المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

gouvernement-essid

أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي يوم السبت، حالة الطوارئ في تونس لمدة ثلاثين يومًا.

هذا القانون يعود إلى سنة 1978، ويرتبط بحالة الصراع حينها بين الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والاتحاد العام التونسي للشغل كبرى المنظمات النقابية في تونس.

ورغم قول الرئيس التونسي في كلمته التي توجه بها إلى الشعب التونسي إنّ اعلان حالة الطوارئ الغاية منها التوقي والتصدي للإرهاب، والحفاظ على الدولة التونسية، متعهدًا بإحترام الرأي والتعبير، وخاصة حرية الصحافة، لكنّه في المقابل حذر من التعاطي الإعلامي التونسي مع ظاهرة الإرهاب، وهو ما جعل البعض يتخوف من أن إعلان حالة الطوارئ قد تكون مدخلاً للتضييق على الحريات العامة والخاصة.

هذا القرار-الفجئي-( إعلان حالة الطوارئ في البلاد) أثار مخاوف المواطنين التونسيين، كما فاجأ الأحزاب والقوى السياسية، بما في ذلك حركة “النهضة”، ودفع بالأطراف المهتمة بتونس إلى التساؤل حول المستجدات التي دفعت الرئيس التونسي إلى اتخاذ هكذا قرار.

ويأتي إعلان الطوارئ إثر عملية سوسة الإرهابية التي هزت الدولة والمجتمع، كما يأتي في وضع اقتصادي واجتماعي محلي صعب ومعقد، مع ارتفاع مطالب العمال والنقابات، وهو ما يفسّره البعض بأنه من العوامل التي دفعت السبسي إلى اتخاذ قراره، لفرض هدنة على النقابات.وقد بدا واضحاً أن الدولة التونسية ليس باستطاعتها أن تواجه حرباً مكلفة مع الإرهاب من جهة، وأن تستمر في تحمّل أعباء الضغوط الإجتماعية ووسائلها المؤلمة من جهة أخرى.

وبغض النظر عن هذا القرار، فإنّ الخطاب الذي ألقاه-الرئيس الباجي-لم يكن-في تقديري-مقنعاً بالصورة التي تجعل الأمر من قبيل الضرورات التي نص عليها الدستور، ونعني “حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة ” فما قدمه الرئيس-الباجي-من أسباب حول انتشار البطالة وارتفاع معدلات الإضراب بشكل غير محدود، أو ما حصل من عمليات إرهابية مسّت قطاع السياحة بضرر بالغ، ليست من المستجدات الطارئة في المشهد التونسي العام.

فالوضع الاجتماعي المتأزم لا يمكن التعامل معه بقوانين استثنائية، بقدر ما يتطلّب معالجة واقعية متأنية، تستوجب التواصل مع القوى الاجتماعية المؤثرة، مثل اتحاد الشغل واتحاد الأعراف وطرح القضية من خلال ما تتطلّبه من إمكانات الدولة الاقتصادية والمالية، وبصورة شفافة، حتى يقتنع الجميع بضرورة الوصول إلى هدنة اجتماعية، أصبحت ضرورية في الظرف الحالي.

أما بخصوص الإرهاب ومدى خطورته على المشهد السياسي التونسي خصوصا بعد عمليتي باردو وسوسة اللتين أربكتا المشهد السياسي والإجتماعي على حد سواء، فإن إعلان الطوارئ لن يضيف إلى المعالجة الأمنية اللازمة شيئاً، ذلك أن الأداء الأمني المتواضع في التصدي للظاهرة يقتضي مراجعة آليات العمل، وتحديد استراتيجيا شاملة، من أجل إطاحة الشبكات الإرهابية من ناحية، وأيضاً تجفيف مصادر الإرهاب بمحاربة سبل الاستقطاب ودوافعه، وهو أمر أثبتت القرارات الحكومية الأخيرة أنها لا زالت غير قادرة على التعامل معه، فإغلاق مساجد أو إقالة أئمة ليس حلاً في أحيان كثيرة، بل قد يكون عاملاً لإيجاد مزيد من الدوافع التحريضية التي يستطيع، من خلالها، أتباع هذه المجموعات المسلحة ومناصري الفكر التكفيري إقناع بعض الشباب بأن الإسلام مستهدف في تونس.

ولكن..

على الرغم من أن معظم المرحلة السابقة من يوميات الثورة التونسية قد خضعت لقانون الطوارئ، لكن المؤكد أن التحدي الأمني بعد عمليتي باردو وسوسة قد فرض نفسه من جديد، وهو ما دفع السبسي إلى البحث عن تعبئة الرأي العام للوقوف بجدية وراء الجيش والشرطة لمواجهة المخاطر الإرهابية.ولكنه في سياق استعراض مبررات إعلان حالة الطوارئ، ذكر السبسي عند إعلان الطوارئ أنه في حال حدوث عملية إرهابية أخرى، فإن “الدولة ستنهار”، وهو كلام يدل على حجم الكارثة التي حصلت في سوسة، كما يعكس ضخامة المخاطر التي تهدد تونس خلال الأيام والأسابيع المقبلة، في ظل انفجار العنف في المنطقة.وكأني به(السبسي) يقول لنا جميعا بأنه والفريق الذي معه مضطران إلى الدخول في أي صيغة أمنية وعسكرية من شأنها أن تساعد تونس على التصدي لخطر الإرهاب مهما كانت كلفتها، وذلك في سبيل الحفاظ على بقاء الدولة واستمرار الوطن التونسي.فعباراته التي استعملها في كلمته جاءت مثقلة بالشعور بالمسؤولية تجاه مرحلة مفصلية في تاريخ هذا البلد.فتونس لا تملك قدرات مصر أو العراق وسورية، ولم تكن مهيأة في مرحلة من مراحلها الحديثة لخوض حرب حقيقية مع التنظيمات الإرهابية التي تتمتع بقدرة على استنزاف خصومها على المديين المتوسط والبعيد.

والسؤال..

ألا يعبّر هذا القرار ( إعلان حالة الطوارئ في البلاد) عن فشل أداء الحكومة التي يرعاها”سي الباجي”، والمُشَكّلة في غالبها من المنتمين إلى حزبه، وعجزها عن تصريف الأزمات المتنوعة التي تشهدها البلاد، وهو ما يفترض التفكير جدياً في إعادة تشكيلها على أسس جديدة، وإذا كان الأمر لا يتعلّق بطبيعة أداء رئيس الحكومة نفسه، من حيث أنه لم يجد الفرصة للتصرف بصورة مريحة أمام الحضور الطاغي لبعض الوزراء، ذوي الأداء المتواضع في وزاراتهم.؟

ما أريد أن أقول؟

أردت القول أنه على الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على تشكيل الحكومة التونسية، برئاسة الحبيب الصيد، يبدو أنها ما زالت تبحث عن نفسها، وعجزت عن إيجاد الآليات المناسبة لإدارة الوضع العام في البلاد، وهو أمر تجلى في غياب وضوح الرؤية، وانعدام البرامج التي تسمح بإدارة بلد يعاني حزمة من المشكلات والعقبات، ليس أدناها مشكلات الاقتصاد وقضايا الاحتقان الاجتماعي، بالإضافة إلى مشكل الإرهاب الذي يطل بظله الأسود على المشهد العام برمته ..

ما العمل؟

لقد بات لزاما على-حكومة الحبيب الصيد-أن تسعى إلى وضع برامج محددة وواضحة، تعرضها على مجلس نواب الشعب، بعيداً عن الوعود الوردية التي لا يمكنها الإيفاء بها، وأن تحاول إيجاد صيغ للتعامل مع القوى الاجتماعية الكبرى، خصوصاً المنظمات النقابية، لإيجاد سبيل لوقف الإضرابات المنفلتة.وأخيراً، أن تفتح الأفق لحوار وطني شامل، يضم الجميع (قوى مدنية وسياسية)، بغض النظر عن حضورها في البرلمان، لأن حل المشكلات السياسية والاجتماعية الكبرى، وعلى رأسها ملف الإرهاب يتطلّب، قبل كل شيء، توافقاً مجتمعياً، وليس قرارات فوقية قد تؤدي إلى تأزيم الوضع العام، عوضاً عن حل الأزمات وتصريفها.