاوز جلسات المجالس المنتخبة وقصور السلطة والحسابات البنكية لحشايتها، انهم يريدونها ان تصادر حق ومكسب الاحتجاج الاجتماعي انهم يريدونها ديمقراطية اغلبية نيابية وتمثلية منتخبة تقلب الحقائق وتشوهها عبر رفضها لديمقراطية الأغلبية الحقيقية والمباشرة لمن اختارهم ليتكلموا باسمه في المجالس، انه الشعب المنتج، الذي يطلب حقه في الاحتجاج،حقه في تعطيل الانتاج، حقه في اسماع صوته وحقه في إقالة ممثليه ومحاسبتهم، كلما مست سياستهم ومجالسهم كرامته واجره وانسانيته وبطنه ومستقبل أبنائه، ان الشعب أراد إسقاط النظام لما نفذ صبره من الظلم والطغيان والفساد والفقر والجوع والمهانة، ان الشعب أراد اسقاط لا النظام السياسي وحسب وانما منظومة الاستغلال باسرها، وهذا ما اصدح به في كل شعاراته ومظاهراته لما كان رصاص الغدر يحصد شهدائه واحدا تلو آخر، ان ديمقراطية السادة الجدد تريد من الاغلبية المنتجة والكادحة أن تحكمها الاقلية المتمعشة التي اسندت نظام الظلم ماليا وسياسيا …الخ طيلة وجوده والتي تمعشت من فساده وحيفه لتملا خزائنها، وليس هذا فقط، انهم يطلبون من هذا الشعب اليوم أن يدفع وحده ومن عرقه وجهده ضريبة نظام الفساد والاستغلال، ان يوفر وحده ما يلزم لاستدامته ونهوضه قويا مرة أخرى ؟؟؟، ان ديمقراطيتم وحريتكم تريدنا ان نملأ خزائن الأسياد وان ندفع مما نختزنه لدى الدولة من القليل الذي يتبقى لنا من أجل صحتنا وامننا وتعليمنا …الخ لنمهد الطرق لنملا خزائن الأسياد مرة أخرى ؟؟؟ ثم يطلبون منا ان نقوم بهذا دون ان نذرف الدمع أو ان نحتج.
بينما نريدها ديمقراطية وحرية وتنمية تنطلق من احتياجات ابناء الشعب، تقوم على سلم اجتماعي مبني على العدالة في توزيع الثروة بين المنتجين ومالكي وسائل الانتاج، اننا نريدها آليات تمكن الأجير والعامل والفلاح الصغير والحرفي من مقارعة آلة الاستغلال،من مجابهة قانون الربح والاحتكار من دفع الدولة الى تحسين الخدمات الاجتماعية المقدمة لعموم المجتمع كالصحة والتعليم والثقافة والترفيه الشعبي، اننا نريدها ديمقراطية وحرية وتنمية تحفظ كرامة وتحسن شروط عيش منتجي القيمة وتحد من نهم وشؤاسة رأسامال الأجنبي والمحلي، تؤسس لدولة وطنية قوية تتدخل من أجل تعديل الاسواق والاسعار والأرباح والأجور لصالح مواطنيها،دولة منحازة للاغلبية الحقيقة وغير خاضعة للمعاملات الربحية أو ذات الغايات الربحية، تسمح بحق الاحتجاج والاعتصام وتجبر راسالمال والأعراف على احترام تعهداتهم تجاه القوى المنتجة وتعوض متى تطلب ذلك انساحبهم من الاستثمار أو تهربهم من مسؤوليتهم الاجتماعية.
ان السادة الحكام وخبراؤهم الذي كثفو ظهورهم في وسائل الاعلام وهم يطالبون الشعب بالصبر ويحملونه وزر عدم الاستقرار وانهيار الاقتصاد، وهم يتباكون على تدهور النمو ويذرفون الدمع امام تعطل الانتاج والاستثمار،انما يطلبون من الشعب ان يتناسى بؤسه وشقائه وان يعود ليكد من اجل ملا خزائن اسياد المال الذين افزعهم تقلص ارباحهم وتوقف تدفق النقد الى حساباتهم، انهم لا يعلمون ان الشعب التونسي لما نهض في ديسمبر-جانفي 2011 غير عابئ برصاص القمع لم يكن يلهو ولم يكن يمارس الترف الفكري، لقد اعياه الجوع واعياه الصبر والفقر، لقد نهض انتفض الشعب وبالذات في وجه هذا الاقتصاد الذي لم يصله منه نموه او تطوره طيلة عقود ماضية أكثر مما يصله في ركوده، أن الترويكا الحاكمة لم تراجع بشكل جذري لا في برنامجها ولا في خطابها ولا في سلوكها العالم خيارات نظام بن علي ولا توجهه نحو ارساء اقتصاد هامشي غير مصنع مرتهن بشكل كلي للخارج ويجعل الدولة أداسيطرة مفضوحة بيد الأقلية المالكة للمال ولوسائل الانتاج باسم التمثيلية والغلبية النيابية وشرعية الحكم …الخ، وهاهو السيد الجبالي يصرح بعدم امكانية تحوير مجلة الشغل لصالح الأجراء الآن ؟ رغم قدرته على تحوير الدستور بأكمله ؟ وهاهي حكومته تحاول كل مرة التراجع عن تعهداتها واتفاقاتها مع ممثلي العمال ولكانت نجحت لولا حالة الاحتقان وتسارع وتيرة الاحتجاجات التي تمنها عن ذلك . ان الترويكا الحاكمة تريد وطان على قياسها وطنا تكون فيه الأغلبية لمليون ونصف من ناخبيه على حساب أكثر من 10 ملايين، وطنا تكون في الأغلبية لأربعين وزيرا ومائة ونيف من النواب على حساب كل الشعب وطنا تكون فيه الغلبة لقلة من أصحاب رأسالمال وعدة منهم من لصوص النظام السابق على حساب حق الغالبية من المواطنين الذين ليس لهم من قوة غير وحدتهم وصلابتهم وليس لهم من اجهزة غير ينظمون بها مطالبهم غير الاحتجاج والاعتصام وتعطيل ماكينة الانتاج . ان سادتنا يجرمون حركة الرفض ويتباكون حول محدودية ميزانية الدولة وقد اغفلوا ان حركة الرفض تلك اوصلتهم الى ما هم فيه، وتناس وان محدودية ميزانية الدولة نتيجة لسياسة النظام الذي سقط، نتيجة للفساد والسرقات التي ملأت خزائن من لا يريدون اليوم المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني ورفع نسق الإنتاج والمعيشة ومعه كرامة الإنسان، أن المصلحة الوطنية سادتي ليست واحدة فلا تستقيم مصلحة العامل وسارق عرقه، ولا تستقيم مصلحة الجائع والمصاب بالتخمة، لا تستقيم مصلحة من ساند النظام السابق وملئت خزائنهما معا مع مصلحة العاطل والمفقر والمهمش ومن كان نصيبه القمع والرصاص، انكم سادتي تعلنون انفسكم حكومة ثورة فكونوا كذلك انتصروا لارادة الشعب من اجل اسقاط نظام الجور والاستغلال، انتصروا لخياره في فرض حق الاحتجاج والإضراب والاعتصام،انتصروا للديمقراطية الاجتماعي التي يريد تأسيسها والتي ستحقق مرة والى الابد الشراكة الاجتماعية والمشاركة السياسية التي تمكن الاغلبية والاغلبية الحقة وبشكل مباشر من تغيير السياسات والخيارات العامة بما يستجيب لمصالحها ومصالح الوطن معها.
سادتي، طلب السيد الرئيس المؤقت هدنة اجتماعية، وهو على ما يبدو يعي ما يقول ومدرك انها حالة حرب اجتماعية، وهو قد صنفها كذلك ووضع نفسه وشرعيته وحكومته في صف سلطة الاستغلال وجعل من الصف الآخر اغلبية ابناء الشعب الكادح بمن فيهم ناخبيه، ورغم ان الحقيقية الاجتماعية والتاريخية تقول بانه طالما لم تتطابق علاقات الانتاج مع مدى تطور قوى الانتاج ومطالبها الأساسية، طالما الانتاج جماعي وتملك الثروة خاص، طالما ليس هناك توزيع عادل للثروة بين منتجيها الحقيقيين، سيظل الصراع قائما بين الفقراء الذين يزدادون فقرا كل يوم وبين الاغنياء الذين يزدادون غنى كل يوم . الا ان هدنة السيد الرئيس مقبولة بل ومطلوبة اجتماعيا وسياسيا اليوم حفاظا على السلم الاهلية وتوفيرا للظروف الانسب لتطور قوى الانتاج وتحقيق مطلبي العدالة والكرامة، شريطة ان لا يدفع ثمنها او الجزأ الأكبر منه وكالعادة من لا يملكون غير قوت يومهم وحياتهم التي يبيعون جزءا منها -بشكل غير قابل للاستعادة كل يوم – ليتعيشوا منها، شريطة ان يعي حكامنا الجدد ورئيسنا المؤقت ان عليهم ان يحققوا اكبر قدر من العدالة الانتقالية لتاريخية، وليس تلك المتعلقة بمحاسبة هذا الموظف أو ذاك،هذا المسؤول أو ذاك هذا البيروقراطي او ذاك، لا بل باستعادة جزء من ثروتنا الوطنبة المنهوبة طيلة عقود من قبل كل الطبقة الاجتماعية والسياسية التي استثرت على حساب عذابات هذا الشعب،بجعلهم اليوم يعيدون ما أخذ منا غصبا تحت سطوة اجهزة الدولة الديكتاتورية، بان يتحملوا مسؤوليتهم في تعزيز ميزانية الدولة –التي يتباكى عليها السادة الحكام- لكي تتمكن من رفع نسق الاستثمار العمومي في القطاعات المنتج للقيمة المضافة، وعلى الدولة ان تقوم بهذه المهمة بأكبر قدر من الوضوح والصلابة، لا ان تكتفي باستجدائهم من اجل ان يستثمرو هنا وهناك كيف ما يترائى لهم ووفق مصالحهم الخاصة ومنها مطلبهم ليد عاملة زهيدة الثمن وبعقود شغل هشة .ان الهدنة التي لا تضرب على يد لصوص عرق الشعب لا فرق بينها وبين خطاب 87 لبن علي، ان على السيد الرئيس أن يخاطب حلفائه في الداخل والخارج من الساسة ومن اصحاب المصالح الربحية بشان هدنته، بان يتم احترام توزيع السلط بين مختلف أجهزة الدولة بشكل متوازن، بان يسمح وبشكل واسع ودون تجريم لعمليات التنقب الواسع (العمل النقابي ) العمال وتنظيم الاحتجاج، ان تقوم حكومتكم ودون ابطاء بمراجعة كل القوانين الشغلية (مجلة الشغل) والاتفاقات القطاعية وجداول الاجور والمنح وأوقات العمل وساعاته في اتجاه الغاء كل اشكال التمييز بين الجنسين وين قطاعات العمال وشرائحهم والغاء كل اشكال الحيف والامتهان للاجراء والعمال وبشكل يكفل اكبر قدر من الكرامة الانسانية والرفاه للتونسيات والتونسين من الطبقات الشغيلة، ان تعطى للمعارضة السياسية داخل المجلس وخارجه وان يكون للمجتمع المدني ومؤسساته أكبر قدر من المشاركة السياسية والقدرة على اقتراح مشاريع القوانين والقرارات ومراقبة أداء الحكومة والقدرة على سحب الثقة منها … الخ والاهم من كل هذا عدم احتكار الأغلبية النيابية أو حتى كل النواب مجمعين مهمة صياغة الدستور المقبل للبلاد الذي سيمثل عقدنا الاجتماعي ليس للهدنة فحسب، بل لكل السلم الاجتماعي الذي نحن مقبلون عليه والذ سيصوغ علاقاتنا الاجتماعية طيلة عقود مقبلة من الزمن.
un grand peuple a comme grande priorité de remplir sa dignité son cerveau , pas sa panse , car c’est une priorité chez les agneaux , sauf si c’est votre quête . au faite! avez vous entendu parler des premiers 100 jours d’un gouvernement élu chez les occidentaux ? ou vos clowns d’opposition aigri ont oubliés de vous parler de ça ?
Il est clair que ce genre d’article n’avance pas le cas de la Tunisie en vue d’améliorer son sort. Car le délai demandé est légitime, on le trouve dans toutes les démocraties et c’est généralement 100 jours. Alors qu’en Tunisie et avant que le nouveau gouvernement prend ses fonctions on a commencé à lui mettre les barres dans les roues.