ما وراء شيطنة الحراك الاحتجاجي: ضرب التعددية ووصم اللاسلطوية

تتملّص حكومة يوسف الشاهد في كلّ مرّة من مسؤوليّتها عن تردّي الأوضاع في البلاد وتلقي بفشلها على شمّاعة المواطنين “المُخرّبين” أو الأحزاب المعارضة وذلك بشيطنة الاحتجاجات والانتصار لنظرية المؤامرة، وهو ما فعلته جميع الحكومات السابقة ومنها حكومة حمادي الجبالي إثر أحداث الرشّ في سليانة باتّهام الشهيد شكري بلعيد بالتحريض على العنف. أكّدت الاحتجاجات الأخيرة ضدّ قانون الميزانية أنّ المسار الثوريّ مازال متواصلا وأن أجيج الغضب تجاه السلطة لم يخبو ولن يخبو مادامت الدولة تقمع الاختلاف والأفكار المزعجة. شيطنة الاحتجاجات من قبل حزبي النهضة والنداء هو محاولة لحصر السلطة في دائرة النافذين.

”فاش نستناو“، حراك احتجاجي يُجابه بقمع بوليسي

نظّمت حملة ”فاش نستناو“، والتي تضمّ فصائل طلابيّة لأحزاب يسارية وناشطين من مجموعة ”مانيش مسامح“، الثلاثاء 9 جانفي، مسيرة سلميّة أمام المسرح البلدي بتونس العاصمة احتجاجا على القمع البوليسي ضدّ نشطاء الحملة وضدّ التحركات الاحتجاجية الرافضة لقانون ميزانيّة 2018 والذي راح ضحيّته الشهيد خمسي اليفرني بمدينة طبربة. رفع المحتجون شعارات من قبيل ”الشعب يريد إسقاط قانون المالية“ و”سرّاقين بلادنا قتّالين أولادنا“ و”وزارة الداخلية وزارة إرهابية“. ومن أهمّ المطالب التي ترفعها حملة ”فاش نستناو“ إحداث خطّة وطنيّة شاملة لمحاربة الفساد وتوفير التغطية الاجتماعية والصحية للعاطلين عن العمل والتخفيض في أسعار المواد الأساسية والتراجع عن فكرة خصخصة المؤسسات العموميّة والترفيع في منح العائلات المعوزة ومراجعة السياسيات الجبائيّة.

”ثلاثين وأنا حاير فيك“ لتوفيق الجبالي: جنس، دين وسياسة لتحرير اللامنطوق

”ثلاثين وأنا حاير فيك“ هي توليفة لمسرحيّات سابقة لتوفيق الجبالي ولكن بروح جديدة وبنص يختلف عمّا سبقه، هي احتفاء بمرور ثلاثين عاما على تأسيس فضاء التياترو الذي يستمدّ وجوده من الفنّ المارق على معايير الرقابة والمتمرّد على العاديّ والدائس على الخطوط الحمراء. توفيق الجبالي في ”ثلاثين وأنا حاير فيك“ مكّن المشاهدين من التلصّص على الأفكار التي تحوم داخل رأسه، وعلى حيرته التي رافقته طيلة مسيرته المسرحيّة المُترعة بالتجارب والتي يمكن القول أن من أهمّ ميزاتها تثوير الخطاب المسرحي وخلق جماليّات جديدة على المستويات الفنيّة والسينوغرافيّة والإخراجيّة. ”ثلاثين وأنا حاير فيك“ تثور على واقع الأشياء بسخرية توفيق الجبالي من المفاهيم والسلطة، سخرية تصنع من المستحيل مُمكنا ومن العاديّ فنّا.

”فرايجيّة“: عندما تعتقل وزارة الثقافة الفن، ينفجر البديل

في ظلّ غياب سياسة ثقافية قادرة على استيعاب الحركات الفنيّة الخارجة عن نطاق الدوائر الرسميّة الضيّقة، تبدو مقاربة الدولة للشأن الثقافيّ خالية من التجديد ومن فهم واضح لديناميكيّة المشهد الفنيّ، وهي قائمة على إخضاع الثقافة وتشكيل معانيها في أفق السياسة الحكوميّة. عندما تعتقل وزارة الثقافة، الثقافة، تتفجّر حركات فنيّة خارج أسوار المباني الضخمة، حركات لا تعترف بالتعقيدات البيروقراطيّة. بصفر ميزانية، اجتمع فنانون وسينمائيّون شبان وأطلقوا مبادرة ”فرايجيّة“ في ردّ واضح على ثقافة الدولة الرسميّة الداعمة للمُهادن والمهمّشة للمُزعج.

منية بن جميع: ”قانون مكافحة العنف ضدّ المرأة سيمهّد لإلغاء القوانين التمييزيّة“

يعد القانون الأساسي للقضاء على العنف ضدّ المرأة من أهمّ القوانين التي صادق عليها البرلمان التونسي بالإجماع في 26 جويلية 2017. لكن يبقى المشكل الأساسي في تطبيقه، خاصّة وأنه سيدخل حيّز التنفيذ في فيفري المقبل دون أن يُرصد له جزء من ميزانية 2018. في هذا السياق كان لنواة حوار مع منية بن جميع، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، تطرّقنا خلاله إلى أهمّ الأحكام الواردة بالقانون وآليات تطبيقه ومدى التزام السلطات المعنيّة بتفعيله، إضافة إلى العودة على الجدل حول مصطلح ”النوع الاجتماعي“ الذي رافق النقاشات حول القانون.

رادس: سينما قلال تفتح أبوابها من جديد وسط أزمة قاعات السينما

اليوم، لدينا 12 قاعة سينما مفتوحة، انضافت لها قاعة جديدة هي سينما قلال التي ستفتح أبوابها يوم 21 ديسمبر بمناسبة الأيّام السينمائيّة برادس بعد أن كانت مغلقة طيلة 25 سنة. تتمركز أغلب قاعات السينما في تونس العاصمة بعد أن كانت لدينا قرابة الـ100 قاعة موزّعة على كامل تراب الجمهوريّة أغلقت أبوابها منذ الثمانينات من بينها الأطلس بصفاقس وفوكس والنجمة بسوسة والكازينو بجندوبة وغيرها. تناقص عدد قاعات السينما يعكس الأزمة التي يعانيها هذا القطاع بسبب لامبالاة الدولة أمام تغيير الصبغة الثقافية لهذه الفضاءات من قبل مستثمرين خواص إلى جانب عدم رصد وزارة الثقافة لجزء كاف من ميزانيّتها لدعم قاعات السينما وتبجيلها النشاط المناسباتي على البنية التحتية.

مكافحة العنف ضد المرأة: تشريع في إنتظار التطبيق

نظّم الائتلاف الوطني الجمعيّاتي ضدّ العنف، الذي يضم أكثر من 70 منظمة، اليوم الجمعة 15 ديسمبر 2017 ندوة عنوانها “من أجل تطبيق القانون الأساسي للقضاء على العنف ضدّ المرأة”. وقد حَضرها خبراء وخبيرات في القانون وأساتذة جامعيّين من بينهم حفيظة شقير ومنية بن جميع ومنية قاري وأحلام بلحاج، وقد دار النقاش حول آليّات تطبيق القانون مع الأخذ بعين الاعتبار -إلى جانب بعده الجزائي- أبعاده النفسيّة والوقائية.

وزير الثقافة محمّد زين العابدين: فشل، تسلّط ودعاية فجّة

تستند وزارة الثقافة في سياساتها إلى أحكام البيروقراطية الهرميّة وتعتمد في مداولاتها على منطق التقارير الإداريّة. فهي بعيدة كلّ البعد عن الحركة الثقافية الخارجة عن أنماط الثقافة السائدة. هذه هي الفكرة المحوريّة التي من خلالها يمكننا أن نطرح تساؤلات عديدة تدور في فلك علاقة الفرد بـ”الثقافة” كما يريدها القائمون على الشأن الثقافي القاصرين على استيعاب ما يدور حولهم من تحوّلات. وزارة الثقافة هي أيضا مؤسسة رسمية تعبّر بالضرورة عن وجهة النظر الرسمية، نافية بالمقابل كلّ ما من شأنه أن يخرج عن إطار “الثقافة الرسمية”. محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية الحالي كرّس طغيان المؤسسة الرسمية. اليوم، نحن في حاجة إلى تقييم جادّ لسياسة هذا الوزير الذّي تصاعدت الدعوات المُطالبة بإقالته.

مسرحية “المغروم يجدد”: الكافيشانطا والسياسة أو الفن وبورقيبة

الكافيشانطا، ليست مجرّد محلّ عموميّ يرتاده الهاربون من الواقع بتعقيداته والباحثون عن اللهو والتسلية فقط، وإنمّا هو مكان يختزن في ذاكرته جزء من تاريخنا الثقافيّ والسياسيّ في فترة ما بعد الاستقلال وما أنتجته من تحوّلات على جميع الأصعدة نعيش تبعاتها إلى اليوم. الكافيشانطا في مسرحية “المغروم يجدد” للسعد بن عبد الله والحبيب بلهادي تنطلق من كونها فضاء للمتعة والغناء والرقص ساهم بشكل كبير في خلق رموز فنيّة مثل صالح الخميسي وزهرة لمبوبة، لتتحوّل فيما بعد إلى فضاء شاهد على الصراعات داخل الحزب الدستوريّ وعلى انتهاء تجربة التعاضد وعلى خراب الدولة. لم يبق لنا من الكافيشانطا غير بعض الصور المشوشّة حاولت مسرحية “المغروم يجدّد” تذكيرنا بها وتقديمها إلينا بوضوح صادم ومبهر.

رحلة داخل ماخور عبد الله قشّ: التاريخ المنسيّ والحاضر المقموع

البغاء في تونس قبل الاحتلال الفرنسي وحتى بعده هو جزء من التاريخ المنسيّ، وهو من المواضيع المحظورة والمسكوت عنها، فصنّاع الذاكرة الجماعيّة اختاروا عدم الحديث والتأريخ للخدمات الجنسيّة قسريّة كانت أم طواعيّة. لا يكتفي حرّاس الأخلاق والذائدين عنها بالتعامل مع تاريخنا بانتقائيّة وتعسّف سلطويّ، بل يبرّرون ذلك استنادا إلى مقولات دينيّة واستدلالات غير منطقيّة تستمدّ شرعيّتها من الفكر الأرثوذكسي الإسلامي السنيّ تحديدا على اعتبار أن المذهب الحنفيّ كان أكثر تسامحا في التعامل مع البغاء ونتحدّث هنا عن زواج المتعة الذي يعتبره البعض وجها من أوجه البغاء. اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعين سنة تغيّرت جغرافيا المواخير بعد غلق أغلبها إثر هجمات السلفيّين، ولكنّ وضع عاملات الجنس الممزوج بالاستغلال والتهميش منذ الأزل، رغم إشراف وزارة الداخلية على هذا النشاط، لم يتغيّر ولم تتغيّر معه الخطابات الدينية والأخلاقية المعادية لهنّ. سنحاول في هذا التحقيق ولوج عالمهنّ الصغير المشحون أحلاما وقصصا مُستندين إلى تساؤلات عديدة سنحاول الإجابة عنها تباعا.

أيام قرطاج السينمائية: أزمة الاستقلالية وارتباك الهوية السياسية

يتجدد النقاش مع كل دورة لأيام قرطاج السينمائية حول الهوية السياسية لهذا المهرجان الذي تأسّس استنادا إلى مرجعيّات سياسية وثقافية تنهل من معين الفكر اليساري وتتخذ من النضاليّة أساسا لها. فالمهرجان تأسس سنة 1966 بعد انعقاد مجلس وزاريّ مع وزير الثقافة آنذاك الشاذلي القليبي وبدفع من بعض مؤسسي الجامعة التونسية لنوادي السينما وعلى رأسهم الطاهر شريعة (صاحب الفكرة) والجامعة الفرنسية لنوادي السينما المحسوبة على الحزب الشيوعي الفرنسيّ. لم يحل الخلاف الإيديولوجي بين الجامعتين على التوحد من أجل بعث مهرجان يُعنى بالسينما الإفريقية والعربية ويحتفي بمبدعيها المغمورين. إلى اليوم مازالت أيام قرطاج السينمائية تحاول الحفاظ على هويتها السياسية وتوجهها العام المنتصر لدول الجنوب لكن أزمة الاستقلالية ومخاوف التوظيف السياسي وإمكانيّة الانحراف عن جوهر الفكرة المؤسسة تلاحقها.

هل ابتلعت الموسيقى السائدة الموسيقى البديلة في تونس؟

هل يُمكن للبديل أن ينصهر ضمن السائد؟ وهل نجحت الموسيقى السائدة في تذويب الموسيقى البديلة وسلبها خصوصيّاتها وهي في أوج بروزها؟ كثيرا ما تُطرح هذه التساؤلات وغيرها في كلّ مرة يصدر فيها إنتاج جديد لفنانّين يطرحون أغنياتهم ضمن ما يُسمّى بـ”الموسيقى البديلة”. سنضع تحت المجهر الأغنية الجديدة لأسماء عثماني وبندير مان “شعبي”، سننطلق منها للحديث عن مصطلح الموسيقى البديلة في علاقته بالسائد. يجب التنويه إلى أننا سنعتمد هنا على مصطلح الموسيقى البديلة رغم وجود مصطلحات أخرى مثل الأندرقرواند والموسيقى المستلقة والتي يمكن أن تتقاطع معها في نقاط عديدة وتختلف عنها أيضا إذا ما نظرنا إلى السياق السياسيّ وإلى مسارات الإنتاج.

جدل ”قضيّة القبلة“: الأخلاق الحميدة، عصا السلطة لضرب الحريّات الفرديّة

لا تأخذ النصوص القانونية في تونس بعين الاعتبار والاهتمام مسألة الحريّات الفرديّة، رغم التنصيص عليها في دستور الجمهوريّة الثانية سواء في ديباجته أو في فصله الـ21، فالمجلة الجزائيّة تحصر هذه الحريّات بفصول فيها الكثير من السلطويّة الذكوريّة والدينيّة. تغيب عن معظم فصول هذه المجلّة التي يعود تاريخ صدورها إلى سنة 1913 -خاصّة المتعلّقة منها بالجرائم الجنسية- آليّات حمائيّة محدّدة ومضبوطة مهمّتها الحدّ من الرقابة المفروضة على حريّة الأشخاص. تجدّد الجدل حول مسألة الحريّات الفرديّة إثر ما عُرف بـ”قضيّة القبلة“ ليُعيد معه أزمة العبارات الفضفاضة والقابلة للتأويل في المجلّة الجزائيّة مثل ”الأخلاق الحميدة“ و”خدش الحياء“ و”التظاهر بالفحش“ و”هضم جانب موظف عمومي“ والتي يوظّفها جهاز الدولة للسيطرة على الأجساد الفالتة.

”خوف“ للفاضل الجعايبي: العاصفة لا تعدنا سوى بالفناء

لم يَحتمِ الفاضل الجعايبي بأي شيء عند كتابته وجليلة بكّار مسرحية ”خوف“ التي تعدّ امتدادا لمسرحية ”عنف“، بل ترك رأسه عاريا كي تقع عليه الانطباعات والانتقادات والقراءات المُختلفة بفعل عاصفة استعار دلالتها من الواقع وشدّتها من الطبيعة. ”خوف“ نفذت بنا إلى عوالم تُشبهنا، نعرفها واعتدنا عليها حتى صارت جزءا من يومنا المُعاش. أزمة السلطة والصراع من أجل البقاء والخوف من المجهول لم تعد أشياء مثيرة للعجب والدهشة، وحدها المعالجة الفنيّة تعطيها أبعادا أكبر وتصوّرات أعُمق. حاول الجعايبي في مسرحية ”خوف“ التي عرضها في قاعة الفنّ الرابع ضمن سلسلة من العروض المتواصلة على امتداد شهر أكتوبر، أن يروي لنا حكاية مشحونة بالدلالات والمشاعر المتناقضة، كما حاول أن يقوم بحفريات في العدم والحب والفناء والحياة هدفها استفزاز وعي المتفرّج.

“عروس وسلات”: عندما يعرّي الجسد التضادّ المزدوج عفيفة/عاهرة، فحل/مخنّث

بخطوات وحركات غير “محتشمة” دفع رشدي بلقاسمي جسده نحو منطقة حمراء. أصغى إلى جسده الرمزيّ أوّلا ثمّ إلى جسد الآخر لتتماهى رقصته مع التعبيرة الجنسيّة في كامل وضوحها وفرادتها. “عروس وسلات”، التي قدّمها رشدي إلى الجمهور ضمن فعاليّات الدورة السادسة لمهرجان “دريم سيتي” وتحديدا في حمّام الطمّارين بباب جديد، ليست فقط عملا فنيّا تكتمل فيه جميع المحدّدات الاستطيقية بل هو أيضا نسق فكريّ وتاريخيّ يُرينا كيف تحوّل الجسد إلى موضوع أوّل للسلطة الدينيّة والسياسيّة، للموبقات والمحرّمات. “عروس وسلات”، فتح الأعين المُغمضة عنوة وطواعية على الاتّجاه الرمزيّ لجسد تحكمه ضوابط أخلاقيّة وممارسات شعبيّة تحصره في خانة “المدنّس”.

Inscrivez-vous

à notre newsletter

pour ne rien rater de nawaat.org