بقلم صلاح الدين الجورشي – تونس
بالرغم من نجاح الفريق العامل مع محمد الغنوشي، الوزير الأول في التغلب على صعوبات عديدة تعاقبت خلال السنوات الأخيرة، وتمكنّـه من تحقيق نوع من الاستقرار، إلا أن الخبراء يعتبرون الاقتصاد التونسي من بين الاقتصادات “الهشة” أو القابلة للتأثر بأي متغيرات إقليمية ودولية.
وفي هذا السياق، أشار وزير المالية إلى أن أسعار النفط إذا ما واصلت ارتفاعها على النسق الحالي، فإنها ستبتلع ثلثي ميزانية التنمية. هذه الميزانية التي توقعت بأن سعر برميل النفط سيستقر هذا العام عند حدود 60 دولار.
فكيف ستواجه الحكومة التونسية وضعية اقتصادية ومالية شديدة الصعوبة، بعد أن قدّر البنك الدولي وصول سعر البرميل قبل نهاية السنة الجارية بحوالي 80 دولارا؟
يكاد اللجوء إلى مراجعة قانون المالية بالزيادة والنقصان في آخر السنة يصبح “عادة الاستثناء”، حسب تعبير أحد نواب المعارضة في البرلمان، وهو ما تكرر منذ عام 2002، حسبما ورد في مداخلة النائب إسماعيل بولحية، ويعود ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما خلف عجزا في ميزانية الدولة بلغ في أواخر العام الماضي (2005) حدود 1.140 مليون دولار.
وحتى يتم تخفيف من حجم العجز الذي ازداد مع الأشهر الخمس الماضية، لجأت الحكومة إلى الرفع في أسعار المحروقات مرتين منذ مطلع العام الجاري (2006). وحتى يقع امتصاص التململ الاجتماعي لعموم التونسيين، وخاصة أصحاب السيارات، تم تنظيم حملة إعلامية متواصلة بهدف إشعار التونسيين بضرورة التعاون من أجل التحكم في الطاقة، و تنفيذ حزمة من الإجراءات المتنوعة.
“من سيدفع الفاتورة”؟
لكن مع أهمية ذلك، فإن أوساطا عديدة تتساءل عن مدى قدرة هذه السياسة على مواجهة الصعوبات القادمة، كما تم إحداث خلية مراقبة نسق تطور أسعار النّفط وأداء سوق الصّرف العالمي، والهدف المركزي، هو بذل قصارى الجهد لتقليص حجم الحجز في ميزانية الدولة.
فكل زيادة بدولار واحد في سعر البرميل، تثقل كاهل الميزانية بـ 35 مليون دينار نفقات إضافية، وتفكر الحكومة حاليا في جميع الحلول، بما في ذلك اللجوء إلى الطاقة النووية
ويعتبر الاقتصادي عبد الجليل البدوي أن “النظام الذي شجع على صعود مجتمع استهلاكي اصطناعي، وغرس ثقافة الدعم الاقتصادي والخضوع السياسي، قد استنفد طاقته”، ويعتقد بأن ارتفاع أسعار النفط ستزيد بشكل آلي من خطورة اختلال ميزان المدفوعات، سواء بالنسبة للديون الخارجية أو ميزانية الدولة، وتساءل في حوار أجرته معه مجلة “كلمة” الالكترونية.
ينفي وزير المالية تحميل المستهلك وحده تداعيات الأزمة، والدليل على ذلك أن حجم دعم الدولة قد ارتفع إلى 2 مليار دينار بعد أن زاد سعر البرميل 15 دولارا إضافيا عن السعر المرجعي عند إعداد الميزانية، والذي كان 60 دولارا. غير أن الأستاذ البدوي يعتبر أن الطبقة الوسطى التي تشكل القاعدة الاجتماعية الأساسية للنظام السياسي، هي التي سيلحقها الضرر الأكبر بعد أن تآكلت قدراتها الشرائية طيلة السنوات الأخيرة، ويدعو الحكومة إلى اختيار وسائل أخرى لمواجهة المشكلة غير تحميل المستهلك مزيدا من الأعباء المالية والاجتماعية.
ومن بين هذه الوسائل، تقليص استهلاك الإدارة للطاقة بإلغاء أسطول السيارات الإدارية وبيعها بالتقسيط للموظفين، واستبدال كوبونات البنزين التي تُـعطى لهم ضمن بقية الامتيازات بمِـنح مالية. لكن البدوي يعتقد بأن السلطة لن تقدم على ذلك لاعتبارات سياسية، مشيرا إلى العلاقة العضوية التي تربط الإدارة بالحزب الحاكم.
اختلافات وجهات النظر
أما بالنسبة لأحزاب المعارضة، فإن وجهة نظر كل طرف منها تختلف مع اختلاف الموقع والعلاقة بينها وبين النظام.
فحركة الديمقراطيين الاشتراكيين تساءلت من خلال النائب إسماعيل بولحية عن الكيفية التي ستواجه بها الحكومة سيناريوهات المستقبل المنظور و”هل ستلجأ إلى استعمال جزء من عائدات الخوصصة التي وفّـرت للميزانية مبلغا هاما بعد التفويت في 35% من رأس مال شركة اتصالات تونس”؟
سؤال أجابت عنه صحف يوم الثلاثاء 9 مايو الجاري، والتي ذكرت بأن ثلثي تلك العائدات سيخصص لـ “تسديد، بصفة مسبقة، ديون عمومية خارجية، في حين سيوظف الثلث المتبقي للمساهمة في انجاز المشاريع الكبرى للبنية الأساسية”.
ويعتقد بولحية أن تصاعد سعر النفط أصبح “موضوعا هيكليا”، ويعتبر في تصريح لسويس أنفو أن “السير تدريجيا نحو حقيقة الأسعار، خيار له تبعات اقتصادية وسياسية واجتماعية، لا تقل خطورة من تبِـعات عجز الميزانية وتحدّيات المحافظة على الموازنات المالية”، ويقترح إعادة النظر في سياسة النقل العمومي لتعويض التمادي في تضخم أسطول السيارات، والتحكم في اقتصاد الطاقة.
أما أحمد نجيب الشابي (الحزب الديمقراطي التقدمي)، فقد اتهم الحكومة بحجب المعلومات عن المعارضة والأوساط الأكاديمية. وردا عن سؤال سويس انفو حول ما يقترحه حزبه لمواجهة تداعيات ارتفاع أسعار النفط على الوضع الاجتماعي والسياسي في تونس، أجاب الشابي “كيف يمكننا أن نساهم في تقديم اقتراحات في وقت تتعرض فيه المعارضة للملاحقة، وتمنع فيه السلطة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة حق التعبير والتجمع، ويحتكر النظام القرار”. لكنه من جهة أخرى، طالب بدوره بأن لا تتحمل الجماهير الضعيفة القِـسط الأوفر من أعباء هذه الأزمة، وطالب السلطة بأن تعترف بالمجتمع والنقابات والأكاديميين ومنظمات رجال الأعمال، بحكم أن ذلك شرط أساسي لتحقيق التكافل الاجتماعي الذي تحتاجه البلاد في مثل هذه الظروف
قلق التونسيين
بقطع النظر عن أصداء هذا الجدل الذي ستتصاعد أصداءه في الأشهر القادمة، فالمؤكد أن حالة من القلق بدأت تسود الأجواء الاجتماعية في تونس، ولا حديث بين التونسيين، إلا عما يمكن أن تخفيه التطورات القادمة من زيادات محتملة في أسعار المحروقات وما يتبعها، حيث ارتفعت أسعار المحروقات ثلاثة مرات منذ بداية هذا العام.
وما تخشاه الحكومة، هو أن يؤدي هذا التململ إلى تصاعد الحركة المطلبية، خاصة وأن عدد الإضرابات قد ازداد في الأشهر الأخيرة، كما أصبحت أصوات النقابيين أكثر ارتفاعا، وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى قرار كل من نقابة التعليم الأساسي ونقابة التعليم الثانوي شنّ إضراب عن العمل خلال الفترة القادمة.
ولعل الإسراع باتخاذ إجراءات لصالح محدودي الدخل وفاقدي السند، بما في ذلك أصحاب الشهادات، ليس سوى محاولة استباقية لامتصاص ردود فعل هذه الفئات الحساسة جدا لأي ارتجاج يُـصيب أسعار المواد الأساسية.
والسؤال المطروح حاليا: هل ستتمكّـن السلطة من الاستمرار في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي؟ وهل ستتمسك بنفس الوسائل التي اعتمدتها منذ بداية التسعينات أم أن الظروف الجديدة ستجعلها أقل تصلّـبا وأكثر انفتاحا على المعارضة والمجتمع المدني؟
المصدر: موقع سويس إنفو 11 أيار/مايو 2006
iThere are no comments
Add yours