financement-election-2014-2014

بقلم خولة العشي،

طرح ملف تمويل الحملات الإنتخابية من جديد في هذه الفترة مع اقتراب موعد الإنتخابات الرّئاسية والتشريعية. ويعود هذا الإهتمام المكثف بعملية التمويل الإنتخابي من طرف منظمات وأحزاب سياسية لأهمية سلامة الإنتخابات من ماكينة ضخ الأموال الأجنبية لصالح بعض الأحزاب الكبرى الأمر الذي يمس من تعادل الفرص بين الجميع.

كانت انتخابات 2011 قد عرفت، بناء على أرقام قدمتها منظمات مختصة في مراقبة الإنتخابات، تجاوزات كبيرة في ما يخص تمويل الحملات الإنتخابية وذلك لنقص الرقابة وغياب القوانين الرادعة التي تمنع تغول المال السياسي. وقد حاول القانون الإنتخابي الجديد حماية العملية الإنتخابية من الثغرات التي من الممكن أن يتسرب من خلالها المال السياسي، غير أن محاولات تطويع هذا القانون من أجل الحصول على أكبر قدر من المساعدات الداخلية والأجنبية لا زالت قائمة.

محدودية التمويل العمومي والتمويل الذاتي

حدد القانون الإنتخابي الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا ثلاث طرق للتمويل وهي التمويل العمومي والتمويل الذاتي والتمويل الخاص. ورغم تشديد هذا القانون الرقابة على طرق التمويل الذاتي إلا أن التمويل الخاص يبقى أكبر هدية قدمها هذا القانون للأحزاب الكبرى بإمكانية تجاوز ضوابط هذا التمويل بطرق مختلفة.

ويتمثل التمويل العمومي في مبلغ مالي تتحصل عليه القائمات المترشحة وستقوم الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بتحديده لاحقا ولا يتجاوز خمسة آلاف دينار حسب تصريح عدد من النواب، في حين يحدد القانون التمويل الذاتي كالآتي:

يعتبر تمويلا ذاتيا كل تمويل نقدي أو عيني للحملة بالموارد الذاتية للقائمة المترشحة أو المترشح أو الحزب بالنسبة للقائمات المترشحة أو للإستفتاء.
الفصل 72

ولم يعبّر عدد كبير من المترشحين للإنتخابات القادمة من تخوفهم من صيغتي التمويل العمومي والذاتي نظرا لكونهما يخضعان لضوابط كبيرة ولا يمثلان تهديدا للأحزاب الصغرى والقائمات الشبابية رغم أنهما لا يمثلان موردا ماليا مهما لإنجاح الحملة الإنتخابية نظرا لمحدودية المبلغ الذي سيتم التنصيص عليه. وبالتالي فإن الفرص بين جميع المترشحين ستكون متقاربة حيث لن يتجاوز أي مترشح مهما بلغت قدرته على تمويل حملته النسب المحددة في القانون الإنتخابي.

وقد تحدّث عدد من المترشحين من الأحزاب الصغرى وذات الإمكانيات المتوسطة عن اعتمادهم فقط على التمويلين العمومي والخاص. وقد أكدت المترشحة عن حزب التحاف الديمقراطي نجلاء بوريال أن حزبها سيتعمد فقط هاتين المنظموتين رغم أنه يستقطب الطبقة المتوسطة كبعض الأطباء والأساتذة الجامعيين الذين يرغبون في تقديم مساهمات بسيطة. كما أكد النائب المترشح عن حزب تيار المحبة (العريضة الشعبية سابقا) أن حزبه لم يتلق أية دعوات للدعم من طرف رجال الأعمال وأنه سيعول على قدراته البشرية وموارده الذاتية البسيطة.

وقال المترشح عن الجبهة الشعبية حطاب بركات أن الجبهة لا تملك أية أموال وستعول فقط على التمويل الذاتي والعمومي عكس عديد الأحزاب الكبرى التي ستستفيد بقوة من التمويل الخاص المتأتي من رؤوس الأموال الكبرى التي تعمل على كسب ود الأحزاب خدمة لمصالحها المالية الخاصة. ووضح بركات أن تأثير المال السياسي خلال الإنتخابات القادمة يكون سيئا جدا على نتيجة الإنتخابات وسيعيد رؤوس الأموال الفاسدة إلى التحكم في مصير البلاد عبر سياسيين اختاروا أن يبيعوا المصلحة الوطنية مقابل الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية. هذا في حين لم ينكر عدد من المترشحين عن أحزاب كبرى مسألة ضرورة الإستفادة من التمويل الخاص لإنجاح حملتهم الإنتخابية في إطار ما يسمح به القانون مؤكدين أن اللعبة الإنتخابية تقتضي وجود أحزاب كبرى وأحزاب صغرى مثلما هو الحال بكل بلدان العالم.

ثغرة التمويل الخاص مع عقوبات غير رادعة

إضافة إلى عدم قدرة الأحزاب الصغرى والقائمات المستقلة والقائمات الشبابية على استقطاب أصحاب الأموال من اجل دعمهم خلال حملاتهم الإنتخابية، فإن القانون الإنتخابي، رغم تحديده لقيمة التمويل الخاص الممنوح، إلا أنه لا يحدد عدد الممولين مما يفتح الباب أما تعويل الأحزاب الكبرى على عدد الممولين لا فقط على قيمة المنحة المقدمة. وفيما يلي نص الفصل المنظّم للتمويل الخاص:

يُعتبر تمويلا خاصا كلّ تمويل نقدي أو عيني يكون مصدره متأتياً من غير القائمة المترشحة أو المترشح أو الحزب.

ويمكن تمويل الحملة لكل قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب من قبل الذوات الطبيعية دون سواها، بحساب عشرين مرّة الأجر الأدنى المضمون في القطاعات غير الفلاحية للفرد الواحد بالنسبة إلى الإنتخابات التشريعية وثلاثين مرّة بالنسبة إلى الإنتخابات الرئاسية والإستفتاء، وذلك لكل قائمة مترشحة أو مترشح أو حزب.

الفصل 73

ورغم أن القانون الإنتخابي يؤكد في فصله عدد 76 أنه “يحدد كل من السقف الجملي للإنفاق على الحملة الإنتخابية أو حملة الاستفتاء، وبموجب أوامر حكومية بعد استشارة الهيئة”، إلا أن عددا كبيرا رأوا في عدم تحديد عدد المانحين ظلما للأحزاب الصغرى وفرصة للأحزاب الكبرى للإستفادة قدر الإمكان من تبرعات أصحاب الأموال.

ولم ينفي مرشح حركة النهضة عن جنوب فرنسا ناجي الجمل مسألة هيمنة الأحزاب الكبرى وإمكانية استفادتها القصوى من التمويل الخاص حيث صرح لنواة أن:

الأمر لا يخضع لأية مساءلات إذا كان في إطار القانون والأحزاب الكبرى التي تتمتع بدعم من أنصارها ومن رجال الأعمال وغيرهم المنتمين لها ليست عليها أية مؤاخذات. وهنا يجب الإعتراف بوجود أحزاب كبرى وأخى متوسطة الإمكانية وذلك بالنظر إلى تاريخ كل حزب وقدرته على بناء هياكله وتطويرها.
ناجي الجمل، مرشح حركة النهضة عن جنوب فرنسا

وحول ما يشاع من أخبار عن استفادة حركة النهضة من تمويلات أجنبية وتحديدا من دولة قطر أجاب ناجي “من لديه دليل فليقدمه أو فليصمت، حركة النهضة تسعى دائما لاحترام القانون فيما يتعلق بالمسائل المالية ومن ينشر هذه الشائعات عليه أن يتثبت من مصادر أخباره.”

من جهته أكد المترشح عن حزب التكتل المولدي الرياحي أنه “من الطبيعي أن تسعى الأحزاب إلى دعم خزينتها من خلال الاتصال بأصحاب الأموال شرط أن يتم توثيق الهبات وتقديم كشوفات بخصوصها لدائرة المحاسبات في إطار الشفافية وهذا الأمر لا يمس أبدا بمسألة تكافؤ الفرص نظرا لأن كل الأحزاب مدعوة لبذل جهود لإنجاح حملاتها الإنتخابية.”

ورغم أن الفصل 75 من القانون الإنتخابي يمنع نهائيا الإعتماد على التمويل الأجنبي خلال الحملات الإنتخابية إلا أن هذا الفصل يمكن تجاوزه بسهولة عبر التحيل في تحويل الأموال وإيصالها إلى الأحزاب بطرق ملتوية وهو الأمر الذي نبهت إليه عديد المنظمات التي تعنى بمراقبة الإنتخابات.

من جهة أخرى تحدث المترشح عن الحزب الشعبي التقدمي هشام حسني عن عدم أهمية كل هذا القوانين المنظمة لتمويل الحملات الإنتخابية نظرا لإمكانية تجاوزها بسهولة على خلفية عدم أهمية العقوبات المسلطة على المتجاوزين حيث تتمثل في الآتي:

تسلط محكمة المحاسبات عقوبة مالية تتراوح بين خمس مائة دينار وإلفين وخمسمائة دينار على المترشحين أو القائمات المترشحة او الأحزاب السياسية التي تعمد عرقلة على أعمالها بالتأخير في مدها بالوثائق المطلوبة لإنجاز الأعمال الرقابية الموكولة لها.
كما يمكن للمحكمة تسليط عقوبة مالية تتراوح بين ألف دينار وخمسة آلاف دينار على المترشحين أو القائمات المترشحة أو الأحزاب السياسية التي تخالف الأحكام الواردة بالفصول 74 و 79 إلى 81 من هذا القانون.الفصل 94

واعتبر عدد من المترشحين للإنتخابات أن هذه العقوبات قاسية ورادعة فقط بالنسبة للأحزاب الصغرى والقائمات التي لا تملك تمويلا في حين تعتبر غير ذات أهمية بالنسبة للأحزاب الكبرى، بل يمكن اعتبارها مشجعا على التزوير والتحيل.

رغم سعي الهيئات المشرفة والحكومة إلى إنجاح الرهان الإنتخابي القادم وتجنب السقوط في مستنقع المال السياسي القذر إلا أن المؤشرات الاولية تنذر ببوادر حملات انتخابية مبكرة تم خلالها تنظيم اجتماعات شعبية مُكلفة لن يتم احتسابها. كما أن عدم قيام دائرة الحسابات بتقديم كشوفات الأحزاب للحملات الإنتخابية السابقة والإخلالات التي تمت خلالها يطرح تساؤلات حول قدرتها على التصدي للمال السياسي الفاسد والتمويلات الأجنبية خلال الإنتخابات القادمة.