تحتاج المناطق الإسلامية إلى مبادرة إصلاح شامل لأوضاعها، هذه هي خلاصة الباحث اللبناني رضوان السيد في كتابه الجديد “الأصولية والإصلاح والسياسات الدوليّة” الذي صدر عن منشورات الكتاب العربي في بيروت.
فولفغانغ غ. شفانيتس يقدم قراءة للكتاب
لقد آن الأوان لكي نتخلص من وهمين، يعلن الكاتب اللبناني رضوان السيد. الوهم الأول هو ذلك الذي يعتقد أنه من الممكن أصلا استعمال الإسلام لخدمة النظام القائم. أما الوهم الثاني، يقول الباحث اللبناني الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة توبنغن الألمانية، فيتمثل في الاعتقاد بأنه من الممكن فصل الإسلام عن الدوائر ذات التأثير السياسي والاجتماعي في العالم العربي والإسلامي.
من خلال هذا الرأي يشير الكاتب إلى المأزق التاريخي التالي: لئن كان الدين غير قابل للاستعمال من طرف النظام السياسي، فإن الأوساط الحاكمة تظل مع ذلك غير قادرة على الانفصال عن الدين على غرار ما حصل في الغرب من فصل بين الدين عن الدولة.
المواجهة والحل: الاتجاه التبريري
كيف تجري المواجهات حول الإسلام وأين يمكن أن توجد الحلول؟ ذلك هو ما يبحث فيه المفكر اللبناني في كتابه الأخير. في البدء يدخل الكاتب في مواجهة نقدية مع التفكير الإسلامي السائد. يدعو رضوان السيد الاتجاه المهيمن حاليا ب”اتجاه التبرير”، وهو الاتجاه الذي يسعى المسلمون بمقتضاه إلى البحث عن أسباب الصراع القائم حاليا بين الإسلام والغرب في التاريخ؛ من الحروب الصليبية، مرورا بالاستعمار ووصولا إلى مرحلة السوق العالمية.
الحضارة الغربية عدوانية حسب هذا الاتجاه، وبحكم طبيعتها يهيمن داخلها الطموح المادي الضيّق. وتعود إحدى أسباب هذا الأمر حسب زعمهم إلى “خضوعها إلى تأثير ثلاث تيارات يهودية: الماسونية والماركسية والفرويدية”. وقد ردّ المسلمون على ذلك بحركة الجهاد التي أقاموها ضد الاستعمار بصفة أساسية منذ سنة 1800. كما خاضوا إلى جانب ذلك معركة فكرية ضد الاغتراب تمسكوا فيها بثقافتهم الإسلامية.
الاتجاه الثاني: لا مواجهة دينية وانما صراع نفوذ
أما ممثلوا الاتجاه الثاني فيرون في تأزم العلاقات بين الفضاء الإسلامي والعالم غير الإسلامي مسألة لها علاقة بتغير طرأ على نظام العلاقات الدولية. تبعا لهذا المنظور يكون قد نشأ خلال فترة الحرب الباردة نظام أحادي الاستقطاب مركزه هو الغرب.
ولا يتعلق الأمر لدى هؤلاء إذن بمواجهة دينية كما يزعم الإسلاميون، بل بصراع حول الموارد ومواقع النفوذ. بعدها تحول النظام القائم على أحادية الاستقطاب إلى عامل توتر دولي أساسي. إلا أن هذا الأمر قد عمل على تدهور العلاقات بين الجزء الإسلامي من العالم والجزء الآخر غير الإسلامي.
إضافة إلى ذلك تلعب الأوضاع القائمة داخل الفضاء الإسلامي دورا معرقلا. فالمجتمعات اللاديمقراطية والتي تفتقر إلى التمثيلية هي التي تحدد ملامح صورة الواقع. إضافة إلى أن الأنظمة الاستبدادية القائمة هناك لا مصلحة لها في قيام جدالات حرة.
الاتجاه الثالث: إفلاس الأنظمة الحاكمة
أما ممثلوا الاتجاه الثالث، يواصل رضوان السيد عرضه، فيرون أن المشاكل القائمة بين الإسلام والغرب ذات أسباب اقتصادية وسياسية. غير أن المسلمين يردون، حسب هذا الاتجاه، على هذه المشاكل ردودا ثقافية في المقام الأول.
وهم يرون إلى مشاكلهم كمشاكل ذات طابع خصوصي متفرد، كما هو الحال بالنسبة لفلسطين مثلا أو الحروب الأهلية وكذلك الاضطرابات التي تعيشها الأقليات المسلمة في كل أنحاء العالم. تبعا لذلك راح الحقد على الديانة الإسلامية بالخصوص يزداد تطورا.
وقد زاد في تدعيم هذا الانطباع تواتر الأحداث التي حفت بقضية الكاتب سلمان رشدي وأطروحات نهاية التاريخ وصدام الحضارات. وبصفة عامة يعترف أصحاب هذا الاتجاه، حسب رضوان السيد، بإفلاس الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية ، لكنهم يتحدثون في المقابل عن أزمة معرفية تسود العالم.
مفاهيم شديدة التعقيد
إن هذا العرض لوحده كاف لكي يبين مدى صعوبة الموضوع الذي يعالجه رضوان السيد. فالأمر يتعلق هنا بمفاهيم شديدة التعقيد وسبل غاية في التنوع في محاولة مقاربة التاريخ والحاضر وتفسيرهما.
وإذا ما نظر القارئ في الاستنتاجات التي يخلص إليها في كتابه فإنه سيتضح له أنه لا يرغب في تقديم وصفة علاجية. وبالمقابل يلاحظ “تنامي موجة من الحقد على الإسلام في أميركا وأوروبا”.
فهناك، يقول مستشهدا بزميله الكاتب الباكستاني طارق علي، توجد قناعة راسخة بأن الإسلام في جوهره لا يمكنه أن يتلاءم مع القيم الغربية والثقافة الغربية. وذلك هو ما يجعل من اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية مسألة تكاد تكون مستحيلة.
الإصولية والإرهاب
وبالرغم من كل شيء يرى رضوان السيد أنه من الضروري التركيز على ثلاث أطروحات في مقاربة الصراع على الإسلام:
الأصولية الإسلامية جعلت من الإرهاب إشكالية عالمية. على الفضاء الإسلامي أن ينفتح على العالم الحديث. الغرب يحكم السيطرة على العالم وهناك صراع عنيف بينه وبين بقية مناطق العالم، صراع تلعب القيم فيه دورا أساسيا.
وخلاصة بحثه هي الآتية: تحتاج المناطق الإسلامية إلى مبادرة إصلاح شامل لأوضاعها.
يقدم هذا الكتاب الكثير من المعلومات حول الجدل القائم في العالم الإسلامي، والذي ينبغي دراسته بدقة في الغرب.
بقلم فولفغانغ غ. شفانيتس
ترجمة علي مصباح
قنطرة 2005
فولفغانغ شفانيتس كاتب ألماني وباحث في الدراسات الإسلامية.
رضوان السيد: الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية، منشورات الكتاب العربي في بيروت
iThere are no comments
Add yours