بقلم راضية الشرعبي،

أضحى الإعلام ركيزة أساسية في بناء الدولة بل بات من مقومات ورموز السيادة الوطنية. إذ يعتبر السلطة الرابعة إن أريد له أن يمارس سلطته. للإعلام دور مهم في شرح القضايا وطرحها على الرأي العام من اجل تهيئته إعلاميا، لتقبل التوجهات العامة للدولة. ولا يمكن للإعلام أن يمارس هذا الدور إلا إذا حقق قدرا كافيا من الحرية والتحرر من القيود التي قد تمارس عليه من أي جهة كانت.

لم يعد خافيا على أحد ما عاناه الإعلام التونسي من قيود وممارسات سلطوية فرضت عليه الدخول في قوقعة التعتيم من جهة والتمجيد و تضليل الرأي العام من جهة أخرى. فهل حقق الإعلام، بعد الثورة التونسية الحرية المنشودة و الدور المنوط به ؟ هل ما تشهده الساحة الإعلامية التونسية بمختلف وسائلها الإعلامية ثورة إعلامية تقطع مع الماضي بتعتيمه وتمجيده وثلبه وبعده عن الميثاق الصحفي؟ أم أن ما نشهده من حرية ما هو إلا تعبير عن إعلام الثورة التي لم تكتمل بعد و هل أن حرية الإعلام مازالت هي الأخرى لم تكتمل بعد؟ هل ما زال الإعلام التونسي بعيدا عن الدور الأساسي؟ حققت الثورة الشعبية التونسية مصالحة بين الشعب والإعلام. أعادت الثقة بين الطرفين عاد المشاهد التونسي يبحث عن الخبر الدقيق بين شاشات التلفزات التونسية وبقية الوسائل الإعلامية.

وصار الصحفيون والإعلاميون يبحثون عن الخبر المجرد وينشرونه خاما بكل حرية دون أي خلفية. ولكن هل أن الحرية الموجودة الآن في الإعلام الحكومي وحتى الخاص حرية مطلقة لا تطال فقط رموز النظام السابق بل حتى القوى الفاعلة على الساحة الوطنية ؟ إن المتأمل في المشهد الإعلامي منذ الثورة إلى الآن يجد سيطرة ما يسمى بتصفية الحسابات مع الماضي بكل أطيافه.

فجهة تبحث عن ماضي النظام المخلوع وأعوانه وأخرى تبحث في ماضي خصم إعلامي أو سياسي أو إيديولوجي دون الاكتراث بميثاق العمل الصحفي.

صحيح أن الخطاب الإعلامي ظاهريا تغير بعض الشيء لكنه سقط في مستنقع المزايدات والكل صار ثوريا لم ينتظر الثورة حتى يمارس حرية في ظل الظلم والتعتيم. تغير الخطاب شكلا لكن المضمون ذاته بل كثرت مقالات الثلب والتهجم على الآخر بعتلة انه ممن صفق للمخلوع أو أنه ممن لم يؤمن بالثورة. الكل صار ثوريا حتى مقالات الثلب لبست حلة الثورة وصارت ثورية.

تغير المضمون لكن الخطاب نفسه فبعد أن كان يمجد بن علي وعهد التغيير صار الإعلام يمجد الثورة و العهد الثوري و أصبحت عبارة ” بفضل الثورة المجيدة ” تسجل حضورها في كل الافتتاحيات أو نشرات الأخبار أو المقابلات التلفزية.

صحيح أن الثورة لم تكتمل بعد وأن ثمارها لم تجنى ولن تجنى إلا بعد استقرار الدولة وتكوين مؤسساتها من برلمان منتخب وحكومة ورئيس منتخب يعبِّـر عن أهداف الثورة ويقطع مع الممارسات الماضية، على سبيل توظيف المنافذ الإعلامية من صحف وقنوات فضائية.

ومثلما أن الثورة لم تكتمل فان حرية الإعلام ومهنيته لم تكتمل هي الأخرى إذ تعيش فترة مخاض في اتجاه تحقيق ثورة داخل العقول تمسح ما علق بها من شوائب أساءت للإعلام التونسي وجعلت منه أداة تعتيم وتظليل للرأي العام. ولكن لا أحد ينكر التغيير و لو شكلا في العمل الإعلامي.

لا يخفى على احد أن الإعلام هو الذي سيشكل الخارطة السياسية التونسية خاصة و انه سلاح استراتيجي وفعال في تهيئة الرأي العام حول فكرة أو آلية معينة، وما يسمى بالحملة الإعلامية يجب أن توظف في الاتجاه الصحيح بعيدا عن التوجهات العامة لأي طرف. و رسالتي للإعلام التونسي أن يعطي البعد الوطني للثورة التونسية على أساس أنها فعلا داخليا بإرادة شعبية نحو بناء تونس كتجربة مثلى لبقية الثورات التي ما زالت تتحسس الطريق. فالعيون ما تزال شاخصة للحكم على التجربة التونسية الأولى في العالم العربي. وهنا لا نعني التجربة السياسية بالمعنى المجرد للكلمة ولكن أيضا بناء تجربة إعلامية تونسية تقطع مع اللامهنيَة والثلب و تؤسس لتدابير تحصن حرية الصحافة و الإعلام من التراجع أو الانتكاسة إلى عهد التعتيم والرقابة والتضليل الذي كان مفروضا. على سبيل المثال وضع ميثاق لحرية الصحافة و تفعيل دور النقابات الإعلامية و لما لا هيئة عليا لحماية مكتسبات الحرية الإعلامية و تجنبها الأخطاء أو الانتكاسات على غرار الهيئة العليا لحماية مكتسبات الثورة.

لا يمكن فصل العمل الإعلامي عن العمل السياسي لذلك وجب على كل العاملين في الحقل الإعلامي الابتعاد عن الشخصنة الإعلامية والانفعالات والابتعاد عن منطق تصفية الحسابات لتجنيب البلاد المواجهات الحزبية على اختلاف التوجهات الإيديولوجية. ومثلما أننا نريد قضاءا مستقلا و قانونا لا يخدم طرف على آخر فإننا نريد أيضا إعلاما مستقلا لا يكون طرفا في نزاع ما مهما كان شكله لخدمة طرف سياسي دون آخر وهنا نقصد الإعلام المستقل والإعلام الحكومي.