Mémoire collective 25

دار الباي بحمام الأنف: ملجأ بشيرة بن مراد يقاوم السقوط

تبدو المناضلة بشيرة بن مراد التي أسست الاتحاد الإسلامي للمرأة سنة 1936، في صورة التقطت لها آخر أيام حياتها بداية التسعينات، امرأة حافظت على قسط كبير من الرفعة والنبل التي ورثتها من عائلتها، فهي ابنة الشيخ محمد صالح بن مراد شيخ الإسلام الحنفي، وحفيدة المفتي أحمد بن مراد. ولكنّ خلفية الصورة التي تُظهر جدارًا مطليًّا بدهن أزرق باهت، كسرت تلك الرفعة. ذلك الجدار هو حائط غرفة بشيرة بن مراد في الطابق الأول بالقصر الحسيني المعروف بدار الباي بحمام الأنف.

تحقيق: الإسبان الجمهوريون في القصرين، قصة قبور تأبى الاندثار

في ربيع 1938، مع رجوح كفة الحرب “الأهلية” الإسبانية للجنرال فرانكو، حليف هتلر وموسوليني، عرفت إسبانيا موجة رحيل جماعي لمئات الآلاف برا وبحرا هربا من التنكيل والانتقام. كانت عملية الانسحاب، كما تسميها المراجع عملية تشريد لا تضاهيها سوى نكبة الفلسطينيين. في مارس 1939، قبل شهر من إعلان فرانكو الانتصار،أرست سفن إسبانية في بنزرت. وانتهى، بين ماي 1939 وجوان 1940، مطاف اللجوء بمئات ضباط البحرية الجمهورية إلى ضيعة معلقة في جبل الشعانبي. كان حلم العودة يتطلب البقاء على قيد الحياة. عانوا ويلات المخيم والمرض والاستغلال وعاشوا معركة القصرين وذاقوا مع التونسيين طعم القهر والاستعمار. رغم ذلك، صمدت غالبيتهم طيلة الـ17 سنة التي قضوها في القصرين من 1939 إلى 1956، وحتى بداية الثمانينات لبعضهم. لم يختطف الموت الغادر سوى عشرين منهم في الفترة الممتدة من جويلية 1941 إلى أكتوبر 1949.

سينما :طارق بن عمار ووزارة الثقافة، حارسان خذلا الذاكرة الوطنية

فوق ربوة الجبل الخاوي الذي عرف باسم ربوة قمرت، ولمدة تناهز الخمسة وثلاثين عاما، انتصبت الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية التي تأسست سنة بعد استقلال تونس وتمت تصفيتها في 1991. ويرقد أرشيف السينما والأخبار منذ أكثر من ستين عاما، في بطون أقبية مبنى تلك الشركة التي عرفت باسم ساتباك SATPEC، المنتصبة فوق أرض كنسية قديمة وهبها الفاتيكان لتونس، محاذيا لمغاور تاريخية، تبيّن أنها مقابر مسيحية ويهودية تحت الأرض. وفي سنة 2002، قطع رجل الأعمال التونسي طارق بن عمار وعدا للدولة التونسية بترميم الأرشيف المنسي، مقابل امتيازات تحصل عليها من الدولة، لكنّه لم يف بذلك الوعد.

من عملية باب سويقة إلى الجهاز السري: روايات نهضاوية متضاربة

اعترف القيادي السابق والمستقيل حديثا من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي بمسؤوليته في عملية باب سويقة التي ذهب ضحيتها مواطنين تونسيين توفّيا حرقا وجرح آخرين. وقال الجلاصي، في لقاء خلال الأسبوع الماضي على القناة التلفزية الخاصة التاسعة : “كنت قياديّا مؤثرا في حركة النهضة وعندي مسؤولية سياسية وأخلاقية (عن العملية)، وأعترف بذلك وأعتذر للناس، وأن قيادة النهضة يجب أن تعرف بذلك وتعتذر للمناضلين وعائلاتهم وللتونسيين”.

حينما تتحوّل النهضة لضحيّة وجلاّد: اعترافات كريم عبد السلام نموذجا

شكّلت اعترافات العضو السابق في حركة النهضة، كريم عبد السلام، عن تورطه في التخطيط والتنفيذ لأحداث باب سويقة، وكشفه لمخططات حركة النهضة في بداية التسعينات فيما عرف بأحداث “ماء الفرق”، مخزنا من المعلومات حول الحركة السريّة التي رفضت إماطة اللثام عنها لعقود، مما زاد في تعطيل المصالحة الوطنية ونثر الشكوك حول مسار العدالة الانتقالية.

في باب سويقة: منزل ابن أبي الضياف، من مركز عقل السلطة إلى خربة مهجورة

في أحد الأنهج الضيقة بحي باب سويقة بتونس العاصمة ، يمتد سور طيني اللون يوحي بأنه امتداد لإحدى البنايات القديمة المتداعية التي تمتلئ بها الأنهج المتاخمة للمدينة العتيقة. مشهد البنايات المهدمة، التي تعرف باسم “الخربة” مألوف لدى سكان تلك المنطقة ولا يستوقف المارين بجانبها، بل يحدث أن يتجنب كثيرون المرور قربها بسبب قصص مخيفة منتشرة هناك عن منحرفين مسلحين ومخدرين يسكنونها.

جبل جلود: شكري بلعيد ”ديما حي“ بين سكان منشئه الأول

“كان شابا قوي الشخصية، فصيح وجريء. كان ينتهي من يوم دراسته في المعهد الثانوي برادس ثم يمر إلى دار الثقافة بجبل جلود، هناك تحمى النقاشات الأيديولوجية ويعلو صوت الاختلاف في تقييم كل شيء سياسي في العالم وليس في تونس فقط. كانت فترة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حين كنا ننشط في دار الثقافة ونحاول أن نؤسس خلايا عمل للحزب الشيوعي التونسي. الآن نفتقده بشدة، وكل من له ثقافة سياسية ولو بسيطة يحب شكري بلعيد. هناك من يكرهه إلى الآن وتلك فئة قد لا تعنينا كثيرا، لكن أغلبية البسطاء في جبل جلود يتمنون لو كان اليوم حيا بيننا”.

مارس 68: فصل منسي من تاريخ اليسار التونسي

عندما يتم التطرق إلى النضالات الاجتماعية التي وقعت سنة 1968 يتحدث الجميع عن ماي 68 في فرنسا. ولايذكر الكثيرون أن تونس شهدت أحداثا لا تقل أهمية عن تلك التي عرفتها فرنسا. في مارس 1968 شهدت الجامعة التونسية تحركات الطلابية انتهت باعتقال مجموعة كبيرة من مناضلي حركة برسبكتيف. للتعريف بهذه الحركة التي ظلت منسية وتاريخها غير مدون، نظمت جمعية برسبكتيف-العامل التونسي- للذاكرة والمستقبل، ندوة بالمكتبة الوطنية والأرشيف الوطني، أيام 26-27-28 أكتوبر 2018، تحت عنوان ربيع 68. نواة واكبت هذا النشاط وسلطت الضوء على أبرز أبعاد هذه الحقبة المنسية.

البانديّة في تونس: مهمّشون مُسقطون من التاريخ الرسميّ

أعاد بث مسلسل “شورب” الجدل حول شخصية الباندي الرافض للسلطة والخارج عن القانون. وهو ما قد يدفعنا إلى اللجوء إلى الذاكرة الجماعيّة والرواية الشفويّة لكتابة تاريخ مضادّ للتاريخ الرسميّ الذي كتبه المنتصرون. تاريخ مضادّ يحتفي بالفئات المهمّشة، بأولئك الأبطال الاجتماعيّين الذّين شقّوا عصا الطاعة وظلّت حكاياتهم المتناقلة جيلا بعد جيل محفورة في الوجدان الشعبيّ. الصعاليك الشرفاء أو اللصوص الشعراء أو الشطّار أو الفلاّقة أو البانديّة أو غيرهم من المهمّشين، ظلّوا مُسقطين من التاريخ المكتوب، مقابل الاهتمام الشعبيّ بسيرهم وبطولاتهم التي قد ترتقي بصيغ المبالغة إلى مرتبة الملحمة أو الأسطورة. الصراع دائر بين تاريخين، تاريخ رسميّ دَوّنه مؤرّخون رسميّون انتصروا للعلماء والجنرالات والزعماء، وتاريخ شعبي شفويّ اهتمّ بالمغمورين الذين لن نجد شارعا باسمهم أو نَدرس عنهم في كتب التاريخ.

جبنيانة: كيف صارت مدينة تاريخية لليسار؟

يَتشكل جزء كبير من الذاكرة الجمعية في مدينة جبنيانة، ولاية صفاقس، على فكرة ”الخروج عن الحاكم“ التي كانت بالنسبة للأهالي سببا في مظلومية سياسية مازالت مستمرة إلى اليوم. ويلوح الرفض السياسي جزءا مهما في التاريخ المعاصر للمدينة، وقد ساهم في بناء شعور جمعي مشحون -في معظمه- بازدراء للسلطة المركزية وامتداداتها الجهوية. ولئن يعود البعض بتاريخ الرفض في جبنيانة إلى المشاركة الأهلية في معركة التحرر الوطني من الإحتلال الفرنسي، فإن الأكثر لفتا للانتباه استمرار ديناميات الاعتراض السياسي في فترة مابعد الاستعمار، وطيلة هذه الحقبة يبرز الفكر اليساري كفعالية مؤثرة في الإبقاء على حرارة الرفض وتجذيره في المجتمع المحلي، خصوصا في الحركتين التلمذية والطلابية.

نص محاكمة 26 جانفي 1978: هكذا شيطن نظام بورقيبة الحركة الشعبية والنقابية

بعد مرور 40 سنة، يمكن القول أن يوم الخميس 26 جانفي 1978 شكّل لحظة تاريخية تكثفت فيها تعقيدات الواقع التونسي بأنحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. منظومة الحكم تسخّر أجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية من أجل الإجهاز على حالة شعبية منتفضة، غذّاها الإضراب العام الذي دعى إليه الاتحاد العام التونسي للشغل والذي كان أشبه بسَكب الزيت على نار مشتعلة منذ زمن. الإدارة النظامية لحدث التمرد الشعبي والنقابي اتخذت شكل الجريمة التاريخية، التي استقرت في الذاكرة الجمعية رغم إرادة الطمس. جزء من معالم الجريمة تفصح عنه دفاتر النظام نفسه، وهنا يبرز نص الحكم الصادر عن محكمة أمن الدولة ضد النقابيين، أول أكتوبر 1978، كإحدى الوثائق الكاشفة عن طبيعة منظومة الحكم وأدواتها في إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي.

مالك قناوي في “دريم سيتي”: انغماس في ذاكرة سجن 9 أفريل

في قلب المدينة العتيقة بدار داي، المنزل المتروك منذ عقود. تجلّت ذاكرة ناصر، السجين السابق المحكوم بالإعدام وصاحب عدد 0904 بالسجن المدني 9 أفريل، كشهادة على الشقاء الإنساني، تدعونا للتفكير في ضِيق وعبثية عقوبة الإعدام. شكّل استحضار شخصية ناصر مدخلا لاسترجاع ذاكرة السجن القديم الذي أغلِق في سنة 2003 وتم هدمه بالكامل في 2006، ومن خلالها وجَد الفنان التشكيلي مالك قناوي نفسه أمام مواجهة الصمت والصّد الذي تمارسه الإدارة التونسية. اختار مالك الاستلهام من روايات مساجين سابقين ليشكّل فضاءا تداخلت فيه الصور والأصوات والعصافير والأقفاص، وأشياء أخرى حَمَلت الزائرين إلى لقاء مع رجل توفي منذ سنوات طويلة في زنزانة فردية.

”سهرت منه الليالي“ لعلي الدوعاجي : عن الأدب المرح والنقد اللاذع

إن المتمعن في أقصوصات “أبو القصة في تونس”، كما سماه الناقد توفيق بكار، يلاحظ أنه جعل نصوصه مطية لتضمين آرائه في السياسة الاستعمارية وانعكاساتها السلبية على المجتمع التونسي آنذاك. ولعل ما يميزه عن غيره وجعله رائدا من رواد الأدب التونسي هو قدرته على إضفاء بعد هزلي رغم جدية وحساسية المواضيع المطروحة في قصصه فهو لا يفضل الوعظ الثقيل فالقصة “صورة صادقة لمنظر شاذ” على حد تعبيره.

منور صمادح : شاعر حاضر رغم التغييب

“إبتسم يا شعب” هي أولى الكلمات التي كتبها منور صمادح سنة 1948 والتي ستبقى كوصية للأجيال المتعاقبة وكدعوة للفرح والإقبال على الحياة. لقد توجه الشاعر إلى أبناء شعبه تماما كما صرخ فرحات حشاد من الأعماق “أحبك يا شعب”. ولأن صمادح من طينة الشخصيات الكبار فقد بث حبه للشعب وغيرته على الوطن عبر قصائده. لكن شعر صمادح إستهدفه النظام البورقيبي الذي عمق الهوة بين الشاعر والعامة من خلال منع دواوينه والتضييق عليه.

محمد البوعزيزي: الهامشي المَطرود من الذاكرة

مع حلول شهر ديسمبر من سنة 2010، كان نظام بن علي قد أمضى 23 سنة في الحكم. وفي الوقت الذي كانت فيه العائلة الحاكمة تتهيأ للاحتفال بعِيد نهاية السنة، كان هناك شاب منسي في مدينة سيدي بوزيد يقاوم حملة دورية تشنها الشرطة البلدية على الباعة المتجولين. دارت عجلات عربة البائع محمد البوعزيزي في اتجاه مستودع الحجز، ودارت معها عجلات التاريخ في اتجاه هدم بيوت السلطة.

”تبّت يدا أبي لهب“ : خواطر حول ماهية التعذيب

ولد فتحي بن الحاج يحي سنة 1953. حوكم غيابيا بالسجن لمدة سنتين بتهمة الانتماء إلى منظمة العامل التونسي. بعد إيقافه في مارس 1975، أصدرت في شأنه محكمة أمن الدولة عقوبة بالسجن لخمس سنوات و نصف بتهمة التٱمر على أمن الدولة و الإنتماء إلى جماعة محضورة و إجتياز الحدود خلسة. كانت تلك التجربة موضوع إصداره الأول “الحبس كذٌاب… والحيٌ يروٌح” . بعيدا عن بكائيات أدب السجون، يفاجئ فتحي بن الحاج يحي بأسلوبه التراجيدي الكوميدي. بعد أن طلبت منه إحدى قرائه الأوائل مزيدا من الإيضاح حول مسألة التعذيب، يقترح بن الحاج يحي قراءة سوسيولوجية لممارسة تتجاوز جدران المعتقلات.

خطاب الرئيس في ذكرى الاستقلال: لا خروج عن النّص

بين التلعثم في استحضار أسماء ما تزال دماءها دينا في رقاب من تعهدّوا بكشف القتلة، وخلط رهيب للمفاهيم، وإصرار على مصادرة التاريخ، تنقّل رئيس الجمهوريّة من موضوع لآخر طيلة ساعة تقريبا، محاولا حسم بعض القضايا، وليثير الجدل من جديد حول أخرى

أحداث 26 جانفي 1978: ذاكرة مهربة من دفاتر النظام

هذا اليوم الذي يُطلق عليه البعض “الخميس الأسود” تَحوّل من إضراب عام أعلنته قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حالة شعبية رافضة لسياسات الحكم وخياراته، أمسَى في قراءات المؤرّخين حدثا يختزِل سياقات مرحلة بأكملها من التاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد.