بقلم إبن آدم

كتب الهاشمي الحامدي نصًّا [1] نشره في تونس نيوز. فتسارعت تفاعلات المنتمين لحركة النهضة. فمنهم من كتب حسب إيمانه وعقليّته وطموحاته ومصالحه ومشاعره ومنهم من بقي في حيرة يتابع الأخبار في نشرات تونس نيوز آملا أن يجد الجواب الشافي لتدخّل الحامدي في مصير حركة النهضة.

لم يكن سهلا معرفة موقف حركة النهضة تجاه مشروع أو مشاريع الحامدي وكان على القارئ الإجتهاد حتّى إن لم يكن من أهل الإجتهاد واستعصى الأمر لفهم الحدّ الأدنى. فالذي كان يريد الإتّباع وجد نفسه في متاهات – سيقولون فكريّة – لا طاقة له بها. وفي كلّ يوم تأتي في نشرة تونس نيوز أقوال المتدكتر والمتفقهن والمتسيّس والمتصحفن فمنهم المؤيّد ومنهم المناهض لدعوة الحامدي.

إنّ الحامدي يعلم يقينا من هم قرّاء تونس نيوز ويعلم يقينا أحوالهم وخاصّة حالتهم النفسيّة. فغريزته الإنتهازيّة جعلته يسخّر تونس نيوز كوسيلة وقرّاءها كجمهور ليصبح هو المحور الوحيد للكتابة والنقاشات بين الإسلاميّين.

وبقي أبناء حركة النهضة في مخاض حتّى جاء البيان الرسمي لحركة النهضة [2] من مكتبها السياسي بعد 21 يوما من الإنتظار. إنّ هذا البيان لا يزيل حيرة الحائرين وليس فيه من قول الفصل شيئا. فكلّ من يقرأه ممكن أن يتصوّر موقفا من المواقف المحتملة لحركة النهضة. هذه هي لغة الخشب المعتمدة عند رجال السياسة في الغرب في المسائل الحرجة. كأنّ أعضاء المكتب السياسي تأثّروا بهم فأصبحوا يتكلّمون بأسلوبهم وكأنّهم يقومون بحملة إنتخابيّة لإحتواء كلّ المنتمين لحركة النهضة.

بودّي أن أسأل القرّاء الكرام: ما رأيكم في هذا الأسلوب؟
وبودّي أن أسأل المنتمين لحركة النهضة: بماذا أفادكم هذا المكتب السياسي؟

لقد لاحظ الجميع عدم تدخّل الشيخ راشد الغنّوشي في هذه المسألة. وجاء البيان بإمضاء رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة في حين أنّ بيانات النهضة كلّها بإمضاء الغنوّشي حتّى تلك التي لا يقبلها العقل خاصّة في بداية التسعينات. والشيخ الغنّوشي دائما يدافع بكلّ ما يملك من طاقاته على كلّ مواقف المكتب السياسي ويتبنّاها. إذا كان البعض من أعضاء المكتب السياسي يظنّ أنّه قد تعمّق في السياسة بحيث يمكنه الإستغناء على الشيخ الغنّوشي فهذه قمّة الحماقة. ألم يؤيّدهم الغنّوشي في بداية التسعينات؟ فلماذا ينقلبوا عندما تدخّل الحامدي في سياسة النهضة؟

أمّا عن المصالحة فقد تمّت في السابق سنة 1988 بين الحركة الإسلاميّة بتونس وحاكم البلاد وكلاهما عنده التجربة العمليّة وعلم اليقين في المصالحة. فإنّه من الوقاحة أن يأتي أحد ليلقّنهم كيفيّة المصالحة وإن كان صادقا. فالمصالحة التي تمّت في السابق كانت مقبولة من الطرفين ومن كلّ الشعب التونسي. كما جاء في المثل الشعبي: “اسأل مجرّب وما تسأل طبيب”. إنّ حاكم البلاد كان مجبرا للسعي للمصالحة لأنّه كان يعلم يقينا أنّ الحركة الإسلاميّة كالرجل الواحد. أمّا اليوم بصراعاتها الداخليّة أصبحت من ضعف إلى ضعف. فلو تأتي مصالحة مع حاكم تونس ستكون لصالح فئة ضدّ فئات أخرى. وعندها سيُفتح سجلّ الخيانة والعياذ بالله. فالأعمال تأخذ بخواتيمها. حركة النهضة عليها أن ترجع على ما كانت عليه في الثمانينات وتترك اللّهث وراء المكاسب السياسيّة – إن كانت فعلا مكاسب – فوحدة صفوفها لا يوازيه أيّ مكسب سياسي على الإطلاق.

[1] د محمد الهاشمي الحامدي: الأولوية الرئيسية في تونس إطلاق سراح المساجين الإسلاميين وتطبيع وضع الحركة الإسلامية
http://www.tunisnews.net/24avril05.htm

[2] حركة النهضة بتونس: تفاعلا مع بيان د. محمد الهاشمي الحامدي
http://www.tunisnews.net/17mai05.htm